تحديات الإرهاب في الشرق الأوسط
منذ سبعينيات القرن العشرين بدأ الإرهاب الدولي عمله في الشرق الأوسط مستعينا بأيدلوجية إسلامية تعمل للتمكين وطرد وإقصاء كل الخصوم ..لا فرق بين خصم ديني أو سياسي أو مذهبي أو اجتماعي، وتجلى هذا الظهور في محاولة الانقلاب العسكري على السادات بعد أشهر من حرب أكتوبر في إبريل 1974 وهي الحادثة الشهيرة بتنظيم الفنية العسكرية بقيادة الإرهابي الفلسطيني .."صالح سرية"..
وقد كان هذا العمل هو النواة الأولى للعمل المسلح الإرهابي وانتقاله من حيز الفكر في الستينات إلى حيز العمل مع السادات، ولأن السلطة المصرية وقتها كانت تتقرب للجماهير بالدين -خشية ثبوت تهمة الجماعات لها بالكفر – انتشر الفكر المتطرف وإن لم يرتبط أحيانا بالجماعات الجهادية، فتبنت الدولة خطة لتطبيق الشريعة الإسلامية اعترضت عليها الكنيسة باحتجاب البابا شنودة الثالث، بل ودعمت الدولة مجاهدي الأفغان بالمال والسلاح، ثم استقبلهم السادات في القصر الجمهوري، وتخطى هذا الدعم قيادات الإرهاب بالخارج..بل أقدم السادات على دعمهم في الداخل..فأفرج عن قيادات الإخوان والجماعات من السجون بحجة الشيوعيين الموالين للاتحاد السوفيتي خصيم السادات وقتها..
كل هذا حدث لافتقار الدولة برنامج عمل تنويري لمواجهة الفكر المتطرف، وعجز المثقفين وقتها عن الرد على الإسلاميين الذين غزوا الشارع بسرعة البرق، فلو كان السادات ونظامه يحملان فكر تنويري وبرنامج عمل لتطبيقه لنجح في كشف الإرهاب في مهده والفصل بينه وبين قواعده الشعبية، لكن الرجل عمل بسياسة (اضرب عدوك وطبق أفكاره) لعلم السادات أن فكر الإسلاميين قريب إلى الشارع..
بدءاً من هذا الزمن ظهر الإرهاب الدولي..وأخذ مساراته المتطورة والمتغيرة في أكثر من مكان، ففي أفغانستان والشيشان أخذ شكل العمل المسلح، وفي مصر وبعض الدول العربية أخذ شكل (حرب العصابات) وفي كلا الشكلين كان المدنيون يدفعون ثمناً كبيرا..ذلك أن الإرهاب في مجمله يتبنى أسلوب التنظيمات السرية والهجوم المفاجئ ، فتسليح الإرهاب وقتها أضعف في الغالب من تسليح الدولة لكن يمتلك عقيدة أيدلوجية أقرب للجمهور..وبالتالي أصبح في إمكانه شن حرب استباقية يستنزف بها مقدرات الدولة، ويرغمها على تنفيذ مطالبه المعلنة ومن ضمنها (الخلافة وتطبيق الشريعة) وهو مطلب لم يتغير منذ أن ظهر الإرهاب مع السادات حتى وصل إلى محطته الأخيرة الآن في سوريا..
ولأن الإرهاب ظاهرة عالمية وجب علينا مناقشة تحدياته التي سأجملها في أربعة تحديات كبرى:
أولا: التحدي الأمني: وهذا يتطلب تعاونا بين الدولة ومنظمات المجتمع والأحزاب، بحيث تعمل الدولة كلها بروح الفريق وحماسة الشعب للتخلص من هذه الآفة، وفي تقديري أن هذا التحدي يطبق على أكمل وجه في العراق، إذ تجتمع كل الأحزاب على مواجهته واستئصاله شعبيا، صحيح الكُلفة كانت كبيرة لتنوع العراق دينيا وعرقيا..لكن نجاح الدولة في حصر داعش الآن في الموصل واقتراب طردها بالكلية يعني أن إنجازا كبيراً قد حدث بتوافق كل الكتل السياسية والمجاميع الشعبية –على تنوعها- لطرد داعش..
