سامر إسلامبولي Ýí 2007-04-07
نقاش بعض الشبهات المتعلقة
بحفظ النص القرآني
إن وضع الحقيقة العلمية وراء ظهورنا والتظاهر بموقف الغفلة وعدم المعرفة لها والجري خلف الأوهام والظن موقف غير علمي وغير موضوعي. إنه موقف متحامل، موقف من يريد أن يضع السم في العسل بقصد تشويه الحقيقة. وللأسف تحقق ذلك في كثير من الباحثين سابقاً فقاموا بتتبع الشبهات والدسائس التي وضعها أسلافهم وعدّوها أخبار ثقة وصحيحة وانطلقوا منها يصولون ويجولون في إثبات تحريف النص القرآني وضمنوا ذلك بكتبهم ودراساتهم ولعل أÔcirc;هرها كتاب [ فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ] لمؤلفه(النوري) وهو شيعي المذهب وقد قام بالرد عليه كبار الشيعة في زمانه ونفوا أن يكون هذا معتقد الشيعة بالنسبة للنص القرآني وأظهروا بطلان هذا الكتاب وشذوذ مؤلفه بمعتقده(1).
وهذا الدس والتحامل لم ينج منه أهل السنة في مصادرهم وكتبهم فتسربت مجموعة من الأخبار التي تنص على تحريف النص القرآني زيادة أو نقصاناً ولعل أكثر ذلك كان تحت باب الناسخ والمنسوخ وبقيت هذه الروايات في مصادر أهل السنة إلى يومنا المعاصر وكذلك في معظم كتب علوم القرآن المؤلفة قديماً ولا يزيد الباحثون المعاصرون عن نقلها في كتبهم أو محاضراتهم والقيام بتبريرها مستخدمين ما أطلقوا عليه علم الناسخ والمنسوخ، وفاتهم أن هذا الموقف منهم هو إقرار بهذه الأخبار المدسوسة وفتح باب يصعب بل يستحيل إغلاقه لأنه في أصله قائم على الوهم، فمن يستطيع أن يناقش الوهم إثباتاً أو نفياً وتحقق ذلك بوهم موضوع الناسخ والمنسوخ للنص القرآني، فما هو عند قوم ناسخ هو عند الآخرين منسوخ، والعكس صحيح، واعتقدوا بنسخ نصوص من القرآن تلاوة مع بقاء الحكم، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة للنص دون فائدة ترجى منه سوى التعبد، أو نسخ النص كاملاً حكماً وتلاوة.
وضربوا على ذلك أمثلة وهمية لم يستطيعوا فهمها بعقولهم فذهبوا إلى القول بنسخها غير ذكرهم لسور كاملة قد نسخت ورفعت من المخطوط، إلى غير ذلك من الترهات وذلك كله موجود في مصادر أهل السنة وسوف يستخدمها كل من يريد الطعن في حفظ النص القرآني من منطلق (من فمهم ندينهم) وهذا ما حصل فعلاً إذ قام المستشرقون ومن حذا حذوهم من الباحثين العرب إلى ركوب هذه الموجة الوهمية وألزموا أهل السنة والشيعة بالاعتقاد الموجود بين أظهرهم وما ذكرته مصادرهم الثقافية في أن النص القرآني قد تعرض للتحريف والزيادة والنقصان سواء في عهد النبوة من النبي نفسه تحت مفهوم الناسخ والمنسوخ أو من بعده حسبما جاء في الروايات المدسوسة.
وذلك كله لإغفال الحقيقة العلمية والجري وراء الأوهام، فكان الأجدر بعلماء الأمة التمسك باليقين ورفض الظن والأوهام، واليقين هو أن النص القرآني قد تواتر رواية وحفظاً وتم الإجماع على توثيقه كتابةً في عهد أبي بكر واستمر ذلك إلى يومنا المعاصر لم ينقص منه أو يزيد أية كلمة ناهيك عن نص بكامله، وبناء على هذه الحقيقة يتم النقاش للروايات وما أطلق عليه علم الناسخ والمنسوخ، فنصل إلى أن كل هذه الأمور إنما هي من نسج القصاصين والدساسين بقصد الإساءة للنص القرآني وتشكيك عامة المسلمين فيه وخاصة جيل الشباب حديثي العهد بالثقافة.
ولنأخذ على سبيل المثال خبراً يُعزى إلى عمر بن الخطاب أنه قال:
[ لولا أن يقول المسلمون زاد عمر في القرآن لأثبت آية الرجم فيه، فإنها مما نزل من القرآن في زمن النبي ] .
