(المُصور) والتصوير بين القرءان والكلام العام

عثمان محمد علي Ýí 2023-12-03


(المُصور) والتصوير بين القرءان والكلام العام .

للقرءان الكريم إسلوب خاص لفهم معانى مُصطلحاته ،وهو أن تتدبر معنى المُصطلح من خلال القرءان العظيم نفسه ،ومن خلال سياق الآيات التي ورد فيها ،وألا تستسهل على نفسك بأن تأخذ المعنى من اللغة الدارجة ولا من القواميس العربية إلا إذا تأكدت أن المعنى فيهم لا يُخالف المعنى المُراد في القرءان الكريم ،لأنه كثيرا ما يكون معنى ومفهوم المُصطلح القرءانى مغاير تماما بل ربما يكون مُضادا للمعنى الدارج عنه في اللغة الدارجة والقواميس .ومن صور هذه الإختلافات كان معنى ( المُصور) و(التصوير ) في القرءان جاء مُختلفا عن معناهما في لغتنا العادية المُتداولة فيما بيننا . فمعنى (التصوير) في لغتنا وحياتنا أن نأخذ صورة طبق الأصل دون تغيير ودون زيادة أو نقصان فيها وتكون ثابتة أو مُتحركة (فيديو) لشىء ما أمامنا ،سواء كان إنسانا أو جمادا أو نباتا أوأي كائن مرئيا بالعين المُجردة أو بالميكروسكوبات أو بأشعة من الأشعات .والذى يقوم بهذا الفعل نقول عنه نسبة لوظيفته (مُصور) مصور فوتوغرافى أو مُصور سينمائى .

ولكن جاء مُصطلح  (المُصور)في القرءان الكريم إسما من أسماء الله الحُسنى ،وجاء بمعنى الخالق البارىء الذى يُعطى لهذا المخلوق شكلا ظاهريا يُعرف به.بمعنى أنه سُبحانه وتعالى لا يأخذ صورا من مخلوق من خلقه ويُكررها كما هى .لا لا لا .ولكنه سُبحانه وتعالى يخلق كُل مخلوق بخصائص متفردة به هو (بالمخلوق ) مهما تعددت المخلوقات من نفس الجنس والنوع ووصلت إلى ملايين المليارات.

(هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ) (24) الحشر.

(هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ )(6) آل عمران.

فلونظرت للإنسان مُنذ (آدم عليه السلام ) وإلى أن تقوم الساعة فقد يصل تعداده إلى بلايين المليارات من البشر بنوعيه الذكر والأُنثى وبرغم هذه العدد اللانهائى فلن تجد أحدا منهم يتطابق مع أحد آخر منهم في بصمات اليد أو بصمات العيون ،وبصمات الصوت ،وووووو حتى التوائم المخلوقين من إنقسام بويضة واحدة فستجد بصماتهم مُختلفة تماما. وبكل تأكيد  ستجدهذه الإختلافات موجودة أيضا في المجرات والكواكب والشموس والأقمار،وفى كل ما بين السماء والأرض ،وفى الحيوانات والنباتات حتى لو بدى المظهر العام والخارجى والتشريحى مُتشابها أو مُتماثلا  بينهم .فبكل تأكيد  فإن لكل مخلوق منهم صفاته وبصماته التي تُمييزه هوعن باقى جنسه ونوعه وفصيلته.  وفى هذا قال القرءان الكريم عن إحدى مراحل خلق الإنسان مُعبرا عنها بالتصوير:

(وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ )(11) الأعراف.

(ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ )(64) غافر.

(خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ) (3) التغابن.

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ (6) ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ (7) فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ )(8) الإنفطار.

(وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ (11) الأعراف.

(ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ )(64) غافر.

فهُنا يكون معنى إسم الله جل جلاله (المُصور) يتطابق مع إسمه سُبحانه وتعالى (الخالق) ،وليس بالمعنى الذى نعرفه ونستخدمه في حياتنا بأن (المُصور) هو الذى يلتقط صورا أو فيديوهات بكاميرا لأشياء ثابتة أو مُتحركة أمام عدستها . وأن (التصوير) في القرءان الكريم يعنى مرحلة من مراحل(الخلق والتخليق ) وليس ( نسخ صور مُكررة من نُسخة ثابتة أو تصوير فوتوغرافى أو سينمائى من نُسخة موجودة ).

==

أما عن التصوير بمفهومنا العام فجاء في القرءان الكريم بمُصطلحات أُخرى تُعبر عنه من خلال ما جاء عن (النسخ من شيء موجود ) أو (من الخيال ) أو (تسجيل نُسخ كتابية )  أو من النحت فى قوله تعالى (۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ )(البقرة 106).

(وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ) (154الأعراف).

(هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) (29الجاثية) ...... لاحظ معى –نستنسخ ما كُنتم تعملون – نقوم بتصويركم  فيديو صوتا وصورة .

وجاء التسجيل عن الإثنين أيضا فى القول والعمل في قوله تعالى (﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ق 18

 (﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾الزخرف .

وعن التصوير بالنحت يقول القرءان في قصصه عن سُليمان عليه السلام(﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)

وعن قوم صالح وإتخاذهم نحت الجبال لإتخاذها بيوتا يقول القرءان الكريم (وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ عَادٖ وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ) (74الأعراف).

الخُلاصة ::

أن مُصطلح (المصور)في القرءان الكريم جاء إسما بمعنى الخالق ،وهو إسم من أسماء الله الحُسنى . وأن (التصوير في آيات القرءان الكريم ) جاء بمعنى التخليق وليس أخذ صور لنُسخ أو لمخلوقات موجود ونُكررها. وهذا على عكس ما يعلمه الناس عن معنى التصوير والمصور ويتداولونه في أحاديثهم وكتاباتهم العامة .

ونفهم من هذا أن للقرءان العظيم مُصطلحاته وعلينا أن نبحث عن معانيها من خلاله هو ومن خلال سياق آياته التي وردت فيها وليس من خلال كلامنا العام الدارج أو من القواميس العربية التي وضعت بعد نزول القرءان بقرنين وأكثر من الزمان .

==

وعلى فكرة التصوير والنحت والتمثيل (تصوير شخصيات ) بمفهومنا الدارج العام ليس مُحرما ،وهو باب من أبواب الرزق والعلم وإعمار الأرض وتسجيل معلومات عن أسرار الكون وقوانينه صوت وصورة .


 

اجمالي القراءات 2001

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق