ماذا يحدث في جامبيا؟
في البداية دولة جامبيا هي من أصغر دول أفريقيا من حيث المساحة، ومجموع مساحتها 10 آلاف كيلو متر مربع، يعني تعادل مساحة محافظة بني سويف في مصر، أو كركوك في العراق..
تحيط بها السنغال من كل الجوانب عدا شريط ضيق على ساحل الأطلنطي يبلغ طوله حوالي 50 كيلو متر..يعني عمليا هي جزء من جغرافيا السنغال وطبيعتها البشرية لتداخل قبائل هذه المنطقة مع بعضها، وبالتالي أي أحداث فيها تؤثر على المحيط السنغالي باعتبار جامبيا جزء من السنغال في الواقع..
عدد سكانها 2 مليون نسمة، نصفهم من شعب.."الماندينكا"..اللي هو أغلبية في دولة .."غينيا"..كذلك، ويمثل شريحة كبيرة في السنغال وغينيا بيساو ومالي وساحل العاج، والماندينكا حكموا إقليم غرب أفريقيا بالكامل منذ 800 عام تقريبا، يعني شعب دولة جامبيا عريق في أساسه ومن أول وأقدم الشعوب في المنطقة..وله تواصل مع كل دول الجوار.
نسبة المسلمين في جامبيا 90% والمسيحية 8% والباقي ديانات روحية خاصة بالسكان الأصليين، يعني عمليا توجد أغلبية عظمى مسلمة ، وطبيعي بدكتاتور رجعي وفي ظل ثقافة المسلمين الحالية إن الأغلبية تفرض إرادتها على الأقلية، وبتفسيرات معتمدة لدى الحاكم..والنتيجة المباشرة إما فتنة طائفية وإما أزمة سياسية...
وهذا ما حدث فعلا..
في ديسمبر 2016 أجريت انتخابات رئاسية فاز فيها المرشح.."أداما بارو"..على الرئيس وقتها.."يحيي جامع"..والأخير هو اللي استغل الأغلبية المسلمة في فرض هويته على البلاد، وتم إعلان جامبيا.."دولة إسلامية"..في 2015 كمقدمة لتغيير الدستور ليوافق الشريعة الإسلامية كما يفهمها جامع وحاشيته..
معلومة: الدستور الجامبي من أفضل الدساتير في العالم، والمادة 25 منه تقول بالحرية المطلقة في الدين والرأي والتعبير..وإعلان يحيي جامع جامبيا جمهورية إسلامية يعتبر مدخل –أو إعداد- لفرض مذهب معين على الدولة وهو (المذهب المالكي) المنتشر في غرب أفريقيا، والمالكية عموما مذهب قديم لا يوافق روح العصر ولا يحفظ ممتلكات وحقوق غير السنة أو المالكية بالعموم، فضلا أنه لا يحفظ حقوق غير المسلمين..
معلومة أخرى: يحيي جامع هو دكتاتور جاء بانقلاب عسكري في 1994 يعني ظل رئيس لجامبيا 22 سنة ، آخر سنتين فيهم فكر يقلب دولته للإسلام وكأن جامبيا كانت كافرة قبل ما حضرته يمسك الدولة، وهو إعلان أخرق تبعته أزمة سياسية كعلامة على تفكير بعض المتدينين ومدى حماقتهم في السياسة..
بعد فوز أداما بارو في الانتخابات رفض يحيي جامع النتيجة وطالب بانتخابات جديدة، يعني الراجل عاوز انتخابات يفوز فيها وشعب جديد ينصبه رئيس بعد ما ركله بالأٌقدام في الصندوق، وكانت نتيجة رفض جامع للانتخابات هو نشوب أزمة في الحكم ظلت جامبيا حتى الآن بدون رئيس واحتمالات حرب أهلية وتفكك الجيش، وهو ما أدى لتدخل الجيش السنغالي اليوم ونشر قواته في العاصمة.."بنجول"..كإجراء مؤقت لحين قدوم قوات من الإتحاد الأفريقي تضمن تسليم السلطة لأداما بارو الفائز رسميا والمعترف به من قبل الإتحاد ، إضافة لاجتماع مجلس الأمن اليوم وإدانته لسياسات يحيي جامع ومطالبة المجلس بتسليم السلطة فورا..
كان سبب رئيسي لانخفاض شعبية يحيي جامع هو إعلان جامبيا دولة إسلامية، لأن الاتجاه الأغلب في الشارع هو .."أفكار تقدمية"..علاوة على غير المسلمين، إضافة لرفض.."الحكم العسكري"..ونظام الرئيس وقتها، يعني إيمان تام بعلمانية الدولة بنماذج متعددة كليبرالية واشتراكية، ومؤيدي جامع يغلب عليهم الطابع الديني، يعني شيوخ ورؤساء طرق صوفية، كان يظن جامع إن إعلان إسلامية الدولة ونيته المبطنة بتغيير الدستور هايبقى له شعبية كبيرة..لذلك هو قصد هذا الإعلان قبل الانتخابات بعام ليسحق منافسيه بالضربة القاضية كما يظن..
المسيحيين بالطبع وقفوا ضد يحيي جامع إضافة للأقلية الشيعية، وهو نفس ما حدث في مصر عام 2013 بعد قيام محمد مرسي والإخوان بتغيير هوية الدولة وانتشار مخيف للشيوخ والسلفيين في البلاد، وفي السياسة الحديثة يكون الطريق الأضمن لرأي الشارع هو حقوق الأقليات الدينية التي لو ثارت تسحب معها كل الاتجاهات المعارضة من دين الرئيس أو مذهبه، يعني يحيي جامع ما كانش واخد باله إن إسلامية الدولة تعني فقدانه 10% من الشعب كحد أدنى.. إضافة لأحزاب المعارضة التي نشطت واستغلت أخطاء جامع أحسن استغلال..
الآن ما زالت الأزمة قائمة، والجيش السنغالي دخل جامبيا ومعلومات إنه بدأ يضرب في قوات يحيي جامع لإجباره على تسليم السلطة، وأياً كانت النتائج فدرس الدكتاتورية والحكم العسكري في جامبيا يجب أن يتعظ منه الجميع خصوصا في مصر، السيسي يحكم البلاد بنفس أسلوب يحيي جامع وهو (التكويش) على كل السلطات ، وإرهاب معارضيه، ولولا أن مصر تمتلك قضاء عالمي ومستقل فشل كل الرؤساء السابقين في تدجينه لحدث ما لا يُحمَد عقباه
ينقص السيسي هو إعلان مصر دولة إسلامية ليبدأ فصل جديد في انهيار مصر على الطريقة الجامبية كما بدأت من قبل على الطريقة الكورية الشمالية..وفي تقديري أن تجربة الإخوان بإسلامية الدولة هي التي ستمنع السيسي أن يخطو نفس الخطوة، فهو كرجل عسكري (رجعي) ونظامه (سلفي العقيدة) يحاكم على الرأي كما هو منصوص عليه في دولة الإخوان بالضبط، وتجربة يحيي جامع في (إمبراطورية جامبيا) وتطلعات الرجل التي كانت أكبر من حجمه يصدق فيها المثل القائل.."ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع"..
المصادر
دستور دولة جامبيا.. http://bit.ly/2jtgpwq
اجمالي القراءات
7702