الآباء والأبناء

حامد راضي Ýí 2007-04-28


قال لى ثائرا : رسب ابنى فى الأمتحان مع أننى لم أبخل عليه بشيء .. غرفة مريحة له فى الشقة ،أفضل الكماليات ، دروس خصوصية ،ومصروف جيب مناسب وكل ما يطمع فيه من الطعام والنزهة وأحدث الملابس ومع ذلك رسب فى الأعدادية ..
قلت له : قد يكون مستوى ذكاءه تحت المتوسط ومهما أجتهد فلا ذنب له .. قال : كلا .. إن مستوى ذكاءه مرتفع ، وليس له مشكلة من أى نوع .. فنحن أسرة متفاهمة وهو يأخذ حقه من الحنان والرعاية ،وليس عليه إلا أن يذاكر ويجتهد ، ولكن كلما أسترق النظر إليه أجد عينيه على الحائط وهو ينتهزالفرصة ليهرب من المذاكرة بأي طريقة.. كما لو أن الجلوس أمام الكتاب تعذيب له ..


قلت له: اجلس معه انصحه وحدثه عن المستقبل الذى ينتظره إذا إجتهد ، لأنك لن تعيش له إلى الأبد ..اجعل من نفسك صديقا له ..
قال :فعلت هذا و أكثر وهو بالمناسبة ولد مهذب ومؤدب وذكى ولكن لا أدرى سبب تلك الخصومة بينه وبين المذاكرة ولا أدرى ما ذا أفعل له .
وسكت قليلا وتنهد ..وقال : لقد بنيت نفسى بنفسى .. بدأت من تحت الصفر ، انتزعت التفوق فى الدراسة من بين أنياب الفقر .. ظللت حتى الثانوية وليس لى سوى قميص واحد ، ولم أرتد بدلة كاملة إلا بعد الوظيفة ، لم أعرف الاستذكار فى الكهرباء إلا فى الكلية ، لم أذق وجبة دسمة شهية إلا بعد الزواج ، لم أخرج فى رحلة أو نزهة إلا بعد الخطوبة .. عشت كفاحا مستمرا حتى وصلت إلى ما وصلت إليه وعزمت على أن أوفر على ابنى كل هذه المتاعب ، ورسمت له الطريق أن يتفوق على الجميع ، أن يعيد تاريخ أبيه وأكثر .. ولكن خاب رجائى فيه ..
قال لى ماذا بيدى أن أفعل له أكثر مما فعلت ؟
قلت له .. إنك نتاج عصرك وابنك نتاج عصره ولكنك أيضا مسئول بعض الشيئ عن رسوب ابنك .. وأستمع إلى النهاية:  إنك نشأت فى بيئة حرمان ، وقهرت الحرمان بإن جعلت لك هدفا هو أن تتعلم وأن تتفوق ، وإلا فليس أمامك إلا أن تعمل فلاحا أجيراً فى أرض غيرك .. لم يحاول والدك أن ينصحك بالمذاكرة ، بل ربما لم يقل لك ولو مرة واحدة ذاكر.. فالواقع أمامك هو الذى يدفعك للمذاكرة .. ليس مجرد الحرمان والرغبة فى الخروج منه ، ولكن يضاف إلى ذلك أمل فى مستقبل مشرق حين تتخرج فى الجامعة متفوقا فتجد فرصتك أمامك حيث لا مجال للواسطة أو المحسوبية ، وحيث يستطيع ابن الحرمان أن ينال حقه بالتفوق وينزوى ابن الأكابر صاغرا لأنه لم ينجح أو لم يتفوق .. كان ذلك فى الستينات .. عصر نهوض أبناء الفلاحين والعمال لأقتناص فرصة التعليم والتفوق .. وانتهى هذا فى عصرنا .. فقد تضخم عدد الموظفين فى الأرض وتضاءلت مرتباتهم وانخرطوا فى فئة الفقراء مستحقي الزكاة ـ إذا كانوا شرفاء بالطبع ـ ولم تعد الدولة قادرة على توظيف المزيد حتى بتلك المرتبات الهزيلة ، وأصبحت الوظائف المميزة بالاختيار والواسطة ومحجوزة مقدماً لأبناء الصفوة والأكابر والأغنياء القادرين على الرشوة .. وليس مهما إن كان متفوقا أو متخلفا المهم مبدأ " فتح عينك تأكل ملبن " ، و" وشيلنى واشيلك " أما الفقراء فليس أمامهم إلا التبطل أو التطرف وقلت له : إن التعليم جعل أبناء الفقراء أكثر وعيا للحرمان الذى يعيشون فيه وأكثر وعيا فى الأمل الذى ضاع فى المستقبل لأن التعليم بالنسبة لهم لم يكن ترفا وإنما مهنة تتيح لهم وضعا أفضل إجتماعيا وإقتصاديا وإذا انخفض أو انعدم العائد الإقتصادى فى الشهادة الجامعية أصبحت عند الفقير لا تساوي قيمتها الورقية بل أصبحت له دافعا للنقمة والتطرف ..
قال : وما دخل ابنى بهذ كله .
قلت : ابنك لم يعرف الحرمان وليس لديه الدافع أو الرغبة فى وضع أفضل لأنه فى الواقع فى وضع أفضل .. وهو ينتظر منك أن توفر له الوظيفة بنفس قدرتك على توفير كل متطلباته ، وهو يعلم أنك لن تبخل عليه بذلك وأنت فى موقعك الهام ، فلماذا يجتهد ويتعب نفسه .. إنه ينتظر منك أن تواصل طريقك فى الاجتهاد فى وظيفتك إلا أن تصبح وزيرا وعندها سيجد أمامه أفضل الوظائف والمشروعات حتى ولو لم يحصل على الأعدادية ..
وخرج صاحبى مسرعا .. ولم يعقب .. وأيقنت.
أنه سيكون وزيرا عما قريب .. من أجل عيون البيه الصغير .

اجمالي القراءات 16013

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   ناعسة محمود     في   الأحد ٢٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6262]

قصة أخرى من الواقع

لقد رأيت هذه القصةمرات عديدة، فهى قصة متكررة من الواقع الذى نعيشه،فمثلا عندما كنت فى قريتى منذ عدة ايام، وهى أحدى قرى الشرقية،حكى لنا أحد سكان القرية قصة مشابه عن ابن عمدةالقرية ، فأبيه رجل حازم ويسيطر على القرية، ويمتلك من الأفدنة الزراعية الكثير والكثير ، وابنه ولد شاب لا يريد سوى ملذات الحياة فقط ، فلقد سرق نسخة من مفاتيح مخازن المحصول،و كان كلما يحتاج للنقود يذهب لمخازن المحصول،ويحمل منه ويبيع وينفق النقود فى ملذاته التى لا تنتهى ،وكان يقول محدثنا أن هذا الولد العاق يفعل هذا فى حياة أبيه، ويتوقع أنه سوف يبيع كل هذه الأفدنة بعد موته ، فهو لم يستطيع أنتظار موته فقام بسرقته لحين تملكه تلك الأراضى ليبيعها.هذه قصة من الواقع أيضا حدثت وستظل تحدث ، فهذاهو حال أغلب الأبناء المترفين،حيث وجدوا كل شيىء تحت أيديهم ولا هدف امامهم يسعون لتحقيقه ،فما حياتهم إلا لهو ولعب وعدم تحمل المسئولية،وهذا أيضا حال الأباء حيث يقومون بتوفير كل شيىء لأبنائهم حتى ولو كان شيىءيمكن الأستغناء عنه أو هو من دواعى الرفاهية التى تجعله يعتمد على أبيه فى توفير كل متطلبات الرفاهية له، فلماذا يعمل ويكد ويجتهد وكل شيىء موفر له ؟..

2   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الأحد ٢٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6274]

التعلم الذاتي لو كان منهج حياة

مقال قصصي اجتماعي يعرض لفكرة نفور
الجيل من التعليم الإلزامي ، فالأب لم
يذاكر و لم يثابر في التعليم إلا لكي
يخرج من طبقته الإجتماعية إلى طبقة
أعلى كما ظهر من خلال الحوار القائم بين
الأب وصديقه ، ولكن لو كان الأب آخذا
قضية التعليم وخصوصاً التعليم الذاتي
كغاية من غايات حياته العليا لكا قد
تأثر به الإبن ونهج نهج والده لو أن
الإبن يرى أبيه يقرأ يومياً لمدة ساعة
أو ساعتين على مدار السنين التي كبر
فيها ابنه ووعى لما يفعله والده لكان
قد تأثر به !!.
فالأب مسئول بدرجة أكبر مما وصفه بها
صديقه .
الإبن يتأثر بالأب ويحاول التوحد معه
في مرحلة الطفولة المبكرة .
للمدرسة دور فعال في حب الإبن للتعليم
أو كرهه للتعليم !!.
المجتمع له دور كبير في نفور التلاميذ
والأبناء من التعليم !!.
الكلام شرحه يطول في الموضوع الإجتماعي
الهام للغاية .

3   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الأحد ٢٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6287]

المعالجه الإجتماعيه العادله..

اخى الحيب الآستاذ حلمى الصوالحى .اكرمك الله على مقالتك الإجتماعيه الهادفه .ولكن دعنى انظر إلها من زاوية أخرى مكمله لتعليق الدكتور محمد شعلان..
واٌولأ ان موضوع الغنى والفقر والرزق بوجه عام (بكل محتوياته من حيث الصحه والعقل والذكاء ووو)هو شىء خارج عن إرادة الإنسان ولا يستطيع التدخل فيه بمعنى تغييره عن مساره الطبيعى .وانه شىء غيبى وبما انه شىء غيبى فعلينا العمل والعمل الجاد لعل وعسى ان نكون من الذين فضلهم الله تعالى فى الرزق..
ثانيا...ليس بالضروره ان كل ابناء الفقراء نابهين ونابغين وكذلك ليس بالضروره ان يكون ابناء الأغنياء اغبياء (سواء غباء طبيعى او مكتسب نتيجة الكسل والإحساس بالمسئوليه)وفاشلين نظرا لترف العيش .فهذه نظرة قد لا يجانبها الصواب فو تأملنا فى تاريخ مصر الحديثه ورواد التنوير فيها سنجد ان معظمهم من ابناء الأغنياء والباشوات مثل سعد زغلول وقاسم امين والطهطاوى وطلعت حرب ووووو ...
وان الفيصل من وجهة نظرى جزء منه كبير وراثى (بمعنى فى تكوين الجينات الوراثيه) وجزء منه مكتسب عن طريق التقويم والتوجيه والإرشاد ..وقد تجد فى نفس العائله سواء كانت عائله فقيره او ثريه فرد عالم ونابغة عصره والآخر فاشل وحرامى ولص ونصاب .او تجد الكل اسوياء او الكل فاشلين إنسانيا وإجتماعيا وهكذاوهكذا ..
فانا ارى ان هذا الطفل موضوع مقالتك يحتاج من والديه إكتشاف المهارات الدفينه فيه وتنميتها وجعل السلم التعليمى فى الدرجه الثانيه او الثالثه .وساعتها لن يحتاج إلى ان يكون وزيرا لكى يضمن لإبنه وظيفة فى السلم الحكومى..
ولك خاص محبتى يأبو ألافكار (الحسناء)
وفى إنتظار مقالة أخرى نعرف منها هل صار وزيرا وماذا حدث لإبنه ؟؟؟

4   تعليق بواسطة   لميس محمد     في   الأحد ٢٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6299]

التدليل الزائد ومحاولة التعويض

الأخ المحترم حلمي مقال ووجهة نظر تعبر عن واقع موجود بالفعل ، ولكن لي إضافة بسيطة وهى أن التدليل الزائد ومحاولة تعويض الإبن عن ما كان يفتقده الأب جعلته دون أن يدري يتساهل معه ويسهل له كل أمور الحياة لدرجة أنه أصبح لا يجد فائدة من أنه يذاكر ويتعب ويجتهد طالما أن كل شيء موفر له دون مجهود.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-10-27
مقالات منشورة : 5
اجمالي القراءات : 106,554
تعليقات له : 34
تعليقات عليه : 14
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt