تفسير سورة لقمان

رضا البطاوى البطاوى Ýí 2010-04-27


                            سورة لقمان

سميت بهذا الاسم لذكر لقمان (ص)فيها بقوله "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه".

"بسم الله الرحمن الرحيم ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون "المعنى بحكم الرب النافع المفيد العدل هو أحكام الوحى الفاصل نفع أى فائدة للمصلحينacute;ين الذين يطيعون الدين أى يتبعون الحق وهم بالقيامة يصدقون أولئك على دين من خالقهم وأولئك هم الفائزون،يبين الله لنبيه(ص)أن اسم وهو حكم الله الرحمن الرحيم وهو الرب النافع المفيد هو أن ألم وهو العدل تلك آيات الكتاب الحكيم أى العدل هو أحكام القرآن وبيانه الفاصل بين الحق والباطل مصداق لقوله بسورة النمل"تلك آيات القرآن"والقرآن هو هدى أى رحمة أى بشرى أى نفع للمسلمين مصداق لقوله بسورة النحل"ورحمة وبشرى للمسلمين "وهم الذين يقيمون الصلاة أى يطيعون الدين وهو الإسلام مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسر هذا بأنهم يؤتون الزكاة أى يعملون الحق وهم بالآخرة وهى القيامة يوقنون أى يؤمنون مصداق لقوله بسورة الأنعام"والذين يؤمنون بالآخرة"ويبين أن المحسنين على هدى من ربهم أى على دين منزل من خالقهم وهم المفلحون أى الفائزون برحمة الله مصداق لقوله بسورة التوبة "وأولئك هم الفائزون"والخطاب للنبى(ص).

"ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا وأولئك لهم عذاب مهين"المعنى ومن الخلق من يبيع باطل الكلام ليبعد عن دين الرب بغير هدى ويجعلها أضحوكة وأولئك لهم عقاب شديد،يبين الله لنبيه(ص)أن من الناس وهم الخلق من يشترى لهو الحديث والمراد من يفترى باطل القول وهو الكذب والسبب ليضل عن سبيل الله بغير علم والمراد ليبعد الناس عن دين الله مصداق لقوله بسورة الأنعام"فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم"أى "بغير هدى من الله "كما قال بسورة القصص والمراد بغير وحى من الله يبيح له قول الباطل وهو يتخذها هزوا والمراد إذا علم بآيات الله يجعلها أضحوكة أى يكذب بها مصداق لقوله بسورة الجاثية "وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا "والكفار لهم عذاب مهين أى عقاب شديد مصداق لقوله بسورة فاطر"الذين كفروا لهم عذاب شديد ".

"وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم "المعنى وإذا تبلغ له أحكامنا أعرض مكذبا كأن لم يعلم بها كأن فى سمعه مانع فأخبره بعقاب شديد،يبين الله لنبيه (ص)أن الكافر إذا تتلى عليه آياتنا والمراد إذا تبلغ له أحكام الله كانت النتيجة أن ولى مستكبرا أى أعرض مكذبا لها كأن لم يسمعها أى  لم يبلغ بها كأن فى أذنيه وقرا والمراد كأن فى سمعه ثقل وهذا يعنى أنه يشبه فى عدم سماعه الوحى الأصم الذى لا يسمعه لو قيل له ويطلب منه أن يبشره بعذاب أليم والمراد أن يخبره بدخوله عقاب شديد والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم "المعنى إن الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات لهم حدائق المتاع مقيمين فيها قول الرب صدقا وهو الناصر القاضى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين آمنوا أى صدقوا الوحى وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات لهم جنات النعيم أى حدائق المتاع أى المأوى مصداق لقوله بسورة السجدة"لهم جنات المأوى "خالدين فيها أى "ماكثين فيها أبدا "كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فيها دوما وهو وعد الله حقا والمراد قول الرب صدق وهو العزيز أى الناصر الحكيم أى القاضى بالعدل

"خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم "المعنى أنشأ السموات بغير أعمدة تشاهدونها ووضع فى الأرض جبال كى لا تتحرك بكم وخلق فيها من كل نوع وأسقطنا من السحاب مطر فأخرجنا فيها من كل نوع بهيج ،يبين الله للناس أنه خلق أى رفع السموات بغير عمد يرونها مصداق لقوله بسورة الرعد"الله الذى رفع السموات بغير عمد ترونها "والمراد أنه أقام السموات على أساس الكون وهو الأرض بغير أعمدة يشاهدونها وهذا يعنى وجود أعمدة غير مرئية للناس تحمل السماء فلا تسقط على الأرض وألقى فى الأرض رواسى والمراد جعل فى الأرض جبال مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وجعل فى الأرض رواسى"والسبب أن تميد بهم والمراد كى لا تتحرك بهم الأرض وبث فيها من كل دابة والمراد وخلق فيها من كل نوع أى زوج أى شىء مصداق لقوله بسورة الذاريات"ومن كل شىء خلقنا زوجين"وأنزل من السماء ماء والمراد وأسقط من السحاب مطرا فأنبتنا فيها من كل زوج كريم والمراد فأخرجنا فيها من كل فرد بهيج مصداق لقوله بسورة ق"من كل زوج بهيج"والخطاب للناس وأوله محذوف ويبدو أنه إجابة على سؤال من هو الله ؟.

"هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون فى ضلال مبين "المعنى هذا إنشاء الرب فأعلمونى ماذا أنشأ الذين من سواه إن الكافرون فى تيه عظيم ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للكفار هذا خلق أى إبداع الله وهو الكون فأرونى ماذا خلق الذين من دونه والمراد فأشهدونى أى فعرفونى ماذا أبدع الذين تعبدون من سواه ولكن لا أحد سيقول له على ما طلب لعدم وجود خالق غيره ،ويبين له أن الظالمين وهم الكافرين فى ضلال مبين أى شقاق بعيد مصداق لقوله بسورة الحج"وإن الظالمين لفى شقاق بعيد "وهو العذاب المستمر فى الآخرة والخطاب للناس على لسان النبى(ص).

"ولقد أتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله لغنى حميد "المعنى ولقد أوحينا للقمان(ص)الوحى أن أطع الرب ومن يطع فإنما يطيع لمنفعته ومن كذب فإن الرب واسع شاكر ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله أتى أى أوحى للقمان(ص)الحكمة وهى الوحى فقال فيه :أن أشكر أى أطع حكم الله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه أى "ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه"كما قال بسورة العنكبوت والمراد ومن أطاع حكم الرب فإنما يطيع من أجل مصلحته ومن كفر أى كذب بحكم الله فإن الله لغنى حميد والمراد فإن الرب غير محتاج شكور لمن يطيعه والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص).

"وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم "المعنى وقد قال لقمان (ص)لولده وهو ينصحه يا ولدى لا تكفر بالله إن الكفر لنقص كبير،يبين الله لنبيه (ص)أن لقمان (ص)قال لابنه وهو ولده الوحيد وهو يعظه أى ينصحه:يا بنى أى يا ولدى لا تشرك بالله أى لا تعصى حكم الله إن الشرك لظلم عظيم والمراد إن العصيان لحكم الله لضلال بعيد مصداق لقوله بسورة النساء"ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا"والمراد إنقاص لحق الفرد وهو مسكنه فى الجنة .

"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير"المعنى وأمرنا الفرد بأبويه برا حبلت به والدته ضعفا وراء ضعف وفطامه بعد سنتين أن أطع الرب وأبويك إلى المرجع،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصى الإنسان بوالديه والمراد أمر الفرد بالإحسان إلى أبويه مصداق لقوله بسورة النساء "وبالوالدين إحسانا"حملته أمه وهنا على وهن والمراد حبلت به ضعفا على ضعف وهذا يعنى أن الحامل تزداد ضعفا كلما قرب موعد الولادة ،وفصاله فى عامين أى وفطام الرضيع بعد سنتين مصداق لقوله بسورة البقرة "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"وقال لله للإنسان:اشكر لى أى أطع حكمى ومن ضمن حكمى أطع والديك أى أبويك إلى المصير وهو المرجع والمراد وإلى جزاء الله العودة .

"وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "المعنى وإن خدعاك كى تعبد معى الذى ليس لك به وحى فلا تتبعهما وعاشرهما فى الأولى إحسانا وأطع حكم من عاد لدينى ثم إلى مرجعكم فأخبركم بما كنتم تفعلون ،يبين الله للمسلم أن الأبوين إن جاهداه أى طالباه أن يشرك بالله ما ليس له به علم والمراد أى يطيع مع حكم الله حكما أخر ليس له فيه وحى من الله يبيح طاعة الحكم الأخر ويطلب منه ألا يطعهما أى ألا يتبع قولهما وهذا يعنى أن يعصى الأبوين فى أى حكم يخالف حكم الله فى أى شىء ويطلب منه أن يصاحبهما فى الدنيا معروفا والمراد أن يعاشرهما فى الأولى إحسانا وهو العدل ،ويطلب الله من المسلم أن يتبع سبيل من أناب لله والمراد أن يطيع دين من رجع لدين الله وهو الإسلام ويبين للناس أن إليه مرجعهم والمراد إلى جزاء الرب عودتهم بعد الموت فينبئهم بما كانوا يعملون والمراد فيبين لهم الذى كانوا يفعلون فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النحل"وليبينن لكم يوم القيامة"والقول وما قبله محشور فى القصة وهذا ليس موضعه الأصلى والخطاب للنبى(ص)وكل مسلم وفى نهاية القول إلى مرجعكم..  للناس والذى يبدو أنه جزء من آية أخرى حذف أولها  .

"يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير "المعنى يا ولدى إنها إن تك قدر بذرة من خردل فتختفى فى جبل أو فى السموات أو فى الأرض يعلم بها الرب إن الرب عليم محيط ،يبين الله لنبيه(ص)أن لقمان(ص)قال لولده:يا بنى أى يا ولدى إنها وهى المخفاة إن تك مثقال حبة والمراد إن تك قدر بذرة من خردل فتكن والمراد فتكون مختفية فى صخرة أى جبل أو فى السموات أو فى الأرض يأت أى يعلم بها الله إن الله لطيف خبير والمراد إن الرب عليم محيط وهذا يعنى أن الله يعلم كل شىء فى الكون وهو قادر على إحضاره من أى مكان ومن ثم فعلى الولد ألا يعتقد أنه يهرب من علم الله بإخفاء عصيانه .

"يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "المعنى يا ولدى أطع الدين أى اعمل بالعدل أى ابتعد عن الكفر أى أطع رغم ما حدث لك إن الطاعة هى واجب الأحكام ،يبين الله لنبيه (ص)أن لقمان(ص)قال لولده :يا بنى أى يا ولدى أقم الصلاة أى أطع الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسر هذا بقوله أمر بالمعروف أى اعمل بالقسط مصداق لقوله بسورة آل عمران"الذين يأمرون بالقسط"وفسر هذا بقوله انه عن المنكر أى ابتعد عن طاعة السوء مصداق لقوله بسورة الأعراف"وينهون عن السوء"وفسر هذا بقوله اصبر على ما أصابك والمراد أطع حكمى رغم ما حدث لك من خير أو شر إن ذلك وهو طاعة حكم الله من عزم الأمور والمراد هو واجب الأحكام عند الله.

"ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور "المعنى ولا تكبر نفسك  للخلق أى لا تكن فى البلاد ظالما إن الرب لا يرحم كل فرح مباهى ،يبين الله لنبيه(ص)أن لقمان(ص)قال لولده :لا تصعر خدك للناس والمراد ولا تعظم نفسك للخلق وهذا يعنى ألا يجعل نفسه إله أمام الناس وفسر هذا بألا يمش فى الأرض مرحا والمراد ألا يسير فى البلاد مفسدا أى ظالما لأن الله لا يحب والمراد لأن الرب لا يرحم كل مختال فخور أى فرح مباهى أى مفسد مصداق لقوله بسورة القصص"ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين ".

"واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير "المعنى واعدل فى حكمك أى ابتعد عن هواك إن أسوأ الأهواء لأهواء الكفار يبين الله لنبيه(ص)أن لقمان(ص)قال لولده:اقصد فى مشيك أى اقسط فى حكمك وفسر هذا بأنه قال اغضض من صوتك والمراد ابتعد عن طاعة هواك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير والمراد إن أسوأ الأهواء وهى الآراء لآراء الكفار وقد تم تفسير الحمير بالكفار لأن الحمير كحيوانات حسنة ككل شىء خلقه الله مصداق لقوله بسورة السجدة "الذى أحسن كل شىء خلقه "وأما الكفار فهم شر الدواب كما قال بسورة الأنفال"إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ".

"ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير"المعنى ألم تعلموا أن الرب خلق لكم الذى فى السموات والذى فى الأرض و أعطى لكم عطاياه معروفة لكم ومجهولة ومن الخلق من يحاجج فى الرب بدون وحى أى حكم أى قرآن هادى ،يسأل الله الناس ألم تروا أى هل لم تعلموا أن الله سخر أى خلق لكم ما وهو الذى فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة البقرة "وهو الذى خلق لكم الذى فى الأرض جميعا"وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة والمراد وأعطى لكم منافعه معروفة لكم ومجهولة وهذا يعنى وجود نعم يعرفها الناس ونعم أخرى لا يعرفونها ،والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس عرفوا أن الله خلق الكون لينتفع به الناس وأنه أعطاهم النعم المعروفة لهم والمجهولة التى لا يعلمون بها ،ويبين لنا أن من الناس وهم الخلق من يجادل فى الله والمراد من يحاجج بالباطل لمحو الحق الذى هو دين الله مصداق لقوله بسورة الكهف"ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق"وهم يحاججون بغير علم أى هدى أى كتاب منير أى وحى هادى للحق وهذا يعنى أنهم يجادلون بالباطل والخطاب حتى باطنه للناس وما بعده للنبى(ص)ويبدو أنه جزء من آية أخرى.

"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ربكم قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير "المعنى وإذا قيل لهم أطيعوا ما أوحى إلهكم قالوا بل نطيع الذى لقينا عليه آباءنا أو لو كان الهوى يناديهم إلى عقاب النار ؟يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار إذا قيل أى نصحوا :اتبعوا ما أنزل ربكم والمراد أطيعوا ما أوحى لكم إلهكم كان ردهم هو بل نتبع  ما وجدنا عليه آباءنا والمراد بل نطيع الذى "ألفينا عليه آباءنا"كما قال بسورة البقرة  ويسأل الله أو لو كان الشيطان وهو الهوى الضال لهم يدعوهم إلى عذاب السعير أى يناديهم إلى دخول عقاب الجحيم؟والغرض من السؤال هو إخبارنا بجنون القوم فهم يذهبون بأنفسهم للنار والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور"المعنى ومن يخلص نفسه لله وهم مصلح فقد استقوى بالدين العظيم وإلى الرب جزاء المخلوقات،يبين الله لنبيه (ص)أن من يسلم نفسه إلى الله والمراد من يخلص نفسه لدين الله أى يجعل نفسه تؤمن بدين الله وهو محسن أى وهو مصلح أى عامل للصالحات فقد استمسك بالعروة الوثقى وهى العقدة العظيمة أى الدين العادل مصداق لقوله بسورة البقرة "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى "وإلى الله عاقبة الأمور أى إلى حكم الرب جزاء أى مصير المخلوقات مصداق لقوله بسورة لقمان "إلى المصير".

"ومن كفر فعليه كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ"المعنى ومن كذب فعليه عقاب تكذيبه إلينا عودتهم فنخبرهم بما صنعوا إن الرب خبير بنية النفوس نعطيهم قليلا ثم ندخلهم فى عقاب شديد،يبين الله لنبيه(ص)أن من كفر فعليه كفره أى من كذب فعليه عقاب تكذيبه والمراد من أساء فعليه عقاب إساءته مصداق لقوله بسورة الإسراء"وإن
أسأتم فلها"،إلينا مرجعهم والمراد "إن إلينا إيابهم"وهى عودتهم كما قال بسورة الغاشية فننبئهم بما عملوا والمراد فنبين لهم الذى فعلوا يوم القيامة مصداق لقوله بسورة النحل"وليبينن لكم يوم القيامة"ويبين له أنه عليم بذات الصدور والمراد أنه خبير بالذى فى النفوس وهو النية مصداق لقوله بسورة البقرة"إن الله يعلم ما فى أنفسكم"ويبين له أنه يمتع الناس قليلا والمراد يعطيهم الرزق وقتا قصيرا هى حياتهم فى الدنيا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ والمراد ثم يدخلهم فى عقاب شديد هو النار مصداق لقوله بسورة البقرة "ثم أضطره إلى عذاب النار "والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"المعنى ولئن استخبرتهم من أبدع السموات والأرض ليجيبن الله قل الطاعة لحكم الله إن معظمهم لا يطيعون حكمه،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو سأل أى استفهم من الكفار فقال من خلق أى أنشأ أى"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام فسيكون جوابهم الله هو خالقها ويطلب منه أن يقول الحمد أى الطاعة لحكم الله ما دام هو الخالق ويبين له أن أكثر الناس لا يعلمون والمراد إن أغلب الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون".