هذا الوضع العراقي يكاد يكون استثنائي..فسوريا مثلا حتى الآن عاجزة عن تكوين حلف واحد ضد الإرهاب، فسلطة بشار الأسد وحدها تعمل في هذا السياق، بينما كتلة المعارضة ومناطق نفوذها لا تعمل، بينما الأكراد لهم مصالحهم فحربهم ضد الإرهاب دفاعا عن النفس وليست لاستعادة دولة لا يؤمنون بها لصالح كيانهم الكوردي في المستقبل..ولعل ذلك سبب في اختراق داعش بعض مناطق الكورد في الشمال والوسط والجنوب، لكن على ما يبدو أن ثمة اتفاق بين حكومة الأسد والكورد على النمط العراقي تمثل في اتفاق مدينة.."منبج "..مؤخرا..تلك المدينة التي حررها الأكراد من داعش لكن تم تسليم مسئوليتها للجيش السوري..وهذا تقدم مهم..
أما في مصر فلا زال الجيش المصري وحده يعمل ضد الإرهاب، بينما بعض الأحزاب وأغلبية كتل المعارضة ممثلة في أحزاب الإسلاميين لا تعمل في هذا الاتجاه..وهذا ساهم في اختراق الإرهابيين سيناء وتشكيل مثلث خطورة يمتد من العريش إلى رفح، بل خطر الإرهاب لا زال يهدد العاصمة والمحافظات، وتفجير المعادي أمس قرينة..
بينما في ليبيا واليمن الوضع يكاد يكون متشابه، سلطة تحارب الإرهابيين والجماعات تقابلها سلطة أخرى تدعم نفس الجماعات، ففي ليبيا يحارب حفتر داعش والإخوان..بينما حكومة طرابلس داعمة للإخوان ، وفي اليمن يحارب تحالف صالح مع الحوثي جماعات الإخوان والقاعدة..بينما حكومة عدن ورئيسها عبدربه منصور هادي تستعين بنفس الجماعات وتدعمهم في حرب مقدسة مذهبية رفع لوائها التحالف السعودي منذ عامين..
هذا يعني أن العراق قد تكون أول الدول في الشرق الأوسط تعافيا من خطر الإرهاب أمنيا، وفي تقديري تستحق حكومة حيدر العبادي وسام شرف تقديرا لجهودها ونجاحها في حشد كل الكتل العراقية لهذه المعركة المصيرية، وعلى ما يبدو أن حيدر من طراز سياسي رفيع جاء بعد حقبة توتر نمت فيها داعش واكتسحت كل محافظات الوسط السنية، بيد أن هذا الوضع أفاد حكومة العبادي بشكل كبير في استخلاص العبر ووضع الأيدي على الجروح.
ثانيا: التحدي الفكري: وهذا في رأيي أهم تحدي على الإطلاق، لكن وضعته في المرتبة الثانية لأسبقية الحل الأمني بغرض دفع الضرر (اللحظي) ومن ثم التفكير في كيفية المواجهة السليمة، فالإرهابي حين يرفع السلاح لا تسأله وقتها عن حوار..وتكمن ميزة هذا التحدي أن النجاح فيه يعني فقدان الإرهاب لحواضنه الشعبية، وصناعة تيار ثقافي كبير ضده ينتهي بنشر ثقافة الرأي والرأي الآخر، وهي ثقافة خطيرة جدا على الجماعات ..فالإرهابي عموما أحادي الفكر، وإقناعه باعتبار واحترام الرأي الآخر يمثل إهانة عظيمة له، لذلك كانت الوسيلة الأوحد في دعم هذا التحدي هي (إطلاق الحريات) ومن بينها حريتي الرأي والتعبير..ونشر وتعميم هذه الحرية بحيث تصبح ثقافة شعبية.
