بين جاهلية قطب وجاهلية الحويني

سامح عسكر Ýí 2017-01-06


تقف الدولة المصرية الآن في لحظة فارقة من التاريخ إما تعبرها بسلام نحو المدنية والتسامح، وإما إلى تعبرها الجاهلية والتفكك

الأيام الماضية طالعنا أخبار ذبح إرهابي سلفي لمسيحي بائع خمور في مصر، والتهمة من العنوان أن هذا بائع خمور ومسيحي في نفس الوقت، أي كانت جريمته مركبة الأولى أنه اختار المسيحية، الثانية أنه اختار بيع شئ مُحرّم في الإسلام، ولو دقق هذا الإرهابي في عمله فيلزمه قتل كل المسيحيين الذين يبيعون الخنزير، أو البقالين الذين يبيعون السجائر، أو تجار المخدرات والكيف الذين يبيعون الحشيش.

منطق فاسد وشئ فظيع أن تقتل إنسان يبيع شئ محرم في دينك، أنت بذلك قد تقتل أقرب الناس إليك، ولأن هذا العمل (فاسد وفظيع) يجب الانتباه لمصدره انطلاقا بوجوب محاربة الفساد بكل أنواعه، فالإرهابي هنا كان مجرد (سلاح) لإرهابي أكبر يُفتي له ويُحلل فعله القبيح، الإرهابي هنا مجرد صورة أما الأصل فهو الشيخ الذي يظهر على القنوات السلفية والأزهرية يُفتي بقتل الناس تحت زعم إقامة الحدود الشرعية..

في الخمسينات والستينات طالعنا الأديب الإخواني.."سيد قطب"..بمصطلح جديد على أسماعنا ، فلأول مرة في التاريخ المصري يصف مفكرا شعب مصر أنه.."مجتمع جاهلي"..وعليه ينطبق كل ما ينطبق على جاهلية قريش من أحكام فقهية وعقدية، وقد كان هذا التوجه من قطب شعلة انطلاق للفكر الإرهابي في مصر، ولم يقف هنا بل اجتاز الحدود وعبر الأدغال والجبال ووصل من الصين شرقا لفرنسا غربا، وهو انتشار يقول ويصرخ في كل ذي عقل أن الإرهاب بالأصل هو (فكرة عابرة للحدود) وبالتالي من يحمل السلاح هنا هو مجرد أداه لفاعل أكبر وأخطر ومصدر دائم لصناعة الإرهاب..

الآن يفتي الشيخ السلفي .."أبو إسحاق الحويني"..أن الجهاد واجب لحل الأزمة الاقتصادية، ولأن من مات ولم تحدثه نفسه بالغزو والجهاد مات على النفاق، يقول هذا من أرض مصر التي تعاني –كغيرها- من آفة الإرهاب تحت زعم الجهاد، ولأن الشيخ من أشهر وأكبر شيوخ السلفية في العالم الحديث..لا تجد إرهابي داعشي أو قاعدي أو إخواني إلا وكان الحويني محطة رئيسية في حياته..

أبو إسحاق الحويني دعا إلى جاهلية أخرى تتشابه كما وكيفا مع جاهلية سيد قطب، فلماذا لا تلفظه الدولة المصرية كما لفظت سيد قطب؟؟..ما الذي يمنع السيسي من الاقتراب من تلك الرموز الجهادية؟؟..ومن له المصلحة العليا في بقاء الفكر السلفي المتطرف يعبث بأمن المصريين؟؟..وكم من الشباب تم تغريره بفتاوى وخُطب هذا الشيخ؟..وكم من الإرهابيين يجدوا العون النفسي والمادي من أمثاله..؟

في تقديري أن الحويني شخصيا محمي بسلطة أكبر من سلطة رئيس الجمهورية وهي.."السعودية"..سلطة تملك المال والمكانة الدينية، ما الذي يدفع السيسي أن يغامر بتلك العلاقة معها وإفساد كل الخطط بسلب –وحلب- أموال الخليج؟..فالرجل هنا ليس مجرد شخص ..هذا دين ومذهب متكامل تنشره السعودية في العالم، أما الحويني فهو مجرد.."ذراع سعودي"..ليس أكثر، ولأنه ذراع سعودي مهمته نشر الوهابية بمصر ففكرة التصدي له تتطلب أولا الثورة على الوهابية كمذهب وطريقة فكر متشددة وسلوك إرهابي شنيع.

الثورة على السعودية هي ثورة على الوهابية بالأساس، ومن لا يدرك ذلك عليه أن يقارن بين طبيعة وقوانين وأعراف وسلوكيات الدولة السعودية وبين دولة داعش، التشابه غريب لحد التطابق، لن تجد قانون أو طريقة حكم أو أدوات سيطرة يفعلها الخليفة البغدادي إلا ويفعلها أمراء آل سعود، ويفتي بها آل الشيخ ليل نهار، ويختم عليها بالتوقيع والموافقة لجنة كبار العلماء..

السعودية هي أول من شرعت.."جهاد الطلب"..في العصر الحديث، هذا النوع من الجهاد الذي اعتمدت عليه داعش والقاعدة والإخوان في بناء فكر جهادي يأمر بقتال –وقتل- غير المسلمين، ولأنهم يحتكرون الإسلام لأنفسهم حاربوا إخوانهم المسلمين بدعوى أنهم كفار، ومن هنا ظهرت الفتنة الوهابية التي أعادت جرائم الأقدمين بالكربون في عصر التكنولوجيا..

قطب والحويني من دعاة التشدد الوهابي الداعشي، الفارق أن الأول (منكر) من الدولة لجرأته في طلب السلطة، أما الثاني (فمقبول) طالما أنه لم يطالب بسلطة، أي أن المعيار هنا.."سلطوي"..بحت، رغم أن هذا يأمر بالجهاد وهذا يأمر بالجهاد، الأول يأمر بسلب ونهب غير المسلمين ، والثاني شرحه، الأول يأمر بكراهية غير الإخواني، والثاني يأمر بكراهية غير السلفي..لكن يسقط كل شئ أمام مصلحة الحاكم وحقه في الدفاع عن كرسيه.

نحن أمام معضلة وثمة تناقض كبير يشوب الدولة المصرية، فلا هي آمنت بوجوب طرد هؤلاء الإرهابيين ، ولا آمنت بصحة ما عليه الإخوان وداعش، في الوقت الذي تمنع فيه قنوات الإخوان تسمح بقنوات السلفية الأشد عنفا وتكفيرا ، الشخص الذي ينكر على الإخوان حزبيتهم تجده يمارس نفس الحزبية المذهبية بدعوى السنة والشيعة، الإعلامي الذي ينكر على قطب والإخوان عنصريتهم تجده يمارس تلك العنصرية على الملحدين والبهائيين والفرس والأكراد والشيعة..إلخ

إن تجارب الإسلام السياسي هي الأشد قبحا وشناعة في التاريخ الإنساني، ومن لم يعتبر من الخوارج والقرامطة والحشاشين والأمويين لن يعتبر، ومن لم تحرك جرائم الوهابية وداعش والإخوان شعر رأسه فلا قلب له ، ومن الآن يجب أن يعيد النظر في نفسه وآدميته، وعلى الجميع أن ينتبه بأن جاهلية قطب هي نفسها جاهلية الحويني ، الفارق أننا انتبهنا للنوعية الأولى فوقفنا ضدها، أما الثانية فما زالت تخدعنا بأساليب كثيرة، والانتصار عليها يبدأ وينتهي باستقلال وطني تام عن المحور السعودي، دون ذلك ستبقى مصر أسيرة لجاهلية الحويني رغم أنف الجميع..

اجمالي القراءات 8363

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   أبو أيوب الكويتي     في   السبت ٠٧ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[84338]

جميل !


شكرا جزيلا 



2   تعليق بواسطة   مهدي مالك     في   السبت ٠٧ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[84346]

هذا مقال رائع


تحياتي الاستاذ عسكر  احييك على هذا المقال الرائع



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 8,049,216
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt