متي نتخلص من الإرث السياسي للعصور الوسطي ؟
عمرو اسماعيل
Ýí
2006-09-30
نظام الحكم في صدر الأسلام ( بعد الخلافة الراشدة ) و حتي القرن العشرين لم يكن يختلف في الحقيقة عن نظم الحكم المتعارف عليها في العالم أجمع.. رجل واحد وصل الي الحكم سواء بالبيعة أو الوراثة أو قوة السلاح أو القبيلة التي تقف ورائه (قريش في القرون الأولي) يعين الولاة ويتحكم في كل شيء و يختار المستشارين من أهل الحل و العقد وهو غير ملزم برأيهم فأن صلح هذا الرجل وكان قويا صلحت الدولة ,, عهد عمر بن عبد العزيز كمثال .. وإن كان ضعيفا أو قاسيا أو فاسدا (يزيد بن معاوية مثالا ) قامت الفتن والثورات حتي يموت أو يقتل فيصبح وريثه أو من قتله تمردا عليه خليفة أو حاكم أو سلطان يتبعه الناس رهبة أو رغبة.. نفس ما كان يحدث في الأمبراطورية الفارسية أو الإغريقية أو الرومانية أو الملكيات الأوروبية فيما بعد وكل هذه الامبراطوريات والملكيات بصرف النظر عن دينها كانت تعمد الي اكتساب فقهاء السلطة بقوة المال او السيف .. وكثير من الفتاوي التي تملأ بطون كتب الفقه والتي تمنع الخروج علي الحاكم حتي لو كان فاجرا أو ظالما طالما كان يقيم شعائر الدين و يحمي الثغور هي نفس الحجة التي كان يستخدمها ملوك أوروبا .. لا فرق اطلاقا .. عندنا كان يبايعهم الفقهاء طمعا في ذهب المعز أو خوفا من سيفه وعندهم كانت تعطيهم الكنيسة الحق الإلهي في الحكم مقابل ما تحصل عليه من ضرائب .. ولكنهم هناك تمردوا وظهر فيهم فولتير بمقولته الشهيرة وجان جاك روسو وعقده الاجتماعي .. تمردوا علي الظلم و القهر وعرفوا الدولة المدنية و دولة المؤسسات التي تستمد شرعيتها من الشعب من خلال صناديق الأنتخابات ولكننا نصر علي المضي في دولة الفرد سواء باسم الدين أو القومية أو الثورية أو الاستقرار .. ولهذا تقدموا و مازلنا نحن محلك سر.
لاأحد يعترض علي الأسلام وقيمه العظيمة وتأثيره في الحياة والمجتمع أو يحاربه كما يدعي البعض ....العكس هو الصحيح ... الدولة في الاسلام هي في الأساس دولة مدنية .... ولكن نظام الحكم يجب ان يكون ديمقراطيا الحاكم فيه هو مجرد موظف عند الشعب وهذا الشعب هو الوحيد الذي يملك الحق في اختياره أو عزله سلميا و دوريا دون الحاجة الي قتله أو سحله في ظل نظام تعددي يفصل بوضوح بين السلطات والجميع فيه حكاما و محكومين سواء أمام القانون.
إني لا أري فرقا بين جميع النظم الحاكمة في العالم العربي الآن سواء كانت جمهورية أو ملكية وبين جميع النظم التي كانت تحكم العالم كله في العصور الوسطي , رجل واحد يحكم ومعه شلة من المنافقين و المنتفعين أما باقي الشعب فهم مجرد رعايا و ليسوا مواطنين , ليس لهم أي حقوق ألا ما يسمح به الحاكم.. قد يحدث في غفلة من الزمن أن يكون هذا الحاكم صالحا فتصلح الدولة ولكنها صدفة لا تتكرر كثيرا فالسلطة لها بريق أخاذ ولذا تقاتل عليها البشر حتي صحابة الرسول رضوان الله عليهم.
فإلي كل من يدعون أنهم يتكلمون باسم الإسلام دعونا نكافح حكوماتنا الظالمة فنحن قد نستطيع أن نحتمل سجونها وسجانيها ولكن السجن المعنوي الذي تفرضونه علينا و اتهامات التكفير التي تستغلون بها مشاعر العامة الذين يحبون دينهم مثلنا تماما فهي سلاح أشد فتكا من أي نظام بوليسى حكومي وهو سلاح ضار سيبقي شعوبنا أكثر شعوب الأرض تخلفا.
أن الصراع مع الحكومات الديكتاتورية الظالمة لهو أسهل كثيرا من الصراع مع جماعات الأسلام السياسي والتي تستخدم الأبتزاز المعنوي والقتل العشوائي للأبرياء و الذي ينفذه للأسف شباب مغرر بهم فالقاتل و المقتول هم في الحقيقة ضحايا للقادة الطامعين في السلطة.
ولكني أبشرهم أن التاريخ لا يرجع الي الوراء والديمقراطية ستسود في النهاية رغما عنهم وعن حكامنا وعن أمريكا.. مهما سقط من من ضحايا فقد ثبت أن الديمقراطية هي أقل نظم الحم شرا أن لم تكن أفضلها.
أما رجال الدين,, رغم أن الأسلام ليس فيه رجال دين,, فيجب ان يعودوا الي واجبهم الأصلي في تعليم الناس شعائر دينهم و نشر مكارم الأخلاق بين أنفسهم أولا قبل الناس.. لانريد مرشدا عاما أو خاصا و لا هيئة كبار العلماء أو غيرها .. تفتش في ضمائر الناس و تنشر فتاوي التكفير و قرارات مصادرة الحريات و الأفكار لندع البشر يقررون بأنفسهم ليتسني لله أن يحاسبهم في الآخرة وهي حكمة الأستخلاف في الأرض, إن الحساب في الأرض هو لمن خالف القانون المدني الذي ارتضاه المجتمع أما النوايا و الضمائر فمتروك أمرها لله .... إن الله أمر رسوله الكريم أن يكون مذكرا وليس مسيطرا وحتي من تولي و كفر فلله أيابه و عليه حسابه ثم يأتي من يريد السيطرة علينا باسم الدين.
أن حرية العقيدة و حرية التعبد دون أرهاب الآخرين هي من أبسط حقوق الأنسان .. ثم يأتي من يقتل ويهدد باسم العقيدة أو الدين.. أن لم يكن هذا هو الأرهاب فماذا يكون الأرهاب.. أرهاب معنوي و جسدي لا بد أن نتصدي له جميعا أن أردنا أن نكون في يوم من الأيام شعوبا متحضرة.. اللهم احمنا ممن يدعون التحدث باسمك ظلما و عدوانا أما أعداء الشعوب من الحكام فشعوبهم كفيلة بهم.. لنا الله
عمرو اسماعيل
اجمالي القراءات
8243