الخلاصة في موضوع تيران وصنافير
أمس حكمت الإدارية العليا المصري برفض طعن الحكومة ببطلات اتفاقية تيران وصنافير مع السعودية، وهو حكم نهائي أخذ كل درجات التقاضي في مجلس الدولة، وهو الجهة المخولة قانونيا بحل الإشكال بين الدولة والشعب ، فقد تجاوزنا إذن مرحلة إثبات هوية الجزر
لكن..أحب أن أوضح بعض الأشياء:
أولا: حدود الدول تُبنى على السيادة والاتفاقيات الدولية الرسمية، وتيران وصنافير طول عمرهم تحت السيادة المصرية، أما الاتفاقيات فمفيش اتفاقية رسمية خاصة بالجزر..ولم يتم تسميتهم في أي اتفاق مخصوص ..
آخر اتفاقية ترسيم حدود كانت بين مصر وتركيا عام 1906 ، والأتراك بصفتهم مسئولي إقليم الحجاز اللي ورثوه آل سعود بعد ذلك وبناءً عليه طالبوا بالجزيرتين..يعني السعودية ما دخلتش الجزيرتين أصلا ولا حتى الوارث التركي دخلها ولا حتى كتبها للوريث اللي ما كانش يعرفه .
ثانيا: تيران وصنافير ليسوا ضمن إقليم الحجاز بل شبه جزيرة سيناء، والجيش المصري موجود هناك منذ عهد الفراعنة، وتعزز وجوده في عهد محمد علي اللي مضى اتفاقية الترسيم بينه وبين الدولة العثمانية ودخلت الجزر تبع مصر..
ثالثا: بناءً على ما سبق لم يثبت إن السعودية مارست على الجزر حقوق سيادة ولا تملك أي اتفاقية موقعة ورسمية، بالتالي مطالبتها بالجزر (غير قانونية) أصلا ولو لجأوا لمحاكم الجن الأزرق لن تحكم لهم..قُضي الأمر..
رابعا: نظام السيسي كان يهمه علاقة جيدة مع آل سعود لزوم (التمويل) وبناءً عليه قرر يتساهل في موضوع الجزر، ودا محل خلاف موجود منذ عهد الملك فاروق ، واستغل زيارة الملك سلمان لمصر في إبريل 2016 للتنازل وإنهاء محل الخلاف..لكن فات السيسي إن كل رؤساء مصر السابقين طالبتهم السعودية بتسليم الجزر ورفضوا كلهم بلا استثناء، كان يجب أن يُدرك المعنى وإن الأمر ليس بهذه السهولة، وإن تمويل آل سعود لمصر مشروط كقاعدة للتعامل..وكان يجب يكون صريح إن الأمر مش في إيده..
خامسا: مؤيدي السيسي أو الجيش أغلبهم عاطفيين، هم قالوا بسعودية الجزر دفاعا عن (القوات المسلحة) ظنا منهم إنها موافقة، وبالتالي شاب دفاعهم (بُعد وطني) وكانت مهزلة حقيقية إن الوطنية تكون (ببيع الأرض)...هم لا يهمهم سلمان ولا دياولو..فقط ظنوا أن الجيش هو اللي مضى الإتفاقية، ودي غلطة الجيش إنه سمح للسيسي يوقع ، أو حتى يخرج ضابط بدبورة واحدة ينفي مسئولية القوات المسلحة عشان الأمور تهدى..وبناءً عليه (تورط الجيش) فعلا ولكن بطريقة غير مباشرة، وكتب في التاريخ المصري لأول مرة إن جيشها بدلا من أن يحرر الأرض ..تنازل عنها..
سادسا: توجد فئة مرتزقة دافعت عن سعودية الجزر، هؤلاء ممولين بالأصل من السفارة السعودية، ووثائق ويكليكس كشفت بعضهم زي مصطفى بكري، هذا مرتزق سعودي خطير..وكل ما كان يكتبه عن تيران وصنافير مدفوع الأجر..يجب معاقبة هذا المرتزق الوهّابي فهو خنجر مسموم في ظهر الوطن، وأكثر مواقفه ضد مصلحة مصر..وللأسف كثير بيصدقوه حتى تورطنا لأخمص القدمين..
سابعا: غلطة السيسي التي لا تُغتفر إنه لم يدرس أبعاد القرار، يكفي إنه طلع الجيش المصري (قوة احتلال) وهذه خطأ جسيم أثبتته المحكمة بمقدمه رائعة دفاعا عن الجيش ..الحكومة لم تنتبه حتى الآن أنها تواجه رأي عام شعبي رافض للتنازل عن الجزر، وإن الموضوع لا يخص الموقف من السعودية أكثر من إنه حقوق سيادة مصرية وتراب وطني معروف ومشهور قيمته عند المصري..
ثامنا: بعد حكم المحكمة لا يجوز عرض الاتفاقية على البرلمان، مجلس الدولة هو الجهة المخولة والدستورية للبت في هذه القضايا محل النزاع بين الدولة والشعب، والجهة القانونية قالت رأيها ..بالتالي أصبح رأي النواب غير مؤثر أو تحصيل حاصل..رغم أن البرلمان مقدما مؤيد للمحكمة.. نعم...البرلمان سيرفض الاتفاقية، ومعلوماتي أن أغلب النواب رافضين، وفي دائرتي وبعض الدوائر الأخرى يوجد ضغط شعبي على النواب لرفض الاتفاقية، والمؤشرات تقول رفض بأغلبية كاسحة..والبعض –لزوم المصالح- سيمتنع عن التصويت..
تاسعا: النظام المصري في وضع حرج ، فهو من ناحية طلع خائن (قانونيا) بالتنازل عن قطعة من أرض مصر، كذلك فهو غير قادر على بناء علاقات مع السعودية في ظل أزمة آل سعود في أكثر من ملف..بالذات في اليمن..هذا البلد أصبح جُرح غائر في الصدر السعودي، وكلما آلمتهم هذه الحرب كلما فقدوا مزيد من الأصدقاء، وتقديري أن خسارتهم لمصر كانت لتسرعهم في بناء تحالف مع إسرائيل ضد إيران، ولم يكن هذا ليتم سوى بإدخال السعودية في كامب ديفيد عن طريق محور الجزر.
أخيرا: توجد حكمة صينية تقول .." أن الإنسان يجب أن يحافظ على أخلاقه عندما يكون فقيرا"..والبُعد السياسي وراء هذه الحكمة عظيم..أتمنى أن تلتزم قيادة مصر بالأخلاق رغم سقوطها في أكثر من ملف، فلا الحرب في اليمن أخلاق، ولا التحريض على المذهبية أخلاق، ولا القمع السياسي والفكري أخلاق..ولا التنازل عن أرض الوطن أخلاق، ولا حبس من يدافع عن هذه الأرض أخلاق، فإذا كنت سقطت في كل هذه الملفات أين رصيدك كي يحبك الناس أو يرحموك في ظل فقرك وضعفك..
اجمالي القراءات
7291