حوار د. منصور مع أقباط متحدون
* نظام الحكم في مصر بفساده وقمعه للحريات وتعذيبه وعجزه وترهله هو السند الأكبر للإخوان
* عندما سأل فرج فوده الإخوان: كيف يكون الإسلام هو الحل ؟.. قتلوه، وبذلك قدموا الإجابة العملية المفحمة.
* الإخوان يعتبرون الأقليات غير المسلمة داخل معسكر الإسلام رهائن في إطار الحرب المقدسة بين معسكري الإيمان والكفر
ما زال أصداء نمو وانتشار وتوغل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، يثير الكثير من الجدل والتفاعل. وما زالت هذه الجماعة فاعلة وناشطة رغم بعض الاعتقالات التي تمارسها قوات الأمن كرد فعل على ميليشيات الإخوان بالأزهر، ومازالت هذه الجماعة تستخدم الدين في السياسة حتى عندما أدعوا أنهم ينون إنشاء حزب سياسي لهم بعض التعديلات الدستورية الأخيرة التي ستمنع تأسيس أي حزب على أساس ديني. الكل يتجه نحو الإخوان وما يفعلونه دون النظر إلى فكرهم ومرجعيتهم. هناك قلة بسيطة من المفكرين يهتمون بفكر الإخوان وخطابهم الديني المُسيَّس. من هؤلاء الدكتور أحمد صبحي منصور رئيس المركز العالمي للقرآن بواشنطن، وأحد المضطهدين من سيطرة الأفكار الإخوانية التي توغلت في معظم المؤسسات، حتى أنها طالت جامعة الأزهر الشريف، التي معروف عنها أنها جامعة وسطية. والدكتور أحمد صبحي منصور بالطبع غني عن التعريف، فهو دائم النشر في معظم المواقع الاليكترونية، وصاحب التاريخ النضالي المشرف الذي بسببه دخل السجن ولم يقف معه وقتها إلا الراحل المفكر فرج فوده.....
لذلك أردت أن أجري معه حوارا حول جماعة الإخوان المسلمين وفكرهم ولماذا يربط بين هذه الجماعة والوهابية، وأسئلة أخرى...
* دعوت في إحدى مقالاتك أنه يجب على الإخوان تغيير وضعيتهم لكي يندمجوا في العملية الديمقراطية.. كيف ؟
** طرحت هذه الرؤية لإصلاح الإخوان المسلمين بقصد إحراجهم فقط، وأنا متأكد من رفضهم المطلق لأي إصلاح داخلي عقيدي أو سياسي ينتج عنه تغيير وضعيتهم العقيدية والسياسية. هذا على المستوى العملي الواقعي.
أما على المستوي النظري التخيلي الذي يدخل في إطار التمنيات والينبغيات (أي ما ينبغي عمله) فأقول الآتي:
الإخوان المسلمون لهم حضور قوي في الشارع، و فكرهم الديني هو المسيطر على الإعلام والمساجد والنوادي والمصاطب، وهم الأقدر على الحركة بين الجماهير واستقطابهم، ولهم تاريخ طويل في العمل السياسي والشعبي منذ 1928. كل ذلك يؤهلهم للعب الدور الأعظم في تحقيق الجزء الأول من التحول الديمقراطي، وهو إرساء ثقافة الديمقراطية.
لا يمكن إقامة ديمقراطية بدون إرساء ثقافتها أولا، بأن يتعلم المواطن العادي ـ وليس مجرد المثقف ـ قبول الآخر والتعايش معه واحترام رأيه، والإيمان الحقيقي بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة والدفاع عنها والجهاد في سبيلها باعتبارها جوهر الدين السماوي.
بدون إرساء ثقافة الديمقراطية تتحول العملية الديمقراطية إلى فوضى وحرب أهلية كما يحدث في العراق الآن، وكما كان يحدث في أوربا في قرون وعقود التحول الديمقراطي.
