أسامة قفيشة Ýí 2019-01-20
الأرحام
إن جمال و روعة اللغة العربية ملموس , و من هذا الجمال هو ثبات المعنى المطلوب في تركيب الحروف ذات الأصل الواحد المشتقة من نفس الجذر ,
القرآن العظيم هو ميزان تلك اللغة , و في هذا البحث سننظر و نبحث في كلمة ( الأرحام ) , كي نعي دلالتها و أصلها و فرعها و ما يقصد بها .
الجذر هو ( ر ح م ) , و حين نقول جذر الكلمة يجب مراعاة ترتيب حروف الجذر , أي لا يجوز اختلال الترتيب , فعلى سبيل المثال في الجذر ( ر ح م ) يتوجب بأن يكون حرف ( ر ) أولاً , ثم يتلوه حرف ( ح ) , ثم يتلوه حرف ( م ) , أي لا يجوز أن يسبق أحد الأحرف الحرف الآخر في التوزيع ,
و مشتقات هذا الجذر هي ( اِسترحَمَ – اِسترحام – أَرحام – تَرَحَّمَ – تَرْحِيم – تَراحُم – رَحَامَة – رَحَم – رَحَموت – رَحِميّة – رَحمَن – رَحمان – رَحمة – رَحوم – رَحيم – رُحَماء – رُحام – رُحمَى – راحِم – مَرَاحِمُ – مَرْحوم – مَرحَمة - متراحِم – مترحَّم – مسترحَم ) ,
كل هذه المشتقات هي من أصل ( ر ح م ) , و هو جذرها و العامل المشترك بينها , فالمعنى المستفاد و الذي تجتمع عليه تلك المشتقات هو الرُحم أو الرحمة , و تلك هي الصفة المشتركة الملازمة لكل تلك الأفعال و الأسماء .
سُمي مكان و موضع الجنين عند الأم بالرحم لسببان ( كون الجنين متصل و موصول بالأم , و الآخر لشدة اقترابه و اقترانه بها ) , هذا الاتصال و الاقتراب يولد الرحمة و الرُحم فسمي هذا المكان بالرحم ,
و هذا الرحم هو مكان التكاثر و التناسل , و كل ما يخرج من هذا المكان هم أرحام سواء كانوا ذكورٌ أم إناث , و البشر كل البشر في أصلهم هم أرحام بعضهم البعض , لذا يتوجب بالضرورة بأن يتم الوصل و التقارب بينهم , و لا يجب قطع هذا الوصل و التقارب بالقطيعة و الابتعاد أو التولي , كي يتحقق الرُحم و الرحمة فيما بينهم ,
و الله جل وعلا قد سمى نفسه بالرحمن و الرحيم ( من الرُحم و الرحمة ) , و هذا الرُحم و تلك الرحمة لا تتحقق إلا لمن وصله و اتصل به و اقترب منه ,
فالرُحم و الرحمة فيها اتصال و اقتراب بين المتصل المتقرب و الموصول القريب .
هذا الجذر بجميع مشتقاته يشير للوصل و الاقتراب , إذاً فكل مضاد سيشير للقطع و الابتعاد و التولي , و هذا الإدراك سيحقق لنا المعنى و المغزى المطلوب بمصطلح الأرحام :
في الإشارة إلى مكان الجنين أي رحم الأنثى :
يقول جل وعلا ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) ,
و يقول ( هو الذي يصوركم في الأرحام ) ,
و يقول (ونقر في الأرحام ما نشاء ) ,
و يقول ( ويعلم ما في الأرحام ) ,
و يقول ( أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) ,
و يقول ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ,
و هنا مصطلح الأرحام يدل على رحم الأنثى و هو منشأ الخلق و رمز التكاثر و التناسل الذي تمتلكه الأنثى .
في الإشارة إلى التناسل و التكائر ( النسل البعيد ) :
يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) 1 النساء ,
و هنا مصطلح الأرحام يشير إلى الجميع بشكلٍ عام ( جميع النساء و الرجال على وجه الأرض ) سابقاً و لاحقاً ( النسل البعيد ) , لأن مرجع الأرحام إلى الناس جميعاً ذكوراً و إناث , حيث يذكرهم الله جل وعلا بأنهم جميعاً تكاثروا و تناسلوا من نفسٍ واحده قد خلقت و هي ( آدم عليه السلام ) ثم خلق منها زوجها ( زوج آدم عليه السلام ) , و من ثم تم التناسل و التكاثر و انبثق الجميع منهما رجالاً و نساء .