حاليا لا توجد دولة في العالم برعت في هذا التحدي، لكن يمكن اعتبار أن المحاولة المصرية نموذج يُحتذى به، فمنذ عام 2006 والإعلام المصري يناقش قضية التنوير ونقد التراث بتوسع، حتى أن مسألة نقد البخاري والأزهر والأحاديث الصحيحة أخذت شكلا اعتياديا دوريا منذ هذا التاريخ، وقد توسع الإعلام في ذلك بعد ثورة يناير 2011 فكانت برامج التوك شو تتسابق في استضافة الناقدين والمفكرين والشيوخ لعقد حلقات ثقافية وتوعوية، لكن للأسف كان أغلبها يحدث بطريقة عنيفة تثير اشمئزاز المشاهد..حتى أصبح الحديث عن التراث والأزهر في الإعلام مدعاة للتعصب..
ظهر الباحث إسلام بحيري ببرنامجه الشهير.."مع إسلام"..بأكثر من 300 حلقة صنعت ردود أفعال واسعة واعتراضات وموافقات وحالة شبابية فريدة واتساع في رقعة النقد بتمرد مثير على الموروث الديني..وهي الثمة الأبرز لحرية الرأي، حيث أن الرأي الآخر قد يكون موافق أو معارض للأغلبية وبالتالي أصبحت مسألة عرضه مثيرة في حد ذاتها تستوجب تفاعلا شعبيا..وهو ما حدث مع إسلام..
لكن سرعان ما تولى السيسي المسئولية وأعلن في خطابه صراحة لتكليف الأزهر بهذه المهمة وشحنه ودعمه بكل السبل المتاحة، فكانت النتيجة فورية باعتقال ومحاكمة كل من ظهروا للنقد والتفكير في السابق، وتم حبس إسلام بحيري والحكم على فاطمة ناعوت وتهديد عشرات المفكرين والباحثين الآخرين، حدثت بعدها ردة مصرية عن عملية التنوير ..رغم أنها كانت مطلبا سياسيا من الرئيس نفسه، لكن كما أكرر دائما فالنظام المصري ضعيف ومخادع لا يعنيه مسألة التنوير أكثر من الحفاظ على نفسه وتشكيل التحالفات ضد خصمه الرئيسي القابع في تركيا وقطر ويدير عمليات الإخوان..وأعترف أنني قد جائتني دعوة من قناة مصرية للظهور فيها والحديث عن نقد الأزهر لكن رفضت بعد حبس صديقي وزميلي محمد عبدالله نصر..ولعلمي أن هذه المرحلة إعلاميا في مصر ليست مرحلة تنوير ورأي آخ، فثقافة القبول مرفوضة والآخر في مخيلة السلطة مشكوك فيه.
لكن عموما التجربة المصرية فريدة وعظيمة ..فهي قد تؤسس لتجربة أعظم وأوسع تتبناها عدة دول بفضائيات وبرامج وندوات، أو تجبر فصيلا برجوازيا أو رأسماليا بتغيير نشاطه أو التركيز على هذه المسألة والاستثمار فيها خصوصا بعد ما أثبتت التجربة المصرية إمكانية أن يكون التنوير له قبول شعبي.
أخيراً فالتحدي الفكري قد يكون أقل كلفة من الحل الأمني، لكنه أعظم تـأثيرا إذ يغوص في أسباب ودوافع وتاريخ الإرهاب، بل يعرض بالصوت والصورة والبراهين والأدلة العقلية كيف نشأ هذا الفكر والتشدد بشكل عام، فالقضية هنا ليست قضية جماعة أو تنظيم، بل قضية أيدلوجيا تستمد قوتها وحياتها من تراث فكري ماضوي يعمل القائمين عليه على استدعاء كل مفرداته وظروفه الحياتية بما فيها الصراعات المذهبية التي كانت إلى وقت قريب مجرد حكاية في التاريخ ولم يتوقع أحد أن تحيا بعد قرون ويراها الناس في العلن كأن التاريخ يعيد نفسه....
ثالثا: قطع الدعم، وهذا التحدي معقد كثيرا لكن أسهل لمن يريد محاربة الإرهاب، فداعمي الإرهاب هم أنفسهم داعمي الجماعات.."داعش والإخوان والقاعدة"..بصفتهم ممثلي الفكر السني السلطوي الذي تم استدعائه في الستينات، وبسببه تم تكفير الدول والحكومات والشعوب..
ولكي لا تحتار كثيرا في هوية داعمي هذه الجماعات فانظر إلى أقرب هؤلاء ثقافة وأيدلوجية ، وابحث عن المفردات المشتركة التي تجمع هذه الجماعات بأي شعب، ستجد في الأخير أن القاسم المشترك الذي يجمع الإرهابيين وغيرهم يوجد:
أولا: في (دول الخليج) والسبب تدين هذه الشعوب بنفس الأيدلوجية التي تحرك الإرهاب..واختصارها ما يعرف.."بالتدين الحنبلي"..أو.."مذهب ابن تيمية"..أو.."الوهابية"..كلها مذاهب وطرق تفكير منتشرة بدول الخليج وتدعمها السلطات كسبيل للتقرب من الشعب، وهي نفس مذاهب الإرهابيين، وقد أدى ذلك لوجود تعاطف شعبي مع تلك.
ثانيا: في (تركيا) والسبب تدين السلطة بنفس الأيدلوجية المحركة للإرهاب وهي.."الإسلام السياسي"..المعتمد في جزء كبير منه على التراث السني السلطوي، وقد أدى انتشار هذه الأيدلوجية في تركيا إلى وضع أصبحت فيه الدولة أكبر مصدر للإرهابيين في سوريا، إذ بلغ عدد الأتراك المحاربين في سوريا أكثر من 25 ألف، بينما السعودية بوصفها عنصر دائم رئيسي حوالي 24 ألف.
ومن الصدف المحزنة لدول الخليج أن نفيهم تهمة دعم الإرهاب عن أنفسهم ترافق مع تصعيد العمليات في سوريا، ومجاهرة قادة وأمراء الخليج في دعم المسلحين أو ما عرفوا وقتها (بالثوار) من ضمن هذه المجاهرات تصريحات وزيري خارجية قطر والسعودية حمد بن جاسم وسعود الفيصل، ثم اعترافات هيلاري كلينتون وجون ماكين بعد ذلك، كان الهدف لديهم (نبيل) وهو إزاحة سلطة مستبدة ، لكن لطبيعة حكمهم المستبد فقدوا تعاطف المحايدين وفطنوا أن دعم السعودية وقطر للمعارضة في سوريا هو وسيلة اشتهرت بها هذه الدولة في تصفية حساباتها السياسية، ولنا ما فعلوه مع روسيا في الشيشان وأفغانستان دليل.
كانت وسيلة دعم الإرهاب هي تقسيم المعارضات إلى متطرفة ومعتدلة، بينما لا ينبغي التمييز بين أي إرهابي طالما ارتكب جُرما أو فعلا يوصف بالإرهاب والقتل المتعمد، وقد فعلت دول الخليج ذلك في سوريا، وتم تقسيم الإرهابيين هناك إلى معتدلين ومتطرفين..رغم أن جميعهم يؤمنون بالخلافة ويتحركون من خلفية مذهبية واحدة، ويستخدمون نفس الأسلوب وهو (الخطف والعمليات الانتحارية والتفخيخ والذبح) بغرض إشاعة الذعر وتخويف خصومهم بردعهم عن المواجهة..
إن دعم الإرهاب عملية خطيرة في حد ذاتها ،فهي تشبه عملية ركوب ظهر الأسد المفترس حتى إذا وقعت أصبحت فريسة، والأخطر من ذلك أن لو ساعدت الإرهابيين في امتلاك أسلحة متطورة أو كيميائية أو ذرية، وقتها يكون خطر الإرهاب (وجودي) يهدد ليس فقط السلطة، بل يهدد حياة ملايين من الأبرياء، وقد وقعت تركيا في هذا الفخ وقتل الآلاف من أبريائها بعمليات انتحارية ، وتهديد بانفصال كردي وانتفاضة للعلويين الناقمين على سياسات أردوجان المذهبية والداعمة لأعدائهم التاريخيين..
بينما في السعودية مركز هذا الدعم فالخطر يصبح أقل، والسبب كما يوصف بأن الحرامي يصبح أقل خطورة في منزل كله من السارقين، فالبيئة وقتها تتحكم والباعث النفسي ينخفض خشية ما يفعله يكون سببا في معصية دينية، فالسعودية لديه نموذج أو هي أفضل نموذج لتطبيق أفكاره من حيث الانغلاق وعدم الاختلاط والتكفير والمذهبية والحدود والتسلط واستعباد المرأة ..إلخ..لكن مع ذلك فالإرهاب يهدد السعودية وحوادث تفجير مساجد الشيعة نذير ورسول بأن امتطاء ظهر الأسد لن يطول وأن المملكة قد تصبح فريسة في أي وقت..
رابعا: التحدي الاجتماعي والاقتصادي : وقد فضلت أن أختم به كونه عملية (مركبة) تجمع بين ثناياها آفاق الوحدة والكفاية، فيقيني أن سيادة روح الإيثار والكرم في مجتمع كافية للقضاء على نزعات الشر فيه، والتي يستند إليها الإرهابيون في تنفيذ مآربهم، وعلى صفحتي أمس في الفيس بوك طرحت إشكالية وهي متى فقد المصريون سلامهم الاجتماعي؟..لو اتفقنا على هذه الحقيقة فالواقع يشهد بأن المصريين كانوا أكثر أخلاقا وكرماً قبل غزو الجماعات الأصولية في السبعينات، وقد شهدت في طفولتي كيف كانت بقايا هذه الأخلاق والروح الجميلة بين الجيران متفشية..
كان الأقارب في مودة واعتزاز بأنفسهم، والفقير مع فقره إلا أن طعامه لم يكن له وحده ، بل للأقارب والجيران والأحباب منه نصيب، ومن هذه الفعاليات الاجتماعية الجيدة كان يذهب أحدهم للحج وبعد عودته يعقد وليمة طعام لأهل المنطقة تسمى (بالخاتمة) أو يشعر أحدهم بالقرب من الله أو بالسعادة يعقد وليمة شراب تسمى (ليلة) وفي حكايات والدتي رحمها الله عن جدي كيف كان طعام البيت جزء منه للجيران وعابري السبيل والسائلين..هذه أخلاق كانت منتشرة في الريف، المفروض كان تغزو المدن..لكن بعد غزو الأصوليين للمجتمع انتقلت قيم الريف السيئة من الانغلاق والإهمال واختفت قيمه الحسنة الداعمة لتماسك المجتمع..
شهدت بنفسي كيف كان المجتمع قليل الخصومة ومحدود المشاكل، فإذا ظهرت مشكلة سرعان ما يتم تجاوزها بتدخل أهل الحل والعقد، كانت المشكلات مهما كبرت لا تصل لمركز الشرطة، الآن فقد أهل منطقتي هذه الروح وباتت أي مشكلة صغيرة كافية للشكوى في المركز، فانعزل الأقارب والجيران ، وترصّد الناس لبعضهم، حتى إذا وقع أحدهم في خطأ يفضحوه ويسارع من له حق في التشفي..وفي هذا الوضع الاجتماعي المذري خدمة عظيمة للإرهاب، إذ يلجأ المعزول إلى متنفس آخر حزبي أو مذهبي يعوضه عن إهمال المجتمع له ولوجوده..