"لله ما فى السموات والأرض إن الله هو الغنى الحميد"المعنى لله ملك الذى فى السموات والأرض إن الرب هو الواسع الشاكر ،يبين الله لنبيه (ص)أن لله ما فى والمراد أن لله ملك الذى فى السموات والأرض من المخلوقات والله هو الغنى أى واسع الملك الحميد أى الشاكر وهو المثيب لمن يطيع حكمه والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم"المعنى ولو أن الذى فى الأرض من نبات أقلام واليم يزيده من بعده سبعة بحار ما انتهت إرادات الرب إن الرب ناصر قاض بالحق،يبين الله لنبيه (ص)أن لو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام والمراد أن لو تحول الذى فى الأرض من نبات إلى أقلام وهى الكاتبات والبحر تحول لحبر أى مداد  يمده أى يزيده ماء سبعة بحار حبرا لكان الحادث هو أن تنفد الأقلام والمداد وما نفدت كلمات الله أى وما انتهت إرادات الله مصداق لقوله بسورة الكهف"لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا"والله عزيز حكيم أى ناصر قاض بالحق.

"ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير "المعنى ما أنشأكم ولا أحياكم إلا كإنسان واحد إن الرب عارف خبير ،يبين الله للناس أنه ما خلقهم أى ما أبدعهم ولا بعثهم أى ولا أحياهم  مرة أخرى إلا كنفس واحدة والمراد أنه خلقهم كشىء واحد لا يختلفون فى التكوين من نفس وجسم والله سميع بصير أى خبير محيط بكل شىء والخطاب للناس.

"ألم تر أن الله يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وإن الله بما تعملون خبير "المعنى ألم تعلم أن الرب يدخل الليل على النهار ويدخل النهار على الليل وخلق الشمس والقمر كل يسير إلى موعد محدد وإن الرب بالذى تفعلون عليم ،يسأل الله نبيه (ص)ألم تر أى تعرف أن الله وهو الرب يولج أى يدخل أى يكور الليل على النهار ويولج أى يدخل أى يكور أى يزيل تدريجيا النهار إلى الليل مصداق لقوله بسورة الزمر"يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل"وسخر أى خلق الشمس والقمر مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر"كل يجرى إلى أجل مسمى والمراد كل يتحرك حتى موعد محدد هو القيامة ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الرسول عرف قدرة الله على تغيير الليل والنهار وخلق للشمس والقمر وتحريكهما ويبين الله للناس أنه بما تعملون خبير والمراد وهو بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة النور"والله عليم بما تفعلون"والخطاب حتى مسمى للنبى(ص)وما بعده للناس وهو جزء من آية حذف أولها.

"ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير"المعنى ذلك بأن الرب هو الموجود وأن ما يعبدون من سواه هو الكذب وأن الرب هو الكبير العظيم ،يبين الله للنبى(ص)أن ذلك وهو قدرته على تغيير الليل والنهار وخلق الشمس والقمر سببها هو أن الله وهو الرب هو الحق أى الإله الموجود الذى يقضى وحده وأما ما يدعون من دونه والمراد وأن ما يعبدون معه هم الباطل أى الكذب والمراد لا وجود حقيقى لهم كآلهة يجعلهم يقضون بشى فى الكون مصداق لقوله بسورة غافر"والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشىء"وأن الله هو العلى أى الكبير وهو العظيم وحده والخطاب للنبى(ص).

"ألم تر أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور"المعنى ألم تعلم أن السفن تسير فى الماء بحكم الرب ليشهدكم من براهينه إن فى ذلك لبراهين لكل مطيع متبع للحق،يسأل الله نبيه(ص)ألم تر أى تدرى أن الفلك وهى السفن تجرى فى البحر بنعمة الله والمراد تتحرك فى الماء بأمر الرب وهو مخلوقاته مثل الريح والمحركات الصناعية مصداق لقوله بسورة إبراهيم "لتجرى فى البحر بأمره"والسبب أن يريكم من آياته والمراد أن يشهدكم من براهين قدرته على وجوب طاعته وحده والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن الله وحده هو من يسير السفن فى الماء حتى يعرفوا قدرته وفى ذلك وهو تسيير الفلك آيات أى براهين دالة على قدرة الله الدالة على وجوب طاعته وحده لكل صبار أى شكور أى مطيع حكم الله والقول حتى بنعمة الله للنبى(ص)وما بعده جزء من آية حذف أولها.

"وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور"المعنى وإذا أصابهم موج كالمرتفعات نادوا الرب موحدين له الحكم فلما أخرجهم إلى اليابس فمنهم عادل وما يكفر بأحكامنا إلا كل مكذب ظالم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار إذا غشيهم موج كالظلل إذا أصابهم ضرر موج وهو ماء متحرك يشبه الجبال دعوا الله مخلصين له الدين أى مقرين له بالحكم أى "منيبين إليه "كما قال بسورة الروم فلما نجاهم إلى البر والمراد فلما أنقذهم إلى اليابس كانت النتيجة أن منهم مقتصد أى عادل استمر فى إسلامه ومنهم جاحد أى كافر بدين الله وما يجحد بآيات الله والمراد وما يكفر بأحكام الرب سوى كل ختار كفور أى مكذب مخالف لأحكام الله وهم الظالمون مصداق لقوله بسورة العنكبوت"ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "والخطاب للنبى(ص).

"يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور"المعنى يا أيها الخلق اعبدوا إلهكم أى اعملوا ليوم لا يمنع أب عن ابنه ولا ابن هو مانع عن أبيه عقاب إن قول الرب صدق فلا تخدعنكم المعيشة الأولى أى لا يخدعنكم فى الرب الخادع ،يخاطب الله الناس وهم الخلق فيقول اتقوا ربكم أى "اعبدوا ربكم"كما قال بسورة البقرة والمراد أطيعوا حكم الله وفسر هذا بقوله واخشوا يوما أى وخافوا يوما مصداق لقوله بسورة النور"يخافون يوما"والمراد اعملوا لأخذ رحمة يوم لا يجزى والد عن ولده أى لا يحمل أب عن ابنه عقابا ولا مولود هو جاز عن ولده شيئا والمراد ولا ابن هو متحمل عن أبيه عقابا والمراد مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولا تزر وازرة وزر أخرى "ويبين لهم أن وعد الله حق والمراد أن قول الله صدق أى متحقق ويطالبهم ألا تغرهم الحياة الدنيا أى ألا يخدعهم متاع المعيشة الأولى وفسر هذا بألا يغرهم بالله الغرور والمراد ألا يخدعهم والمراد يبعدهم عن طاعة دين الرب الغرور وهو الخادع المسمى الهوى الضال والخطاب للناس 

 "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير"المعنى إن الرب لديه معرفة القيامة ويسقط المطر ويعرف الذى فى البطون وما تعلم نفس ماذا تفعل مستقبلا وما تدرى نفس بأى أرض تهلك إن الرب عارف محيط ،يبين الله للناس أن الله عنده والمراد أن الرب لديه علم الساعة أى معرفة موعد وقوع القيامة وينزل الغيث والمراد ومعرفة متى يسقط الماء مصداق لقوله بسورة الروم"وينزل من السماء ماء"والله يعلم ما فى الأرحام والمراد يعرف متى تحمل بطون الإناث ومتى تضع بالثانية والدقيقة والساعة واليوم مصداق لقوله بسورة فاطر"وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه"وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا والمراد ولا تعرف نفس ماذا تفعل مستقبلا والله وحده يعلم ما تفعله كل نفس فى المستقبل وما تدرى نفس بأى أرض تموت والمراد ولا تعرف نفس بأى بلد تهلك والله يعرف مكان هلاك كل فرد ،ويبين له أنه عليم خبير أى عارف محيط بكل شىء وسيحاسب عليه والخطاب للناس .

اجمالي القراءات 83054

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-08-18
مقالات منشورة : 2582
اجمالي القراءات : 20,546,467
تعليقات له : 312
تعليقات عليه : 512
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt