الشيخ علي بن حاج.. المعارض الذي لا زال يخيف النظام بعد 20 سنة من العشرية السوداء

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٨ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


الشيخ علي بن حاج.. المعارض الذي لا زال يخيف النظام بعد 20 سنة من العشرية السوداء

لشيخ علي بن حاج.. المعارض الأكثر تعرضًا للقمع في الجزائر
 

حاملًا عكازه الذي أجبره التعذيب والتعنيف الذي تعرض له على الإستعانة به في المشي، ومرتديًا عباءته وقميصًا كُتب على صدره «لا للعهدة الخامسة»؛ خرج الشيخ علي بن حاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ «المنحلة» بالجزائر، يوم الجمعة 22 فبراير (شباط) الجاري، وجُل أمله أن يُسمح له بالمشاركة في المسيرات التي شهدها ذلك اليوم، غير أنّ رحلة علي بن حاج لم تكن طويلة؛ إذ اعترض طريقه رجلا أمنٍ بلباسٍ مدني قاموا باختطافه وتعنيفه أمام حفيده الذي اكتفى بالدموع، مع صرخاتٍ تعلو من سيارة الاعتقال يشتكي فيها الشيخ بن حاج من التعنيف.

هذه المشاهد التي ظهرت في مقطع فيديو مصور وانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، أثارت جدلًا واسعًا في الجزائر، وهي تعيد إلى الأذهان صور القمع الذي تعرض له الشيخ بن حاج خلال مسيرته. في هذا التقرير نسلط الضوء على الرجل الذي يضطهده النظام في الجزائر ويخشاه، طيلة 20 سنة.

علي بن حاج.. الشيخُ الذي أرّق النظام الجزائري في الثمانينيات

لم يكن شهر أكتوبر (تشرين الأول) 1988 شهرًا عاديًا بالجزائر، إذ شهدت بدايته مظاهراتٍ؛ خرج على إثرها الجزائريون إلى الشوارع احتجاجًا على واقعهم، ومطالبين بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، انتهت تلك الأحداث برضوخ الرئيس الجزائري وقتها، الشاذلي بن جديد، لمطالب الجزائريين بإقرار دستورٍ جديدٍِ للبلاد؛ أنهى مرحلة الأحادية الحزبية وفتح باب التعددية السياسية والإعلامية. كان الشيخ علي بن حاج البالغ من عمر حينها 32 سنة أحد أبرز قادة تلك المظاهرات عبر تأثيره الكبير على شباب العاصمة ونداءاته للنزول إلى المظاهرات.

 

ولد الشيخ علي بن حاج يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) عام 1956 في تونس التي هاجرت إليها عائلته قادمةً من ولاية أدرار بالجنوب الجزائري بعد أن ضاقت ذرعًا من ممارسات الاحتلال الفرنسي، ووالده هو محمد الحبيب بن محمد الطيب بن حاج أحد مقاتلي «جيش التحرير الوطني» أثناء الثورة الجزائرية؛ والتي استشهد خلالها سنة 1961.

بعمر السابعة وطأت قدمي الشيخ علي بن حاج تراب الجزائر لأوّل مرة بعد أن استقرت عائلته أخيرًا بالجزائر سنة 1963، ليبدأ رحلته في طلب العلم بمسجد أبي حنيفة النعمان بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة الجزائرية؛ ثمّ التنقل إلى المدرسة الرسمية حيث تحصل على شهادة البكالوريا في معهد تكوين الأساتذة والمعلمين بالجزائر العاصمة، واختص في فرع اللغة والأدب العربي.

كان علي بن حاج سنة 1976 على موعدٍ مع لحظةٍ فارقةٍ في حياته، تمثلت في تعرفه على الشيخ الراحل عمر العرباوي أحد أعضاء «جمعية العلماء المسلمين»، الذي درس على يده في حلقات علمية التوحيد وأصول الفقه، والفقه المقارن، ومن خلاله بدأ يهتم علي بن حاج بكتب «شيخ الإسلام» ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، كما تعرف على علماء ودعاة جزائريين مثل عبد اللطيف سلطاني والشيخ الراحل أحمد سحنون، بالإضافة إلى تأثره بأشرطة الشيخ المصري الراحل عبد الحميد كشك.

