Brahim إبراهيم Daddi دادي Ýí 2012-05-10
الدكتور فرج فودة ينذر المصريين وجميع الشعوب العربية.
للمقبلين على الانتخابات هنا وهناك، أنقل إليهم ما كتبه الدكتور فرج فودة رحمه الله تعالى، في كتاب سماه ( قبل السقوط). فهو عنوان كتاب جدير بقراءته، ونقاشه قبل السقوط في أحضان السلفية الوهابية، الذين يسفكون دماء الأبرياء ويفسدون في الأرض، لأن إمامهم محمد بن عبد الوهاب هو تلميذ للجاسوس البريطاني، الذي لقنه كيف يغير من دين الله، وكيف يحرم ما أحل الله تعالى ويبيح ما حرمه....
يقول الدكتور فرج فودة في مقدمة كتابه (قبل السقوط):
لا أبالي إذا كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق، أن لا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محتفي المزايدة، وقصاد الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة لا محبي الحكم، وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر، وألتصق بوجدان مصر لا بأعصابها، ولا ألزم برأيي صديقا يرتبط بي، أو حظبا أشارك في تأسيسه، وحسبي إيماني بما أكتب، ويخطر أن أكتب ما أكتب.. والله والوطن من وراء القصد. القاهرة 19 يناير 1985.
والآن أنقل إليكم من الكتاب مقتطفات مما كتبه الدكتور فرج فودة، الذي اغتاله الفاسقون المبشرين بعذاب أليم يوم الدين، لأنهم قتلوه بغير حق.
في صفحة 11/12 جاء فيها:
النتيجة الأولى : أن المجتمع المثالي، أو اليوناني ( المدينة الفاضلة)، أمر لم يتحقق على مدى التاريخ الإنساني كله، وبالتالي على مدى تاريخ الخلافة الإسلامية كله،حتى في أزهى عصوره، وأن من يصورون للشباب الغض، أن قيام حكم ديني سوف يحول المجتمع كله إلى جنة في الأرض، يسودها الحب والطمأنينة، ويشعر فيها المواطن بالأمن، ويتمتع فيها الحاكم بالأمان، ويتخلص فيها الأفراد من سوء القصد وحقد النفوس ونوازع الشر، إنما يصورون حلما لا علاقة له بالواقع، ويتصورون وهما لا أساس له من وقائع التاريخ، ولا سند له في طبائع البشر.
النتيجة الثانية:
أن كل ما عرضته إنما ينهض دليلا على أن هناك فرقا كبيرا بين الإسلام والدين، والإسلام والدولة، وأن انتقاد الثاني لا يعني الكفر بالأول أو الخروج عليه، وأنك في الثاني سوف تجد كثيرا يقال أو يعترض عليه، حتى في أعظم أزمنته، بينما أنت في الأول لا تجد إلا ما تنحني له، تقديسا وإجلالا، وإيمانا خالصا، وأنه إذا جاز أن يقال هذا عن عهد الخلفاء الراشدين، فإنه يجوز أن يقال ما هو أكثر وأكثر، حين تتصدى بالتحليل والنقد لعصور لاحقة، ارتفعت فيها رايات الحكم الديني، وادعى أصحابها أنها وجه الإسلام الصحيح، وأنهم الحافظون للكتاب والمحافظون عليه، والتابعون للسنة والمتابعون لها، وهم بالرغم من ذلك يستحلون القتل في غير حق، والظلم بلا داع، ويدخلون على المؤانسة أبوابا لو سمع بها الصدر الأول في الإسلام، لعجز عن أن يدخلها، في باب من أبواب الجاهلية، تلك الأبواب التي تقتصر عنها أو لا تكاد تتسع لها.
أنت هنا تملك أن تفصل بين الإسلام الدين والإسلام الدولة، حفاظا على الأول حين تستنكر أن يكون الثاني نموذجا للإتباع، أو حين يعجزك أن تجد صلة واضحة بين هذا وذاك، فالأول رسالة، والثاني دنيا، وقد أنزل الله في الرسالة ما ينظم شؤون الدنيا في أبواب، وترك أبوابا، دون أن يفرط في الكتاب من شيء، وإنما يسع برحمته بشرا هم أعلم بشؤون دنياهم من السلف، ويترك لهم أمورا تختلف باختلاف الأزمنة، لا يترك لهم فيها إلا قواعد عامة، إن اتسع أفقهم أخذوا من غيرهم وتأقلموا مع زمانهم دون خروج عل صحيح الدين أو الكفر به، وإن ضاق أفقهم أحالوها ملكا عضودا، سندهم فيه فقهاء يجدون لكل شيء مخرجا، ولكل خروج عن الدين تأصيلا، ولو شئت أن أحدثك لحدثتك وحدثتك، لكني أمسك عن إدراك بأن ذلك كله لم يكن من الإسلام في شيء، وأن الله أرحم بعباده، من أن يكون ذلك هو صحيح ما شرع لهم، والله وصادقوا العقيدة يعلمون أن الإسلام من ذلك كله براء..
دع عنك إذن حديث الساعة عن الدين والدولة وسلم معهم بالدين، أما الدولة فأمر فيه نظر، وحديث له خبىء، وقصد وراءه طمع، وقول ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.
يتبع...
الاستاذ العزيز / ابراهيم دادي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بارك الله فيك وفيما تكتب لإيقاظ الرقود من المصريين والعرب ليهبوا وينفضوا عن انفسهم درن العبودية والرق للفقيه وللحاكم الذي استخدم الفقيه لتغييب العقل العربي طوال أربعة عشر قرنا من الزمان ..
وبالمناسبة .. كنت أزور الراحل فرج فودة بمكتبه بمصر الجديدة بالميرغني وقتها قبل وفاته بأسبوع وتناقشنا معه حول المناظرة التي تمت بينه وبين الشيخ محمد الغزالي والدكتور سليم العوا الذي هو أحد مرشحي الرئاسة لمصر اليوم وأنا هنا اعلنها صريحة أن الغزالي والعوا هما من أهدرا دم الراحل فرج فودة في تلك الندوة والمناظرة وكنت حاضراً لتلك المناظرة وكان هناك عشرات الآلاف من المصريين الوهابيين وقتها يريدون ان يفتكوا بفرج فودة وقتها فقد كانت حججه رحمه الله تعالى داحضة للغزالي وللعوا حتى أن الغزال بكى أمام الجميع بزعم ان فرج فودة خطر على الاسلام وأنه خائف على الاسلام من فكر فرج فودة .. واستشاط الحاضرون غيظاً وكادوا أن يقتلوه في تلك المناظرة لولا أن أخرجه الأمن في حراسة. مشددة ..
وبعدها قتله الظلاميين السنيين السلفيين الوهابيين المصريين.. بعدها بأقل من أسبوع.. قتلوه أمام مكتبه بالميرغني بمصر الجديدة رحم الله المفكر والكاتب المصري دكتور فرج فودة..
لكن يبدو أن لاحياة لمن تنادي..
شكرا لك والسلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم أستاذ إبراهيم دادي، أحسنت فيما نقلته لنا من كتاب الدكتور الراحل فرج فودة، رمز الليبرالية الواعية في مصر ،ورائد من اهم رواد التنوير في العصر الحديث ، كما يقولون إن اغتياله يعد لطمة تصيب القاصي والداني من متبعي الوهابية ، بأنظمتها المختلفة ، ويدلل بصورة عملية على أنهم يفتقروا إلى الردعلى الفكر بالفكر ،والرأي بالرأي ، ومقارعة الحجة بالحجة ، لأن منطقهم عقيم ،وفكرهم عجز أن يلد افكارا وأدلة عن صدقهم المزعوم !! ولكن بدأت حالة السقوط والتراجع الشعبي ، بعدما خبرهم الشعب في أكثر من تجربة ، لم يثبتوا على رأي ، ولم يطلبوا حقا واجب التنفيذ لأفراد الشعب ، لم يطالبوا مثلا أثناء اجتماعاتهم في مجلسي الشعب والشورى بشيء يصلح حال التعليم أو الصحة ، بل ركزوا على الشعارات الحنجورية والدعائية ، والتي تمس مصالحهم ، حقا لقد خبرهم الشعب ، وهذا جيد ، لأنهم حتى لو تم انتخابهم ممن لا يعرفون عنهم إلا القليل وما زالوا مخدوعين فيهم ، فإن الدورات القادمة لن يستقيم لهم الأمر، وسوف يفقدون شعبيتهم لا محالة .. ولقد أوقع السيد / عمرو موسى ، المرشح لرئاسة الجمهورية باحد مرشيحيهم وهو : الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح "ومن يحمل نفس الثقافة ، بكل سهولة وبساطة :، عندما قارن بين حديث لعبدالمنعم أبو الفتوح ، مع منى الشاذلي في برنامج : "العاشرة مساء " وواجهه بأنه قالفي اللقاء : إن الإسلام قد أعطى الحرية للمسلم ان يختار الإسلام ، او ان يختار دينا غيره ، ويترك الإسلام ، فرد : بأنه لا يقصد ذلك ، وإنما الذي يترك الإسلام ، لابد أن يستتاب لمدة ثلاثة أيام فإن لم برجع فلولي الأمر حق في أن يحل دمه ...
ولماذا لأن الثقافة التي ينهلون منها واحدة مهما ادعوا أن المرشح د/ عبدالمنعم أبوالفتوح معتدلا ، ومختلفا ، واستبعد عن الجماعة لذلك الإعتدال ، فهم ينهلون من : " لا يحل دم امرئ يشهد ان لا إله إلا الله .... إلا بثلاث .. النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ... " فهل يستطيع احدهم ان يترك هذا الكلام ويأخذ بالأية الكريمة وحدها : "قال تعالى : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " الإجابة معروفة !!!!!!!!!! دمت بخير والسلام عليكم
السلام عليكم الحضور ، في البداية نشكر للاستاذ إبراهيم تفضله بنقل هذا المقال الرائع للدكتور فرج فودة ، واختيار هذا المقال في هذا الوقت هو اختيار يدل على مهارة كبيرة ، فقد كنت موفقا أستاذ دادي في هذا الاختيار ، إنه يبحث في أن هناك فرق دائما بين الإسلام كقاعدة والمطبقين "المسلمين " وإذا أخطا المسلمون في التطبيق فلا ينسحب خطؤهم على الإسلام ، وهذا كلام في غاية الأهمية ، لأن معظم تيار الإسلام السياسي يصوغ للمرشحيهم من ناحية دينية صرفة ، دون النظر إلى برنامج انتخابي ، فقط فلقونا بالمشروع ولما سألت عن مشروع الإخوان وكنت أتخيله بناء أو شق ترع او إقامة كباري كالعهد السابق قالوا مشروع تنمية !!! فضحكت وكنت منذ فترة طويلة لم أضحك ربما لأعباء الحياة الكثيرة وتقلباتها ، ففيهم الخير عموما ، لكن التنمية قتلت بحثا في العهد البائد فلا تكاد تخلو خطبة من خطب الرئيس السابق من كلمة تنمية وبنية وتنموي وكل ما يتعلق بهذا المصطلح ، لكن إننا نريد برنامج دم ولحم يصلح للتنفيذ ، له فترة زمنية محددة يحقق فيها اهداف ، وفترة زمنية طويلة يحقق باقي الأهداف ، لم يأتوا على ذكر أمثلة محددة بل غن كلامهم عائم وغائم ، ولا يختلف عن كل ما سمعناه من كل السابقين ، اللهم إلا موضوع الصرف الصحي الإسلامي وأصبحت فكاهة المنتديات الآن !!!!!!!!!
قلت فى أول تأبين لفرج فودة : إن فرج فودة لم يسقط ضحية ولكنه ارتفع رمزا لكل مفكر مناضل يواجه بقلمه أالطغاء والبغاة الذين لا يملكون الحجة فيردون عليها بالرصاص . فى مقالات سبقت ونشرتها فى مصر حكيت علاقتى بفرج فودة منذ أن دافع عنى ونحن فى السجن عام 1987 الى أن تشاركنا معا فى مشروع حزب المستقبل والذى كان السبب فى صدور الفتوى التى تطالب بقتله وقتلى ، وكيف أن إغتيال فرج فودة كان علامة سوء فى تاريخ الاخوان والسلفيين وكل جماعات التطرف أظهر أن برنامجهم الحقيقى بعيدا عن الشعارات هو قتل المعارض المسالم طالما لا يقدرون على إسكاته . ومن هنا فقد اضطروا للسكوت عن قتلى وأنا قريب المنال من أيديهم حيث ظللت أعيش فى منطقة المطرية بالقاهرة وهى معقل من معاقلهم ، وكانت حول مسكنى اربعة مساجد تتنافس فى الهجوم على منكرى السّنة .
أذكر أن فرج فى العام الأخير من حياته كان يتلقى تهديدات شبه يوميه بقتله وخطف أولاده ، وتوقظه من النوم مما سبب مرضا نفسيا لزوجته فانهارت . وقبيل قتله خطفوا ابنه أحمد وعذبوه وأنقذه البوليس قبيل أن يقتلوه . كل هذا لم يجعله يسكت خوفا بل صار أكثر شراسة بحيث قلقت عليه فعلا من حدة نبرته ، ونصحته بالتخفيف فقال إنه سئم من حال مصر ، وهى تندفع من مناخ سىء الى مناخ أسوأ . وقال لى أنه يتوقع قتله فى أى لحظة ولقد طلب من وزارة الداخلية سحب الحراسة التى عينوها له ، وقال ربما يكون اغتياله مما يساعد على فضح أعدائه وتغيير هذذا المناخ السىء . كان رحمه الله يتوقع الاغتيال فلم يجبن بل انتظره بكل شجاعة وظل ينازلهم بقلمه حتى قتلوه بكل خسّة وجبن .
رحم الله جل وعلا فرج فودة ..فقد كان شجاعا كريما شهما قوى الحجة رائع الأسلوب فى الكتابة العربية ، مسالما الى أقصى حد ومتواضعا مع الناس الى أقصى حد ..كان باستطاعته أن يجعل المستمع اليه صديقا له بعد عدة دقائق ..وكان لا يجد غضاضة أن يحكى خصوصياته لمن يستمع اليه، فليس لديه شىء يخفيه ..كانوا يتهمونه بتلقى أموال من الخارج ، وألحّوا كثيرا فى هذا الاتهام الى درجة اننى نفسى صدقت تلك الاتهامات فى بداية الأمر ، مع أننى أعرف تضليلهم وانهم يتهموننى زورا بنفس التهمة. ثم دخلت بيت فرج فودة وتصافينا فرأيته متوسط الحال ، ولكن كرمه ومحافظته على مظهره كانت تجعل المحيطين به يعتقدون أنه صاحب ملايين .. وهو لم يكن كذلك ، بل كان فى وضع قلق ماليا لأنه فقد معظم زبائنه بعد أن كان لديه كثيرون يأتون لمكتبه الاستشارى . بسبب دعاية الاخوان فقد زبائنه ، وكان مضطرا لفتح المكتب لعمله السياسى ينفق عليه من مدخراته بينما تتوالى الاتهامات من الكاذبين ظلما وبهتانا .
بمقدار ما كان فرج فودة شهما وشجاعا ونبيلا كان أعداؤه على النقيض خسّة ودناءة وكذبا وإجراما . لقد قتلوا فرج فودة فى أوج عطائه ، وكان فى السابعة والأربعين من عمره . وكانت مصر فى أمسّ الحاجة اليه .ّ!!
وربما لو عاش حتى يومنا لتحسّر مثلنا . فالحمد لله جل وعلا رب العالمين على كل حال .
الفاضلة الكريمة الأستاذة ميرفت عبد الله تحية من عند الله عليكم،
شكرا لك على المشاركة والتعليق على كتاب الدكتور فرج فوده، نعم سيدتي لقد كان من الأوائل الذين جهروا بالحق، وانذروا بخطر الإسلاميين الذين جعلوا من الإسلام وسيلة لركوب الناس والاستيلاء على الحريات، ومنها حرية الدين الذي جعله الله تعالى اختياري، فمن شاء أن يؤمن ومن شاء فليكفر، وليس من حق أي بشر مخلوق أن يسيطر على الناس أو يهديهم بالقوة، ولا أحد هو عليهم بوكيل، وفي ذلك آيات كثيرة بلّغها آخر الأنبياء محمد بن عبد الله الذي قال عن جبريل عن ربه: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(22). الغاشية. وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ(66). الأنعام.
لكن القوم مع الأسف يكفرون هذه الآيات وأمثالها، ويريدون أن يسيطروا على المؤمنين ويحكموهم حتى لا يخرج أحدهم عن القطيع، رغم أن الدين لله تعالى الذي أراد أن يسود السلام والأمن على البسيطة ولا تكون فتنة. قال رسول الله عن الرُُّوح الأمين عن ربه سبحانه: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190)وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ(191)فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(192)وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ(193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(194). البقرة.
أما عن قاتلي الدكتور فرج فوده، ومن أيد قتله، فقد بشرهم ملك يوم الدين بعذاب أليم، وبنار جهنم خالدين فيها أبدا. قال رسول الله عن الرُُّوح الأمين عن ربه سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(21).آل عمران. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(93). النساء.
شكرا لك مرة أخرى على كرم التعليق.
العزيز الكريم الأستاذ محمد عبد الرحمان محمد تحية من عند الله عليكم،
شكرا على المشاركة تعليقا على الدكتور فرج فوده، لقد شاهدت تلك المناظرة وسجلتها، فقد كان الدكتور فرج فوده هادئا يعلم ما يقول ويرد على الشيوخ بالحكمة والحجة، وهم كانوا كاللصوص المقبوض عليهم يتلعثمون في كلامهم ويرددوا نفس الكلام، وقد لاحظت أثر الغضب على وجوههم، فقلت لمن معي لن يسلم من أيديهم لقد حكموا عليه بالغدر حسب ظاهر أعينهم. ولم يمض عن تلك المناظرة إلا أياما فسمعت باغتياله، لقد فاز الدكتور فرج فوده في المناظرة، ويفوز الفوز العظيم يوم الدين لأنه قتل مظلوما بغير حق.
أود أن أسأل الذين يريدون أن يحكموا باسم الإسلام، أي نوع من الإسلام، وأي مذهب من المذاهب سوف يحكمون به لو حكموا ؟؟؟ أمذهب الوهابية يريدون ؟ ألا يعلمون أن المذهب الوهابي هو من صنع المخابرات البريطانية على يد محمد بن عبد الوهاب؟؟؟
لمن يريد أن يعلم من هو محمد بن عبد الوهاب فعليه بالرابط: www.ahl-alquran.com/site/arabic/show_article.php
شكرا لك مرة أخرى لك من عند الله تعالى تحية مباركة طيبة.
الأستاذة الكريمة عائشة حسين تحية من عند الله عليكم،
جزيل الشكر لك على مشاركتك بالقلم تعليقا على كتاب الدكتور فرج فوده، وقلت: إن اغتياله يعد لطمة تصيب القاصي والداني من متبعي الوهابية ، بأنظمتها المختلفة ، ويدلل بصورة عملية على أنهم يفتقروا إلى الردعلى الفكر بالفكر ،والرأي بالرأي ، ومقارعة الحجة بالحجة ، لأن منطقهم عقيم ،وفكرهم عجز أن يلد افكارا وأدلة عن صدقهم المزعوم !!. أهـ
نعم سيدتي إن اغتياله دليل فقر الوهابية، وأتباعهم الذين أعجبتهم كثرتهم، والله تعالى يقول: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(100). المائدة.
المذهب الوهابي الذي تبناه آل سعود يُكفِّر كل من لم يدخل في القطيع الذي يسيطرون عليه، وكل من يختلف معهم في الفكر، وكل الفتن السابقة واللاحقة هي من رحم مذهب الوهابية، لقد أشعلوا فتنة في الجزائر في التسعينات فقتل فيها الكثير، الكثير من الأبرياء، ومرت البلاد بسنين شديدة تسفك الدماء فيها في الطرقات بأبشع طرق القتل، فكم من امرأة اغتصبت وكم من قرية هجرت وكم، وكم، لكن الله تعالى قدر فتغير الوضع وبدأ الأمن يعود للجزائر، وقد أجريت مؤخرا الانتخابات البرلمانية ولم ينجح فيها الذين جعلوا من الإسلام سلما للجلوس على كرس البرلمان، فكانت هذه صفعة لهم، وهم اليوم ينددون ويتهمون الناس بالتزوير، ربما يكون هناك بعض التزوير، لكن كيف لم ينجح منهم أحد رغم تحالفهم لأنهم كانوا يعلمون أن الشعب الجزائري قد بلغ رشده واستوى، وهذا ما أتمناه لكل الشعوب العربية، حتى لا تمر بسنين سفك الدماء والفتن...
شكرا لك مرة أخرى على المشاركة أكرمك الودود.
العزيزة الفاضلة الأستاذة إيناس عثمان تحية من عند الله عليكم،
شكرا لك على المشاركة في هذا المقال عن الدكتور فرج فوده، نعم عزيزتي ليس للإسلاميين برنامجا ينظم الحياة اليومية للمواطنين، بل إنهم يكتفون بالشعارات وكثرة الكلام والجهر بالقول، فهم يدّعون أنهم سيحكمون بما أنزل الله، لكنهم كاذبون فقد أشربوا البخاري وما جاء في كتب سلفهم من الكذب على الله ورسوله، وبذلك يريدون أن يحكموا إن أتيحت لهم الفرصة، فسوف ينصبون مشانق في الساحات العامة، مثل ميدان التحرير لتصفية كل من يخالفهم أو يعارضهم، أو لا يدين بدينهم الأرضي المختلق...
شكرا لك مرة أخرى على المشاركة، تحياتي للأسرة الكريمة وللوالد خاصة.
وجاء في صفحة 13 من كتاب الدكتور فرج فودة ما يلي:
دع عنك إذن حديث الساعة عن المصحف والسيف، فالمصحف في القلب، أما السيف فاسأل التاريخ عنه، وما ينبئك مثل التاريخ، فقد أطار السيف من رؤوس المسلمين أضعاف ما أطار من رؤوس أهل الشرك، وقل للمتشدقين بحديثه أن حديث الرحمة في عالم اليوم أقرب إلى القلب، وأن سبيل السماحة ألصق بالوجدان، وحديثهم بحديث سعد بن أبي وقاص ، حين اعتزل الفتنة قائلا: ائتوني بسيف يميز بين الحق والباطل.
النتيجة الثالثة:
أننا نهوى تجزئة الأمر عن قصد، ونهمل فارق القياس عن عمد، حتى نتوصل إلى نتائج تتفق مع ما وقر في القلب بأكثر مما تتفق مع المنطق أو حكم العقل، مع تذكرة أرى أن لها ضرورة، وهي أن العقل لم يكن أبدا مختلفا مع قواعد الدين الصحيح أو مخالفا لها، وإنما كان لها مؤيدا وسندا إن صدق القصد وسلمت النية،
أما ما قصدته بالتجزئة للأمر، فحسبك دليلا عليه ما ذكرته من حديث الأمن و الآمان في قصة النوم تحت الشجرة،وأما فارق القياس فدونك المقارنة بين واقع الحياة في الصدر الأول للإسلام وواقع الحياة اليوم، وهو واقع إن حكمت العقل فيه فلابد أن تأخذ في حسابك أن عدد سكان المدينة المنورة لم يكن يزيد وقت الخلافة الراشدة عن تعداد أصغر عواصم المراكز في مصر الآن، وأنه شتان بين وسائل الحياة وأساليبها في ذلك العصر ونظائرها اليوم، وأنه يستحيل أن يكون المطلوب من الحاكم اليوم ، أن يسير في الأسواق رافعا الدرة، أو أن يعلو بها رؤوس معارضيه، أو أن يتصنت على البيوت في الليل، حتى يعلم من أحوال المسلمين ما يدعوا لأخذ الثريد لأطفال جياع، أو يعود لامرأته ليصحبها لزوجة تلد دون معاونة، أو أن ينفي صاحب وجه صبوح خارج القاهرة حتى لا يكون فتنة لنسائها، أو أن يؤرقه أن تعثر دابة في أسواق أسوان، أو أن يمسح يده في نعله لأنه لا يملك منديلا، أو أن يلبس إزارا فيه إثنا عشر رقعة، أو حتى أن يكون هو الحاكم الأوحد على بيت المال، والمتصرف الأوحد في شؤونه، دون رقابة إلا من ضميره ، ودون وازن ‘لا من دينه وتدينه..
إن من يهملون في مقارناتهم أحوال العصر وما طرأ على الحياة من اختلاف، إنما يركبون بنا مركبا صعبا إن لم يكن مستحيلا، فليس حلا أن تخرج مجموعة إلى كهوف الصحراء الشرقية أو شعاب اليمن مهاجرة بما تحمل من عقيدة، آخذة بظاهر الأمر لا بجوهره، ظانة أن استعمال السواك، وتكحيل العين، وتجهيل المجتمع، والتسمي بأسماء السلف الصالحين، غاية المراد من تدين العباد، والمؤكد أن هذا ليس حلا، بل هو مصادمة بين الإسلام وأحوال العصر، لا مبرر لها إلا حسن النية وقصور الفهم في ذات الوقت، ولعلي أتساءل ويتساءل القارئ معي، هل هذا أجدى للإسلام والمسلمين، أم الأجدى أن نحلل على مهل أحوال عالمنا المعاصر، وأن نحاول جاهدين أن نقبل ما في المجتمع من أمور لم يكن لها في الصدر الأول للإسلام نظير أو مصدر للقياس، و أن نحاول وضع قواعد جديدة لمجتمع جديد، لا تهمل روح العصر ومتغيراته، وتقر في ذات الوقت حقيقة مؤكدة، وهي أننا نتعامل مع بشر، في مجتمع كان وسيظل الخطأ الإنساني جزءا من تكونه، والضعف البشري مكونا من مكوناته، وأن الأمر بدءا وانتهاء، يكون بالقدوة والموعظة الحسنة، والإرشاد إلى سواء السبيل بعقول متفتحة، وليس بالقهر والعنف وتجاهل الحقائق.
أخي الحبيب الدكتور أحمد منصور تحية من عند الله عليكم،
جزيل الشكر لكم على هذه السطور عن الدكتور فرج فوده رحمه الله تعالى، لقد عرفت الدكتور فرج من بعض كتبه التي حظيت بقراءتها، فعرفت إخلاص الرجل لدينه و وطنه وحبه السلام لجميع الناس، ومن المؤكد أنه ممن سيقول عند دخول الجنة مغفورا له: قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ(27). يسن. أما الذين اغتالوه، أو أمروا بذلك فسوف يقولون ما أخبر به الرسول: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي(26)يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي(29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ(36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ(37). الحاقة.
شكرا لكم عزيزي الدكتور أحمد على المشاركة تحياتي،
إليكم أعزائي شهادة الدكتور طه جابر العلوان عن فتوى الشيخ الغزالي في قاتلي الدكتور فرج فوده:
www.youtube.com/watch
ولمن يريد المزيد من جهاد الدكتور فرج فوده فعليه بالرابط:
www.youtube.com/watch
عزمت بسم الله،
بداية أشكر كل الذين قرؤوا هذا المقال، وأكاد أشك أن جل الذين قرؤوه يعترفون بصدق الدكتور فرج فوده وحسن نواياه، لاستشرافه للمستقبل منذ الثمانينات، وقد شاهد الأحياء الأحداث في تونس ومصر وليبيا وسوف يشاهدون أكثر من ذلك لو تركوا السياسة للسلفية ودعاة الوهابية المكفرين لكل من يخالفهم في العقيدة والمذهب ...
إليكم أعزائي النتيجة الرابعة من ص من نفس الكتاب 14.
أن أمور السياسة لا يجوز أن تأخذ بما تؤخذ به الآن من تسطيح وتهوين للأمور، وسوء مفرط في الاستلال، فقد يجوز أن نأخذ ما يصيب الأفراد من خير على أنه ابتلاء، وما يأتيهم من شر على أنه اختبار، لأن إطلاق تلك الأحكام على أحوال الدول وشؤون السياسة خطأ جسيم، ربما ارتد إلى قائله حاملا له عكس ما يقصد وغير ما أراد، وبوسع المقلب ( وليس المنقب) في صفحات الصحف أن يجد الكثير من النماذج على ما ذكرت، فمثلي لا يفهم، أيا كانت الدوافع، أن يتشفى واحد من كبار الدعاة في مصرع رئيس سابق، ذاكرا أن الاغتيال انتقام إلهي، ناسيا أنه مردود عليه بتساؤل ظاهره سذاجة، وباطنه حجة، عن قوله في اغتيال الخلفاء الراشدين، وإذا كانت هزيمتنا في 1967 غضبا إلهيا فما القول في نصر إسرائيل؟ هل هو رضا من الله في المقابل؟ وإذا كان تدهور مستوى المعيشة في بلادنا سخطا من الله لترك شرعه الصحيح فما القول في مستوى المعيشة في دول الغرب؟ وأستطيع أن أستطرد القارئ في أسئلة لا طائل وراءها إلا أن نتعجب من إطلاق الأحكام دون ترو، والحكم على الأمور دون تحكيم للعقل، فليس كل أمر سيء سخطا أو ابتلاء، وإنما أمور يسهل تحليل أسبابها إن أتت من فرد أم مجموعة، ويسهل مواجهتها بحلول عقلانية إن كانت ثمة مواجهة، دون أن ينتقص هذا من إيمان أو يزيد، ودون أن نهرب من مواجهة المشاكل بأهون الأساليب، وأقصد بها الإحالة إلى الإرادة الإلهية، التي يجب أن يعلو التسليم بها وبقدرتها فوق هذه التفاسير، ولنا في عام الرمادة أسوة، وفي طاعون عموس أسوة، وكلاهما حدث في عهد عمر، وعمر هو عمر، وعهده هو العهد الذي يعلو على شبهة غضب الله على عباده المؤمنين، ولنا أيضا أن نقف وقفة هادئة، مع الهاتفين في كل مرة يصيبنا فيها ضر أو ضنك، بأن هذا عقاب الله على تركنا لشريعته، تلك التي لو طبقناها لأبدلت ضرنا خيرا، وضنكنا غنى، ذاكرين لهم أن في حجتهم كثيرا من الوهن، وأنها مردود عليها بأن تطبيق الشريعة إنما يصدر عن الرغبة في تطبيقها وليس عن الرغبة في التوسل بها إلى غنى أو رفاهة وأن ما يحدث في أيامنا يسهل تفسيره بأنه محصلة لأسباب قد تتعلق بصور في أسلوب حكم، أو تقصر في الأخذ بأحسن السبل، وهما أمران يمكن أن تجد لهما خلا إذا قست على أمور الدنيا دون أن تهمل في وجدانك أعظم ما يهبه الدين، وهو الضمير، وباختصار فهذه قضية وتلك أخرى...
يتبع:
النتيجة الخامسة، أن فصل الدين عن السياسة و أمور الحكم، إنما يحقق صالح الدين وصالح السياسة معا على عكس ما يصور لنا أنصار عدم الفصل بينهما، ويجدر بي هنا أن أفصِل قبل أن أُفصِّل بين أمرين، أولهما أقبله وأطالب به وهو فصل الدين عن السياسة، وثانيها أرفضه ولا أقتنع به وهو تجاهل الدين كأساس من أسس المجتمع، والفرق عظيم، فالدين مطلوب، لأنه أحد أسس تكوين الضمير في المجتمع، وكلنا يسعد بأن يتعلم أولاده أصول الدين في المدارس وأن يحفظوا كتاب الله أو بعضه، وأن نستمع جميعا إلى آيات الله تتلى من خلال وسائل الإعلام، وأن نسعد جميعا بالاحتفال بالمناسبات الدينية، وأن يكون لرجال الدين مكانتهم ولقدرهم احترامه وتوقيره، هذا كله وأكثر منه قدر من تواجد الدين في الدولة مقبول به مطلوب، و هو أمر يختلف تماما عن فصل الدين عن السياسة وهو الأمر الذي أسمح لنفسي بأن استطرد فيه معك، حجتي في ذلك ما تحدثنا به كتب التاريخ ليس عن عصور الحكم الإسلامي المتأخر، بل عن عصر الصدر الأول من الإسلام.
دونك ما حدث في عهد عثمان، وما كان سببا في ثورة الثائرين عليه، ومنهم خمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وهم علي بن أبي طالب، وعبد الرحمان بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وقد أـنكروا فيما أنكروا أن يولي عثمان أقاربه على الأمصار، وأن يأوي من أمر رسول الله بطردهم من المدينة، وأن يتصرف في أموال بيت المال دون قاعدة، فيغدق على أقاربه والمقربين منه، ويمنع عن آخرين، وأن يضطهد بعضا من الصحابة أسماؤهم لوامع، ومنهم أبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وتساءل معي عما فعل عثمان، هل هو دين أم سياسة وتحرز قبل أن تجيب، فإنك إن ذكرت أنه دين فأنت مخالف لإجماع من لا تملك ولا أملك مخالفتهم إلا على باطل، وإن ذكرت أنها السياسة فقد أرحت واسترحت، أرحتني حين أكدت لي ما أتصور أنه صحيح، وهو أن هناك فرقا بين الإسلام والمسلمين، فالأول مقدس وإلهي والثاني قابل للخطأ لأنه بشري ودنيوي، وهو أمر لا يشفع له عصر أو اسم، وأنت بفصلك ما حدث بأنه قضايا سياسية قبل أن تكون قضايا دين، إنما تحفظ على الدين رونقه وجلاله، وهيبته وقداسته، وأنت في النهاية مستريح لحكمك، فما كان لأخطاء عثمان رضي الله عنه، أن تمس عظمة العقيدة أو سموها..
يتبع...
ولك أن تنتقل معي أيها القارئ إلى خلافة علي بن أبي طالب، وأن تتوقف معي قليلا، وتتأمل كثيرا، معركة الجمل الشهيرة، والتي كان فيها علي وصحبه من جانب، والسيدة هائشة زوجة الرسول ومعها طلحة والزبير فيجانب آخر، ولم يكن الجانبان طرفي نقاش أو مناظرة فكرية، وإنما كانا طرفي صراع بالسيوف والنبال، بلغ من ضراوته أن ارتفعت الصيحات في الجانبين، تدعو المقاتلين إلى أن يطَّرفوا ( أي أن يقطع بعضهم أطراف بعض) ودونك قبل أن نخوض في حديث القتال أن نتساءل كما تساءل أصحاب علي، أيمكن أن يجتمع الزبير وطلحة وعائشة على باطل؟ ودونك سؤال الطرف الآخر في الخصومة، أيمكن أن يجتمع علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس على باطل؟ والحق أن السؤال يبقى بدون إجابة هنا وهناك، أو إجابة النفي هنا وهناك، في ذات الوقت، وهو أمر أثره على العقيدة عظيم، لكنك تجد منه مخرجا إن ذكرت أن الأمر في هذا كله كان أمر سياسة قبل أن يكون أمر دين، وأمر حكم قبل أن يكون أمر تحكيم، وإلا ففسر لي مصير الفتى من اهل الكوفة، الذي أمره علي أن يقف بين الصفين رافعا لكتاب الله، داعيا القوم إلى ما فيه، وكيف قتلوه على اختلاف في الروايات، فالبعض يذكر أنهم رقوه بالنبال فقتلوه، والبعض يرى أنهم قطعوا يمينه فأخذ المصحف بشماله، فقطعوها، فأخذ المصحف بأسنانه أو بين منكبيه حتى قتل، وكيف حدث نفس الشيء لكعب بن ثور، واخرج معي بنتيجة ليس لك أن تخرج بغيرها، وهي أنها السياسة ( لعنها الله ) أشعلت نوازع النفوس وثارت الغضب، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الداعي إلى تحكيم كتاب الله في خضم بحرها المتلاطم ساعيا إلى حتفه، وحتى قتل طلحة بن عبيد الله في المعركة، وقتل الزبير على اختلاف في رواية مصرعه، ولم ينقذ المسلمين إلا دعوة علي إلى عقر الجمل الذي يحمل أم المؤمنين، ولست في حاجة إلى أن أذكر لك حوارها مع أخيها محمد بن أبي بكر أو حوار علي معها، فتجاوزات الحوار مفهومة ومبررة بضراوة الصراع..
لعلك متسائل معي الآن، ولك الحق في كل تساؤلاتك، إذا كان هذا هو ما يحدث بين الصدر الأول للإسلام والمبشرين بالجنة، فكيف يكون المصير على يد من هم أدنى منهم مرتبة وأقل منهم إيمانا وأضعف منهم عقيدة؟
يتبع...
وتساءل معي مرة ثانية، إذا كان هذا هو أسلوب الاختلاف في خلاف حول قضية محدده قد تكون الثأر من قتلة عثمان فما الذي يمكن أن يحدث حول قضايا أكثر تعقيدا، ومن رجال أقل تعمقا في الدين وأبعد التصاقا بعهد الرسول العظيم؟ بل اكتشف معي حقيقة ليس فيها مجال لشك، وهي أن الأمر ليس أمر قرآن وسنة، بل أمر من يفسرهما، فأنت لا شك وأنا لا أشك معك في أن طرفي الخصومة هم أكثر الناس فهما للقرآن، و أكثر الناس التصاقا بمصدر السنة ذاته وهو الرسول الكريم، ورغم ذلك فقد رآى كل منهما رأيا، و وصل الأمر بهما إلى الاقتتال وإسالة الدماء أنهارا..
وعد معي مرة أخرى إلى أصل ما توصلت إليه معك في هذا الجزء من الحديث، وتساءل معي، أليس الأصوب أن ننظر إلى كل ما سبق من حديث الفتنة والقتال على أنه سياسة وأمور دنيا؟ لا شك في أن الإجابة سوف تكون بلى، ففي هذا استنكار لما تقود إليه الإجابة العكسية من كون الدين سببا للفرقة، وحاشا لله أن يكون ذلك صحي. بل إنني استطرد فيما هو أهم، فالفصل بين القضيتين أرحم بالإسلام والمسلمين، فنحن إذا اختلفنا في الرأي السياسي انطلاقا من الدين، فسوف يتعصب كل منا لرأيه، لاعتقاده بأنه لم يعد رأيا، بل صحيحا من الدين بالضرورة، ولن يقبل واحد منا أن ينتصر غريمه بالرأي المخالف، وما أحلى أن يبذل الواحد منا حياته أو دمه أو أطرافه دفاعا عما يعتقد عن صواب أو خطأ أنه صحيح، ولعل هذا هو مدخل العنف في الحركات الإسلامية قديما وحديثا، وقديما بالقطع أكثر، لأن الطرف الآخر لا يقبل إيمانا ولا يرى في الأمر إلا ما نراه، .. بينما الأمر على العكس من ذلك تماما في ظل ما نعيشه من فصل بين الدين والسياسة، فنحن نختلف ونقبل بالاختلاف، ونتحاور ولا نتصارع بالسيف، ونقبل بهزيمة الرأي أمام الأغلبية عن رضا أو حتى عن سخط لا يتجاوز النقد، عن أمل في أن تنتصر الأغلبية له ذات يوم...
يتبع...
ارجو من السادة الافاضل الذين يملكون تسجيل هذه المناظرة ان يضعوها على شكل رابط لكي نستطيع تحميلها والتعرف اكثر على افكار الدكتور فرج فودة
شكرا للأستاذ عباس حمزة على المشاركة في هذا المقال،
إليك أخي الفاضل الوصلة للمناظرة بين الدكتور فرج فوده والمشايخ... www.youtube.com/watch
www.youtube.com/watch
شكرا مرة أخرى.
إليكم أعزائي النتيجة السادسة من كتاب قبل السقوط للدكتور فرج فوده.
النتيجة السادسة: إن استقراء التاريخ الإسلامي، يؤكد على حقيقة تبدوا شديدة الغرابة أمام المحلل الهادئ، الذي يحاول استخدام أعظم نعم الله تعالى عليه، وهي نعمة العقل والمنطق، هذه الحقيقة مؤداها أن أئمة الفقه الإسلامي، كانوا أكثر من عانى من الحكم السياسي المتسربل بالدين، وقد يفاجأ القارئ بهذا الأمر، خاصة وأن ما ينقل إلينا من صفحات هذا التاريخ، إنما يقتصر على نصيحة من عابد، أو حكمة تأتي على لسان زاهد، وفي المقابل لا تجد إلا خليفة يخر ساجدا لله، أو يبكي خشية منه حتى تخضل لحيته، أو يختصر الأمر فيسقط مغشيا عليه؟. ؟
وهنا نعود مرة أخرى إلى حديث التجزئة في الأخذ من روايات التاريخ، ونستبعد قبل أن نوضح ما نقصد إليه، عشرات وعشرات من الفقهاء، ممن كان شغلهم الشاغل ترجمة أماني الخلفاء إلى أحكام فقهية، بل والعياذ بالله إلى أحاديث مختلقة تنسب إلى الرسول،... دع عنك هذا كله فهو زبد لا غناء فيه، وتعالى معي أحدثك عن أئمة الفقه الأربعة الذين لا خلاف عليهم، وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وتعجب معي وأنت تقرأ قصة أبي حنيفة المنصور، وكيف سجن وعذِّب في السجن، وكيف ضرب بالسياط حتى ورم رأسه، ثم كيف أفرج عنه إلى حين، وقد تصور أن لذلك سببا وجيها من معارضة سياسية أو نقد للخليفة، لكنك تفزع حين تعلم أن سبب ذلك كله هو رفض أبي حنيفة لولاية القضاء، تنزها منه عن الدخول في حاشية السلطان وتأكيدا منه على مقولته للخليفة: " والله ما أنا بمأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب؟ " وهي مقولة لو تأملتها لزدت حزنا فوق حزن، وهي أيضا مقولة لم تشفع له، فقد سجنه المنصور مرة ثانية حين رفض هداياه، وظل رهين حبسه في قبو سجن مظلم، يضرب يوميا بالسياط، ولا تشفع له أعوامه السبعون، ولا يخرج من سجنه إلا وهو مشرف على الهلاك، بعد أن دسوا له سما بطيئا حتى لا يستطيع أن يروي ما حدث له، وما أسرع ما تأتي النهاية، وما أيسر ما يجد البعض في قول المنصور: " من يعذرني من أبي حنيفة حيا وميتا؟ " دليلا على ضميره الحي، وإيمانه القائم وتقربه إلى الله برجاء الرحمة والمغفرة (؟.؟) ولا أحسب إلا أن المنصور كان صادقا مع نفسه، وهو يفعل ما يفعل بأبي حنيفة، فأنت إن تتبعت كلمات المنصور وخطبه، فسوف تجد رجلا يعيد ويزيد في قول واحد مختصر ( أنا الإسلام، والإسلام أنا ) وهو لا يتصور أن يصدر عن الإسلام شيء إلا من عباءته، أو أن يعلن عنه حكم إلا من خلال حاشيته، أو أن يرتفع صيت عالم ومقامه إلا أن يكون ذلك منسوبا إليه.
يتبع...
ولعل القصد أيضا من سرد هذا الحديث واضح، فهو استطراد فيما أتصور أنه يسير الإثبات، وهو أن الخلافة التي خلعوا عليها صفة الإسلام، كانت في مجملها أمر دنيا لا أمر دين، وأمر سياسة لا أمر حكم لشرع الله، بل إنها تتجاوز في بعض الأحيان، بل قل في أغلبها، فتصطدم بالإسلام نفسه ممثلا في رموزه العظيمة من علماء الدين.