ضروري جدا أن يحتضن المجتمع بعضه وأن يسارع الناس بمد أيدي السلام والحب والمودة والإخاء قبل أن يبحثوا عن طريق آخر في السياسة والدين يحقق لهم ما فقدوه..وفي تقديري أن هذا لن يحدث إلا بعودة التدين الصوفي مرة أخرى..ليس بخرافات وموالد وأضرحة..ولكن بأخلاقيات وقيم عليا تتحكم في الناس وتجعلهم أكثر زهداً في الحياة، وأكثر رغبة في إسعاد الآخرين، ولعمري أن السلفية بعد انتشارها قتلت هذا الزهد وتلك الرغبة قتلا متوحشا أصبح فيها المسلم كائن أناني ومادي لأقصى درجة.
أما اقتصاديا فالكفاية المالية تحمل الناس على التعفف وعدم الاحتياج للإرهاب الذي يمتلك مصادر تمويل عظيمة، منها مثلا بعض الجمعيات التي تستغل فقر الناس وتروّج لأفكارها ومبادئها باسم المعونة، أغلب هذه الجمعيات تأخذ دعمها من دول الخليج إضافة لتبرعات باسم قضايا إسلامية سياسية تخدم الجماعات وحازت على التعاطف الشعبي أتذكر منها مثلا قضيتي كشمير والشيشان والبوسنة والهرسك وأولا وأخيراً فلسطين..وقد أضاف لها شيوخ الخليج قضيتي العراق وسوريا كحجة لجمع التبرعات والتحكم أكثر في الفقراء وتوجيههم حسب مصالح الجماعة وحسب ما يراه الأمير..
الكفاية الاقتصادية ومعالجة الفقر يجب أن يكون أولوية كبرى للتصدي للإرهاب، وهذا بالتوازي مع التحديات الأخرى الفكرية والأمنية وقطع الدعم..بذلك ستحارب الإرهاب بطريقة سليمة وننجح في كل تحدياتنا ..حتى لو لم نجنِ ثمار هذا النجاح في هذا الجيل سيجنيه أبنائنا وأحفادنا، وسيتذكروا كيف كنا نرى مستقبلهم وكافحنا وناضلنا من أجلهم، لم نترك سبيل للتضحية إلا وسلكناه في سبيل أن يعيش الأبناء والأحفاد بطريقة أفضل، وكما أن آبائنا وأجدادنا قصّروا بجهلهم في تصور ما نعانيه ..فالواجب أن لا نقع في نفس غلطتهم ونعلن التحدي أن الإرهاب ليس له مكان بيننا والنصر عليه حتمي..
اجمالي القراءات
7554
تحليل رائع يا سامح. لقد أصبت عند ما قلت:
"فالإرهابي عموما أحادي الفكر، وإقناعه باعتبار واحترام الرأي الآخر يمثل إهانة عظيمة له، لذلك كانت الوسيلة الأوحد في دعم هذا التحدي هي (إطلاق الحريات) ومن بينها حريتي الرأي والتعبير. ونشر وتعميم هذه الحرية بحيث تصبح ثقافة شعبية."
وذلك أحسن سلاح لمواجهتهم. وأقدر كذلك ملاحظتك في المنهج المطبق فيه بالتالي:
"لكن للأسف كان أغلبها يحدث بطريقة عنيفة تثير اشمئزاز المشاهد. حتى أصبح الحديث عن التراث والأزهر في الإعلام مدعاة للتعصب."
يجب علينا، نحن الإسلاميين، أخذ ذلك بعين الاعتبار،وتجنب الوقوع في مثله.
تحليل رائع، واقتراح حلول تنبئ بإلمامك ظاهرة الإرهاب وجذوره.
عظيم!