 

بدأ صيت الشيخ علي بن حاج يشيع في أوساط الشباب الجزائري، من خلال الدروس التي كان يلقيها داخل المساجد والمصليات المنتشرة بالعاصمة الجزائر؛ وهو الأمر الذي جعل الشيخ بن حاج في مرمى القبضة الأمنية التي كانت تعيشها الجزائر سنوات الثمانينيات؛ ليتم اعتقاله في 30 أغسطس (آب) 1983، من طرف السلطة في قضية بويعلي الشهيرة والتي اتهم فيها بن حاج بتهمة تكوين جماعة أشرار وحكم عليه بالسجن لخمس سنوات.

ومع تعديل الدستور بضغط الشارع فيما عرف بأحداث أكتوبر (تشرين أول) 1988؛ انتقلت الجزائر إلى عهد التعددية؛ إذ سارع الشيخ علي بن حاج ورفاقه إلى تأسيس حزبٍ سياسيٍ يكون ندًا للسلطة، ويسعى إلى إقامة نظام حكم مدني تعددي يرتكز على مبدأ الحاكمية لله والسلطة للشعب، وإقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام. كان الإعلان عن ميلاد الحزب يوم 18 فبراير (شباط) 1989، واعترفت السلطة به رسميًا بعد ثمانية أشهر.

فرنسا وروسيا وأمريكا.. من سيحدد رئيس الجزائر القادم؟

 الانقلاب على الشرعية.. حين فازت الدبابة على الصندوق

بعد تأسيس «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»؛ أخذ الشيخ علي بن حاج على عاتقه مهمة الحشد للحزب في المواعيد الانتخابية والتجمعات الشعبية؛ وهنا ظهرت موهبة الشيخ بن حاج في الخطابة والحشد، إذ كانت تجمعات الحزب التي ينشطها الشيخ بن حاج حاشدة، وكان أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتنقلون لمسافات طويلة للحضور إلى تجمعاته، وما يزال الجزائريون يحتفظون بمشاهد التجمع الذي نشطه علي بن حاج داخل ملعب «5 جويلية» الأولمبي في السادس من يوليو (تموز) 1990، تضامنًا مع القضية الفلسطينية وسط مئات الآلاف من أنصاره، حيث استعرضت «الجبهة الإسلامية» قوتها أمام السلطة.

 

مع تزايد أنصار الإسلاميين في مطلع التسعينيات؛ رأى الشيخ علي بن حاج -الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ- الدخول في الانتخابات المحلية المزمع تنظيمها يونيو (حزيران) 1990، إذ اكتسح الحزب الجديد الانتخابات بفوزه بـ853 بلدية من بين 1539 بلدية و32 ولاية من بين 48 ولاية. مما جعل حزب «جبهة التحرير الوطني» الحاكم في البلاد، يشعر بخطر منافستها القوية له على الحكم، فاتخذ إجراءات للحد من تعاظم الجبهة من بينها منع الحملات الانتخابية في المساجد.

ردّت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» على تضييقات السلطة بإعلان النفير العام لقواعدها، ودعوتهم في الشروع في تنظيم إضراب ومسيرات وتجمعات في الساحات العامة للمطالبة بالإصلاح، والاحتجاج على التضييقات الممارسة من السلطة.

ومع اقتراب موعد النزال الحاسم بين حزبي «الجبهة الإسلامية» و«التحرير الوطني» المتمثل في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها نهاية سنة 1992، كانت كلّ المؤشرات توحي إلى اكتساحٍ رهيبٍ لحزب علي بن حاج للتشريعيات ودخول البرلمان بقوة وهو الأمر الذي حدث فعلًا في الجولة الأولى من تلك الانتخابات؛ بفوز (الفيس) بغالبية المقاعد.