وآية الرجم هي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
إن أول عمل يجب أن نتحقق منه هو: هل فعلاً ثبت بشكل قطعي نزول هذه الآية المزعومة في زمن النبي ؟! والجواب قطعاً لا، بدليل الخبر نفسه في جملة (أن يقول المسلمون زاد عمر في القرآن) ومن هم المسلمون في زمن عمر؟ لا شك أنهم مجتمع الصحابة مما يعني أن هذه الآية المزعومة نكرة لا يعرفها مجتمع الصحابة الذين عاصروا نزول الوحي وبالتالي فالآية المزعومة لم تُعرف في زمن النبوة ولم يقم أحد بكتابتها أو تلاوتها طوال عهد النبي وكذلك في عهد أبي بكر ولم تُذكر إلا كخبر آحاد أُسندت لبعض الصحابة الذي منهم عمر بن الخطاب لإعطائها مصداقية، وفعلاً نجح الدساسون في ذلك وانطلت الحيلة على المسلمين ودخلت في ثقافتهم الدينية. ولنناقش الموضوع من جانب آخر: وهو أن عمر بن الخطاب من الحفظة ومن كتبة الوحي وهو من اقترح على أبي بكر عملية جمع النص القرآني في الصحف وكون الأمر كذلك فالسؤال المطروح:
أ - لماذا لا توجد هذه الآية المزعومة محفوظة ومكتوبة في عهد النبوة وخاصة أن كل نص ينزل كان يُكتب مباشرة فور انتهاء نزوله؟
ب - لماذا لا توجد هذه الآية المزعومة في مصحف أبي بكر الذي أقره مجتمع الصحابة جميعاً وعمر منهم؟
ت - لماذا لم يقترح عمر إثبات هذه الآية المزعومة في عهد أبي بكر أثناء جمع النص القرآني ؟
ث – هل فعلاً عمر يخشى الناس في أمر من أمور الدين على درجة من الأهمية والعظمة وهو مَنْ هو قوة في الحق؟ ولماذا لم يستعن بالصحابة الكبار المعاصرين له؟
ج – لماذا لم يثبت هذا النص المفقود في زمن عثمان عندما قام بنسخ مصحفه عن المصحف البكري ويتلافى النقص؟
كل هذه الإشكاليات وغيرها تدفعنا إلى أن نقطع بكذب هذه الرواية على لسان عمر والذين وضعوها على لسانه هم اليهود بشكل مباشر أو غير مباشر لأن من المعلوم أن الرجم للزاني المحصن هو حكم توراتي قد نسخه القرآن. وكون الأمر كذلك فلا يصلح هذا الخبر للنقاش أو تبريره بالقول بالناسخ والمنسوخ، فالخبر ابتداء ظني ونجزم نحن بوضعه ودسه في الثقافة الإسلامية، فكيف نناقش موضوع نسخه من القرآن تلاوة مع بقاء حكمه ولم يثبت نزوله كنص قرآني أصلاً ؟! ناهيك عن ثبوت وضعه ودسه في الثقافة الإسلامية من جراء الأخذ عن التوراة في التفسير وغيره.
ومثال آخر على ذلك هو ما يُروى أن عبد الله بن مسعود قد اعترض على عمل عثمان في توحيد القراءات، وأن مصحف عبد الله بن مسعود لا توجد به المعوذتان ظناً منه أنهما ليستا من النص القرآني، وإنما هما بمثابة أدعية وتعاويذ.
وعلى افتراض صحة هذه الرواية عن عبد الله بن مسعود نناقشها حسب معطياتها والحيثيات التي لازمت هذه الرواية من أحداث.
أما اعتراض عبد الله بن مسعود على عمل عثمان من توحيد القراءات فمردود لظهور موقفه الشخصي تجاه عثمان لأنه لم يختره ويعينه ضمن لجنة نسخ المصاحف وصرح بذلك علناً فقال: } كيف أُستبعد من ذلك ويُقَدَّمُ زيد بن ثابت، وأنا قد دخلت بالإسلام قبله بل كان هو في صلب أبيه لم يأت إلى الحياة {.
وهذا الاعتراض من عبد الله مرفوض كما ذكرنا لأن الأمر لا يتعلق بالأسبقية للإسلام ولو كان الأمر كذلك لكان هناك من هو أولى مَنْ عبد الله نفسه نحو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فالأمر متعلق بالأهلية والكفاءة وقد اجتمع ذلك في زيد بن ثابت وهذا الأمر لا علاقة له بالأفضلية والمكانة، وإنما له علاقة بطبيعة العمل المقصود قيامه فالرجل المناسب لهذه المهمة هو زيد بن ثابت وهذا ليس اختيار عثمان فحسب وإنما هو اختيار أبي بكر من قبله عندما جمع النص القرآني بالصحف، فضلاً عن أن الصحف بخطه إضافة إلى أنه من الحفظة ومن أحد كتبة الوحي والجامعين للنص القرآني، كل ذلك جعل عثمان يختاره من بين الصحابة لعلمه أنه أكفأ رجل للقيام بهذه المهمة كما أنه لم يفرده وحده بل أضاف له عدداً من الصحابة ليشاركوه مهمته ولكن بإشرافه وتوجيهه كونه الخبير بالنص القرآني .
