عن حروب الجيل الرابع
في حلقات توم جيري
الفار الكبير يعلم الفار الصغير كيف يعلق (الجرس) في رقبة القط، يقوم الكبير بالدرس ويذهب لتعليق الجرس، لكن لسوء حظه القط كان صاحي وخدعه حتى تمكن منه وضربه علقة سخنة..
الفار الصغير كان أذكى، ومشي بمنطق (اللي ما يجيش بالعافية ييجي بالذوق) وفكر بحيلة وهي تقديم الجرس للقط (كهدية) وبالتالي مش هايشك القط في نواياه إن الموضوع أصلا رهان والفار الصغير كسبه..
الدرس المستفاد من هذا المشهد إنه جانب من جوانب حرب الجيلين الرابع والخامس، وتعني إذا كان عدوك منتبه لك فتصبح احتمالات الإجهاز عليه أضعف، لازم العدو يكون في سبات دائم لأن الانتباه في عرف السياسة يعني مقاومة، وهما مش عايزينك تقاوم أصلا أو تيجي فكرة المقاومة على عقلك..وبالتالي مطلوب إن يكون مصدر هزيمتك هو قبولك لها بالأساس
تخيل توم وجيري دي بقالها 60 سنة وتفكيرهم وصل لفين، في وقت كان العرب فيه (غرقانين شعارات) قومية
المثير إن أمريكا طبقت نفس السياسة مع العرب بعد هزيمتهم عام 67، والخطة كانت إقناع العرب باحتواء الإخوان المسلمين وتيار السلفية باعتبارها صحوة للعودة للإسلام الصحيح (خلي بالك دا الجرس بتاع القط) وشرب العرب المقلب ومن بعدها تطوع السادات مشكورا بتنفيذ هذه السياسة، وقدم نفسه بصورة دينية عززت من مشاعر الأسلمة في الشارع، وشجعت المثقفين والفنانين في (ترميز وتقديس) كل شيوخ الصحوة كابن تيمية وابن عبدالوهاب..
لاحظ في عصري السادات ومبارك اتعمل 3 مسلسلات لتعظيم ابن تيمية، وانتشرت موضة (توبة الممثلين) بعد اقتناع أغلب الفنانين إن الفن حرام، وانهارت السينما المصرية منذ الثمانينات وحتى الآن، وفقدت مصر قواها الناعمة اللي كانت تؤثر بيها في إسرائيل نفسها، وما زالت بقايا هذه القوى في إسرائيل بعشق الصهاينة لفن أم كلثوم وعبدالحليم حافظ..
النتيجة: إن العرب لبسوا الجرس في رقبتهم ، وكسبت أمريكا الرهان، وبدلا من شيوع الحريات بعد عصر الجمهورية العربي رجع الاستبداد بشكل أكثر توحشا، ليس فقط على مستوى السلطة إنما على مستوى الشعوب..وهو دا الجانب الأبرز من جوانب حرب الجيل الرابع..أي انتقال فكرة الأمن القومي من العسكر للمدنيين..وتشبع الناس بكل قيم الحرب ومفرداتها وبالتالي التأثر بكل نتائجها، فلو اتكلمت على خطر الروافض والنصارى والملحدين، يتأثر بها المجتمع فورا ويصبح الهاجس هو الانشغال بالخطر وإهمال ثغرات أخرى يدخل منها العدو لتنفيذ مخططاته، وهنا إشاعة الخطر لازم يكون له قبول شعبي حتى على مستوى النخبة.
مطلوب تقويض أذرع الجيش في التأثير المجتمعي واستبداله بقوة إعلامية وسياسية واجتماعية ودينية، والحجة البراقة هي (الحاجة لمجتمع مدني) بينما لو كانوا عاوزين فعلا مجتمع مدني كانوا ساهموا في تأسيسه بدعم التنوير والثقافة والأحزاب والنقابات..اللي هما بيشكلوا عمود المجتمع المدني، إنما المطلوب مش كدا، مجتمع مدني يعني معبر حقيقي عن رغبة الشعب وكراهيته لأمريكا بالأساس، وبالتالي يجب تقويض هذا المجتمع حتى لا يصبح خطر على إسرائيل مع الحفاظ على نسب الاستبداد المطلوبة لإقناع الشعوب بلبس الجرس..يعني أوامر وتوجيات من فوق لتحت، إنما مجتمع مدني لن يقتنع بهذا الأسلوب وهايفكر بطريقة بناء الهرم من تحت..وهايشك في اللي ماسك الجرس نفسه وبيحوّله لهدية..
ألف باء تغيير هو حركة أولية للنخبة المثقفة والحزبية، بعدها ينشط الشارع بمقدار هذه الحركة، وبالتالي كان مطلوب إن هذه النخبة تلبس الجرس أولا تمهيدا لارتدائه من كل الشعوب العربية..
بالمناسبة: أصل من أصول الجيل الرابع هو استغلال نقاط ضعف الخصوم، والعرب نقطة ضعفهم هي (الجهل والعزلة) دول مش فاهمين حداثة ولا تطور البشرية ، ولا فلسفة الإنسان المعاصر، إذن مطلوب الدق على نفس الوتر..ممنوع العرب يتعلموا أو يبقى فيه ثقافة حقيقية، ومن يكفل تحقيق ذلك هم المستبدين والجماعات الدينية، إذن مطلوب دعم هذه الجماعات ونُظُم الاستبداد
لاحظ إن أمريكا منذ السبعينات وهي على نغمة واحدة، يجب إشراك الجماعات في السياسة، تخوين المعارضة المدنية واتهامها بالشيوعية والأناركية، دعم الاستقرار العربي اللي هو بالأصل دعم للاستبداد، والنتيجة نجحوا في تركيب الجرس لرقبة العرب بعد فترة ملكية وناصرية كان العدو الثاني لنا فيها هو التطرف الديني اللي كان مرافق لسياسات أمريكا أصلا..ومن يتذكر خطابات عبدالناصر حين الحديث عن أمريكا والإخوان كان يفهم هذه المعادلة وانتقلت آليا للنخبة حتى فقدوها بالكلية بعد لبسهم الجرس وتباهيم به أمام العالم .
كنت في لقاء صحفي يوم الجمعة الماضي وتحدثت مع صحفي وصديق عزيز عن حروب الجيل الرابع، وحكيت له مشهد دخولي معرض الكتاب 2016 جناح القوات المسلحة، ثم سؤالي للضابط عن حقيقة فهم العساكر لحرب الجيل الرابع، رد عليا بتعالي وغرور بقوله (رابع إيه..إحنا دلوقتي بندرس جيل خامس).
كان رده علامة على عدم فهمه لهذا النوع من الحروب بالأساس..وضربت مثل بسيط:
دولة صغيرة لها قناة إخبارية مشهورة، بمجرد إذاعة تسريب يهتز نظام الحكم، ويبقى شكلك سئ جدا ليس فقط أمام أعدائك إنما أمام منافسيك وحلفائك، مطلوب فقدان مصر كل أدواتها وأذرعها، وكل تسريب بالمصري (يعمل بطحة) يشتغل عليها الخصوم والحلفاء معا
كان رد الضابط معناه إننا لسه لابسين الجرس، لا يدري إن عشان تحارب جيل رابع لازم (تسد الثغرات) اللي ينفذ منها الخصم لقلبك، والفرضية اللي طرحتها هي .."لو كان فيه حريات وشفافية"..هل كنا سنرى هذا التسريب؟..عقلك لن يوصلك له بالأساس، يعني مش هاتفكر أبدا إنك تسيطر على الإعلام بهذه الطريقة الساذجة، لأن زي ما فيه ضعفاء استجابوا هناك أقوياء رفضوا وبدأوا يشكلوا جبهة ضدك تساهم في إضعافك بمرور الزمن..
جيل رابع يعني (إمشي عِدِل يحتار عدوك فيك) لو مش قادر على خصمك أترك المهمة لشعبك، إنما تعزز انقسام الشعب دا في حد ذاته ثغرة ينفذ منها الخصم لتشكيل قناعات المجتمع بعيدا عن أذرعك ومناطق تأثيرك، وهو دا الخطأ الشنيع اللي وقعت فيه الحكومة المصرية وضاعت بسببه دماء آلاف الشهداء ومليارات الدولارات في حرب الإرهاب، اللي هي بالأساس جانب من جوانب حرب الجيل الرابع إنما مش كل الجوانب، توجد جوانب أخرى الآن في المجتمع يستغلها الخصم لضرب مصر مستقبلا
أخيرا: طول ما مصر لابسة الجرس ستظل مهزومة، وطول ما عتاولة أمريكا شايفين الجرس سيبقوا مطمئنين، لأنك مهما عملت من شو إعلامي وحروب وهمية وقرارات إنت ما زلت تحت سيطرتهم.
اجمالي القراءات
5204