وبينما كانت الجبهة الإسلامية تستعد للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية؛ وفي مشهدٍ مفاجئ، وبضغطٍ من الجيش الجزائري أعلن الرئيس الشاذلي بن جديد استقالته، وإلغاء الانتخابات البرلمانية، وتسليم الحكم لمجلسٍ للدولة من جنرالاتٍ بالجيش لتسيير المرحلة والذي بدوره أعلن عن حالةٍ للطوارئ بالبلاد في 9 فبراير 1992، وحلّ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» وأودع الآلاف من أنصار الجبهة في معتقلات أقيمت بالصحراء الجزائرية.

ثم بدأت حملة مطاردة واسعة لمن بقي من كوادرها خارج الاعتقال؛ وظلّ علي بن حاج أكبر المطلوبين للجيش للحدّ من تأثيره على مناصري الجبهة؛ ليتمّ اعتقاله في الثلاثين من يونيو 1992، بعد أن استدعي من طرف الجيش ليلقي كلمةً في التليفزيون يدعو من خلالها أنصاره بالتعقل والهدوء، غير أنّ تلك الدعوة كانت فخًا من السلطة لاعتقاله ليمكث داخل السجن طيلة فترة الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد والتي اشتهرت بـ«العشرية السوداء».

تجدر الإشارة إلى أنّ الشيخ علي بن حاج صرّح سنة 2013 أن: «العمل المسلح لم يكن في ذهن الجبهة الإسلامية للإنقاذ أصلاً، نحن كنا نمارس العمل السياسي»، وذلك بعد أن اتهم خلال «العشرية السوداء» بإثارة الفتنة والدعوة لحمل السلاح.

انتهت «العشرية» وبقي التضييق على بن حاج

مع انتخاب عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 رئيسًا جديدًا للبلاد؛ كانت بوادر المطالبات بإنهاء الحرب الأهلية في تصاعدٍ وهو الأمر الذي دفع بالرئيس الجديد إلى إصدار قانون «الوئام المدني» لفائدة أنصار وقادة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»؛ وهو الأمر الذي دفع الكثير من المسلحين إلى إلقاء السلاح مقابل العفو، في الوقت الذي كان الشيخ بن حاج يقضي سنواته الأخيرة بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة 12 سنة.

وفي الثالث من يوليو 2003؛ أطلقت السلطات الجزائرية الرجل الثاني في «جبهة الإنقاذ» المنحلة، بشروطٍ، كان أبرزها أن يحظر عليه ممارسة أي نشاط سياسي أو إلقاء خطب أو المشاركة بأي تجمع سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو ديني، وهي الشروط التي رفض الشيخ بن حاج التوقيع عليها.

لم يطل عهد علي بن حاج بالحرية كثيرًا إذ سرعان ما أعيد اعتقاله سنة 2005 بعد ظهوره في إحدى القنوات العربية ومطالبته «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» بالإفراج عن الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين من التنظيم؛ ليطلق سراحه في ما بعد، واستمرت سلسلة الاعتقالات والتضييق على الشيخ بن حاج طيلة الفترات الرئاسية الثلاث للرئيس بوتفليقة.

ومع انطلاق شرارة الربيع العربي؛ خرج الشيخ علي بن حاج متضامنًا ومدافعًا عن الشعوب المنتفضة، وظهر الشيخ علي بن حاج في إحدى الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أحد الدروس التي كان يلقيها مدافعًا عن الربيع العربي، ومتهمًا حكام الدول التي شهدت انتفاضات شعبية بأنهم حكام جائرون وجب الخروج عليهم.

ولم تكن الجزائر بمنأى عما كان يحدث في الجوار بداية سنة 2011، إذ اندلعت احتجاجات واسعة ضدّ غلاء الأسعار، كان للشيخ علي بن حاج دورٌ في التعبئة والمشاركة فيها، إذ تعرض للاعتقال عدة مرات، فيما خلّف مشهد اعتقاله وسط أنصاره في مسيرة 12 فبراير (شباط) 2011 جدلًا كبيرًا.

 

لم تكن مواقف علي بن حاج حبيسة الأوضاع في الجزائر، إذ كانت له مواقف مما تعرض له الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي سنة 2013، إذ حشد أنصاره في مسيرةٍ إلى السفارة المصرية، كان الاعتقال نهايتها، ووجه أيضًا انتقادًا لاذعًا لشيخ الأزهر بعد «مذبحة رابعة».

