عندما سخر الرئيس مبارك من الراحل محمد السيد سعيد وهو يمد إليه يده بمشروع إصلاحي يخرج مصر من عثرتها و
اضيف الخبر
في
يوم
الثلاثاء ١٣ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً.
نقلا عن:
المصرييون
ونبدأ جولتنا باصطباحة بلال فضل في صحيفة المصري اليوم "المستقلة" ، يقول : مات أرجل واحد فى مصر. مات الدكتور محمد السيد سعيد. مات المثقف الفعل الذى وقف شامخاً صلباً فى مواجهة رئيس الجمهورية ليجأر فى وجهه بالحق، دون أن «يوطى» صوت قناعاته وينزل بسقف مبادئه مراعاة للظرف والمكان وهيبة المنصب، ودون أن يدعى البطولة ويتاجر بما فعله أبداً. سيسجل التاريخ لهذا الرجل العظيم أنه على عكس عادة المثقفين المصريين فى «حصص الإملاء» التى كانت تعرف باللقاءات الفكرية مع رئيس الجمهورية وقف ليعلن رأيه بكل صراحة فى حال البلاد، بينما كان غيره يتعامل كما جرت العادة على أساس أن البلد يحكمه أناس غير الرئيس مبارك، ونحن يا عينى نشكو إليه منهم. لم يكتف محمد السيد سعيد بما أعلنه أمام الرئيس، بل أصر ذو القلب الذى لم يكن أبدا آثما ألا يكتم الشهادة، وقرر أن يعطى الرئيس يداً بيد مشروعاً مقترحاً للإصلاح السياسى وضع فيه خلاصة خبرته فى البحث السياسى والعمل الأهلى، وسيسجل التاريخ أن الرئيس مبارك تعالى على هذا الرجل الذى اختلف معه بكل أدب، وقال ساخراً منه أمام الجميع «الورق ده تحطه فى جيبك»، وتدخل مساعدو الرئيس (طبقاً للواقعة التى نُشِرت بعد حدوثها لكننا ننسى) وسط ذهول الجميع لكى يأخذوا مشروع محمد السيد سعيد منه منعاً لمزيد من الإحراج، لكى يختفى المشروع فى ظروف غامضة كما اختفت كل مشاريع الإصلاح والتغيير فى هذا البلد المنكوب.
صديقي النبيل
أما دكتور حسن نافعة فقال : عندما. زرته منذ نحو شهرين في المستشفي الذي كان يقيم به في باريس حرصت علي أن أقضي معه أطول وقت ممكن دون أن أرهقه. وبعد ساعات من حديث امتد ليشمل كما اعتدنا قضايا متنوعة راودني إحساس أن تلك ربما تكون المرة الأخيرة التي نلتقي فيها. وبرغم أنني لم أفقد الأمل مطلقا في رحمة الله وفي أن أراه معافي مرة ثانية, وفي كامل حيويته وإشراقته المعهودة فإن شعورا بالاكتئاب طغي علي في ذلك اليوم ربما علي نحو لم أشعر به مطلقا من قبل, مما دفعني ربما دون أن أشعر لكتابة مقالي الأسبوعي في المصري اليوم تحت عنوان:" حين تكون باريس بطعم الموت ورائحة الشجن". تحدثنا بعد هذا اللقاء تليفونيا عدة مرات كان آخرها قبل يوم واحد من عودته من باريس. وحين طلبته منذ يومين أو ثلاثة ردت علي زوجته الوفية وأحسست من كلامها بخطورة حالته, وربما بدنو الأجل, لكنني لم أقنط كعادتي من رحمة الله. وقد عرفت بالخبر, بينما كنت في طريقي إلي المطار لحضور ندوة عن الأمن الإنساني في الدوحة. لم أعرف في حياتي طعما للصداقة في مذاق تلك التي جمعتني بالدكتور محمد سعيد, وهي صداقة جمعت بين البعدين الفكري والإنساني في نسق واحد رائع. لا يتسع المقام لكي أستفيض فلي معه لقاء آخر بإذن الله. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
رحيل فيلسوف عظيم
وفي صحيفة الأهرام كتب د. أحمد منيسي يقول : يمثل العالم الكبير الدكتور محمد السيد سعيد, الذي رحل عن عالمنا أمس الأول ظاهرة فكرية إنسانية وطنية غير مسبوفة, فهو فيلسوف من طرازنادر صاحب أفكار رائدة وعلم موسوعي, ويضاف إلي ذلك وطنيته الشديدة التي تربينا, نحن جيل التسعينيات علي قيمها النبيلة, وهو إلي جانب ذلك إنسان رائع تعلمنا منه الكثير من القيم الإنسانية النبيلة. إننا حينما نتحدث عن الدكتور محمد السيد سعيد كمفكر مبدع ندرك قيمة هذا الرجل كعالم له قدره ووزنه ومكانته, فهو من أبرز المفكرين الذين أنجبتهم أرض مصر الطيبة, ويحظي بمكانة متميزة. كثيرون وأنا أحدهم من الباحثين في العلوم السياسية كنا محظوظين للغاية حينما أتيحت لنا الفرصة للاقتراب من هذا المفكر العظيم, حيث نهلنا الكثير من أفكاره, وأهم ما تعلمناه نمط التفكير العلمي المجرد, فبغض النظر عن انحيازاته السياسية وتوجيهاته الفكرية كان الدكتور محمد السيد سعيد مثالا للعقل المفتوح الذي يرفض الأفكار الأيديولوجية المعلبة, الأمر الذي جعل منه نموذجا خاصا لمفكر ذي مكانة مرموقة. وحين نتحدث عن محمد السيد سعيد, كإنسان, فنحن نتحدث عن رجل عظيم تدهش من تواضعه الشديد, ونقاء سريرته وقيمه الإنسانية النبيلة وفكره الإنساني الراقي وعفة لسانه, فهو يجسد فعلا ما يقال عن نبل الإنسان وتواضع العلماء. أستاذنا الحبيب كنا ننتظر عودتك, فصدمنا خبر رحيلك أشد الصدمة, رحمك الله وأسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وإنا لله وإنا إليه راجعون.
سعيد وكرامة المثقف
ننتقل إلى صحيفة الشروق "اليومية" وما سطره سلامة أحمد سلامة عن الفقيد فقال : كانت المفاجأة التى أدهشتنى وأحزنتنى حزنا عميقا هى أن علاج الدكتور سعيد يتم بمنحة فرنسية أى على نفقة فرنسا وليس على نفقة بلاده، وأن زوجته الزميلة الصحفية التى رافقته فى رحلة العلاج كان عليها أن تدبر حياتها ببعض أعمال تعينها على البقاء فى باريس قريبا من زوجها.. ولا أدرى ماذا حدث بعد ذلك أو قبل ذلك، وهل تكفلت الدولة أو المؤسسة التى يعمل بها بإكمال نفقات علاجه؟ ولكن حين حملت الأنباء نعى هذا الزميل النبيل، أدركت حجم الضنى والمعاناة التى يتعرض لها مفكر صاحب قلم متمكن وكاتب نزيه، لم يمد يده يوما للسلطة ولا لمنافعها وثمارها. كان محمد السيد سعيد شخصية هادئة الطبع نادرة المثال. احتل وضعا فريدا بين أقرانه فى مجال الدراسات والأبحاث السياسية فى مركز الدراسات بالأهرام. وتميز فيه بالأمانة وسعة الاطلاع والتواضع، مع جرأة فى الحق. فلم يكن أبدا ممن تغريهم شهوة المال أو المنصب. ولم يكن ممن يكتمون كلمة الحق مهما كانت العواقب. أنفق محمد السيد سعيد الكثير من جهده وعلمه فى الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وشارك فى إصدار الدوريات والدراسات التى تشرح وتناقش وتدافع عن قضايا حقوق الإنسان، وعن الفئات المهمشة فى المجتمع، وعن المسجونين والمعتقلين بغير محاكمة، ودعا إلى التمسك بالمواثيق والقوانين الدولية التى تضمن الحريات وتلتزم الدول باحترامها.
المنافسة والصمود
ويضيف سلامة : وحين أنشأ مع بعض زملائه وأصدقائه من اليساريين جريدة «البديل»، كان يعتقد أن الصحافة التى تنحاز إلى الفقراء والطبقات الضعيفة، وتكشف عن انحرافات الفساد التى تغرى الثروة بها، سوف تحقق من الرواج ما يجعلها قادرة على المنافسة والصمود والوقوف فى وجه طغيان رأس المال والماكينات الإعلامية الثقيلة. ولكن الواقع المثير والمحزن أن الطبقات الفقيرة حين يُسلب منها العلم والمال، تُسلب منها أيضا «القدرة على الفعل والمواجهة والإصرار على التمسك بالحقوق». لقد ذهب سعيد إلى لقاء ربه.. فنجاه من ذل الهزيمة والمرض.. تاركا وراءه عشرات الكتب والدراسات والمقالات التى تنبئ عن عقل واعٍ وإحساس جارف بحب هذا الوطن.. فليشمله الله بواسع رحمته!
اجمالي القراءات
18983