فمن هذا الوجه لا قيمة لاعتراض عبد الله بن مسعود من الناحية العلمية، وبالتالي من القبح والشناعة أن يوظف هذا الموقف الشخصي من عبد الله وتُبنى عليه أوهام وأباطيل وجهاً لوجه مع الحقيقة.
أما ما يروى أن نسخة المصحف الخاصة بعبد الله بن مسعود لا تنص على وجود المعوذتين وهو ينفي عنهما صفة القرآنية، فهذا إن صح عنه فليس إلا خبر آحاد مقابل التواتر للمعوذتين رواية وتوثيقهما كتابة من قبل مجتمع الصحابة ابتداء من نسخة النبوة إلى مصحف أبي بكر واستمر ذلك في عهد عمر إلى فترة استلام عثمان، والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم يصرح عبد الله ويعلن الحرب على نسخة النبوة ومصحف أبي بكر وإقرار وإجماع مجتمع الصحابة على توثيق أبي بكر للنص القرآني كتابة ومن ثم تصديق دولة عمر لعمل أبي بكر؟
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عملية دس هذا الخبر على عبد الله بن مسعود لأنه إن كان لم يسمع من النبي أن المعوذتين من النص القرآني - وقطعاً قد سمع ذلك لأن المعوذتين نزلتا في مكة وعبد الله بن مسعود من المهاجرين السابقين في الإسلام - فإنه قد سمع ذلك من تواتر الصحابة لهما، فكان من الطبيعي أن يأخذ بالتواتر ويقول بأنهما من النص القرآني ويترك رأيه منفرداً لتواتر الأمر في مجتمع الصحابة.
وإذا افترضنا أن عبد الله بن مسعود لم يتراجع عن رأيه بالنسبة للمعوذتين مقابل النقل المتواتر من مجتمع الصحابة لهما، يكون موقفه متطرفاً لا قيمة له من الناحية العلمية.
ولذلك نجد الصحابة لم يلتفتوا إليه ولم يعيروه أي انتباه لعلمهم أن رأيه مبني على الاعتداد والانفراد بالرأي وبالتالي أهملوه وأجبروه على حرق نسخته الخاصة من المصحف وسواء فعل ذلك أم لا فالأمر أخذ صفة الرأي الشخصي له.
وبناء على ما تقدم كيف يصح الاعتماد على هذه الرواية المسعودية تجاه التواتر المحفوظ في الصدور والموثق في السطور؟ إلا إذا كان الباحث يريد أن يثبت شيئاً في نفسه!.
هذه بعض النماذج التي اعتُمِدَت لدى من يحاول أن يثبت اختراق النص القرآني خلال التاريخ وهي نفسها قد اعتمدها المستشرقون حديثاً وتبعهم في ذلك بعض الباحثين العرب.
أما النماذج الأخرى التي يسوقونها للاستدلال بها فهي أضعف من خيوط العنكبوت فكلها دسائس وافتراءات على الثقافة الإسلامية لا تنهض للوقوف مقابل الحقيقة العلمية من أن النص القرآني محفوظ في الصدور وموثق في السطور بشكل متواتر منذ عهد النبوة إلى زمننا المعاصر. وبالتالي لا يُلتَفَتُ إليها ولا يصح تبريرها أو دراستها طالما أنها أخبار باطلة غير يقينية، واليقين لا يزول إلا بيقين مثله، فالظن لا يرفع اليقين، والحق أحق أن يتبع ولو كانت الروايات الظنية موجودة في معظم أمهات الحديث والتفسير عند أهل السنة والشيعة فالحقيقة لا تتأثر بذلك ولا يصح البحث بهذا الشكل، أي ترك اليقين والسعي خلف الشبهات والإشكاليات للوصول من خلالها إلى نقض اليقين. فالمطلوب هو إثبات يقين صحة النص القرآني متناً منذ بدء نزوله إلى يومنا المعاصر، فإذا تم ذلك للباحث لا يطلب منه علاج وتبرير كل الإشكاليات والترهات فإن ذلك يستحيل في الواقع لاختلاف أمزجة الناس وتفاوت ثقافتهم فما يقنع به فلان لا يقنع به آخر ويبقى الأمر متروكاً للموقف الشخصي.
دعوة للتبرع
الصلاة الابراهيمية: -**-*-( وَإِذ ِ ابْتَ لَى إِبْر َاهِي مَ ...
كتابة القرآن الكريم: ( هل يمكن كتابة القرآ ن بأكثر من صورة حرفية...
شرعية هيئات الصلاة : السلا م عليكم وفقكم الله لهذه المجه ودات ...
آدم ويأجوج ومأجوج: هل آدم عليه السلا م أول البشر من حيث الخلق ؟ أم...
الوصية هى الفرض : ختم الله تعالى إحدى آيتى الموا ريث فى...
more