ومع إعلان ترشح بوتفليقة لعهدةٍ رئاسية رابعةٍ انطلقت جولةٌ جديدة في الصراع بين علي بن حاج والسلطة، فقد كان بن حاج أبرز المعارضين لترشح بوتفليقة، وأدى جهره بالمعارضة وتصريحاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركته في  " target="_blank">منعه عدة مراتٍ من صلاة الجمعة وسط انتتقاداتٍ من المنظمات الحكومية.

 

وفي وقفةٍ سلميةٍ للتنديد بخطوة الحكومة المباشرة في التنقيب عن الغاز الصخري، تعرض بن حاج للتعنيف والاعتقال التعسفي من طرف الأمن، الأمر الذي دفع بالمعارضة إلى الدخول في الخط عبر بيان تنديدٍ وقعته هيئة التشاور والمتابعة، المنبثقة عن «تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي»، بالقمع المسلط على الشيخ بن حاج.

كما لم يفوّت الشيخ بن حاج فرصةً إلّا وأعرب فيها عن سخطه من الدعوات المطالبة بترشح الرئيس الجزائري بوتفليقة لعهدة خامسة، ومع إعلان ترشّحه رسميًا في العاشر من فبراير (شباط) الماضي، أعاد الشيخ بن حاج الكرّة وتوجه إلى وزارة الداخلية الجزائرية لاستلام استمارات الترشح للرئاسيات المقبلة، غير أنّ الوزارة منعته وتمّ طرده من الوزارة، وهو الأمر الذي دفع برئيس حركة مجتمع السلم (حمس) الدكتور عبد الرزاق مقري إلى التنديد بالمنع والتضييق على بن حاج بالقول: «إن سعي علي بن حاج للترشح دليل قطعي على إيمانه بالعمل السياسي والفعل الانتخابي خلافًا لما يروجه عنه من يريدون منع حقوقه السياسية والمدنية ظلمًا وزورًا».

ومع ظهور دعواتٍ للخروج يوم 22 فبراير الماضي، في مسيراتٍ رافضةٍ لترشح بوتفليقة، بارك الشيخ علي بن حاج هذه الدعوات وطالب الجزائريين للخروج بقوة إلى الشارع لقطع الطريق أمام ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، وهو الذي دفع بقوات الأمن المدنية إلى المسارعة في اعتقال الشيخ بن حاج صباح الجمعة الماضية وتعنيفه، وسط انتقادات لاذعة من المعارضة والشعب للقمع الذي تعرض له الشيخ علي بن حاج، وانتشر على موقع «يوتيوب» فيديو، لبن حاج، وهو يرقد في مستشفى «بارني» بعد الإفراج عنه، وأشار صاحب الفيديو إلى أن الشيخ قد تعرض للعنف الشديد من بعض رجال الأمن، وضربه على الصدر.

 

وكانت جمعية العلماء الجزائريين قد أصدرت بيانًا قبل سنتين أعربت فيه عن قلقها مما وصفته بالتضييق على الحريات وممارسة العنف في حق علي بن حاج، الرجل الثاني في حزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظور، وحسب الجمعية «سواء أكان هذا الاعتداء عن قصد أو دون قصد، وسواء تعلق الأمر بالأخ علي بن حاج، أو أي مواطن آخر، أيا كانت أيديولوجيته، فإن مثل هذا يتنافى مع قوانين الجمهورية، وما تنشده جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، من الحفاظ على كرامة الإنسان، وحريته في جزائر العزة والكرامة».

جديرٌ بالذكر أنّ الشيخ علي بن حاج كان قد تعرّض لمحاولة اغتيال في أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2012، إذ قامت صحف وطنية بتسريب خبر محاولة الاغتيال الفاشلة، غير أنّ علي بن حاج شكك في الرواية، ونفى تعرضه لأي محاولةٍ للاغتيال.

اجمالي القراءات 2171
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق