الشعب العربي لا يجمعه عقل واحد، هذه شعوب متفرقة بالأساس
كل من يسموهم الآن شعوب عربية أو وطن عربي هم خليط بين عدة أجناس وقوميات وثقافات وأديان مختلفة، ولم يظهر شعار (العروبة) سوى في منتصف القرن العشرين كرد فعل على سقوط الخلافة العثمانية في اسطنبول..
نعم من تعتقد أنهم عرب الآن ليسوا بعرب..بل أكراد وأمازيج وأحباش وسوريان وأقباط وكلدان..إضافة إلى الانتماءات المحلية في مصر مثلا أو سوريا أو اليمن..هم يعرفون اللغة العربية ويتحدثون بها ويتخاطبون لكن ثقافتهم وهويتهم ليست عربية
هذا يعني أن هناك فارق بين اللغة والثقافة، نيجيريا مثلا تتحدث الإنجليزية لكن ثقافة شعبها أفريقية وانتمائهم لأعراق حام والزنج، هذا يؤثر كثيرا على الروح والصور الذهنية للأشياء
قديما ضربت مثال بسيط في مصر
الشعب المصري قد يكون له توجه سلفي وهابي الآن، لكن ثقافته المحلية لا تتعصب للأمويين، بالعكس هي متعاطفة مع آل البيت..حتى أشد عتاة سلفية مصر وأكثرهم نشرا للكراهية لا تجده يتعصب لمعاوية أو للأمويين مثلما يتعصب العربي في شبه الجزيرة..أو في الشام عموما، وربما كان هذا له علاقة بالنشاط الأموي في تلك المناطق ، وهذا يطرح تساؤل..هل الأموية الفكرية -التي تعني الناصبية والعداء مع آل البيت- هل هي المصدر الوحيد لكراهية وتكفير الشيعة؟
الإجابة في تقديري : لا..الشعب المصري له موقف من التشيع تم ترسيخه بتحالف السلطة مع رجال الدين بدءاً من العصر الأيوبي حتى قيام ثورة إيران ودعم الأخيرة للجماعات الإسلامية في مصر والإخوان خصوصا..أي أنه موقف سياسي لا يتعلق بآل بيت الرسول..وهذا يختلف عن موقف العربي في شبه الجزيرة من الشيعة..لأنه مبني على موقف من آل البيت فعلا، وعلى قيم أموية ناصبية وانحياز سياسي في زمن الفتنة الكبرى.
بدليل أن شعوب الخليج ترى في التصوف المصري (كفر وزندقة) ليس لأنه يعني التأمل والتدبر..ولكن لأن متصوفي مصر هم شيعة للإمام علي وولديه الحسن والحسين، بل كثير من صوفية مصر يرى معاوية بن أبي سفيان فاسق.
كذلك عدم الانتباه للفارق بين اللغة والثقافة هو الذي أدى للحروب الأهلية في المنطقة الآن، ورأيتم كيف أن حمقى الخليج رفعوا العروبة كسلاح ضد خصومهم من العرب، أعدائهم شافوهم متاجرين بالعروبة، بينما في الحقيقة شعب الخليج هو الوحيد العربي لغة وثقافة..بقية الشعوب تحمل في جعبتها ثقافات مختلفة كما أشرنا، السوريين بالذات لديهم روح سريانية اكتسبوها من أجدادهم الرومان والكنعان، العراقيين لديهم شعور قومي مستقل يحمل أمجاد وبطولات بابل وآشور وسومر..إضافة للكلدان الذين مثلوا الرؤية العراقية للسيد المسيح..
كذلك في مصر..الشعب هنا لا زال يحمل من قيم الفراعنة والأقباط وهي قيم مختلفة عن قيم البدو من العرب..وهي نفس القيم التي أجبرت العرب قديما على عدم الانخراط مع الشعب المصري منذ قدومهم مع عمرو بن العاص والمعز لدين الله الفاطمي..وهي نفس القيم التي جعلت مؤيدي السيسي وبقية عامة الشعب الآن يكرهون السعودية لقطعها للبترول، وهي نفس القيم التي حملت بعض المثقفين المصريين للاعتزاز بأصلهم المختلف عن أصول بني سعود..
أما في اليمن فالصراع قديم بين عرب العاربة والمستعربة، واليمنيون هم أصل عرب قحطان العاربة الذين كتبوا بخط المسند المشهور في جنوب الصحراء الذي يشمل الآن عُمان واليمن، وقديما عرف كل ما هو جنوب مكة ببلاد اليمن..أما المستعربة هم الذين قدموا من صحراء الأردن والعراق وسوريا..وهم الذين استوطنوا الصحراء العربية بما فيها مدينة مكة، وقد كتبوا بالخط الآرامي النبطي الموروث لديهم من العهد البابلي، أي أن الحرب الآن بين السعودية واليمن هي صراع ثقافي..ولأجواء الفتنة المذهبية السائدة منذ 10 سنوات تقريبا تأثر الصراع بالبعد الديني.
ترى ماذا لو كانت اللغة والثقافة واحدة؟
هذا سيقلل من حدة الخلاف وإن حدث سيكون محصور في الجانب النفعي، أما أن يشمل الخلاف جوانب قومية ودينية فاعلم فورا أنه لا عروبة حقيقية الآن..ومن يرفعها في تقديري له أهداف حشد ليس إلا ، حيث أنك عندما تخاطب العرب الآن..لن تجد عرب بالأساس
اجمالي القراءات
7988