من الممكن تجنيب بلادنا ويلات هذا التحول الديمقراطي بالإسراع بالتخلص من ترسانة القوانين المقيدة للفكر والإبداع والمعوقة للحركة السياسية السلمية، وإنشاء هيكل تشريعي جديد يؤطر لنظام مدني ديمقراطي غير مركزي في مصر تحت إدارة حكومة مؤقتة يقوم بتعضيدها كل القوى الحية في مصر، وعلى رأسهم الإخوان.
هذا طبعا مجرد أمنيات وأحلام اليقظة.. وأرجو أن أكون مخطئا، وأن يكون الإخوان على غير ما أتوقع.
* إذن هذه الجماعة في حاجة إلى إصلاح من الداخل أو في حاجة إلى تفكيكها....
** إصلاح الإخوان من الداخل عن طريق الإخوان أنفسهم ممكن جدا في أحلام اليقظة.!! لا أتصور أن يتخلى الإخوان في هذه المرحلة عن مكاسب أسسوها خلال عقود من التضحيات والآلام, وهم الآن المرشحون لوراثة النظام إن آجلا أو عاجلا إن لم يحدث إصلاح حقيقي, الإخوان يستمدون قوتهم من كونهم ثقافة أكثر منهم تنظيما، وأن هذه الثقافة ينشرها النظام الحاكم نفسه حيت يتصور أنه يزايد عليهم بالتمسك بالفكر السلفي واعتباره وحده هو الإسلام، ولذلك يضطهد المفكرين المسلمين ويتهمهم بازدراء الدين، وهي تهمة مخففة من (حد الردة).
نظام الحكم في مصر بفساده وقمعه للحريات وتعذيبه وإفقاره للمصريين وعجزه وترهله هو السند الأكبر للإخوان. في الواقع كلاهما لا يستغنى عن الآخر، وضروري لاستمرار الآخر. ولا بد من التخلص منهما معا إذا أردنا لمصر أن تنهض من كبوتها. إلا إنني لا أؤمن بالحلول الأمنية واستعمال العنف، بل أؤمن أن العنف والحرب هما مشكلة أكبر. اعتقد بضرورة فرض الإصلاح السلمي من الخارج مع تأييد قوى من الداخل. إذا حدث الإصلاح انتهى الإخوان المسلمون لأن بقاءهم مرتبط بالفساد والاستبداد.
* وهل ترى أن سياسة النظام المصري الآن في التعامل الأمني مع الأخوان سليمة؟
** بالقطع لا. إنها تفيد الإخوان على المدى القريب والبعيد وعلى كل المستويات. خصوصا مع عدم وجود أفق للإصلاح أو للتغيير إلى الأفضل. الإخوان يكسبون الآن بأكثر مما مضى مع دخول المنطقة عصر فاصل ستتغير فيه خريطة المنطقة. التعامل الأمني معهم يجعلهم شهداء اليوم وزعماء الغوغاء في الغد، وقد يتحكم الغوغاء كما يجري في العراق اليوم وتكون القاصمة..
* بوصفك رئيسا للمركز العالمي في واشنطن والذي يقود حركة القرآنيين في العالم، ماذا يقوم المركز العالمي للقرآن الكريم في مواجهته مع الإخوان؟
** بالإضافة إلى موقع (أهل القرآن) ودوره التنويري فان المركز يعمل الآن جاهدا على عقد مؤتمر في واشنطن لمواجهة الإخوان والوهابية. المؤتمر المزمع عقده سيناقش مواثيق حقوق الإنسان الدولية من وجهة نظر إسلامية لإقرارها مرجعية للدستور المصري بدلا من المادة الثانية المثيرة للجدل. ويتمنى المركز العالمي للقرآن الكريم أن تتعاون معه كل منظمات حقوق الإنسان والتنوير في عقد هذا المؤتمر ومؤتمرات أخرى في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب للوهابية والإخوان.