وإذا تجاوزت الإمام أبي حنيفة إلى الإمام مالك بن أنس، فإن التاريخ يذكر لنا أن والي المدينة – في عهد المنصور أيضا – قد أمر رجاله فضربوا مالكأ أسواطا، ثم جذبوه جذبا غليظا من يده، وجروه منها فانخلع كتفه، ثم عادوا إلى داره وألزموه الإقامة بها، لا يخرج منها حتى للصلاة ولا يلقى فيها أحدا، ، ولا يغني من الأمر شيئا، أن المنصور استرضاه بعد ذلك حين زار المدينة في موسم الحج، وأنه أنكر أنه أمر بهذا وأنه عاقب الولي ... بل إنني أكاد أجزم بأن وجود الإمام مالك في المدينة، وابتعاده عن مقر الحكم في بغداد وعن حاشية الحاكم من أمثال ابن أبي ليلى وابن شبرمة، كان مبررا معقولا لمحدودية ما أصابه بالقياس إلى ما أصاب أبا حنيفة، وهو أيضا مبرر نجاة الشافعي من ظلم الخلفاء، حين عاش في مصر بعيدا عن مقر الخلافة وسلطانها، لكنه لم يعدم فقيها أحمق مثل ( فتيان)، الذي ضاق صدره بعلم الشافعي وشهرته، وسبه سبا قبيحا دفع الوالي لضرب فتيان بالسوط ( وإلى هنا والأمر معقول بمفاهيم عصره) ثم الطواف به محمولا على جمل وقد حلقت لحيته وشاربه ورأسه، ومن أمامه المنادي ينادي: هذا جزاء سب آل رسول الله ، و عنا لك أن تتأمل معي شكل العقاب وأن تقارنه بأسبابه، وأن تقول معي " لا حول ولا قوة إلا بالله " ثم لك أن تستطرد معي إلى ما حدث بعد ذلك، فقد تربص بعض السفهاء ممن تعصبوا لفتيان، حتى انتهى الإمام الشافعي من حلقته بالمسجد وخلا المسجد من رواده، فباغتوه وانقضوا عليه ضربا عنيفا بهراوات أخفوها في ملابسهم، وظلوا يضربونه حتى سقط مغشيا عليه، وتمكنوا من الهرب، ثم نقل هو إلى منزله حيث كانت النهاية، ولك إن شئت أن تتجاوز ذلك مستعيذا بالله من شر الظن، ولا يبقى إلا حديث الإمام ابن حنبل، وهو حديث ذو شجون.
يتبع...
فما أصاب الإمام خليق بأن يكون درسا لمن يتشدقون بعصور ازدهار الفكر الإسلامي في عهد الخلافة العباسية، وخليق أيضا بأن يكون درسا للحالمين بدولة الخلافة في عصرنا الحديث، المتصورين حاكما لا وجود له إلا في مخيلتهم، يجمع بين رحمة أبي بكر وفقه علي وشدة عمر ورقة عثمان وعدل عمر بن عبد العزيز، ويملأ الأرجاء بمجالس العلم، حيث يتبادل الفقهاء آراءهم في شؤون الدين في حرية ويتجادلون فيما بينهم بروح المحبة، ويفندون آراء معارضيهم بالحجة ويدفعون ناقديهم بالتي هي أحسن، ويحتكمون فيما يختلفون فيه إلى الخليفة العادل الزاهد، الذي إن أعجزه الرأي لجأ لمجلس الشورى الإسلامي، وحسبك علم أعضائه وحلمهم، ذلك العلم الذي يحسم الخلاف وذلك الحلم الذي ينهي الشقاق، وما على الخليفة إلا أن يستدعي المختلفين فينقل إليهم الرأي الشرعي، ويحيطهم قبل ذلك وبعده بروح الأبوة والحب الإسلامي الصادق، فيصدعون بما حكم فيهم، ويقبلون بعضهم البعض قبل خروجهم إلى بيت الله، أيديهم متشابكة، ويد الله فوق أيديهم مؤيدة لهم بالرشد والسداد...
دع عنك أحلامهم أيها القارئ العزيز، بل خذها معك وأنت تنتقل معي إلى الواقع المر في قصة ابن حنبل، والتي بدأت أحداثها باقتناع الخليفة المأمون بقول المعتزلة بخلق القرآن، وهي قضية فلسفية كان لابن حنبل فيها رأي مخالف، ما أظن أن كلا من الرأيين يمكن أن يخرج مسلما عن إسلامه، لكنه مركب السلطة في الدولة الدينية، وسطوة الحكم لدى من يخلط بين اجتهاده وأصول العقيدة، وهي السطوة التي قادت ابن حنبل مغلولا بالأصفاد إلى المأمون، وهو في السادسة والخمسين من عمره، محمولا على بعير واحد مع تلميذه الشاب محمد بن نوح، الذي مات في الطريق، ويشاء القدر أن يموت المأمون قبل أن يصل ابن حنبل، لكن هذا لم يضع نهاية لعذابه، بل كانت بدايته، فقد حبسه المعتصم في السجن الكبير في بغداد، مسجونا وحده حتى يتضاعف عذابه، مضاعفا عليه الأغلال والقيود، واستمر ذلك نحو عامين ونصف...
هذا حديث الأئمة الأربعة الكبار، الذين ملأوا الأرض علما وحكمة، وهو حديث يستحيل أن يكون ما حدث فيه محض مصادفة، فالمصادفة لا تتكرر مع الجميع أو مع ثلاثة منهم على الأقل وعلى الترتيب، وهو أيضا يستحيل أن يكون شذوذا أو استثناء، بل الأقرب إلى المنطق أن يكون قاعدة.
يتبع...
بل قل غير مبالغ أنها طبيعة الأمور، ولا تحسبن أن ما أتاك من حديث الخلفاء العباسيين قد تناول من هو مغمور منهم أو هين الشأن، بل إن الأمر على العكس من ذلك تماما، فأنت لا تستطيع أن تتجاوز المنصور وأنت تعد خمسا من أعظم الخلفاء بعد الراشدين، وربما عددت المأمون من بينهم، أما المعتصم فحسبك أنه فاتح " عمورية" الشهير، لكن الأمر مرجعه كله إلى مقياسك في وزن الأمور، فهم عظماء إذا قستهم بميزان الدنيا كرجال دولة، وهم عظماء إذا قستهم بميزان الفتوح الإسلامية وتوطيد دعائم الإسلام، في أركان المعمورة، وهم محل نظر إذا قستهم بمقاييس ظاهر الدين من ذهاب للحج أو تبرع بالصدقات أو نوادر تأتي على ألسنتهم في أحاديثهم مع الزهاد، يصرخون في نهايتها: يا ويلتي من ضيق القبر وعذابه، وهم محل شك كبير إن استعرضت بعض ما سبق وتأملت فيه.
لك أن تتخذ من المقاييس ما شئت، ولك إن شئت أيضا أن تتجاوز معي قصة التاريخ، بل قل مآسيه إلى واقع اليوم، وأن تقارن معي ما يحصل عليه علماء الدين الكبار اليوم من تكريم وإجلال، ومنابر إعلام مقروء ومسموع ومرئي، في ظل قوانين ينعتها أغلبهم بالوضعية وبعضهم بالعلمانية، وبين ما حدث لأئمة الفقه العظماء، الذين لا يدعي أحد من المعاصرين أنه يطاولهم في علم أو فقه.
لهم أن يحمدوا الله كثيرا على نعمة أمن الرضا وأمن الغضب ولنا أن نحمد الله كثيرا على أنا لم نشهد نطعا ولم يعل رؤوسنا سيف ولنا الله أيها القارئ، أنا وأنت، إن قدر لك أن تقتنع بما ذكرت لك فسوف يحملون علينا كثيرا، وسوف يلصقون بنا كثيرا من الصفات بدأ بالعلمانية وانتهاء بالخروج عن الدين، فلا تحزن وهون عليك وتذكر معي قصة الإمام علي، وكيف رفض خدعة تحكبم كتاب الله فدفعوه إليها، وقبل بها فأنكروها عليه، وأعد قراءة ما كتبت إن أردت فلن تجد فيه خروجا أو مروقا، وإنما سوف تجد فيه كثيرا من الصدق مع النفس، وقدرا من حب الوطن عظيم، وحوارا أردته عن طبع وعن قصد، وفتش في الكتاب كله فلن تجد استشهادا بآية كريمة أو حديث شريف، لأن الحديث كله كان سياسة ودنيا وفكرا، ولم يكن حديث دين أو آخرة أو فقه، وعساي أن أكون قد أوضحت لك أن ما تسمعه اليوم من حديث الدولة الدينية أو الحكومة الدينية، إنما هو أمر سياسة وحكم، وليس أمر عقيدة وإيمان، بل إنه قيادة إلى مجهول بالنسبة لك معلوم بالنسبة لهم، مجهل عن قصد مستتر عن عمد.
يتبع...
أرجو أن يكون ما سبق كله دعوة مقبولة إلى حوار هادئ، وأن يتخلى من يتصدى بالرأي والحجة والواقع، عن عادة لا أدري سبب انتشارها في السنوات الأخيرة، إلا أن تكون علامة من علامات الزمن الرديئ وهي كثير، وأقصد بها أن من يتطوع بالرد، لا يكلف نفسه عناء قراءة ما يرد عليه..
وقانا الله وإياهم من عمى البصيرة وجهل القصد...
هكذا ينتهي الفصل الأول ( جهل القصد)، ثم يأتي بعده (قصد الجهل)، وكأن الدكتور فرج فوده موجودا بيننا اليوم، رغم مرور سنوات على اغتياله، لقد اغتاله المتمسلمون لأنه تنبأ للمستقبل المظلم، وفضح بكل شجاعة وجرأة بقلمه ولسانه الحكم الديني المستورد من السعودية الوهابية، ( السلفية) التي كانت تنشر حكمها بالسيف، فأصبحت اليوم تنشره بالمال وإغواء البسطاء السذج، ليفجروا أنفسهم بين الآمنين المسالمين، لن تنعم الدول الإسلامية بالأمن إلا إذا فرقت بين الدين والسياسة، فالدين خاص بكل فرد، والسياسة تجمع جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات الدنيوية... قال رسول الله عن الرُُّوح الأمين عن ربه سبحانه: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164). الأنعام.
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(111). النحل.
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38). المدثر.
يتبع...
إليكم أعزائي عنوان آخر من كتاب الدكتور فرج فوده ( قصد الجهل).
جاء فيه:
في حديث لي مع أحد مراسلي العربية، استطردت في شرح مفهوم الفصل بين الدين والسياسة، فإذا به يقاطعني مستنكرا، وإذا بي أرد عليه ثائرا، وإذا بالحوار فصل في هذا الكتاب.
ولنبدأ الأسئلة:
هل تريد أن تقصر وظيفة المسجد على أداء الشعائر الدينية والدعوة لأمور العبادة ؟، نسيت حوار عمر مع المرأة حول المهور، وحوار أحد المسلمين معه حول طول ثوبه عن أثواب المسلمين؟ ألا يصلح هذا دليلا ساطعا على أن المسجد هو المكان الطبيعي للحوار بين الحاكم المسلم والمعارضة المؤمنة؟، هل تريد القفز على هذه الفترة الذهبية من تاريخنا الإسلامي وقت أن كان المسجد مقرا للعبادة وبيتا للحكم ومجلسا للشعب المسلم في ذات الوقت؟ ولمصلحة من هذا كله؟ ، يا سيدي إني أشك في نواياك...
وننتقل إلى الإجابة:
دعني أحاول أيها الصديق أن أتسلل إلى ذهنك من خلال أسئلتك، ودعني أتخيل أن وراء هذه الأسئلة التي تداعت على لسانك بتلقائية ساخنة صورة مركبة من عدة أبعاد، البعد الأول منها يتمثل في إيمانك بأن ما حدث في عهد عمر صالح للتطبيق في عالم اليوم، سواء بالنسبة لجزئية الحاكم، أو بالنسبة لجزئية المحكوم مؤيدا كان أو معارضا، والبعد الثاني في الضغط النفسي الذي تعانيه نتيجة استبعاد بعض أئمة المساجد ممن يمارسون دورا سياسيا واضحا من منابرهم منذ سبتمبر 1981، والبعد الثالث يتمثل في تصورك لمؤامرة ( علمانية) لتقليص دور المسجد و بالتالي دور الإسلام داخل حدود الدين، بعيدا عن أمور السياسة التي هي جزء منه، بل هي التي تميزه عن غيره من الأديان.
هذا عن أبعاد الصورة في ذهنك كما أتصورها، أما أبعاد الصورة التي ترتسم في ذهني، فدعني أرتبها لك على مستويين، المستوى الأول أن نأخذك بقولك وتصورك ونطبقه على عالم اليوم، فإن كان خيرا للمجتمع سلمت لك بالحجة، وإن كان شرا انتقلت معك إلى المستوى الثاني للحوار، الذي يناقش أوجه القصور في تصوراتك وهو الوجه المقابل لأوجه القوة فيما أتصور، ولنبدأ بالمستوى الأول، ولنتصور أن المسجد قد عاد إلى أداء دوره في عصر السلف الأول للإسلام، وأصبح من واجبات الإمام في خطبة الجمعة، أن يناقش أمور السياسة من وجهة نظر الدين، ليس هذا فحسب، بل إنه ينتهز فرصة درس العصر أو درس العشاء فيعلن رأيه مؤيدا أو معارضا لما يستجد من أمور سياسية،
يتبع...
وها هم المؤمنون الصادقون يسعون إلى الأئمة في بيت الله، يقيسون أمور دنياهم على أحكام دينهم، وهم إن وجدوا رأي الإمام صائبا، رددوا بينهم وبين أنفسهم، الله أكبر ولله الحمد، لله الأمر من قبل ومن بعد، وإن اختلفوا معه رفعوا صوتهم بالرأي المخالف مدللين عليه بآيات الكتاب وصحيح السنة، وعلى العكس من تصور صديقنا العزيز فسوف يكون هذا مدعاة إلى اختلاف وفتنة وليس إلى ائتلاف وتوحد، ليس في عظيم الأمور بل وفي أهونها، والتدليل على ذلك يسير، فسوف يعلن إمام مسجد في حدائق القبة مثلا أن معاهدة السلام إثم كبير، وعلى الحاكم أن يلغيها فورا تباعا لحكم الله في الأمر، وتأكيدا على أنه لا سلام مع اليهود، الذين اقتحموا على المسلمين ديارهم، بدؤوهم بالعداء، وربما انفعل الإمام صادقا مع نفسه ومع ما يعتقد أنه صحيح الدين، فهدد الحاكم إن استمر في موقفه ليملأ عليه قصر الرئاسة خيلا ورجالا، وأن شباب الحدائق سوف يرفعون السيوف من الآن فصاعدا دفاعا عن قولة الحق، ولست في هذا مبالغا أو مستندا إلى خيال مريض، بل لعلي أقرب ما أكون إلى واقع تاريخ قريب.. وفي المقابل فسوف يرتفع صوت إمام آخر في مصر القديمة مثلا، مؤيدا لما أعلنه كبار علماء الأزهر، ولا أحسب أن أحدا يتهمهم بكفر أو مروق، من أن معاهدة السلام كانت نصرا للإسلام والمسلمين، لأنها لأنها حررت أرضا مسلمة، وأعادت شعبا مسلما إلى ديار الإسلام، وسوف يدعو الحاكم إلى العض، على المعاهدة بالنواجد، وربما أخذته الحماسة فتوعد الحاكم بأن يملأ عليه قصر الرئاسة خيلا ورجالا إن هو نكص عنها، وربما أقسم بأن شباب مصر القديمة سوف يرفعون السيوف من الآن فصاعدا دفاعا عن استمرار المعاهدة، ليس عذا فحسب، بل إن تصورا منطقيا قد يتراود إلى الذهن، ومضمونه أن الصدفة قد تدفع ببعض شباب مصر القديمة إلى الصلاة في مسجد الحدائق، وهنا يحلوا لهم التشبه بما ذكرته أيها الصديق من حديث المعارضة داخل المسجد، فيرتع صوتهم مقاطعا الإمام في خطبة الجمعة، مدافعا عن المعاهدة بالأسانيد، وربما حدث العكس فساقت المصادفة أبناء الحدائق إلى مسجد مصر القديمة، فردوا التحية بمثلها، ولا أحسب إلا أن الأمر سوف ينتهي بأن تملأ الحدائق مصر القديمة خيلا ورجالا، أو أنم يحدث العكس، وللقارئ أنم يتصور فيما ذكرته قدرا من المبالغة، وله في هذه الحالة أن يتواضع في تصوراته ويتصور، حسما للخلاف، أن تنقسم القاهرة ومساجدها إلى مناطق متخصصة، فهذه مساجد للسلام، وهذه مساجد للحرب، وهذه مساجد لم يحسم فيها الصراع بعد.
يتبع...
هذا عن عظيم الأمور، أما أهونها فدونك ما أثاره قانون الأحوال الشخصية من نزاع، وما أطلق بسببه من اتهامات للعلماء الأجلاء في الدين، أقسموا ولا يزالون يقسمون أن للقانون أصولا فقهية في المذهب المالكي، لكن الحنابلة لا يقبلون به، والشافعية يستعيذون بالله من إثم بعض مواده، والحنفية يدعون الله أن ينجي الأمة من مغبة ما يترتب عليه من خطايا، أوجزها بعضهم في أنه قانون يبيح للمرأة أن تجمع بين زوجين، هنا قد ينطلق بنا عنان الخيال، بل قل تصور الواقع، فنتخيل إماما حنبليا في مصر الجديدة، وآخر شافعي في الزيتون، وثالث مالكي في المطرية، ورابع حنفي في عين شمس، ولا بأس أن يختلف هذا عن ذاك، أو مع ذاك، وأن ينتقل شافعي من هنا إلى هناك، أو حنبلي من هناك إلى هنا، ولنا أن يشتط بنا الخيال إلى حديث الغمام في مواجهة المعارضة، أو إلى حديث السيف دفاعا عن صحيح العقيدة، أو أن نركن لخيال السلم قانعين بالتخصص...
ألمح على وجهك أيها الصديق دهشة وانزعاجا، بل أكاد أتصور أنك لو استجمعت شتات ذهنك في هدوء لرددت علي بأنني مبالغ، وأن ما أتصوره غير قابل للحدوث، بدليل أنه لم يحدث بالنسبة لما ذكرت، وهو قائم سواء بالنسبة للواقع أو بالنسبة لردود الفعل، لكني أبادر فأقول، أن ذلك صحيح حتى الآن فقط لسبب بسيط، وهو أن الأئمة المسيسون فقط المعارضة، ولهذا لا تسمع منهم إلا حديث المعارضة، أما حديث التأيد فقد تولاه عنهم الإعلام، وكل هذا مرهون بإطار الدولة المدنية، لكن الأمر يصبح على العكس من ذلك تماما في إطار الدولة الدينية، إن تحققت من خلال تصورات شباب الجماعة الدينية، وهي تصورات تختلف تماما عن أي شكل من أشكال النظم المجاورة التي تدعي أنها تتبنى الإسلام عقيدة ونظام حكم، بل أنني أريحك وأتجاوز شطحات الخيال السابقة، والتي أرى لها عن خطأ أو صواب سندا من واقع الحال أو احتمالاته، و أواجهك بحقيقة ربما غابت عنك، وهي أنك ضحية ابتسار وقائع التاريخ، فالدولة الإسلامية التي استمرت ثلاثة عشر قرنا، لم تعرف حديث المعارضة داخل المسجد إلا فيما ذكرته أنت ولم يزد عن واقعتين يتغنى بهما الركبان، بل دعني أتحرز في هذا وأتجاوز عهد الخلفاء الراشدين وهو لم يتجاوز ثلاثين سنة هجرية، إلى جميع العهود التالية، أي ثلاثة عشر قرنا إلا أربعين عاما، وأذكر لك أن المعارضة لم تكن تواجه إلا بالسيف، بل قل أيضا دون مبالغة أن التأييد في أغلب الأحوال لم يأتي إلا بالسيف، وأن ما استنكره المسلمون الأوائل من بيعة معاوية لابنه يزيد، قد تطور في عهد عبد الملك بن مروان إلى أخذ البيعة لم يليه، ولم يلي من يليه، فقد أخذ البيعة للوليد ولسليمان من بعده مرة واحدة، وعندما رفض أحد خيار المسلمين ( سعيد بن المسيب) ذلك ساقه هشام بن إسماعيل الخزومي إلى مكان يدعى الثنية في المدينة وهو مكان للقتل أو الصلب، ثم أعاده بعد أن يبث في قلبه الرعب، فما كان من عبد الملك بن مروان حين بلغه ذلك إلا أن لام هشام، وأعجب معي وأنت تتأمل هذا اللوم، لقد قال: " قبح الله هشاما، إنما كان ينبغي أن يدعوه إلى البيعة، فإن أبى يضرب عنقه "، هكذا ببساطة وسلاسة ويسر، ولا أحسب أن واحدا من دعاة الدفاع عن أي شيء وكل شيء، يمكنه أن يدلني على أن رفض مبايعة الوليد وسليمان خروج عن الدين أو ارتداد عن صحيح العقيدة....
يتبع...
يقول الدكتور فرج فوده في كتابه قبل السقوط ص 26...:
ولا بأس أيضا أن نعود إلى بعض حديث المسجد، ولا ضير أن أذكرك أيها العزيز بواقعة طريفة، فقد جلس زياد ( ابن أبيه) على المنبر، في أول توليته بالكوفة، وأطال الصمت حتى علت الهمهمة، وظل زياد صامتا، ومع مرور الوقت تصايح البعض طالبين منه أن يتحدث، فإذا به يستمر صامتا، وتطوع بعض الجالسين ممن أغضبهم هذا التصرف، فقال لمن يجاوره، ألا قبح الله بني أمية، ألم يجدوا غير هذا العيي يرسلونه واليا على الكوفة، والله لأحصبنه لكم ( رأي سوف أرميه بالحصى)، وقد كان .. وهنا وقف زياد، وغادر المنبر، وطلب من شرطته أن تغلق أبواب المسجد إلا بابا واحدا جلس أمامه، وأمر بأن يخرج الناس له أربعا أربعا، ( أي، بالمعنى العسكري الحديث أربعات تشكيل)، وطلب من كل أربعة من الخارجين أن يقسموا واحدا واحدا على أن واحدا منهم لم يحصبه، فإن أقسموا جميعا نجوا جميعا، وإن يقسم واحد منهم، ( واحد فقط) أمر بالأربعة فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف... هذا حادث من حوادث المسجد أيها العزيز، وقع قبل مرور خمسين عاما على وفاة الرسول، وأستطيع أن أذكر لك العديد من الأمثلة التي لا غناء فيها لأنها لا تمس الإسلام في شيء، وإنما تمس من حكموا باسم الإسلام، والإسلام من أسلوب حكمهم براء، لكني أعود بك من جديد إلى حديث المسجد وأسألك، ألم تلحظ معي شيئا، ألم يتضح لك مما قرأت أنت ومما ذكرت أنا من أمثلة أننا نتحدث دائما عن مسجد واحد هو مسجد العاصمة في الدولة أو في الولاية، وبمعنى آخر، ألم تلحظ أن حديث الرواة قاصر على المسجد الذي يخطب فيه الخليفة أو الوالي، وأن باقي المساجد لو كانت قد عملت بالفعل بالسياسة، مؤيدة أو مخالفة، لذكر لنا التاريخ أمثلة على ذلك وهو ما لم يحدث، فالتاريخ لا ينقل أخبار مسجد الطائف أو مسجد حماة أو مسجد دمياط أو غيرها، الأمر الذي يؤكد حقيقة هي أن المسجد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وفي عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، كان يؤدي دور ديوان الحكم وجهاز الإعلام ومجلس الشعب معا، وأنه لهذا ارتبط بالعاصمة أو بمكان تواجد الحاكم، وأنه بمرور الوقت، وظهور وسائل الإعلام الحديثة، وتطور وتعقد مؤسسات الحكم، واستقلال مجلس الشعب أو النواب، لم يبق للمسجد إلا دوره الأول والأساسي، وهو دور التوعية الدينية، وأننا نتحدث في ذلك عن مسجد العاصمة فقط، أما باقي المساجد فقد كان، وسوف يظل هذا، دورها الوحيد، ليس الآن فقط، بل منذ نشأة الإسلام، بل دعني أقلب معك وجوه الأمر، وأطرح عليك وجهة نظر أخرى، ألست ترى معي أن في قصر رسالة المسجد على تعميق مفاهيم الدين، وغرس القيم الدينية التي لا يختلف حولها مسلم وآخر، تحقيق لقصد الذاهبين للصلاة، بل وأكثر من ذلك احترام لحريتهم الفكرية، تلك الحرية التي أجزم بأن الإسلام قد صانها وارتفع بها إلى أعلى عليين.
يتبع...
وقد تتساءل عن العلاقة بين ما أقترحه من دور المسجد وبين الحرية وتفسير ذلك بسيط، فالإمام عندما يعرض قضايا إتفاقية فإنه لا يبرز شقاقا ولا يثير نزاعا في النفوس، لكنه عندما يعرض قضايا سياسية فإنه بالقطع يعرض قضايا خلافية، وهنا لابد وأن تسأل نفسك لو كنت مختلفا معه ( الأمر الذي لا يقلل من شأن إيمانك أو قدر تدينك)، ألا يضفي الإمام من موقعه على المنبر وزنا أكبر لرأي هو في النهاية اجتهاده الشخصي؟ ولننتقل بالسؤال إلى خطوة أبعد، ألا يخلط الإمام في هذه الحالة بين رأيه الخاص وقدسية الدين؟ أنت لا شك معي في هذا فقد أختار منبرا أنحني أنا وأنت أمامه إجلالا. ولنصل معا إلى السؤال الأهم، ألا ترى في الأمر حجرا على حريتك في التعبير عن رأيك أو حتى في سماع ما تحب سماعه من آراء واجتهادات فردية، حين يفرض عليك أن تجلس خاشعا ليس للرأي بل لقدسية المكان، صامتا ليس عن رضا بل عن احترام لحرمة الشعائر، غاضبا ليس عن ضعف في الاعتقاد، بل عن اعتقاد في ضعف حجة من دائرة الخلاف والاختلاف، في مكان قصد منه الوفاق، وتوجهت إليه للاتفاق؟.
هنا أنتقل إلى المستوى الثاني في النقاش، موضحا لك أن أضعف ما في حجتك أنك تهمل فارق القياس بين عصر الصدر الأول في الإسلام وعصرنا الحالي، رغم انك لو ناقشت الأمر في هدوء لتوصلت معي إلى نفس النتائج، فأنت لا تستطيع أن تنكر أن وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي في عالمنا المعاصر أقوى في نشر قرارات الحاكم وقوانين الدولة من سردها على ألسنة الأئمة في صلاة الجمعة أو الجماعة، وأنت لا تستطيع أن تنكر أن مؤسسات الحكم في الدولة قد استحدثت من أساليب التعامل ما لا يسمح به المسجد سواء بالنسبة لقواعد المجاملة أو المقابلة( البروتوكول) أو بالنسبة لما هو مستحدث من أساليب الاتصال وما هو مطلوب من أعداد كبيرة من المتخصصين كل في مجاله، وأنت تتفق معي على أن معارضة الحاكم أو الحكومة تكون أجدى وأقوى لو تمت من خلال الأحزاب أو المجالس النيابية أو صحف ومجلات المعارضة منها لو تمت من خلال رأي يطلقه مسلم في مسجد في مواجهة إمام لا تتيسر أمامه البيانات المطلوبة للرد أو المناقشة أو التحقق من صحة الرأي الآخر، وأنت لا تستطيع أن تختلف معي في أن المسجد أقوى وسائل التأثير الديني في كل ما يتعلق بأصول العقيدة أو فروعها، وأن وسائل الإعلام مهما بلغت من القوة لا تطاول المسجد في تأثيره وأثره، فالجالس أمام التلفاز أو المذياع أو القارئ لمجلة أو صحيفة، لا يشترط فيه بالضرورة أن يكون في حالة نفسية أو مادية تسمح له بتلقي الموعظة أو الآية الكريمة أو الحديث الشريف أو تفسيرهما، بينما الذاهب للمسجد مهيأ نفسيا للصلاة، طاهر البدن، خالي الذهن إلا من رغبة الاستزادة من أمور الدين.
يتبع...
لعلك الآن ترى معي ما أراه من أن تطور العصر قد فرض على المسجد أن يتخصص فيما خصص له، وهو عرض مفاهيم الدين وتأصيلها في نفوس المسلمين، ولعلي لا أرى ما تراه أنت، بل وأراجعك فيه، من كون ذلك قصر أو تحجيم لدور المسجد، فحاشا لله أن يكون نشر العقيدة وتأصيلها أمرا هينا أو دورا ثانويا، وأستغفر الله أن يخطر هذا على بالي أو أدعيه، وأستغفر الله أن يتشدق بذلك معارض أو يرتضيه.
ونصل إلى أهم ما أعرضه عليك في هذا الحديث، وهو سؤال جال في خاطري قبل أن يجول في خاطرك، وأرقني في الصحو والنوم دون أن أصل إلى إجابة شافية له، فأنا أعرض عليك فيما سبق وفيما سيلحق أمورا تدور في ذهنك وذهني، وبالقطع تدور في ذهن رجال الدين المسيسين، وأطرح أمامك أمثلة لا أشك في أنها عرضت عليهم في دراستهم الأولى في المعاهد الدينية، أو في كتب التاريخ الإسلامي التي لا أشك في قراءتهم لها، .. ما بالهم إذن يخرجون باستنتاجات عكسية لما يخرج به كل من يستخدم المنطق في الربط بين الأسباب والنتائج، والوقائع والعبر؟
لا ريب أنهم قصدوا الجهل ( جهل القارئ لهم أو المتابع لمقولاتهم) وتعمدوا التجهيل فيما يعلمونه علم اليقين، ويصلون إلى حقيقته دون عناء شديد أو جهد جهيد..
هذا هو مربط الفرس..
لقد قصدوا جهل القارئ حتى يتوصل إلى عكس ما يقوده إليه المنطق، ومن قبل في هذا الفصل، عرضنا عليك كيف جهلوا القصد في أحداث جسام، وفي عصور بعضها نطمح إليه ونتمثل به، وبعضها نستعيذ بالله من شروره وآثامه، وأنت في النهاية أيها العزيز بين شقي الرحى، إن دارت يمينا طحنت بجهل القصد، وإن دارت شمالا طحنت بقصد الجهل، ولا تملك إلا أن تهرب كما فعلت أنا من الطاحون، ناجيا بدينك ودنياك بعيدا عن دائرة التعصب الطموح، أو الطموح المتعصب، داعيا لهم بالهداية، وداعيا لي بالنجاة من ألسنتهم وأقلامهم، وداعيا الله أن يحفظ الإسلام والمسلمين وأن يعلي كلمة الدين، في مساجد أمر الله أن يذكر فيها اسمه، ويرتفع من فوق منابرها صوت الحكمة لا صدى الطموح إلى الحكم.
يتبع...
انتهى قصد الجهل، ولي تعليق بسيط:
هل تلاحظ أيها القارئ الكريم من الدكتور فرج فوده ذرة من كفر أو ردة عن دين الله ؟ فإذا كنت مثلي يثق في صدق ما كتبه الدكتور فوده، فما قولك في الذين حرَّضُوا الشباب على قتله ظلما وعدوانا؟ وهل يمكن أن تضع ثقتك في رجال الدين الذين يأمرون بالمنكر وينهوا عن المعروف ويشهدون شهادة الزور من أجل متاع الحياة الدنيا..؟
إليك أيها القارئ العزيز الفصل الثاني من كتاب الدكتور فرج فوده ( قبل السقوط).
جاء فيه تحت عنوان: حوار هادئ في قضية ساخنة.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، شهادة من يدفعه مناخ رديء إلى رفع شعار الديانة بديلا أو سابقا لشعار المواطنة، وإثباتا لما لا يتطلب برهانا وتأكيدا، ومقدمة لابد منها في مواجهة تيار أهون ما يفعله أن يكفر مسلما، أو يرمي من يختلف معه بسهام الارتداد عن الدين..
وبادئ ذي بدء فإني أؤكد إيماني بأن الدين جزء من مكونات الشخصية المصرية، بل هو في تقديري ضمير مصر، ونغمة القرار في المعزوفة المصرية، وهي نغمة يمتزج فيها الهدوء بالعمق، وهو أمر جد مختلف عن نغمات الجاز الصاخبة التي يفاجئنا بها المتسرعون والمتشنجون، والرافضون في ذات الوقت لأي نغمة تختلف عما يعتقدونه صوابا، والمكونون لتيار عارم، غذاه فكر أحادي الاتجاه، لم يجد من معارضيه – وما أكثرهم – إلا تراجعا يتلوه صمت، وصمتا يعقبه تراجع، بعد أن تعلموا من رأس الذئب الطائر، وبعد أن تنادوا – إنج سعد فقد هلك سعيد – إنما أنا مواطن مصري يندب مصير مصره، حين تنساق بحسن النوايا في اتجاه حاشا لله أن أسميه مستقبلا، فما أبعد المستقبل عن دولة دينية لا أحسب أن العصر يتسع لها، أو أن المواطن يمكن أن يسعها، دون أن تتهدد وحدته، وينهدم ما تعلق به من أهداب الحضارة أو درجاتها.
يتبع...
كتب الدكتور فرج فوده في حوار هادئ في قضية ساخنة ما يلي:
إن المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية الآن، ليس أكثر من رد فعل لمؤثر خارجي، وهو على عادة رد فعل، يصدر عنيفا ومتعجلا، بل ويجانبه الصواب في مواجهة الفعل، الذي في تقديري هزيمة 1967، وما طرحته من إمكانية انتصار إسرائيل وهي كياني ديني، على نظم تمثل استمرا لاختيار تبني الحكم المدني الأوربي منذ نهاية القرن الماضي، وربما غذى رد الفعل مناخ اقتصادي يزخر بالتناقضات، الأمر الذي أنبت خوارج تمثلوا في فئات شتى أجمعت على تكفير المجتمع، وساق في نفس الوقت فكر المجتمع كله إلى تبني النكوص الحضاري، ولعل من توسعوا في تفسير انتصار أكتوبر بصيحة الله أكبر متناسين ما بذل من جهد وعلم وتدبر، ومن أقسموا أن جندا من الملائكة قد تقدمت صفوف العابرين، يدركون اليوم حجم ما دفعوا المجتمع إليه.
إن المنادين بتطبيق الشريعة الإسلامية فورا دون إبطاء، يرددون في ذات الوقت مقولة تبدو في ظاهرها منطقية، يواجهون بها كل من يتصدى لهم بمجرد النقاش، وهي مقولة تطرح في شكل سؤال منطقي، ما الذي يخيفك من تطبيق الحدود؟ إنها لن تطبق إلا على سارق أو زان أو شارب خمر أو مرتد أو (مفسد في الأرض )، وهو تساؤل يبدو في ظاهره مفحما، لكنه يخفي حقيقة أرجو أن يلهمني الله القدرة على إيضاحها، وهي أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس مسألة ( جزئية) تتعلق بإقامة الحدود، وإنما هو مدخل لتداعيات يهرب أنصار التطبيق الفوري للشريعة من إيضاحها، أو يغالطون في بيان أبعادها الحقيقة.
إن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد أن يقود إلى دولة دينية، والدولة الدينية لابد أن تقود إلى حكم بالحق الإلهي لا يعرفه الإسلام أو قل عرفه فقط في عهد الرسول، والحكم بالحق الإلهي لا يمكن أن يقام إلا من خلال رجال دين إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومجمل ما سبق، بتأثيره وتداعياته، يؤدي بالتأكيد إلى انهيار الوحدة الوطنية في مصر وأي مقولة تناقض هذه التداعيات المنطقية إنما تمثل نوعا من المناورة أو في أحسن الأحوال، قيادة إلى المجهول، يدفعها حسن النوايا، ويحصدها سوء المآل.
لنأخذ مثالا تطبيق أحد الحدود، وليكن حد الزنا، ولنتصور معا ماذا يمكن أن يحدث بمجرد تطبيق الحد، سوف ترتفع الصيحات، كيف نطبق حد الزنا بينما ملاهي شارع الهرم مفتوحة، والرقص الشرقي مباح، والرقص الشعبي معترف به كفن، ناهيك عن الباليه، وجميع هذه الأسئلة تبدو منطقية، ومواجهة السائلين بأي رد أو تبرير يبدو نوعا من العبث، ولن يكون ذلك إلا مقدمة لخطوة تالية، يدفعها تساؤل أكثر منطقية وإقناعا.
إذا كان لنا حق الامتناع عن الذهاب إلى ملاهي شارع الهرم أو مسارح الرقص الشعبي أو الباليه، فإننا لا نستطيع أن منع التلفزيون ( أو التلفاز حتى لا أغضب أحدا) من دخول بيوتنا، ومن مطالعة وجوه المذيعات، كاسيات عاريات، متبرجات يبدين زينتهن، ويلبسن أزياء لم يعرفها الصدر الأول في الإسلام، وهل عقمت مصر رجالا بدائل، وحتى لو ظهر الرجال فسوف يخرج البعض بسؤال جديد حول فسق المذيعين، وعدم إطلاقهم اللحية وتقصير الشارب، أما برامج التلفزيون فأترك القراء لمطالعة تصور إحدى المجلات الإسلامية( 1) ( الاعتصام ديسمبر 1984) لبرامج التلفزيون في مجتمع إسلامي.
1ـ نحن لا نطالب بإلغاء التلفزيون أو إغلاق محطات الإذاعة لأنها نعمة ... غير أن سوء استخدامها يحولها إلى نقمة. فهي سلاح ذو حدين. إن الخطأ الكبير والعيب أن نبدلها كفرا فنحل قومنا دار البوار.
2 ـ لذا فأقترح: استخدام ساعات الإرسال لاكساب الناس معارف وقيما وسلوكيات إسلامية بأسلوب تربوي إسلامي مدروس يجمع بين الثقافة والترفيه.
3 ـ أحسن القصص، كتابا وسنة.. والصحيح من قصص سلفنا الصالح خير بديل، على أن يقدم بأسلوب القرآن والسنة.. لا أسلوب اليونان..
4 ـ تحل المناظرات، والمحاضرات، والندوات، والمسابقات، والألغاز محل تلك البرامج، وتقدم بفن مدروس، يشد المتابع للإرسال المبثوث. مع عرض أشرطة لعجائب الخلق، وبديع الإنشاء الرباني دون استخدام معازف محرمة ولكن في حدود الشرع.. إلخ.
5 ـ يتم كل ذلك في إطار إسلامي.. وقور .. رزين.. مهذب يضم رفيع القيم وجميل الخلق وإسلامي السلوك.. ويحول وسيلتي الإعلام هاتين إلى مدرسة يسرع الناس إليها.. في شكل لا يستخف بالقيم الإسلامية قولا أو مظهرا أو سلوكا أو طريقة أو تقديما وعرضا.
ومن الواضح أن العرض السابق ليس أكثر من عموميات تعتمد على ألفاظ مطاطة واسعة. وقد يرى البعض أن ما سبق تصوره وطرحه كبديل إسلامي في دولة إسلامية، لبرامج التلفزيون، يمكن أن يسمح ببعض التمثيليات التي تصور قصصا إسلامية أو تحمل في أقل القليل، نوعا من العظة الدينية في قالب تمثيل، يساعد على ( هضم) بعض ساعات الإرسال، وإمكانية الاستمتاع بها، إلا أن التمثيل في حد ذاته أيضا مرفوض بنص المقال السابق، ولنطالع معا بعضا من وجه نظر المقال في التمثيل: " إن الأعمال الدرامية مهما كان مضمونها ليست بديلا إسلاميا بالمرة. إن التمثيل ليس ( الأسلوب الإسلامي) لشغل مساحة ساعات الإرسال مسموعة كانت أو مرئية.
أولا : لأن التمثيل بكل أشكاله فن وثني يداية ونهاية. وقد نهانا الرسول ( ص) عن التشبه بهم.
ثانيا: النص في التمثيل يمثل قمة الكذب حيث يصوغ خيال المؤلف وقائع تخيلها فكره المريض لمواقف لا تمثل واقع الشخصية بأكثر من واحد في الألف. وقد نهينا عن الكذب حتى في المزاح مع طفل... كما جاء في الحديث الشريف.
ثالثا: وتقمص الممثل دور الشخصية كذب آخر حيث لم ير هيئته فيحكيها.
رابعا: وفيه كذب كذلك " أي التقمص" مخافة لتعاليم الإسلام، حيث نهنا صلى الله عليه وسلم عن أن يحكي بعضنا بعضا إن سخرية .. أو محية.. ولكن المأمور به التأسي في واقع الحياة بالنبي القدوة.
خامسا: شخصية الممثل في علم النفس شخصية غير سوية متفسخة، فيها طابع التزوير، لا تقبل لها شهادة، تراها في صورة متناقضة تخلو من الغيرة والنخوة.
وإذا تجاوزنا عما ورد في الفقرة السابقة عن عدم قبول شهادة الممثل؟ .
فإن بعض المتفائلين قد يتصورون أن برامج التلفزيون قد تسمح لبعض الممثلات بالظهور ( دون تبرج أو ابتذال) لكن الرد يأتي سريعا وفي نفس المقال حيث يذكر أن ( العنصر النسائي لو تقمصه رجل لكان ملعونا، ولو قامت به امرأة لما صح، لظهورها أمام الناس في مشهد يحرم الإسلام ظهورها فيها.. ومن تحركات وأصوات. وما يجره ذلك من اختلاط وفسق.. وما يرتكب من مخالفات شرعية مثل الزواج والطلاق.. وهذا أمر جده جد، وهزله جد، وما يستتبع ذلك من سلوك حرمه الشرع وكل ذلك إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا. ولا يترك كاتب المقال مجالا بعد ذلك لمحاولة المناقشة أو الجدل حول هذا الموضوع، حيث يصرح في نهاية مقاله بقوله ( إن كل من اشترك في العمل التمثيلي ملعون لقوله (ص) " ويل للذي يحدث بالحديث فيكذب فيه ليضحك منه الناس، ويل له.. ملعون ولو كان يرفه عن الناس).
وهكذا ما أن نبدأ بتطبيق حد الزنا، حتى ننتهي إلى منع التمثيل، وإلغاء نقابة الممثلين، وتسريح الفنانين، وإلغاء معاهد التمثيل والفنون المسرحية، وإحالة المذيعات إلى المعاش، وإغلاق المسارح، ودور السينما، ومنع الاختلاط في الجامعات، وفرض الزي الإسلامي على المواطنات، استنادا إلى فتاوى من لا يتحرجون في استخدام أحاديث من نوع الحديث المذكور في المقال، والذي تكفي نظرة واحدة إلى أسلوبه للطعن في صحة نسبته إلى الرسول.
هذا نموذج واحد لتداعيات لن يستطيع أحد إيقافها أو مواجهتها، في مجال واحد يتعلق بالحياة الفنية، أما ما يمكن أن يحدث في مجال الاقتصاد والحياة اليومية فحديثه يطول، بل إنه يطرح قضية بالغة الخطورة، وهي أن أنصار الاتجاه السياسي الإسلامي لم يطرحوا هم أنفسهم برنامجا في هذه القضايا، وإنما طرحوا مسلمات عامة تتمثل في ( البركة) . و ( الفقر الذي يصاحب مخافة شرع الله )، بل أحد أقطابهم، ولا أريد أن أذكر اسمه حتى لا يتصور أحد أنني أبني موقفي الفكري على عداء شخصي له، قد صرح بعد زيارته للسودان الشقيق، بأن السودان يعاني فقرا شديدا ومشاكل اقتصادية صعبة، وأن ذلك راجع إلى ابتعاده عن الله وعن شرعه في فترة سابقة، وأن الآمال في أن تطبق الشريعة يمكن أن يبدل فقرهم غنى وعسرهم يسرا، وما لبث مولانا أن تدارك نفسه في ذات الحديث بقوله وحتى لو استمر العسر واشتد الفقر، فإنه ابتلاء الله للمؤمنين وهو ابتلاء في الدنيا يكافئه المولى بنعم الثواب في الآخرة...
يا سبحان الله .. أي حديث هذا الذي لا يترك مساحة للمنطق أو فسحة للعقل، إذا اغتنوا مستقبلا فهو الجزاء في الدنيا، وإذا افتقروا مستقبلا فهو البلاء في الدنيا سعيا لجزاء الآخرة...
يتبع...
كتب الدكتور فرج فوده منذرا قومه بما يلي:
إنني أعلم أن الكثيرين صادقوا النوايا تماما في كل ما يدعون إليه، بل إن بعضهم مسلمون معتدلون، يرون أنه من الممكن أن يتواءم الإسلام مع العصر وأن دين الله السمح الذي يدعوا للخير والجمال، لا يمكن أن يعترض على الموسيقى والغناء، ولا يمكن أن يعترض على التماثيل المقامة في الميادين ( إلا إذا دمنا فيها جزءا حيويا لا تستطيع العيش بدونه؟؟)، لكني أؤكد أن أصواتهم سوف تكون أضعف الأصوات، بل إنني أدعوهم لأن يصرحوا بما يعانون الآن من الاتجاهات الإسلامية المتطرفة، لمجرد أن لهم رأيا مخالفا، وليس في ذلك بدعة أو مفاجأة، فقد حفل التاريخ الإسلامي كله بالمزايدة في التدين، ولن يوجد في عصرنا مسلم يفهم الإسلام كما فهمه علي بن أبي طالب، الذي لم يمنعه تفقه في الدين، وتمسكه به، من أن يخرج عليه من يزايدون عليه دينيا، بل وينتهي الأمر به إلى القتل على أيديهم، بينما كلمته العظيمة لا تزال تطرق الآان بعنف ( إنه حق يراد به باطل)، والحديث الشريف للرسول لا يزال يتردد في الأذهان مذكرا بأن الدين وعر، وأن علينا أن نوغل فيه برفق، ومثلي لا يعرف رفقا تأتي به منظمات الجهاد أو التكفير والهجرة أو نظائرها قديما في التنظيم السري للإخوان المسلمين، بل أقول غير مبالغ أنني لا أعرف غير الحوار بالكلمات سبيلا، ولا أطلب قيادة بل حسبي أن أُقاد إلى كيان واضح المعالم محدد القسمات وليس إلى مجهول يتعمد دعاة التجهيل أو ربما مناصرو لجهل، وأين؟ على صفحات الصحف القومية ذاتها، وحسبي أن اذكر منها جريدة اللواء الإسلامي، التي تضع نائب الحزب الوطني بمجلس الشعب في حرج بين دعوة التريث في تطبيق الشريعة، وهي دعوة عاقلة بل وتنبعث من رغبة في الحفاظ على الإسلام ذاته، وبين ما تعلنه الجريدة من أنها " في كل عدد من أعداد اللواء الإسلامي " نطالب الدولة بسرعة تطبيق الشريعة الإسلامية، وقلنا بأنه لا يمكن صلاح هذه الأمة إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية. وهذا رأي واضح وصريح ولا ردة عنه إطلاقا،" ليس الأمر إذن قلة معارضة من الإخوان المسلمين في مجلس الشعب، أو قلة أكبر من الوفد، بل هو قبل ذلك تناقض واضح في سياسات الحزب الحاكم، ودعوة واضحة من إحدى صحفه لا تنقصها صراحة ولا يشوبها التواء...
والسؤال الآن..
هل يعلم من يدعون إلى ذلك عن يقين بان هذا مدخل إلى دولة دينية بعض ملامحها ما ذكرت، وأخطر ملامحها ما يصدر عن صفحات هذه الجريدة" القومية" إذ نشرت في ذات العدد عن ندوة في مسجد عقبة بن نافع، ورد فيها على لسان الدكتور عبد الغني الراجحي ما نصه " السوءات الثلاثة في الفكر الإنساني مصدرها يهودي، فالشيوعية بنت كارل ماركس صاحب كتاب " رأس المال" وكارل ماركس يهودي لحما ودما، فهذا نظام من نتاج الصهيونية اليهودية، والثاني المسمى "فرويد" الذي قال أن الغرائز الإنسانية كلها راجعة إلى غريزة الجنس، وأنتم تعرفون غريزة الجنس ماذا تعني، إنها الشهوة البهيمية، فهبط بالكمال إلى أسفل سافلين، الثالث " داروين" الذي قال أن الإنسان أصله قرد، هو ثالث الثلاثي " القذر"، وهذا الثلاثي كله يرتبط بخيط يهودي، ماركس يهودي، فرويد يهودي، داروين يهودي "؟"* ، ( ملاحظة علامة الاستفهام مقصودة من المؤلف، لكون داروين مسيحيا وليس يهوديا.) والخطير في مثل هذا القول أن الحكم على الفكر يصدر أساسا من منطلق اختلاف الديانة، وهو منهج خطير، كما أنه من الواضح أن السيد الدكتور قد أوجز فكر كل منهم بعبارات لا أسمح لنفسي بوصفها بأنها يشوبها الجهل، بل أقول تأدبا التجهيل الشديد والابتعاد الأشد عن حقيقة الفكر، والجزم بأنه لم يقرأ من أصول نظريات هؤلاء سطرا واحدا، ويبقى ما هو أخطر وهو وصف هؤلاء الثلاثة العظام في تاريخ الفكر الإنساني ، أيا كان حجم اختلافنا معهم بأنهم ثلاثي " قذر" ...
ماذا يكون الحال إذن لو ظللتنا الدولة الدينية من خلال مفاهيم الدكتور الراجحي ونظرائه.. لا شك في أن كتب ماركس سوف تمنع من التداول، وأن نظريات فرويد سوف تحظر على الدارسين لعلوم النفس، وأن نظرية داروين سوف تستأصل من مناهج التدريس، ليس هذا فقط، بل المؤكد أنه سوف يتبع الثلاثي " القذر" طابور من "القذارة" يضع فيه أمثال الدكتور الراجحي من يشاؤون، بعد أن يخلعوا على فكر كل منهم وصفا بلاغيا مقززا..
ربما كان ما ورد على ألسنة العلماء الأجلاء من عبارات بلاغية لخصت قضايا فكرية وفلسفية كبيرة، هو النموذج الذي يتمنى كاتب الرأي في جريدة الاعتصام أن تزخر به برامجنا الإذاعية والتلفزيونية كبديل عن أساليب " اليونان"، وأكاد أجزم بأنه وليس غيره هو ما سوف يسود، لأن غيره قذارة، وكل قذارة مكانها النار وليس أجهزة الإعلام..
هذا هو التداعي الأول للدعوة للتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية الآن، وأقصد بها قيام دولة دينية، وهو أمر لو صدقت النوايا، كان يجب أن تسبق مناقشته، أي دعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية، لا أقول ذلك من منطق القبول أو الرفض، وإنما من منطق الترتيب المنطقي للمسائل، بحيث يعلم عضو مجلس الشعب الذي سوف يعطي صوته معها أو ضدها، أنه يضع حجر الأساس في إقامة دولة دينية، وأن قضية تطبيق الشريعة الإسلامية إنما جزء من الكل، عليه أن يلم بتفصيلاته قبل أن يقدم عليه، وأنه مقدمة لتداعيات تبدأ بالدولة الدينية، التي تقود إلى حكم بالحق الإلهي ، لا يتم إلا من خلال رجال الدين، ولا ينذر إلا بفتنة طائفية، وهي موضوعات سوف تتناولها فصول تالية.
رحم الله تعالى الدكتور فرج فوده، وكأنه حي بيننا، ـ ( وكيف لا وقد قتل في سبيل الله بغير حق، فهو ممن قال فيهم المولى تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169).آل عمران. ـ لقد تنبأ على مستقبل ما آلت إليه مصر والمسلمون في هذه الأيام، التي أصبح المتاجرون بدين الله تعالى ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية، وأي شريعة وأي مذهب وأي شيعة يريدون؟؟؟؟ فهم بذلك يشعلون فتيل الفتن الطائفية، المذهبية والدينية، ويخربون بلادهم بأيديهم استجابة لآل سعود الوهابية التي قال الرسول عن جبريل عن ربه: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(97). التوبة.
إن الإسلام دين لائِكي يضمن للإنسان الحرية في الإيمان أو الكفر، والمولى تعالى وحده سوف يحكم بين عباده، فيدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا أليما.
قال رسول الله عن الرُُّوح الأمين عن ربه سبحانه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(40). المائدة.
يتبع...
يقول الدكتور فرج فوده في كتابه قبل السقوط ما يلي:
الحكم بالحق الإلهي.
أوضحت في المقال السابق أن الدعوة للتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، إنما تمثل مدخلا لا شك فيه لقيام دولة دينية، وأن هذه الدعوة تمثل ردا شديد الذكاء على الداعين إلى البدء بإقامة المجتمع المسلم، فما أن يبدأ تطبيق الحدود حتى تظهر التساؤلات البريئة، كيف ندفع الفرد إلى ارتكاب المعصية ثم نحاسبه عليها؟ وهنا يصبح منطقيا أن تتوالى التداعيات الجزئية، بادئة بمنع السفور، ومنتهية بمنع (الفجور )، وهي عبارة مطاطة قد يراها المعتدلون في المعازف المحرمة، وقد يراها المتشددون في ملابس لاعبي الكرة، التي لا تخفي ما فوق الركبة، وينتهي الأمر في أسرع وقت بقيام الدولة الدينية، وهي دولة _ إن قامت _ لابد وأن يشملها إطار سياسي، يستند في مجمله إلى الحكم بالحق الإلهي الذي لا يعترف بالدساتير والقوانين الوضعية، ولا يرى مصدرا للفكر السياسي غير القرآن والسنة، ولا يعرف من الأحزاب السياسية إلا حزبين هما حزب الله وحزب الشيطان، و واضح أن حزب الله ممثل فيمن يحكمون باسم الدين وتحت رايته، بينما حزب الشيطان حزب اسمي ، ليس له وجود مادي أو قانوني ملموس، شأنه الشيطان ذاته، ففي حد الحرابة مياحة لمن يطلق عليهم اسم ( المفسدون في الأرض)، وهو تعبير يتسع لكي يشمل كل مخالف لأعضاء حزب الله أو مختلف معهم.
يتبع...
يقول الدكتور فرج فوده في كتابه قبل السقوط صفحة 40 وما بعدها:
ولعلي في حاجة الآن إلى وقفة ضرورية لكي أزيل لبسا قد يعلق بالأذهان بعد عرض الفقرة السابقة، فقد يتساءل البعض، وماذا يضيرك لو أصبح القرآن والسنة هما المصدرين الوحيدين للحكم على أي تصرف أو سلوك، هل تنكرهما، أو هل تعترض عليهما؟ وإجابتي أنه حاشا لله أن أنكر أو أعترض، لكن الأمر ليس بهذا القدر من التجريد والبساطة، بل يستحق أن يناقش في أناة، وأن نستعرض معا الظواهر، حتى نخلص، أيضا معا، إلى نتائج قد نتفق فيها وقد نختلف..
إنني أستطيع أن أجمع عشرات المقالات التي كتبت في الأربعينات والخمسينات وكانت تحمل عناوين كلها يمكن أن توجز في عنوان واحد هو ( الرأسمالية هي الإسلام )، و أستطيع أيضا أن أجمع عشرات المقالات، بل وربما بعض الكتب، التي كتبت في الستينات والتي يمكن أيضا أن توجز في عنوان واحد وهو ( الاشتراكية هي الإسلام )، وفي كل مجموعي المقالات نجد استشهادا بآيات من الكتاب، وأحاديث نبوية مؤكدة السند، وفي المقابل فإن هناك من يرى أن الإسلام له نظريته الاقتصادية التي لا هي هذا ولا هي ذاك، وكل ذلك يدفع إلى تأكيد حقيقة واضحة، وهي أن القرآن، لكونه كتابا مقدسا أنزل لكل العصور، لا يمكن أن يضيق بمرحلة من مراحل التاريخ، بل يمكن أن يتسع للتطور والتغير فيما يمس المعاملات وأحوال المعيشة، وأن هناك مساحة واسعة من الحرية فيما يتعلق ( بشؤون دنيانا)، وهنا يكمن الخطر الشديد، لأن الأمر سوف يتوقف على رؤية من يفسر وقدرته على أن يتفاعل مع الواقع في تطور أو جمود..
ولنأخذ مثالا أكثر وضوحا، ربما لكونه واقعا معاشا، ولكونه قضيته قضية حال حاضر، وأقصد بها الموقف الديني من معاهدات السلام مع إسرائيل..
إن الشيخ صلاح أبو إسماعيل يعرض وجهة نظره في هذه القضية خلال شهادته في قضية الجهاد، وهي وجهة نظر لا تختلف كثيرا عن الموقف المعلن للإخوان المسلمين على لسان الأستاذ عمر التلمساني، حيث يقول في معرض نقده لسياسة الرئيس السادات، * ( إنه يطلب الرأي في " كامب ديفيد" ولا يقف عند حدود النص الشرعي، ولكنه يطلب الرأي الشخصي متجاهلا الرأي الشرعي، ورأيناه يطبع العلاقات مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا " اليهود" .. ويزعم أنه حريص على الأرض والسيادة، وقد قبل اتفاقيتي كامب ديفيد، وبمقتضاهما فإن إسرائيل تحكمت حتى في حجم قواتنا في شرق القناة، وفي المجالات التي تتحرك في حدودها هذه القوات على أرضنا، وقبل أن تتحكم الصهيونية في نوعية مطاراتنا في سيناء، وقبل تدويل خليج العقبة مع أنه بمقتضى معاهدة القسطنطينية أقل من أن يكون مياها إقليمية، وأباح لليهود أن يدخلوا مصر وقتما يشاؤون.. قبل من الشروط ألا يدخل فلسطيني أرضه إلا برضى اليهود.
وقبل أن يكون " لكامب ديفيد" الأرجحية على غيرها من الارتباطات عند التعارض، فهي أرجح من ميثاق جامعة الدول العربية، وأرجح من الروابط بيننا وبين المسلمين، وأرجح من كل ارتباط بعهد من العهود عند التعاقد، وهو بذلك خان دم الشهداء، فإذا كان يعتقد حل ما صنع فهو كافر.. وإن كان يعتد خطأ ما صنع فهو فاسق ظالم)، بينما يعرض خمسة من علماء الأزهر رأيهم في نفس القضية، وفي ذات الكتاب( ص: 147) وذلك في رد أرسل إلى المحكمة، على النحو التالي ( فإذا عرضنا اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل " كامب ديفيد" على قواعد الإسلام التي أصلها القرآن وفصلتها السنة وبينها الفقهاء تحت لواء الأحكام الشرعية باعتبار أنه بمقتضاها عادت أرض مصرية مسلمة هي سيناء بعد أن احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وعاد المواطنون المسلمون فيها إلى مصر، وعادت ثروات سيناء تستفيد بها مصر بدلا من أن يستنزفها اليهود في إسرائيل.
فهل استرداد الأرض والثروة مما يأمر به الإسلام أو مما ينهى عنه، وهل في هذا مصلحة محققة للمسلمين أو شر ماحق بهم؟ وهل في عودة المواطنين الذين تحررت أراضيهم إلى دولتهم ـ مصر ـ ترعى شؤونهم من تعليم وصحة وتجارة، بل تحفظ دينهم الإسلام وتؤدي إليهم الدولة كل مسؤولياتها نحوهم؟ هل هذا أمر أمر به الإسلام أو مما نهى عنه؟
وحين نعرض هذه المعاهدة في ضوء مسؤوليات الحاكم المسلم في نظر الفقهاء المسلمين نجد أن رئيس مصر السابق قد نصح للأمة وقام بالمسؤولية فحافظ على الرعية واسترد الأرض، فحين وجد أن لا مندوحة من الحرب حارب، بعد أن استعد وأعد العدة، وفاوض وسالم حين ظهر أنه لا مفر من السلم وأنه يستطيع الوصول إلى الحق سلما أو حربا.
وهنا يحق لي أن أتوقف قليلا، فنحن أمام رأيين شديدي الاختلاف، بل هما بالفعل على طرفي نقيض، أحدهما يرى أن الحاكم قد كفر كفرا بواحا، بل إن دمه يصبح حلالا إذا استتابه بعض الفقهاء وأصر على رأيه، بينما يؤكد رأي آخر في نفس القضية، أن نفس الحاكم، قد نصح الأمة وقام بالمسؤولية فحافظ على الرعية واسترد الأرض.. وكلا من الرأيين يصدر عن متفقهين في الدين.
ويستند إلى أصل من القرآن والسنة، ويصل أحدهما إلى حد تكفير الحاكم لمخالفته الشرع، ولأن الحكم لحسن الحظ –حتى الآن- لا زال مدنيا، فقد سمح لنا، نحن الرعية، بأن نستمع إلى وجهتي النظر، وأن نقارن بينهما، وأن نسأل أنفسنا سؤالا محددا: ترى لو كان الأمر بيد أصحاب الرأي الأول هل كان يسمح لأصحاب الرأي الثاني بالتعبير عن رأيهم، لا أريد أن أقطع برأي حتى لا أتهم بالتعصب لوجهة نظر أو اتجاه فكري وإنما أرجح أن أصحاب الرأي الأول سوف يتعصبون لرأيهم، فبعد أن يطلقوه، يخرج من أيديهم، ويصبح من وجهة نظرهم حكما شرعيا، من يختلف معهم فيه، إنما يختلف مع حكم الله في الأمر، وبالمعنى السياسي إنما يعلن انضمامه لحزب الشيطان،ومادام الأمر أمر الله جل جلاله في مواجهة الشيطان الرجيم، فإن الأمر يخرج عن حدود النقاش أو المعارضة إلى رفض حكم إلهي، ومادام أصحاب الرأي الأول أنصار الله فيما يراه، فقد حق على الآخرين حكم الله في من يختلف مع أوامره ويرفض نواهيه، ولا سبيل أمام الآخرين إلا أن يتهموا بالفسق والظلم تأكيدا لسماحة الحاكمين بشرع الله، وتمهيدا لاستتابتهم أمام فقهاء في الدين، إن تابوا فأهلا بهم ونعمت، ودرس للآخرين، وإن أصروا فقد كفروا كفرا صريحا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ليس الأمر إذن أمر قرآن وسنة، أو أمر قبول بهما أو عدم قبول، أو حتى إيمان أو عدم إيمان، أو أكثر من ذلك تفقه في الدين أو جهل به، فطرفا الخصومة ملتزمان بالقرآن والسنة الصحيحة، قابلان لحكمهما في الأمر، مؤمنان بالله إيمانا صحيحا، متفقهان في الدين بلا شبهة أو شك، مطلقا السراح، متفتحا الفكر، حرا الاجتهاد لمجرد كونهما لا زالا في إطار دولة دولة يحكمها دستور وضعي، لا يرى في اختلاف الرأي جريمة، ولا في معارضة الحاكم كفرا، ولا رفض الرأي الآخر معصية، ولا في الاجتهاد المخالف فسوفا، وهو من قبل ومن بعد لا يُحل دما، ولا يسأل المخالف التوبة، ولا يخلط بين اجتهاد البشر وحكم الله عز وجل، وهو آفة من يحكمون دولة دينية، قديما كان أو حديثا، دون أن يكون لذلك علاقة بروح الدين للأسف الشديد، لكنه لزوم ما يلزم، و واقع ما يحدث، ليس فقط في جليل الأمور، بل في أهونها للأسف الشديد، والتاريخ الإسلامي بعد الخلفاء الراشدين مليء بمثل هذه المواقف، ولعل ما أثاره الخليفة ( المأمون ) من زوابع حين أثار قضية ( خلق القرآن) ، وهي قضية فلسفية ربما يعجز عن الخوض فيها كثير من المتفقهين.
خير نموذج على ذلك، فكم من دم أريق، وكم من أرواح أزهقت، وبلغ الأمر أن عذب الإمام ( ابن حنبل ) ونكل به، ثمنا لاعتراضه على رأي المأمون، الذي لم يعد في نظره ( أي نظر المأمون ) رأيا أو اجتهادا، بل معلوما من الدين، من ينكره خليق بأن يعذب أو يلقى حتفه، وهو أمر لا يمكن أن يحدث من حاكم إلا عن يقين منه بأنه يد الله تهدي من يختلف إلى ما يعتقد أنه الحق، لا يبالي إن سفك دما أو استعبد حرا أو أزهق حياة، بل ربما وجد في ذلك كله سبيلا إلى مرضاة الحق سبحانه وتعالى، وأي دليل أبلغ من ذلك على إيمان من يحكمون بأسلوب المأمون، بأنهم يحكمون بالحق الإلهي، وأن حاكم الدولة الدينية يمكن أن يصل به الخلط إلى الدرجة التي يرى فيها أن اجتهاده الشخصي يكن أن يرقى إلى مرتبة الأصل من أصول العقيدة، واقرأ معي خطبة المنصور ( الخليفة العباسي) بمكة " أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأيده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قفلا إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليها أقفلني " . واقرأ معي تاريخ كثير من الخلفاء الذين حكموا باسم الدين بعد الخلفاء الراشدين واضرب معي كفا بكف وأنت ترى مسلما يقوده إلى حتفه بيت شعر، وتنجيه من الموت طرفة أو دعابة أو سرعة بداهة، حتى أصبح حديث السياف والنطع جزأ لا يتجزأ من تراث التاريخ لسيرة هذه الدول، وحتى حظي بعض السياف بشهرة تجاوزت شهرة بعض الخلفاء، إلى الدرجة التي أصبحنا فيها نعرف اسم ( مسرور) سياف الرشيد ونجهل أسماء نصف خلفاء الدولة العباسية،على الأقل، وفي كل الأحوال فإنني أؤكد أن الأمر كله يرجع إلى ما تصوره هؤلاء الحكام من أنهم يحكمون بالحق الإلهي، وأن كل ما يعتقدونه هو صحيح الإسلام، وأن كل من يختلف معهم فاسق أو كافر والإسلام من ذلك كله براء، لكنه مركب الدولة الدينية حين يزين لمن يحكمها سطوة هي الغرور الدنيوي كاملا، وهو أمر لا علاقة له بالدين السمح من قريب أو بعيد..
ولعل القارئ قد لاحظ أنني أتحرز فيما أكتب عن سيرة الخلفاء بعبارة ( بعد الخلفاء الراشدين)، خوفا من أن يلتصق بهم رذاذ ما ارتكبه من تلاهم من الخلفاء، لكن الأمر المؤكد أن نظرية الحكم بالحق الإلهي، تجد تأصيلا قويا في مقولة الخليفة عثمان بن عفان حين طلب من الثائرون عليه أن يعتزل الخلافة، فأجابهم بالعبارة التي أصلت تصور الحكم بالحق الإلهي عند من تلاه،
وهي العبارة التي وضعت الفكر السياسي الإسلامي كله عند مفترق طرق بين أغلبية تأخذ برأي عثمان رضي الله عنه في أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يولي الخليفة ، ومن ثم فلا حق للرعية في نزع الإمام من مكان رفعه الله إليه، وأقلية ترى أن الأمة مصدر السلطات، هي التي تولي وهي التي تعزل، وهو الرأي الذي تبناه المعتزلة فيما بعد، ولعل في تسميتهم بالمعتزلة دليل على موقف الدولة الإسلامية منهم وموقفهم منها.
مرة أخرى أحاول مع القارئ أن أربط بين هذا الفصل وسابقيه، وبينه وبين لاحقيه إن شاء الله، فقد ذكرت أن الدعوة للتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية بصورة فورية ودون إبطاء، إنما تمثل مدخلا مباشرا للدولة الدينية، التي لابد وأن يحكمها من يعتقدون بأنهم يصدرون في حكمهم وأحكامهم عن حق إلهي، وهنا يبدو التساؤل المنطقي بديهيا، وهو تساؤل عن كنه هؤلاء الحكام، وسوف يوضح الفصل التالي أن الإجابة البديهية على ذلك أنهم لابد وأن يكونوا من رجال الدين، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
يتبع...
يقول الدكتور فرج فوجه في كتابه قبل السقوط: وأخيرا تسقط التفاحة.
وأخيرا، وترتيبا على ما سبق، تسقط التفاحة الناضجة في سلة رجال الدين العاملين بالسياسة، أما ( ما سبق) فهو ما عرضته في مقالتين سابقتين حول الدولة الدينية والحكم بالحق الإلهي، وأما ( التفاحة الناضجة ) فهي الحكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأما ( السقوط) فبفعل قانون الجاذبية، وهو قانون طبيعي يؤتي فعله إذا اكتمل نضج الثمرة، وهو الأمر الذي يتعجله الداعون للتطبيق الفوري للشريعة، والراغبون في إسقاط الثمرة ولو كانت خضراء، ( فالسلة) جاهزة، وخيوطها مغزولة منذ زمن، نسجها أئمة المساجد المسيسون خيطا وراء خيط، عندما غاب الرأي الآخر، وخلت الساحة من العمل السياسي الحقيقي، وتأرجح الفكر السياسي المصري بين الديمقراطية النيابية والديمقراطية الأنيابية، وشارك السياسيون في الغزل والغزل ( بسكون الزاي وفتحها)، إيثارا للسلامة وتجنبا للمواجهة وتحسبا للمستقبل، حتى لو كانوا يظهرون عكس ما يبطنون، مادام كل شيء – كما تقول المسرحية الشهيرة – على حساب صاحب المحل.
إن آفة حياتنا السياسية أننا لا نسمي الأشياء بأسمائها، أو قل إذا شئت الدقة أننا نطلق عليها أسماء لا علاقة لها بطبيعتها، وتعال معي نسترجع قصة حقيقية لا ينكر أطرافها، والبعض منهم أحياء، أدعو لهم بطول العمر، أنها حدثت، ربما مع اختلاف في جزئية هنا أو هناك لكنها في نهاية الأمر لا تخل بمضمون ما حدث.
في بداية الثورة كان لكثير من الضباط احرار علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي كما أراد لها مؤسسها جماعة وليست حزبا، وحجة مؤسسها في ذلك أنهم لا يطمحون إلى حكم أو عرض دنيوي زائل، وإنما يستهدفون هداية المجتمع إلى طريق الحق، ولا يعنيهم إلا بناء الإنسان المسلم، والدعوة إلى تطبيق شرع الله، ويجمع كثير من المؤرخين على أن بعض الإخوان المسلمين كانوا يعلمون بموعد قيام الثورة، ويرى البعض أنهم ساندوها بمجرد قيامها بالإعلان عن تأيدهم، وأن رجال الثورة أرادوا رد الجميل للجماعة، فطلبوا منهم ترشيح وزيرين للاشتراك في الوزارة، وحدث اختلاف حول اسمي الوزيرين، وأصر الإخوان على مرشحيهم، بينما قبل الأستاذ الباقوري ترشيح مجلس قيادة الثورة وترك الجماعة، وفي محاولة لتصفية الجو بعد ذلك وضع الإخوان المسلمون شرطا لتأيدهم للثورة، وهو أن يعرض مجلس قيادة الثورة عليهم جميع قراراته، لأخذ رأيهم في مدى مطابقتها لدين الله الحنيف، وأنهم مكتفون بذلك وغير طامحين إلى الاشتراك في الحكم، فالطموح الدنيوي ليس هدفا من أهداف رجال الدعوة، والقيام بأعباء الحكم ليس واردا في برنامجهم، لأنهم كانوا وسوف يستمرون، جماعة وليس حزبا.
يواصل الدكتور فرج فوده قوله:
لست بحاجة إلى تكرار ما هو معلوم من رفض رجال الثورة لذلك وتراوح العلاقة بين الود والكره، ثم الانتهاء إلى العنف المتبادل وما ترتب عليه من أحداث وأهوال، وإنما ألفت النظر إلى تناقض العرض الذي قدمه الإخوان المسلمون لرجال الثورة، هم لا يريدون الحكم، ويطلبون في نفس الوقت أن لا تصدر القرارات إلا بموافقتهم، هم جماعة وليسوا حزبا سياسيا، ويشترطون موافقتهم على أي قرار سياسي يصدر، هم يرفضون الاشتراك في وزارة أو اثنتين، ويطلبون أن يعرض عليهم كل وزير قرارات وزارته لاعتمادها ( دينيا)، وهم يطلبون تشكيل مجلس وصاية على الحكم والأحكام، وينظرون في نفس الوقت إلى مقاعد الحكم على أنها عرض دنيوي زائل.
هذا مثال واضح على أسلوب حكم رجال الدين، بصورة غير مباشرة، وفي ظل حكم مدني، فما بالك إذا أصبحت الدولة دينية وأظهروا للحكم المدني، طمعا في تأيده – ولو إلى حين – أنه يصبح إماما للمسلمين وأن أحكامه سوف تصدر مؤيدة بالنص القرآني وصحيح السنة المؤكدة، وأنه سوف يضمن من خلال ذلك ولاء المجتمع وتماسكه تحت قيادته، وسوف يربح طاعة الرعية في الدنيا وثواب الله في الآخرة، وأنه من المنطقي ما دامت الدولة دينية، والقرارات دينية، أن تعرض هذه القرارات على أهل الحل والعقد، وهم متفقهون في الدين يفتون في أمور دنياهم بأحكام دينهم، وأنه لا خوف عليه من أن يصبح أهل الحل والعقد أصحاب سلطة حقيقية، فما يصدر عنهم ليس أكثر من شورى، والشورى في رأي بعض الفقهاء – بل قل اغلبهم – غير ملزمة، وفي رأي البعض الآخر ملزمة، وهو إن اتفق مع أهل الحل والعقد فله أن يأخذ بالرأي الثاني وإن أخذ اختلف بالرأي الأول ، وكل من الفرقين له أسانيده.
يقول الدكتور فرج فوده:
ربما خطر على بال القارئ عند قراءة الفقرة السابقة، أن ما ذكرته بشأن كون الشورى ملزمة أو غير ملزمة، قد يحمل في طياته نوعا من الاستخفاف بحكم ديني خلافي، خاصة من خلال ما أطلقته من عبارات حول حرية الحاكم في الأخذ بهذا الرأي أو ذاك، ومعاذ الله أن يستخف مثلي بقاعدة دينية إن ثبتت بإجماع الفقهاء، لكني أرى عكس ما يرى القارئ تماما، فالحقيقة أن من يدعون إلى إقامة دولة دينية دون حسم هذا الأمر هم المستخفون ليس بي فقط، بل بالشعب كله، لأن البديهي والمنطقي أن يحسموا هذا الأمر بينهم قبل مطالباتنا بمتابعتهم، وإلا أصبح شأنهم معنا، وشأننا معهم، كمن يقود مجموعة من معصوبي الأعين، إلى مجهول لم يستطع هو أن يحدده على وجه اليقين، بل إن الأمر أكثر من ذلك تعقيدا، فالشورى إذا كانت ملزمة يقينا لترتب عن ذلك خروج بعض النظم( الإسلامية) القريبة منا من دائرة الحكم بقواعد الإسلام، وإذا كانت غير ملزمة لخرجنا نحن من دائرة الاقتناع بما يدعوننا إليه، لإيماننا بالديمقراطية من ناحية، ولاعتقادنا أن الإسلام وهو دين العدل، لا يتناقض مع الديمقراطية بشكلها النيابي الحالي، لمجرد أنها ( بدعة) أتت من الغرب، وهو أمر أربأ بمفكر إسلامي متنور أن ينزلق إليه.
إن المتفرغين للهجوم على المجتمع ( الجاهلي) والمكفرين للحكم أو للمفكرين، لو بذلوا جزأ من مجهودهم المبذول – ليس عبثا- في الوعيد والتهديد، والنكير والتكفير، في أمر أكثر فائدة للإسلام والمسلمين، وليكن وضع برنامج للحكم مناظر لبرنامج الأحزاب السياسية، ومستمد من القرآن والسنة ومجمع عليه بينهم، لأفادوا الإسلام والوطن بل إنني أدعوهم إلى أن يطرحوا لنا تصورهم حول ما هو أبسط من ذلك كثيرا وأهون، وهو شكل نظام الحكم في الإسلام، وأبز ملامحه أسلوب تولية الحاكم، هل يتم بالانتخاب كما حدث بالنسبة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة، أم بالاستخلاف كما حدث لعمر، أم بالاختيار من مجموعة محددة كما حدث لعثمان، أم بأخذ بيعة أغلب الأمصار أو قل المحافظات في وضعنا الحالي كما حدث لعلي، أم بالغلبة الآخرين بحد السيف كما حدث لمعاوية، أم بالوراثة كما حدث لزيد..
ويقول الدكتور فرج فوده:
ليس القصد من ذكر ما سبق أن أطرح مشكلة أو أثير لبسا، فأنا في هذه الأمثلة لا أتكلم عن الدين بقدر ما أتكلم عن السياسة، وما سبق كله سياسة في سياسة، لكنها آفة الغرض حين تختلف الأوراق، و المأزق الذي يضع أنصار تدين السياسة، أو تسييس الدين، وكلاهما وجه لعملة واحدة، أنفسهم فيه، فهم إن رفضوا كل ما سبق واستبدلوه بشكل حديث من أشكال نظام الحكم، أثبتوا على نفسهم أن أسلب اختيار الحاكم ليس له قاعدة إسلامية تتصل بالصدر الأول للإسلام، وأفقدوا نظام الحكم الديني ركنا جوهريا من أركانه، وهم إن اختاروا شكلا من الأشكال السابقة لاحتج البعض مناصرا شكلا آخر ينطبق على أحد الخلفاء الراشدين، وهم من هم، مكانة وفضلا، وتمسكا بأهداب الدين وتعاليمه، وفي كل من الحالين يصعب أن تحصل منهم على رد مقنع، فالأهون لديهم أن يتجاهلوا ذلك تماما، لأنه يتناقض في جوهره مع ما بدأنا به المقال من حديث التفاحة والسلة، فالهدف بدأ وانتهاء لدى بعضهم وللأسف هم أعلاهم صوتا، يتمثل في ذلك المطارد لهم في أحلامهم عند النوم، وفي خيالات يقظتهم عند الصحو، ذلك المكر المفر بعيدا عنهم، ذلك الذي اقترب منهم بقدر خوف القادرين على المواجهة، وأقصد به الحكم، ولا شيء غيره.
من خلال حكم مباشر كما فعل الخميني، جائز. من خلال مجلس حل وعقد، جائز. من خلال نظام نيابي في دولة دينية، جائز. المهم أن يقترب بعد أن اغترب كثيرا. والمهم هو التركيز على المطالبة و بالبدء في تطبيق قوانين الشريعة فورا، دون إبطاء أو تريث، فذلك هو مدخلهم للوصول إلى قلب ذلك العزيز المنال، أما تأثير ذلك على الوحدة الوطنية، وهو أخطر موضوعات هذه المقالات وأكثرها حساسية، فموعدنا معه في المقال التالي، إن شاء الله وامتد الأجل.
في صفحة 50 من كتاب الدكتور فرج فوده قبل السقوط يقول فيه:
( الله يعلم)
معاذ الله أن يتصور أحد أنني أدافع عن أقباط مصر، فأنا أكره أن يقسم المصريون إلى مسلمين وأقباط، وهم لدي مصريون فحسب، وسوف يظلون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكنها بعض نزوات التاريخ، حين ينحرف عن مساره تارة هناك، ثم لا يلبث أن يعود إلى سيرته الأولى لأنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح..
إنني عندما أدافع ، إنما أدافع عن مصر، وإنما أرفض أن يضام مصري، وأرفض أن يكون المواطن حق الشهادة لأنه مصري مسلم، ولا يكون المواطن آخر هذا الحق، لأنه ذمي *؟ وأرفض أيضا أن يكون حق الحكم لفريق من المصريين دون فريق، أو يكون حق التشريع لفريق دون فريق، أو أن يكون حق ولاية القضاء، في أي أمر لفريق دون فريق، أو أن يكون حق الدفاع عن أرض، وأكرر الأرض ولا شيء غير الأرض، لفريق دون فريق. وأرفض أن يقف مدع ونحن على أبواب القرن الواحد والعشرين لكي يطالب من المصريين بأن لا يبدوا مجموعة أخرى بالسلام، وأن يضطروهم إلى أضيق الطريق إذا لقوهم في طريق، مستندا إلى أحاديث مختلفة سندها واه، ومتنها أوهن من خيوط العنكبوت، وأرفض أن يدعي أحد أن حرب أكتوبر كانت حربا دينية، وأنها كانت بين المسلمين واليهود، وأقبل فقط أنها كانت بين مصريين وإسرائيل، فقد اختلط دم المصري المسلم بدم المصري القبطي، وما خرج كلاهما إلا دفاعا عن مصر، ومات المصري المسلم و ودعه أهله المسلمون على أنه شهيد، ومات المصري القبطي و ودعه أهله الأقباط على أنه شهيد، وما أروع أن تتحد الديانات في إقرار الشهادة لمدافع عن أرض الوطن العزيز، لكنه مرض النفوس وضيق الأفق، والغباء الذي يقود الوطن كله إلى التهلكة، وأي تهلكة أكثر من أن يفترق بنو الوطن على ضغينة، وينظر البعض الآخر للآخرين على أنهم مستبدون، بينما الأمر كله لو تفحصته عن قرب، ولو قلبته على وجهه، لما وجدت فيه دينا ولا عقيدة، وإنما سياسة في سياسة، وطريق وعر يعبد الساسة الذين لا يرعون لمستقبل الوطن حرمة، طالما أنهم يحصدون صوتا هناك، والسادة من رجال الدين المسيسون، الرافعون فقط للشعارات، دون برنامج أو تفصيلات، ودون اهتمام إلا باللعب على العواطف في غيبة صوت العقل.
أيها الصارخون، واإسلاماه واإسلاماه، وفروا صراخكم فالإسلام بخير، والخطر كله على الإسلام إنما يأتي منكم، حين تدفعون بشباب غض في سن الصبا إلى ترك الجامعة لأن علومها الحديثة علمانية، وتحشون رؤوسهم بخرافات أهونها أن الرعد ضراط شيطان عظيم، وأن المرأة باب الشر، وأن المجتمع كله جاهلي، والله وحده أعلم أنكم أجهل أهل الإسلام، بالإسلام، فالإسلام كان ولا زال وسيظل دين العلم والعقل، وخير للإسلام والمسلمين أن يدرسوا علوم الأحياء والطبيعة والكيمياء، من أن يتفرغوا لدراسة حكم الدين في موضع الحجامة وفيمن أعتق عبدا وله مال وفي عتق ولد الزنا وفي المصبوغ بالصفرة وفي لبس القباطي للنساء وفي النهي عن تهييج الحبشة وفي إطفاء النار بالليل وفي الكي والسعوط والنشرة والترياق والعلاق..
تأكيدا لما جاء به الدكتور فرج فوده، فإليكم أعزائي رواية نسبت لأبي هريرة في ( صحيح البخاري) جاء فيها: 3111 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط إذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو.
البخاري ج 3 ص 1196 قرص 1300 كتاب. وتجدون نفس الرواية بأسانيد مختلفة في نفس الكتاب وفي مسلم وغيرهما.
البخاري ج 1 ص 413 قرص 1300 كتاب.
البخاري ج 1 ص 409 قرص 1300 كتاب.
البخاري ج 1 ص 409 قرص 1300 كتاب.
فهل أبا هريرة أو غيره قد أوتي منطق ضراط الشيطان؟؟؟ !!!
وجاء في البخاري أيضا:
باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى إن من أزواجكم واولادكم عدوا لكم 4805 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن بن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم الشؤم في المرأة والدار والفرس.
البخاري ج 5 ص 1959 قرص 1300 كتاب.
صدق المتنبي حيث قال:
لا شَيءَ أَقبَحُ مِن فَحلٍ لَهُ ذَكَرٌ * تَقودُهُ أَمَةٌ لَيسَت لَها رَحِمُ
ساداتُ كُلِّ أُناسٍ مِن نُفوسِهِمِ * وَسادَةُ المُسلِمينَ الأَعبُدُ القَزَمُ
أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم * يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ
ليس من الإسلام في شيء أن يبحث أعضاء تنظيم الجهاد عن تمويل فلا يجدوا سبيلا إلا الهجوم على محلات الصاغة الأقباط، وقتلهم والاستيلاء على أموالهم، ولا أريد أن أستطرد في هذا لكي لا أنكأ جراحا، لكنها فتوى أصدرها من يستحق أن نصرخ في وجهه.. وا إسلاماه..وا إسلاماه.. فما كان الإسلام دين إرهاب، وما كان الإسلام في شيء أن تقتل مواطنا يجلس في محله آمنا، وأن تيتم أطفالا وأن تخرب بيوتا، لا لسبب إلا لأن لهم دينا يخالف دينك، أو لأن أميرا اجتهد فأخطأ، وعلى مواطن مصري أن يدفع ثمن هذا الخطأ من حياته.
خليق بمثلي أن يشعر بالحزن والأسى وهو يقرأ للدكتور أحمد عمر هاشم ( جريدة اللواء الإسلامي ع : 53) تلك العبارة الغريبة ( الإسلام لا يمنع من التعامل مع غير المسلمين، ولكن يمنع المودة القلبية، والموالاة ..لأن المودة القلبية لا تكون إلا بين المسلم وأخيه المسلم )، لا يا سيادة الدكتور، المودة القلبية تكون بين المصري والمصري، مسلما كان أو قبطيا لا فرق، والقول بغير ذلك تمزيق للصفوف.
خليق بمثلي أن يشعر بالأسى والأسف حين يرتفع صوت الدعاة، معلنا أن الهندي المسلم أقرب إلى المصري المسلم من القبطي المصري.. لا والله لا يكون، ولن يكون، فالمصري لدينا، وأنا أقصد المصريين جميعا، لا يتميز إلا بحبه لوطنه و ولائه لأرضه، وغير ذلك غرض في النفوس، ومرض في الصدور، وسوء في القصد، وسواد في النظرة وفساد في الوطنية، وإثم وطني عظيم..
والله وحده يعلم من وراء هذه الهجمة الضارية، الممزقة للصفوف المفرقة للجماعة، المثبطة للهمم، المفسدة للتماسك.
الله وحده يعلم..
هل هم رجال الدين الذين وصلوا إلى كرسي البرلمان، وحلموا من خلالها بكراسي الحكم؟. الله يعلم.
هل هم أئمة المساجد ممن أصبحوا نجوما للكاسيت تنافس أشرطتهم أشرطة نجوم الغناء، صارخة بالنكير، هاتفة بالتكفير، مبشرة بعذاب أليم، واعدة الجميع بسقر، مطاردة للكل إلى لا مفر، فكل شيء أسود أسود، وكل نعيم إلى ذهاب، وكل ثروة إلى خراب، " فالدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا جلت أوجلت، ويا مغترا بالسلامات، كم ملك رفعت له العلامات، فلما علا .. مات.." وهكذا، سجعات في سجعات؟ . الله وحده أعلم.
هل جيراننا الأفاضل، الذين يعز عليهم أن تكون مصر في وسط المنطقة كلها، واحة للاستقرار والوحدة الوطنية، وفوق ذلك كله، واحة للمدنية عن أصالة واستحقاق، تهفوا إليها قلوب أبنائهم، ويحلم الواحد منهم بهوائها وتزامل الدين والدنيا معا فيها، ويعز عليهم ذلك، فيقسمون أن يسحبوها للخلف بتزين حياة السلف، ويحلمون بتمزيقها بالفتنة عن ظن بأن لكل داء دواء، وداء الحضارة ودواؤه المال دولارا كان أو ريلا؟ الله يعلم.
هل هي إحدى القوى الكبرى التي ترى مصلحة لها في سقوط المنطقة كلها في يد التخلف، حين ينهار كل شيء، ويصبح التقدم بدعة وضلالة، وما عليها إلا أن تدفع مصرا في هذا الطريق، فيتبعها الجميع، لأنها المنارة والريادة، ربما رغبة منها في محاربة عدوها الرئيس .. ربما، ربما رغبة منها في سحب المنطقة كلها إلى غياهب الصراع الطائفي فلا تقوم لها قائمة إلا في القرن الثاني والعشرين، ربما، وربما دفعا للأقليات إلى الاستنجاد بها والارتباط بها ولاء وانتماء كاملا حين لا يصبح هناك أمل آخر، ربما، وربما لأن ذلك كله لا يأتي في النهاية إلا ببديل عسكري واضح لا لبس فيه، يرى المواطنون فيه أملا وترى هي فيه وسيلة ؟ .. ربما.. الله يعلم...
الشيء الوحيد الذي أعلمه، ويجب على الجميع أن يواجهوه لأنهم يعلمونه مثلي تماما، أن الدولة الدينية التي يحكمها رجال الدين بصورة مباشرة، وهو لزوم ما يلزم كما سبق وأن ذكرت، سوف تكون مدخلا مباشرا للفتنة الطائفية، بل ربما تمزيق الوطن الواحد.
أيها السادة .. دعوا المغالطة، فقضية الحكم الديني ليست قضية أغلبية أو أقلية بل هي قضية اتفاق عام..
أيها السادة .. دعوا الأكاذيب، فالحكم الديني لن يكون مقبولا من المسلمين المتنورين ولا من الأقباط جميعا، وقد تجدون قبطيا هنا أو هناك يرحب بالدولة الدينية، لكنه شذوذ عن القاعدة، وقد تجدون مفكرا مثقفا يرحب بحكم رجال الدين، لكنه استثناء، قد تجدون سياسيا محترفا يرفع الشعارات الدينية، لكنها انتهازية وقصر نظر، وعدم إدراك، لأنه، هو نفسه قد يكون أول ضحايا ما يدفع المجتمع إليه..
أيها السادة .. لكم الحق كل الحق بعد ذلك في أن تفعلوا ما تريدون، فهو وطنكم بقدر ما هو وطني، لكني أقسم لكم جميعا، أنني لن أترك التصدي لهذا الأمر ما حييت، ولن أترك هذه الدعوة ما ظل فيَّ عرق ينبض، ولن أتزحزح عن إيماني بأن كل هذه الدعاوى سياسة ألبست ثوب الدين وليست دينا ألبس ثوب السياسة، ولن أمل في أن أكرر على مسامعكم أنها الفتنة، لعن الله من أيقظها، وحفظ الله مصر من أخطارها.
ويا مصر .. يعلم الله أنني أحبك بلا حدود، وأتعشقك حتى آخر قطرة من دمي، وأتعبد في محرابك بكل ذرة من كياني، وأدفع حياتي كلها ثمنا لبقائك متماسكة..
والله وحده يعلم حجم الصدق فيما أقول.. الله أعلم..
الفصل الثالث من كتاب الدكتور فرج فوده ( قبل السقوط).
اللاعبون بالنار..
إن الملك منصب شريف ملذوذ، يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية، والشهوات البدنية، والملاذ النفسانية، فيقع فيه التنافس غالبا، وقل من يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه"
مقدمة ابن خلدون.
جاء في صفحة 56 من الكتاب ما يلي:
مولانا الذي في الجيزة
من نكد الدنيا على أن مولانا الشيخ صلاح أبو إسماعيل قد وضعني في ذهنه وصال وجال متوعدا إياي بالعذاب العظيم، ولم يفته أن يوظف إمكانياته الهائلة في اختيار الجمل المثيرة والعبارات الرنانة في وصف احتجاجي على انتصاره العظيم على قيادة " الوفد الجديد"، حين ساقها إلى تحالف ظن أنني واحد من ضحاياه، بينما مبادئ الوفد هي الضحية.
لقد انطلق مولانا واصفا إياي بأنني كالملح على النار، وهي عبارة يفهم منها أنني ( أنفجر) غيظا وكمدا وهي في نفس الوقت صياغة شديدة البلاغة للجملة العامية الشائعة ( يا عوازل فلفلوا)، وأشهد له وأنا بكامل وعيي أنه أصاب كبد الحقيقة، وأنني فعلا حزين ومحبط ومكلوم، لا لأنه نجح في توجيه حزب الوفد إلى عكس ما حاولت، ولا لأنه بقي في الوفد فترة، بينما آثرت أنا الاستقالة على الفور، بل لسبب آخر ربما لم يخطر على باله، وهو أنه قد أصابني في أغلى ما أملك، مصر، ذلك الوطن العظيم، الذي لا أعرف لوجودي إلا به، ولا أعرف شيئا يسبقه لدي بدءا أو يعلوه انتماءا..
سوف يضحك مولانا الشيخ صلاح بالتأكيد ملء شدقيه وهو يقرأ العبارات الأخيرة، فالدعي إلى القومية المصرية بالنسبة له واحد ما اثنين، إما منتسب إلى الفراعنة والعياذ بالله، او منكر لمأثورته الجليلة، التي تجعل المسلم في الهند أقرب إلى المسلم في مصر من المسيحي المصري، وهي مأثورة تفرغ القومية المصرية من محتواها، وتجعل من رافعي شعارات القومية المصرية والوحدة الوطنية، من أمثال سعد زغلول ومصطفى النحاس، مجرد خوارج على فكر الشيخ الجليل، ومنشقين على مبادئ حزب الوفد الأصيل "الجديد"..
يواصل الدكتور فوده قوله:
إن الذي يعلمه الشيخ صلاح، ويدعي أنه يعلمه، أن مصر، يراد لها ( والذي يريد لها هو الاستعمار العالمي والصهيونية العالمية) أن تواجه واحدا من اختيارين تم تجريبهما في المنطقة، وهما الاختيار الإيراني أو الاختيار اللبناني، أو أن تواجه الاختيارين معا، على أن يكون الاختيار الأول مدخلا للاختيار الثاني، أو العكس، أما الاختيار الآخر الممكن وهو الاختيار المصري، فإن المطلوب من الشيخ صلاح وأمثاله – أن يواجهوا بكل القوة والصلابة، وألا يتحرجوا في نعته بأعنف الألفاظ بدءا بوصفه بمنطق القرود، وانتهاء بالتهديد بسحقه تحت الأحذية، ومرورا بالتلويح بالكفر والاتهام بالارتداد عن الإسلام، والتأكيد على أن أنصاره ملحدون لا يرعون للدين حرمة ولا يحملون للعقيدة ولاء...
وما دام السياسيون في مصر لا يدركون ذلك الخطر، وما دام المفكرون في مصر يلوذون بالصمت في أغلب الأحيان، وما دام الشيخ وأنصاره قادرين على تمزيق من يرفع صوته معترضا ولو على استحياء على أية جزئية من جزئيات فكرهم باتهامات أهونها الارتداد عن الدين، وهي اتهامات تحمل تهديدا مستترا بما انتشر بين من تبنوا هذه الأفكار من مقولات إهدار الدم وإباحة القتل دفاعا عن توجيهات هذه القيادة.
وما دامت الأحزاب المصرية منشغلة بقضية الديمقراطية وقانون الانتخابات والحكم على حوادث التاريخ القريب أو البعيد، لاهية عن إدراك ذلك الخطر الذي يستطيع أن يغرق السفينة بمن فيها، بل وأكثر من ذلك مرددة لبعض مقولات الشيخ وأنصاره اجتذابا لمشاعر الجماهير وأصواتهم، فإن الجزء الأكبر من هذا المخطط قد تحقق بالفعل، والحلم الأعظم الذي يداعب خيال مولانا في الجيزة، في أن ينتقل من قرية طهرمس إلى القاهرة عاصمة الخلافة الإسلامية الجديدة، وعن يمينه مسرور السياف، وخلفه موكب الأسرى من الذميين والعلمانيين بينما تدوي في سماء القاهرة فرقعات المنجنيق، وبينما تزين شوارعها الأحجبة والتعاويذ، هذا الحلم قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقيق.
إن مأساة مصر، أننا لا نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وننشغل بالصغير من الأمور قبل كبيرها، وننسى أننا واقفون على أرض متحركة وهي تتحرك للخلف لا للأمام، الأمر الذي يبعث على الأسى والحزن، ولا يجدي معه إلا أن نفتح كل النوافذ للضوء، وأن نفسح كل المنابر للحوار.
يقول الدكتور فوه:
إن ما حدث في مصر الآن من تحالف بين الإخوان المسلمين وأمراء بعض الجماعات الإسلامية وأعضاء بعض التنظيمات الدينية مثل الجهاد والتحرير الإسلامي من ناحية، وبين الوفد من ناحية أخرى إنما هو حلقة من حلقات مسلسل ترتبط حلقاته ببعضها، بدأ بحادث الفنية العسكرية، ثم حادث الشيخ الذهبي، ثم حادث المنصة، ثم ما حدث الآن من تحالف يحمل في طياته أشد الأخطار على المستقبل في مصر..
إن الملامح الأساسية لهذا المسلسل تتمثل فيما يلي:
أولا: أنه يمثل تنويعات على نغم واحد هو تغير مسار المجتمع إلى دولة دينية يحكمها من يتصورون أنفسهم أوصياء على الدين ولا يرون المستقبل إلا من وجهة نظر ضيقة وأحادية الاتجاه وشديدة التعصب والتخلف في ذات الوقت.
ثانيا: إن النغمات قد تختلف وكلنها في النهاية من مقام واحد، فالحوادث الثلاث الأولى ترتفع نغماتها صاخبة بالعنف، بينما النغمة الأخيرة هادئة وناعمة، لكن الذي يربط بينهما جميعا هو الإيمان لدى أصحابها وعارفيها بأن الشارع السياسي سوف يستجيب بالتأكيد، وسوف يستدرج بالعاطفة إلى مساندة هذا التيار.
لقد كانت المحاولات الثلاث الأولى في اتجاه إحداث التغير عن طريق العنف، بينما تستهدف المحاولة الأخيرة إحداث العنف عن طريق التغير، وبمعنى آخر فقد استهدفت المحاولات الثلاث الأولى ضرب الشريعة بالإرهاب، بينما تستهدف المحاولة الأخيرة تحقيق الإرهاب بالشريعة، وفي كل الأحوال فإن النتيجة واحدة.
ثالثا: إن الذي يدور في ذهن الشيخ صلاح وذهن غيره من الطامحين، أن هناك تيارا إسلاميا واسعا، لكنه ينقسم إلى مجموعات متباينة ومتعددة، وأنه في حاجة إلى قائد يجمع بين طوائفه المتناثرة، ويخلق منها قوة ضاربة لا تعترف بحكم تكوينها الفكري والثقافي بما اصطلح عليه المجتمع من قيم وأفكار وأطر شرعية، وقد وجد الشيخ صلاح ضالته في قيادة الوفد حين تحالف معها في غياب الديمقراطية داخل الحزب، حيث أمكنه أن يدفع بعض قيادات هذه المجموعات إلى رأس قوائم الحزب الانتخابية حتى تدخل المجلس النيابي، تحت مظلة الشريعة، وتحت زعامة الشخصية باعتباره المخطط الأكبر لهذا النصر، الذي إن تحقق فسوف يحدث تحت تأثير عوامل متداخلة منها، شعبية الوفد، ومنها الرغبة في التغيير، ومنها أسلوب الانتخاب بالنسبية ومنها في آخر القائمة، شعبية هذه القيادات في مواقعها الانتخابية.
هنا يصبح لهذه المجموعة داخل المجلس صوت أعلى من كل الأصوات، لأنه في النهاية صوت تكفير لا صوت تحذير، فالحاكم إن اختلف معهم كافر ولا ولاية له، والبنوك مرفوضة لأنها ربوية، والاختلاط في الجامعات مفسدة، وعضوية المرأة في مجلس الشعب مخالفة صريحة للدين، والوزير القبطي لا يناقش لأن ولايته حرام، وزي المرأة يجب أن يقنن، وصوت المرأة عورة، والنظام الحزبي بدعة، وحفلات الغناء مجون، والفلسفة ضلالة، والمعارض لهم في المجلس إما فاسق أو مفسد في الأرض أو مرتد..
رابعا: إن الاحتجاج بمشروعية وصول ممثلي الاتجاهات الإسلامية السياسية المتطرفة إلى مجلس الشعب عن طريق الانتخاب نوع من المغالطة..
إننا يجب أن نعترف جميعا بأننا نسبح في نهر حديث التكوين لم يتحدد مجراه بعد، ولم تستقر تياراته، ولم تتحدد شطآنه، وفي ظل ذلك يبدو الحديث عن مسابقات الغوص نوعا من المراهقة السياسية أو المغالطة..
إن أغلب أحزابنا السياسية لم تتحدد ملامحها الفكرية بعد، وبدون الدخول في تفصيلات أو معارك فكرية فإن أغلبها يسعى إلى جمع المتناقضات في سلة، مدعيا الناصرية تارة، والتطرف الديني تارة، والليبرالية تارة، تاركا المراقب السياسي في حيرة لا يستنتج منها إلا أن كل ما يحدث إنما هو مخاض لميلاد أحزاب وقوى سياسية جديدة، تتميز فيها الملامح الفكرية دون غموض أو اختلاط للمفاهيم.
من هنا يصبح ضروريا أن يتفق الجميع على حد أدنى من قواعد اللعبة السياسية، سواء بالنسبة لقضية الديمقراطية أو قضية الاختيار بين السلفية والمعاصرة، أو قضية تكون المصدات الفكرية لمواجهة الرياح الشرقية الآتية من إيران، محملة بغبار الجمود والتخلف، أو رياح الشمالية الشرقية الآتية من لبنان، محملة بأمطار الفتنة وغمام التمزق الطائفي.
يتبع...
نقرأ ما كتبه الدكتور فرج فوده في الفصل الرابع ما يلي:
السودان بين الجموح والطموح
" أمير المؤمنين هذا ... ( وأشار إلى معاوية)
فإن هلـــك فهذا .. ( وأشار إلى يزيد )
فمن أبي فهـــذا .. ( وأشار إلى سيفه)
يزيد بن المقفع
مقدمة
كان بودي أن أتوجه بما حدث في السودان، تحت مظلة تطبيق الشريعة الإسلامية، إلى ضمائر علمائنا الأفاضل، أو رجال ديننا المسيسين، لكن الصدفة وحدها هي التي وضعت أمامي أقوالهم، الموثقة بالنشر، والمتناقضة بالكامل مع كل ما حدث في ذلك الجزء الغالي من بلادنا في الجنوب.
إن ما حدث في السودان لا يمكن تفسيره إلا أنه ( الجموح)، جموح الحكم الفردي حين يعوزه التأيد، وحين يمل سامعوه ما يعيد فيه ويزيد، فيبحث عن جديد قديم، أو قديم جديد، ويستهويه ما وجده، وما وجدناه معه، من ضالة في صفحات تاريخ الاستبداد على مدى ثلاثة عشر قرنا بعد الخلفاء الراشدين، وهو تاريخ مليء بصفحات سوداء، لا يقلل من قتامتها صفحة بيضاء تظهر هنا أو هناك.
وأخيرا وجد ( الإمام) نميري ( وهو لقبه الدستوري الآن) ضالته، وأخيرا عثر على مبرر لكي يفعل بالسودانيين ما فعل، وما سوف نعرضه على القارئ موثوقا بالأدلة، ومستندا إلى ما أعلنته جهات ( محايدة) من أسانيد.
أما ما تغنى به علماؤنا الأفاضل، وقلوبهم التي ذابت حسرات على فوز السودان بقصب السبق، فلا تفسير له إلا أنه ( الطموح)، ذلك الذي يزين للبعض مجتمعا هم فيه أهل الحل والعقد، وأهل الشورى والمشورة، دون أن يردهم، أو يروعهم، مصرع الشيخ ( الطيب) الذي أعدمه النميري شنقا وعلنا، لمجرد أن له لرأيا مختلفا في ( أسلوب تطبيق الشريعة )بصفته واحدا من أكبر دعاتها، أو مشهد الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام لذات السبب، والذين أحضرهم الإمام نميري للاستمتاع بمشهد القتل، تمهيدا لاستتابتهم أو اللحاق بقائدهم، وربما كان لبعض ما ذكره علمائنا الأفاضل سبب من حسن النية وحب العقيدة، بل إن أسلم لهم ومعهم بذلك، وأؤكد لهم في نفس الوقت أننا في عصر، لا يقود فيه أحد بحسن النوايا، ولا يتبع فيه أحد أحدا بالنوايا الطيبة.
يواصل الدكتور فوده قوله:
ولا يبقى بعد حديث الجموح ( وهو الجزء الأول في هذا الفصل)، وحديث الطموح ( وهو الجزء الثاني)، إلا حديث ما بينهما وهي المتشابهات، التي نعرض لها في حينها.
حديث الجموح
أولا: الدستور ونظام الحكم
كما سبق وذكرنا في الفصل الأول من الكتاب، فإن تطبيق الشريعة الإسلامية يمكن أن تمثل مدخلا للحكم بالحق الإلهي، يترتب عليه قيام الدولة الدينية، قد حدث هذا في السودان، فقد أعلن عن تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية في السودان في سبتمبر 1983، وبعد أقل من عام وبالتحديد في 10 يونيو 1984 أرسل ( الإمام) نميري مقترحاته بشأن تعديل مواد الدستور في بعض بنوده، على النحو الذي أعرضه على القارئ .
1. تعديل المادة رقم 80.
النص الأصلي: ( دورة الرئاسة ست سنوات قابلة للتجديد).
التعديل: ( دورة الرئاسة تبدأ من تاريخ البيعة ولا تكون محددة بمدة زمنية معينة " مدى الحياة" ).
التعليق: لم يخرج الإمام ( نميري) على واقع ما حدث في نظم الخلافة الإسلامية منذ بدأت وحتى انتهت، حيث لم يعرف تاريخها كله تحديدا لفترة حكم أو رئاسة، ولست أرى في النص الأصلي اختلافا مع روح الإسلام، خاصة وأنه لا يوجد نص من القرآن أو سنة ينظم هذا الأمر، ولست أرى في النص المعدل إلا تأكيدا على مفهوم الحكم بالحق الإلهي وليس برغبة الرعية وإرادتها، حيث يصبح الحاكم إذا تسلط أو استبد، نوعا من القدر الذي يصيب الأمة، ولا ينجيها منه إلا قدر آخر، يتمثل في موت أو اغتيال.
2. تعديل المادة 112.
النص الأصلي: في حالة خلو منصب الرئاسة يتولى نائب رئيس الجمهورية الأول الرئاسة ويتم انتخاب رئيس جديد خلال ستين يوما.
التعديل: ( يجوز لرئيس الجمهورية أن يعهد إلى أي أحد من المسؤولين، وذلك بكتاب مختوم موقع عليه بخط يده، ويفض في مجلس الشورى وعلى المجلس مبايعة صاحب العهد مدى الحياة).
ثم يأتي تعليق الدكتور فرج فوده:
التعليق: 1ـ ينطبق على هذه المادة القول بأنه ( لا يغني قدر من قدر) فحتى لو أطاح قدر الله بالحاكم، فسوف تبقى أثاره إلى زمن ليس بالقليل، لأن المادة مكونة من ثلاث جزئيات متتالية هي:
أ ـ الحاكم هو الذي يعين من يخلفه وليس الشعب.
ب ـ إرادة الحاكم بتعين خليفته نافذة بعد وفاته.
ج ـ خليفة الحاكم ذاته مستمر في الحكم مدى حياته.
2 ـ يلاحظ أن ( الإمام) نميري قد بحث في أساليب اختيار الخلفاء في عهد الخلافة الراشدة، واختار أبعدها عن الديمقراطية وهو أسلوب عهد أبو بكر بالخلافة لعمر، وأهمل أسلوب الاختيار بين أكثر من مرشح على يد مجموعة مختارة كما حدث لعثمان، أو ترك اختيار الخليفة لبيعة الأمصار كما حدث لعلي، أو تركها لجماعة من المسلمين كما حدث لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة، أي أنه يخرج في أسلوب اختياره لنمط تولية خليفته عن نموذج حدث، لكنه اختار أبعد النماذج عن الديمقراطية، ناهيك عن فارق القياس بين الأشخاص.
3 ـ تعديل المادة 115
النص الأصلي: تجوز محاكمة رئيس الجمهورية إذا اتهمه ثلث أعضاء مجلس الشعب وأيدهم ثلثان).
التعديل: ( لا يجوز مساءلة رئيس الجمهورية أو محاكمته).
التعليق: إذا كان (الإمام ) نميري مستندا في ذلك إلى أصل في تاريخ الحكم الإسلامي ( السياسي) فهذا يكفيني، وإذا لم يكن فهذا يكفيه.
4 ـ تعديل المادة 128.
النص الأصلي: ( رئيس مجلس الشعب ينتخبه المجلس).
التعديل: ( رئيس مجلس الشعب يعينه رئيس الجمهورية).
( لا تعليق).
5 ـ تعديل المادة 187.
نص المادة: (الهيئة القضائية مستقلة ومسؤولة أمام رئيس الجمهورية عن حسن الأداء).
التعديل: ( الهيئة القضائية مسؤولة مع رئيس الجمهورية أمام الله.
التعليق: 1 ـ أضاف النص إلى (الإمام) نميري صلاحيات قضائية أسوة بصلاحياته التشريعية.
2 ـ تم تأجيل المسألة كما هو واضح في النص إلى ( يوم القيامة).
نواصل مع الدكتور مع المادة 6.
6 ـ تعديل المادة 191.
نص المادة: (يعدد النص صلاحيات مجلس القضاء العالي).
التعديل: ( تحال جميع صلاحيات مجلس القضاء العالي إلى رئيس الجمهورية.
التعليق: لا حول ولا قوة إلا بالله.
7 ـ تعديل المادة 220.
( تعدل المادة بحيث يصبح نقض البيعة للإمام خيانة عظمى).
التعليق: هنا مربط الفرس، فرغم كل التعديلات السابقة، والتي ليس لها سابقة ( دستورية) في تاريخ العالم المتحضر، فقد أدرك الإمام ( نميري) أنه من المحتمل أن يعترض البعض، بل والأكثر احتمالا أن يأتي الاعتراض من بعض ذوي النوايا الطيبة، حين يكتشفون حجم الفرق بين الأمنية والفعل، فكان هذا النص، ولعله لا يخفى على القارئ أن الخيانة العظمى عقوبتها الإعدام..
إنني لا أشك في أن التعديلات السابقة، سوف تصيب من يقرأها بارتفاع في ضغط الدم ولو طفيف، خاصة لو كان عاشقا للحرية، أو طامحا إليها، بل قد يتبادر إلى الأذهان قول ردده صديق لي ( إن شعبا يقبل أن يعرض عليه هذا، يستحق أن يطبق عليه ذلك كله)، وأنا أطمئن من يتبادر إلى ذهنه هذا الخاطر بأن أغلبية مجلس الشعب السوداني قد اعترضت على بعض هذه التعديلات حين عرضت عليها، ولم يتوفر لدي حتى الآن معلومات عن تعديلات التعديلات، وإن كان واضحا أن تعديلا واحدا منها يبقى، كفيل بأن يزلزل قارة، وليس بلدا آمنا مثل السودان وشعبا طيبا مثل الشعب السوداني، بل إنه من المؤكد أن التعديل الأخير بالتحديد، والذي نتناوله بالتعليق لم يتغير فيه شيء، ودليلنا على ذلك إعدام محمود محمد طه زعيم جماعة الإخوان الجمهوريين، ذي الثمانين عاما، يوم 20 يناير 1985، جزاء وفاقا على قيامه بطبع منشور يعترض على ( الإمام) نميري في أسلوب تطبيق الشريعة، ظانا رحمه الله أنه يقف أمام نموذج آخر لعمر بن الخطاب الذي ناقشته امرأة في المسجد في ثوب له أطول من أثواب المسلمين، ولعله وهو في طريقه للشنق، أمام هتافات بعض الغوغاء كما نقلت لنا الصحف السودانية ( لا إله إلا الله .. حاكم مسلم يا نميري)، قد أدرك حجم الهوة بين الحلم.. والحقيقة، بل لعله باستشهاده قد وضع نقاطا كثيرة على الحروف، وصاغ ردا بليغا على تهنئة الشيخ صلاح أبو إسماعيل للإمام نميري في السودان " أن أعز الله به الحق وأيد به الإسلام وحقق الله به وعلى يديه آمالنا آمال المسلمين بعامة، وآمال السودان الشقيق بخاصة في تطبيق شريعة الله جل علاه.
يتبع...
جاء في كتاب الدكتور فرج فوده ( قبل السقوط) ما يلي:
نماذج من القضايا والأحكام في ظل تطبيق الشريعة في السودان.
نذكر هنا سبع قضايا محددة لنرى كيف كان الحكم فيها:
القضية الأولى:
سرق بعض المواطنين أسلاكا كهربائية، وقدموا لمحكمة الطوارئ رقم (2) برئاسة القاضي فؤاد عبد الرحمان الأمين، أصدرت المحكمة أحكاما متعددة على المتهمين في يوم 20 مايو 1983، أهمها الحكم على المتهم الأول صديق رمضان مهدي بالقطع من خلاف والغرامة ألفين جنيه وفي حالة عدم الدفع بالسجن سنتين بالتتابع. وعلى المتهم الثالث عبد الله آدم بنفس العقوبة ونفذت الأحكام يوم 21 مايو 1984.
ويلاحظ الآتي:
أ ـ أن رئيس الجمهورية ألقى خطابا يوم 9 مايو أشار فيه لهذه القضية وكانت تحت نظر القضاة وقال إن هؤلاء الجناة يستحقون القطع من خلاف، فأعلن الحكم عليهما قبل المحكمة وطابق قرار المحكمة توجيهاته العلنية..
ب ـ سرقة المال العام في الشريعة لا قطع فيها لأن فيه شبه ملك والمال العام ملكية عامة وكانت الأسلاك المسروقة تخص الدولة.
ج ـ وإن صح القطع فهو قطع اليد اليمنى للسرقة ولا يجوز إلحاق هذه الجريمة بالحرابة فإن للحرابة ظروفها وشروطها.
د ـ لا يجوز في رأي جمهور الفقهاء الجمع بين الحد والغرم.
القضية الثانية:
اختلس المواطن الفاتح عبد الرحمان أحمد مبلغ 47 ألف جنيه من مدرسة وادي سيدنا الثانوية التي كان يعمل محاسبا فيها، وقدم لمحكمة الطوارئ رقم (7) برئاسة القاضي المكاشفي طه الكباش، حكمت المحكمة على المتهم بقطع اليد اليمنى والغرامة 47 ألف جنيه وإذا لم يدفع الغرامة يسجن ثلاث سنوات.
ويلاحظ الآتي:
أ ـ أن الجريمة اختلاس والاختلاس ليس سرقة ولكن التخليط الموجود في القانون سمح للقاضي أن يعرف الجريمة سرقة بالفهم الوضعي وأن يطبق عليها السرقة الشرعي.
ب ـ في أحكام الفقه عند الجمهور لا يجتمع حد وضمان، فمن وقع عليه الحد لا يغرم المال المسروق، بل في غالب آراء الفقهاء لا يجتمع الحد مع أي عقوبة أخرى.
.../...
القضية الثالثة:
ألقي القبض على مواطن اسمه حيدر ومواطنة اسمها مكوب الدنيا واتهما بجريمة مخلة بالآداب.
واتضح أثناء التحقيق مع المرأة أنها على صلة بعدد من الرجال فأعطت المحققين قائمة بأسماء معارفها فاختارت المحكمة المواطن عبد الرحيم عيسى طه من الأسماء المذكورة في القائمة وأرسلت في طلبه وعندما حضر لم تجر له محاكمة خاصة بل أخذت المحكمة عليه ( إقرار المرأة) فحكمت عليه بالجلد 25 جلدة والسجن لمدة عام، صدر هذا الحكم في 8 مايو 1984.
يلاحظ الآتي:
أ ـ إقرار المتهم في أحكام الإسلام بينة على نفسه لا على غيره.
ب ـ لا تجوز محاكمة بلا بينة والبينة هي إما إقرار أو شهود عدل.
ج ـ أمثال هذه المحاكمات تشجع البلاغات الكيدية وتفتح باب إشاعة الفاحشة بين الناس وتخريب علاقات الأسر والأهل.
القضية الرابعة:
حكمة محكمة الطوارئ رقم "2" برئاسة القاضي الشيخ الولي محمد علي المتهم منارة جوزيف سانتينو الإيطالي الجنسية و وكيل الكنائس الكاثوليكية بالسودان بالسجن شهرا والجلد 25 جلدة والغرامة 500 جنيه لضبط زجاجة ويسكي وقنينة ( أوزو) و 16 زجاجة نبيذ وكرتونة بيرة في حوزته. صدر هذا الحكم في 20 مايو 1984.
ويلاحظ الآتي:
أ ـ أحكام الإسلام لا تحظر الخمر على غير المسلمين، وكذلك القانون السوداني وإن حظر عليهم السكر، والتعامل في الخمر، وقد أدين المتهم بالتعامل في الخمر، لأنه ادعى أن الخمور تخص المتران وإن لم يستطع إثبات ذلك، ولكن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فليس عليه هو أن يثبت براءته بل على الاتهام أن يثبت أنه كان يتعامل في الخمر ( أي يتاجر فيها) ليعاقب.
ب ـ كل الخمور الموجودة في حوزته يمكن أن تكون للاستعمال الشخصي ال 16 زجاجة نبيذ والنبيذ جزء من قداس الكنائس يشربونه شعائريا رمزا لدم المسيح فأي غرابة أن يوجد النبيذ في حيازة وكيل الكنائس ؟
.../...
القضية الخامسة والسادسة والسابعة:
في الصحف السودانية عشرات الأحكام التي صدرت على مواطنين اتهموا بالشروع في الزنا فيما يلي عدد منها:
أ ـ حكمت محكمة الطوارئ رقم "2" على المتهم سمير امين محمود ( سوداني يعمل بشركة شفرون) بارتكاب جريمة الشروع في الزنا ومعاقبته بستين جلدة، وألف جنيه غرامة وبالسجن سنة إذا لم يدفع.
ب ـ حكمت محكمة الطوارئ رقم "7" على عثمان حمزة فرار ( بالمباحث المركزية) ونوال محجوب حامد وعويضة مرغني والفاتح عبد الرحمان ( موظف) وصلاح حامد البدوي وكمال محمد عباس ( فني بالتلفزيون ) وياسر النور بشرى بارتكاب جريمة الشروع في الزنا وعاقبت كلا منهم بالجلد 85 جلدة والغرامة 50 جنيه وبالسجن شهرا في حالة عدم الدفع.
ج ـ أدانت محكمة الطوارئ رقم "3" المتهمين أحمد إبراهيم آدم وفاطمة حسن صالح بجريمة الشروع في الزنا وحكمت عليها بأربعين جلدة لكل واحد منهما ومبلغ 150 جنيه غرامة أو السجن ثلاثة أشهر في حالة عدم الدفع.
ويلاحظ الآتي:
أولا: لا يوجد في أحكام الفقه الإسلامي جريمة مستقلة تسمى الشروع في هذه أو تلك الجريمة،بالنسبة للزنا فهو معروف، ودون الزنا لا يوجد سوى الخلوة المحرمة بين المحارم، وهذه وما يلحق بها من إخلال بالآداب يمكن أن يعاقب تعزيرا دون إشارة من بعيد أو من قريب للزنا لأن مجرد ذكره يقتضي تقديم شهود الإثبات عليه.
ثانيا: إن لذكر الزنا في الأحكام الشرعية خطرا ولا يذكر إلا ويقع حد الزنا، وإما حد القذف على القاذف، وذلك لكي لا تشيع الفاحشة بين الناس.
إن الممارسات السودانية بذكرها تهمة الشروع في الزنا وإدانتها للناس بهذه الجناية تخالف أدبا من آداب الشريعة الإسلامية.
ثالثا: إعلان حالة الطوارئ وتشكيل محاكم استثنائية لتطبيق الشريعة الإسلامية.
أعلن رئيس جمهورية السودان في 29/4/1984 قانون الطوارئ وذلك بموجب أحكام المادة (111) من الدستور والمادة (2) من قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939 بقرار جمهوري رقم 257 لسنة 1984 ابتداء من يوم 29/ 4/ 1984 وقد أجاز مجلس الشعب السوداني ذلك القرار وفوض السيد رئيس الجمهورية بأعمال قانون الطوارئ دون الرجوع إليه لأي مدة أو مدد يراها مناسبة.
.../...
( محاكم مخالفة للنظم القانونية الدولية)
ولقد جاءت محاكم الطوارئ في السودان استثناء من القواعد العامة في تشكيل المحاكم باعتبارها محاكم استثنائية ودخلت فيها عناصر من غير الهيئة القضائية، كما جاءت هذه المحاكم مخالفة للنظم القانونية المتعارف عليها في كل القوانين الدولية للأسباب التالية:
أولا: إن محاكم الطوارئ المشكلة في السودان هي محاكم ميدانية ولا يتم تكوينها إلا في حالة الحروب أو الكوارث.
ثانيا: إن تشكيل هذه المحاكم يتم مباشرة من السيد رئيس الجمهورية أو ممن يخول له ذلك الحق السيد الرئيس، وقد يكون وزيرا أو محافظا أو حتى مفتشا للشرطة وفقا للتشريع رقم 9 لسنة 1939 وعملا بأحكام المادة "5" من قانون الدفاع عن السودان لسنة 1939 والمادة "3" من لائحة الطوارئ لسنة 1984. وهذه السلطات القضائية يجب أن تمارسها الهيئة القضائية في كل الأحوال.
ثالثا: إن المحاكم الاستثنائية هي خروج عن القاعدة العامة في تشكيل المحاكم وفي ذلك خطورة على المواطن وعلى العدالة، لذلك فقد أتى التشكيل بتصنيفة غريبة على المجتمع السوداني لأنها تتكون من قاض اثنين من رجال القوات المسلحة من الجيش أو الطيران أو الشرطة وحتى السجون، وتكون أحكامها بالأغلبية ولأن المحكمة تتكون من ثلاثة، اثنان منهم تنقصهما الخبرة القانونية، علاوة على أن القضاة المدنيين من غير سلك القضاة غالبا وبعضهم من رجال البوليس المتقاعدين الذين منحوا سلطات قضاة – فإن هذا يشكل خطورة على المتهم الذي حرم من ان يحاكم أمام محاكم مدنية وبواسطة قضاة مؤهلين، وبإجراءات معلومة و وفقا لقواعد واضحة في الإثبات.
رابعا: إن إجراءات هذه المحاكم تتم في صورة إيجازية دون التقيد بقواعد الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية وفقا للسرعة المطلوبة في هذه المحاكم التي غالبا ما تسمع كل الدعوى في يوم واحد ويصدر فيها الحكم في نفس اليوم وينفذ كذلك.
خامسا: لقد حرم المتهم في هذه المحاكم من أن يكون له مدافع من المحامين، ولكن يحق له أن يستعين بمحام كصديق وهذا خرق واضح حتى لأحكام الدستور المؤقت، وفي هذا الدستور فقد عطلت بعض مواده التي كانت تعطي بعض الحريات العامة المحدودة ليس هذا فحسب بل حرم المتهم من أن تدون أقواله كاملة في محضر إجراءات المحاكمة، ويحق للمحكمة أن تدون منها ما تشاء وتترك ما تشاء في اختصار مخل بكل النظم المتعارف عليها، علاوة على ذلك فقد حرم المتهم من حق الاستئناف، وأحكام هذه المحاكم نهائية إلا في حالة الإعدام التي يجب أن يصادق عليها رئيس الجمهورية.
.../...
لذلك فقد جاءت أحكام هذه المحاكم متناقضة ومتنافرة، فقد يحاكم المتهم أمام محكمة الطوارئ رقم "2" مثلا في حالة شرب الخمر أو الشروع في الزنا أو خلافه بخمس سنوات، ومحكمة أخرى بستة أشهر أو أسابيع. هذا التناقض في الأحكام يكفيه مزاج المحكمة ولا تعقيب عليه، ولذلك فقد صدر حكم بالقطع على أحد الأشخاص وتم تنفيذه، واتضح بعد ذلك أن ذلك الشخص بريء باعتراف المتهم الأصلي...
سادسا: بالرغم من أن هذه المحاكم إيجازية وسريعة فقد خولها المشرع سلطات إصدار أحكام تصل إلى حد القطع، والقطع من خلاف، والصلب مع الشنق والإعدام والغرامات التي قد تصل إلى الملايين .
سابعا: إن هذه المحاكم وفقا لاختصاصها تحاكم كل الجرائم المقيدة للحريات وكل الجرائم التي تمس الدولة وكذلك الجرائم البسيطة، وقد يحاكم قاضي محكمة عليا بجريمة حيازة زجاجة مخدرات أو دعارة أو قمار.
ثامنا: من المعلوم قانونا أن هناك إجراءات معينة في الإثبات، وهناك قواعد مرعية شرعية وجنائية في التثبيت والتحقق من الجريمة، ولكن وفقا لتشكيل هذه المحاكم فإنها قد تسترشد بقانون الإثبات لسنة 1983 أو قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983 ويمكن لها بهذا المفهوم أن تقتنع بجود الجريمة دون إثبات أو قواعد معينة مفهومة لدى القاضي أو المتهم.
تاسعا: إن التطبيق العملي لأحكام هذه المحاكم قد أوضح عدم اتساقها مع كل التراث الفقهي والقانوني والقضائي في السودان، فأحكامها قد وصلت إلى المئات من السنوات عقوبة في السجون وغرامات وصلت إلى الملايين من الجنيهات.
ربعا لماذا أعلنت حالة الطوارئ ؟
تجمع كل القوى الوطنية واليسارية والاتجاهات الإسلامية على أن إعلان حالة الطوارئ في السودان يرجع للأسباب التالية:
ـ لمواجهة موجة الإضرابات القائمة والقادمة بصرامة.
ـ للتخلص من حرج التناقض بين الدستور والقوانين الجديدة.
ـ لفرض خط واحد على رجال الحكومة لأن انقساماتهم شاعت وانكشفت.
ـ لاحتواء آثار الموقف المتردي في الجنوب فقد تعرضت الحكومة لهزائم في كل المواجهات التي حدثت لدرجة تعطيل مشروعات التنمية الكبيرة في الجنوب ( التنقيب عن البترول وحفر قناة جنقلي) ولدرجة تعطيل المواصلات بين الشمال والجنوب.
ـ لفرض نظام إيجازي استثنائي على القضاة بواسطة محاكم الطوارئ فتساعد على ترويع المواطنين وتخدم أغراض النظام الأمنية.
ولكي لا تظهر إجراءات الطوارئ على حقيقتها ألبسها النظام لباس الجدية في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ولباس التصدي للفساد الإداري والمالي والخلقي الذي تردت فيه البلاد. والدليل على هذا نجده في خطاب رئيس الجمهورية في مساء يوم 24 مايو 1984، ونجده في نص التعديلات الدستورية التي بعث للجنة مجلس الشعب بإجراء تعديلات في الدستور في 10 يونيو 1984، ففي خطابه ذكر نقطتين هامتين:
الأولى: بعد أن حدد حقوق الإنسان في الإسلام قال .. ( ولكن الإسلام له طوارئ .. وعندما يرى المجتمع قد فسد وانحرف انحرافا شديدا تعلن الطوارئ .. ندخل البيوت .. نضبط ونفتش.. نفتش الناس في كل مكان).
.../...
الثانية:
قال في نفس الخطاب بعد أن ذكر وجود معارضين له أنهم لا يستحقون أن يحاكموا بالقانون السمح بل يجب أن يحاكموا ( بالقانون البطال).
إنه يؤكد أنه باسم الإسلام والإصلاح سيتعدى كل الحدود.
خامسا: قانون العقوبات وقانون أصول الأحكام لعام 1983.
هذه القوانين الكثيرة لم تناقش أو تدرس لا في الأوساط القانونية والفقهية السودانية ولا في ديوان النائب العام ولا في أوساط المشرعين السودانيين في مجلس الشعب مثلا، ولا في أجهزة الإعلام. كان دور هؤلاء مجرد استقبالها فرضي بها قليلون وانتقدها كثيرون. وانعقدت ندوة دعت إليها نقابة المحامين السودانيين وعبر جلسات دامت عشرة أيام في شهر أبريل 1984 ناقشوها ولاحظوا ما فيها من فجوات ومفارقات وغفلات راجعة جميعا إلى العجلة المخلة في إصدار القوانين والتسمي بتطبيق الشريعة.
أولا قانون العقوبات لسنة 1983.
يعاب على هذا القانون الآتي:
أ ـ أنه كان فاتحة التطبيق الإسلامي وهذه أولوية خاطئة لأن الشريعة تحاصر الجريمة بوسائل مختلفة نهايتها العقوبة، فالجريمة في الشريعة يحاصرها الإيمان ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات... الآية) وتحاصرها العبادة ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر... الآية) ويحاصرها الإصلاح الاجتماعي الذي يحارب الحاجة ويسهل الزواج ويزيل الأسباب الاجتماعية للإجرام. فالشريعة تعاقب ضمن وسائل أخرى متاحة لمحاربة الجريمة. ولا يجوز في نظر الإسلام أن يبدو وكأن العقوبة القانونية هي الوسيلة الوحيدة لمحاربة الجريمة في الإسلام.
كذلك فإن العقوبات الإسلامية توظف لحماية نظام إسلامي، أما إقامة العقوبات دون البدء بإقامة النظام الإسلامي يوظف العقوبات الإسلامية في حماية نظام غير إسلامي فهذا يناقض مقاصد الشريعة.
ب ـ إن الشريعة تنص على عقوبة الجلد في ثلاثة حدود ( الزناـ القذف ـ الخمر) وهي عقوبة خطيرة من الناحية المعنوية لما فيها من إذلال الجاني. والحدود مكبلة التطبيق لما يصحبها من شبهات، لذلك، كان للجلد دور رادع. ولكن قانون العقوبات يعمم الجلد على كل العقوبات ويخلق انطباعا بأن الجلد هو أفضل أسلوب عقابي في الشريعة الإسلامية. هذا الانطباع خاطئ جدا لأنه فيما عدا الحدود توجد عقوبات التعزير وهي تفتح المجال لأي نوع من العقوبة مناسبة للجريمة ومناسبة للظروف الاجتماعية المتغيرة بما في ذلك عقوبات إسمية أدبية مثل اللوم والتوبيخ.
يتبع...
السلام عليكم ، لا أمل أبدا من قراءة ما كتبه الكاتب الكبير فرج فودة " رحمه الله "فأسلوبه كان سهلا يتمتع بخفة ظل طبيعية غير متكلفة ، كما أن حججه مقحمة ــ لا حل لخصمه فيها ،ــ فكان الرد مغايرا، لما كانوا يبدونه من سماحة مصطنعة ! فقد كانت الفتوى التي صدرت من الغزالي إذنا للمنفذين المتحفذين بالتصفية الجسدية ، لغتهما لوحيدة التي كثيرا ما قاموا بها، فهم خبراء فيها : تخطيطا وتنفيذا ، فعملهم الغير معلن ، واجتماعاتهم السرية ، تدلل بوضوح على قصدهم لقتله ، حتى إنهم لم يخفوا ما شعروا به من عدم تحميل القاتلين ذنب ، ولأن فرج فوده كان هو السبب بما كتب في قتله ،لم يدينوا القتل ! ما أردت قوله ان المناظرة كانت هي القشة التي قسمت ظهر البعير ، فلم يتحملوا حججه القوية ولا منطقه السليم ولا قراءاته التي تثبت ما هم عليه من جهل ، فكانت النتيجة عود حميد إلى ما تعوده وخبروه من قتل وتفية جسدية .
دعوة للتبرع
النهى للنبى : كم اقف متدبر ا أمام أسلوب ( النهي للنبي عليه...
الشركات الزراعية: أعمل فى شركة زراعي ة بأجر زهيد مثل أجر...
عليك بالتوبة والتقوى: السلا م عليكم . انا شاب مسلم.. مشترك في...
هنيئا لكم بالحسين .!: لطالم ا كنتم المصر يين مطايا لبني امية وبني...
الحفظ الالهى للقرآن: عمي وأخي د. أحمد هل السؤا ل التال ي يناسب ه ...
more
الأستاذ الفاضل / ابرهيم دادي نشكرك على هذه التذكرة بالراحل فرج فودة ،ومقتطفات من كتابه ، هذا المفكر الذي ظل مهموم بقضايا بلده إلى أن اغتالته يد الإرهاب الآثمة .
هؤلاء الإرهابيين الذين لم يستطيعوا الرد عليه بالفكر لأنهم فقراء فكريا ولا يملكون ولا يٌجيدون إلا العنف وحمل السلاح وسفك الدماء .
هو كان يخاطب النخبة التي تستخدم عقلها في التفكير وتحاول الإصلاح ، وليس التي تستخدمه في أفضل طريقة لإيذاء الشعوب والاستيلاء على مقدراتها ، فكانت الفئة الأخيرة لا تسمع لقوله بل ربما ساعدت في القضاء عليه وإسكاته .
والسؤال هو ماذا فعل المصريين بقاتلي فرج فودة رحمه الله ؟؟!!!.