في الإشارة إلى الأقارب و العائلة ( النسل القريب ) :
يأتي هذا بصيغة الملكية ( أرحامكم ) كما في قوله جل وعلا ( لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) 3 الممتحنة ,
و قوله ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) 22 محمد ,
و يأتي هذا النسل القريب العائلي بصيغة ( أولوا الأرحام ) كما في قوله جل وعلا ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) 6 الأحزاب ,
و كما في قوله ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) 75 الأنفال ,
تلك الجوانب من الأرحام تستلزم بأن يتحقق فيها الوصل و الاقتراب المؤدي إلى الرُحم و الرحمة , كما تستلزم بأن لا يكون فيها قطيعة و ابتعاد أو تولي .
قلنا بأن الله جل وعلا من صفاته بأنه رحمن رحيم , هذا الرُحم و تلك الرحمة لا تتحقق إلا أذا تحقق الوصل و الاقتراب منه جل وعلا و لم يكن هناك قطعٌ و ابتعادٌ أو تولي عنه جل وعلا :
( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون ) ,
( فاستغفروه ثم توبوا اليه ان ربي قريب مجيب ) ,
( كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) ,
بهذا يتحقق الوصل و الاقتراب منه جل وعلا , فوصله و التقرب منه يقتضي الخضوع و الالتزام بأمره و نهيه الوارد في ميثاقه و عهده الذي عهده إلينا و هو كتابه الكريم , و هذا شديد الوضوح في قوله ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) 19-21 الرعد ,
إذاً فعهد الله و ميثاقه هو ما أنزله من الحق , و هو قول الحق جل وعلا , و هو الوسيلة التي توصلنا إليه و تقربنا منه , و الابتعاد أو التولي عن هذا العهد و الميثاق هو ابتعادٌ و تولي عن الله جل وعلا و قطيعةٌ له ,
لو نظرنا في الصلاة المفروضة بأوقاتها الخمس , لوجدنا بأنها جزء من الوصل و من هذا العهد و الميثاق , و هي إحدى المطالب و الأوامر فيه , فهي إحدى الوسائل التي نتصل بها مع الله جل وعلا و نتقرب بها إليه , و لكنها ليست لوحدها كفيلة بأن تحقق غاية الوصل و التقرب ( الرُحم و الرحمة من الله ) ,
و لكن الذي يحقق الرُحم و الرحمة من الله جل وعلا هو المفهوم الشامل للوصل و الاقتراب , و هو الوصل الشامل بهذا الميثاق و العهد , و الوفاء به و عدم نقضه أو الابتعاد و التولي عنه , و الالتزام بكل ما جاء فيه دون قطعِهِ أو تقطيعه ,
و أن يحافظوا على تلك الصلة بكاملها , و أن تستديم تلك الصلة بينهم و بين الله جل وعلا , كي ينالوا رحمته , و من الأمثلة على تلك الصلة الكاملة قوله جل وعلا :
( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ,
( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) ,
( قالوا لم نك من المصلين ) ,
( وذكر اسم ربه فصلى ) ,
و لمزيدٍ من الوضوح لننظر في قوله سبحانه :
( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) ,
( عَبْدًا إِذَا صَلَّى ...... أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) .
وماذا لو امتلكت فلسطين قنبلة نووية !
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً
دعوة للتبرع
فدية: في القرآ ن الكري م فدية في إفطار رمضان وفيه...
مسألة ميراث معقدة: أخي الكري م، حين توفي أبونا رحمه الله سنة 1964...
وسوسة فى الطهارة: لدي مشكلة وهي اتبول جالسا واغسل ذكري عند...
الرعد والبرق: السلا م عليكم ، استاذ ي الغال ي بارك الله...
قل هو الله أحد: ما معنى الآية الكري مة:قُ ْ إِن كَانَ...
more