* وهل يجدي مؤتمر واحد في مواجهة الإخوان المسلمين والوهابية بكل ما لهما من نفوذ؟
** هي بداية حقيقية لمواجهة فكرية حقيقية. وهي خطوة على الطريق الصحيح، بعد أن ضاعت خطوات كثيرة وضلت الطريق .
* لماذا تستبعد أن يقبل الإخوان الديمقراطية وتداول السلطة؟
**لأن الديمقراطية منتج غربي ملعون وكافر عندهم، ولأنها تناقض (الحاكمية) التي تخول لهم أن يحكموا (الرعية) باسم الله وتفويض منه على زعمهم. ولأن وصولهم للسلطة ثم تخليهم عنها بالديمقراطية تأكيد على فشل (الإسلام) وشعارهم القائل بأن (الإسلام هو الحل) لذا فتداول السلطة غير وارد على الإطلاق عندهم. وهم بالطبع يتمسحون باسم الإسلام قائلين أنه هو الحل، ثم لا يقولون كيف؟ وعندما سألهم فرج فوده: كيف؟، قتلوه، وبذلك قدموا الإجابة العملية المفحمة.
*ما الذي يمكن أن يقدمه الإخوان بفكرهم وأقوالهم لتقدم مصر وخير مصر؟
** إذا تحول الإخوان إلى العمل التثقيفي والتنويري والدعوي لنشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة من داخل الإسلام ـ كما يفعل القرآنيون مثلا ـ فهو الجهاد الأعظم الذي يغفر لهم ما سلف من تدمير لسمعة الإسلام وسفك الدماء.. إن الله تعالى يقول عن المتقين المؤمنين ونعيمهم في الجنة (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص 83). العمل من أجل الوصول للسلطة السياسية والتحكم والعلو في الأرض بالاستبداد هو عين الفساد. والمؤمن الحق لا يسعى لذلك مطلقا، لذا فإن له الجنة في الدار الآخرة لأنه كان في حياته الدنيا لا يريد علوا ولا فسادا في الأرض .
باختصار فإن العاملين في المجال الديني قسمان: قسم يجاهد دفاعا عن حق الله تعالى وحق العباد (أي حقوق الإنسان) ودفاعا عن العدل والحرية، وهو في جهاده ملتزم بالصبر والسلم وتحمل الأذى والغفران لمن يؤذيه، والأهم من ذلك أنه لا يسأل الناس أجرا طبقا لأوامر القرآن بل أنه يبذل نفسه و ماله ابتغاء مرضاة الله تعالى وأملا في جنته .
ثم هناك صنف آخر يزعم أنه مختار من الله ـ زورا وبهتانا ـ ويريد أن يصل إلى التحكم في الناس باسم الله تعالى، و هو يرفض أن يكون مجرد حاكم عادي يتعرض للمحاسبة والمساءلة، ثم يترك السلطة و يرجع شخصا عاديا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق،، كلا .. إنه يريد أن يحكم باسم الله مستبدا متعاليا على الناس زاعما انه مسئول عنهم أمام الله تعالى فقط يوم القيامة، فهم الرعية (أي المواشي والأنعام) التي يملكها، وهو مسئول عنها يوم الدين فقط. هذه هي (الحاكمية) التي يؤمن بها الإخوان في عقيدتهم السياسية، وهي ما كان سائدا في الخلافة العباسية وما تلاها وفي أوربا العصور الوسطي. وإذا رجعنا إلى الآية الكريمة السابقة (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص 83). نجدها تضع فاصلا بين نوعي المشتغلين بالعمل الديني.
أحدهما هو المجاهد الحقيقي في سبيل الله تعالى، والآخر هو العدو الحقيقي لله تعالى ورسوله ودينه.
ونحن ـ في أحلام اليقظة ـ نرجو أن يتوب الإخوان المسلمون عما سلف من جرائم في حق الإسلام والناس، وأن يتحولوا إلى عمل ثقافي إصلاحي سلمي بدون غرض سياسي ـ أي بدون أجر دنيوي ـ يبتغون به وجه الله تعالى. فإذا فعلوا هذا فقد كفروا عما سلف. وأنصحهم لمجرد العظة والاعتبار أن يقرءوا الآية 38 من سورة الأنفال .
* يقولون نحن نريد إنشاء حزب سياسي بمرجعية إسلامية .. مرجعية من؟ ومرجعية ما؟ وإسلامية من؟ وإسلامية ما؟
**أنا كمشتغل بالفكر الإسلامي والجهاد في سبيل الإصلاح أقوم بعمل سياسي مهم هو إرساء ثقافة الديمقراطية وهو جهاد لا بد منه لإقامة الديمقراطية . العمل السياسي المحترم المبجل الذي نحتاجه الآن هو نشر الوعي سلميا بين الناس ليعرفوا حقوقهم وليقفوا دفاعا عنها حتى تتوقف ماكينة التعذيب والظلم، وحتى يتم التحول الديمقراطي بأقل خسائر ممكنة في البشر و الموارد.
ليس هذا اتهاما للعمل السياسي الآخر الذي يسعى للسلطة عن طريق إنشاء أحزاب، ولكن الذي يليق بمن يضعون أنفسهم في قائمة الأبرار ألا يهبطوا بأنفسهم إلى قاع التنافس حول حطام الدنيا .. ثم تكون الجريمة الكبرى أن يستغلوا اسم الإسلام العظيم سلاحا في هذه الحرب السياسية الدنيوية لقاء متاع قليل وحطام دنيوي ضئيل.
المفجع أن المرجعية الإسلامية المزعومة التي يستندون إليها هي ثقافة الاستبداد والاستعباد و الإرهاب التي سادت لدي المسلمين في العصرين العباسي والمملوكي. ثقافة تقوم على الحاكمية أو الحق الملكي المقدس الذي كان في أوربا العصور الوسطى، وتقوم على الراعي والرعية والخليفة الذي يملك الأرض ومن عليها ـ والذي يمارس الشورى بان يستشير خدمه وجواريه والملأ الذي يتفنن في إرضاء نزواته. كل ذلك التراث السياسي والتاريخ الذي عاشه المسلمون في عصر الخلفاء غير الراشدين مناقض للإسلام وعدله وتسامحه . ولكن الوهابيين ومنهم الإخوان المسلمون يجعلون الإسلام هو هذا التراث وذلك التاريخ، ومن خلاله يحرفون معاني القرآن الكريم.
وحين يتحدثون عن مرجعيتهم الإسلامية فهم يقصدون ما قاله الماوردي وابن تيمية وابن خلدون قديما وما قاله سيد قطب وسيد سابق والمودودي في عصرنا. وأؤكد أن كل ذلك مناقض للإسلام . وكتاباتي كلها تثبت هذا . ومعظم كتاباتي منشورة علي موقعنا (أهل القرآن)
http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php
وبالمناسبة فأنني أدعو كل العاملين في الإصلاح وحقوق الإنسان للكتابة في موقعنا أملا في تدعيم حركة التنوير. نحن نرحب بكل من يكتب طالما لا يكتب ضد الإسلام كدين، ونحن نضع حدا فاصلا بين الإسلام كدين والمسلمين كبشر، فيهم ما في البشر من حسنات وسيئات.
* وما تعليقك على الدعوة لإنشاء أحزاب دينية؟
** النبي محمد عليه السلام أنشأ أول وآخر دولة علمانية في تاريخ المسلمين، وفيها سبق لكل ما جاء بعدها في عصرنا الحديث من نظم علمانية ودعوات لحقوق المرأة وحقوق الإنسان والمواطنة. ولأنها دولة يرفضها الواقع السائد في عصرها فقد تم تدميرها شيئا فشيئا لتقوم على أشلائها دول للمسلمين على نسق الإمبراطوريات الرومية والفارسية. ومع ذلك تبقى ملامح الدولة الإسلامية العلمانية في القرآن الكريم، إذا قرأناه قراءة موضوعية وفق مصطلحاته هو وليس بمصطلحات التراث الذي تم تدوينه في عصر الاستبداد والاستعباد والفساد .
الإسلام دين علماني، ودعوة الإسلام هي للجهاد ضد الكهنوت،والعدو الأكبر للإسلام هو الدولة الدينية خصوصا تلك الدول الدينية التي تستخدم اسم الإسلام نفسه، وهي تتبع دينا أرضيا مناقضا للإسلام كالسنة أو التشيع. وكل دولة ديمقراطية ترعى العدل وحقوق الإنسان فهي دولة إسلامية. وأبعد الدول عن جوهر الإسلام هي الدول الدينية الثيوقراطية المستبدة التي تقوم علي كهنوت سياسي وديني..
وبالتالي فالإسلام يرفض إنشاء حزب ديني لأن ذلك يعني استغلاله في صراع دنيوي ينتج عنه تحريف معانيه والتلاعب بقيمه العليا في سبيل حطام دنيوي. ومنذ أن أدخل المسلمون الإسلام في خلافاتهم السياسية تحولت أحزابهم السياسية إلى اختلاف في الدين، وتحول صراعهم السياسي إلى صراع ديني وانقسموا إلى طوائف دينية ومذهبية، إذا وصلت أحداها إلى السلطة قمعت غيرها وحكمت بكفرها.
لذا لا بد من منع التداخل بين العمل السياسي وبين الاستغلال الديني.من حق كل إنسان أن ينشئ حزبا مدنيا يتعامل في السياسة بالسياسة وينافس الآخرين في القدرة على خدمة الناس بعيدا عن استغلال الدين واحتكاره باسم طائفة دون أخرى. لابد فعلا من منع قيام أي حزب يزعم له مرجعية دينية.
كمسلم ملتزم لو أردت تكوين حزب ـاعتبره إسلامياـ سأقول أن مرجعيتي هي العدل وحقوق الإنسان طبقا لما جاء في المواثيق الدولية. هذا في نظري جوهر الإسلام، وفي نظر خصومي أنه لا ضير من ذلك، ففي إطار حقوق الإنسان لا يوجد اختلاف بين الأحزاب المدنية الساعية للديمقراطية والإصلاح.
* هناك سؤال كثيرا ما يُطرح: هل يؤمن الإخوان بوجود وطن أم لا؟
** يؤمن الإخوان والوهابية بما ساد في عصور السلف، وهو ما تقوم عليه مناهج التعليم في الأزهر والسعودية، وهو تقسيم العالم إلى معسكرين، معسكر الإسلام وهو (دار السلام) ومعسكر الحرب، وهو دار الكفر. ويشمل معسكر الإسلام أو السلام كل بلاد المسلمين تأسيسا على أنها (الأمة الإسلامية) أو أنها (أمة محمد) . وقد ناقشت هذه الخرافات من قبل. المهم أن الولاء للوطن منعدم لديهم لأنه في حالة تقسيم العالم إلى معسكرين فالولاء للإسلام الذي يتخطي الأقطار، وبالتالي فإن المسلم في أمريكا تابع لهم ويتحدثون باسمه ـ سواء رضي ذلك أم أباه. وبالتالي أيضا فإن الأقليات غير المسلمة داخل معسكر الإسلام يعتبرونها رهائن في إطار الحرب المقدسة بين معسكري الإيمان والكفر..هذا ما كان سائدا في العصور الوسطى وحروبها الدينية، وكان يحدث خلال تلك الحروب اضطهاد هائل للمسيحيين الوطنيين، وكان يحدث في الدولة العثمانية أن يرتبط إعلانها الحرب على دولة أوربية ما بسجن رعاياها المقيمين في السلطنة العثمانية.
هذه الثقافة استعادتها الوهابية، ونشأ عليها الإخوان، ولولا التقية لأعلنوها صباح مساء. وسيعلنونها إذا وصلوا إلى ما يسمونه بالتمكين. وإذا راجعت خطابات الظواهري وابن لادن وجدت كلاهما يتحدث باسم الأمة الإسلامية كقائد لمعسكر الإيمان ضد معسكر الحرب. وفي أدبيات المعارضة السعودية السلفية وما قاله المسعري تأطير للحرب الكونية بين المعسكرين لإقامة دولة إسلامية كبرى لها خليفة واحد تقابل الغرب وأمريكا والأمم المتحدة رمز الشر في اعتقاده.
* هل يرجع فكر الإخوان إلى إخوان آل سعود أم إلى السلطان عبد الحميد الثاني؟
** التصوف السني كان الدين الأرضي للسلطان عبد الحميد الثاني والدولة العثمانية، وكانت الوهابية ودولتها السعودية (الأولى والثانية والمعاصرة فيما بين 1902 إلى 1916 ) معادية للدولة العثمانية سياسيا ودينيا .
عبد العزيز آل سعود المؤسس للدولة السعودية الراهنة فيما بين 1902 : 1932 هو الذي اقتطع إقليم الأحساء التابع للدولة العثمانية اسميا، وبذلك فازت السعودية بأعظم احتياطي للبترول يملكه في الحقيقة شيعة الاحساء والقطيف والمنطقة الشرقية.
عاون الإخوان الأعراب عبد العزيز في إقامة دولته، وبسيوفهم اكتملت الدولة السعودية بحدودها الحالية. ثم ثار عليه الإخوان بزعامة فيصل الدويش وابن بجاد العتيبي وضيدان بن حثيلين، وخلال أعوام الصراع السياسي بينهم ( 1925 : 1929 ) ـ بعد فتح الحجاز وتحكم الوهابيين في موسم الحج ـ أنشأ عبد العزيز مراكز مختلفة لنشر الوهابية في مصر، كان آخرها الإخوان المسلمين عام 1928 تعويضا عن إخوانه النجديين الذين حاربهم وقضى عليهم فيما بين 1929 : 1930 .
هذه وقائع تاريخية شرحتها في كتاباتي وهي على موقع أهل القرآن.
ينتمي الإخوان فكريا إلى الوهابية السنية المتشددة، بينما ينتمي عبد الحميد الثاني وتركيا الحالية إلى دين أرضي آخر هو التصوف السني، الذي يعترف بالآخر. ولهذا فان الحركة الدينية السياسية في تركيا تعترف بتداول السلطة خصوصا وأنها عاشت ونشأت في عصر علمانية كمال أتاتورك، وتشربت الاعتراف بالآخر.
ولم ينتج الإخوان فكرا جديدا. بل بفضلهم انتشرت كتب التراث الصفراء فأصبحت أكثر بياضا وأشد تأثيرا، وقاموا بشرح ما قاله ابن عبد الوهاب وفقهاء نجد، وجاء شرحهم بأسلوب عصري أسهم أكثر في نشر الوهابية بين مثقفي الطبقة الوسطى والعليا، هذا هو الفكر الذي أعاد الإخوان تقديمه.
حسن البنا مجرد منظم وقائد وليس منظرا على الإطلاق. كتاباته وأوراده لا تدخل في إطار الفكر، بل الوعظ, عبقريته كانت في التنظيم . والإخوان بعده مجرد تنظيمات دينها السمع والطاعة للقائد.
هذا من حيث الشكل العام. أما من حيث الواقع السياسي فهم ثقافة وهابية تتغلغل بقوة النظم الحاكمة المسيطرة على الإعلام والحياة الدينية والثقافية والتعليمية. وهنا خطورة الإخوان. أنهم ثقافة تنتشر وتفتح ذراعيها لتستقبل المحبطين واليائسين والمتذمرين من كل اتجاه. ولا سبيل للقضاء على هذه الثقافة إلا بالإصلاح الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
* ما هو تصورك لحال مصر إذا حكمها الإخوان؟ وما مصير الأقليات العددية؟
** ستنتشر ثقافة الموت وستنتشر معها المقابر الجماعية العلنية والسرية.
* أخيرا، لماذا ربطت بين حركة السيد البدوي ورفاقه بحركة الإخوان المسلمين؟
** الحركات السرية التي تستخدم الدين الأرضي لها خصائص معينة بغض النظر عن الدين الأرضي الذي تستخدمه، سواء كانت تصوفا أو تشيعا أو سنة. ومن الحركات ما نجح ووصل إلى تكوين دول مثل الدولة العباسية والفاطمية ودولة المرابطين والموحدين. ومنها حركات فشلت وظلت في إطار القناع الذي تتخفي به ومنها حركة السيد البدوي ورفاقه الشاذلي والدسوقي والمرسي.. فشلت حركتهم السياسية فتحولوا إلى آلهة وأقطاب في التدين الأرضي للتصوف السني. والتفاصيل في كتابي (السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة) الصادر سنة 1982 . وسننشره على الموقع قريبا..
اجمالي القراءات
6680