الله جل وعلا هو وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة، وفي ذلك يقول سبحانه: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (الحشر 22) .. عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم (التغابن 18) .

وقد أمر الحق تبارك وتعالی خاتم أنبيائه بأن يصدع بهذه الحقيقة، فقال سبحانه في سورة النمل: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون (65) . و أيضا يقول رب العزة في ذاته العلية: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو .. (الأنعام 59) .

وقد كان علم الغيب إحدی آياته العظيمة التي لفت المشركين إليها، وتحداهم بها، وفي ذلك يقول سبحانه في سورتي الطور والقلم: أم عندهم الغيب فهم يكتبون (41' 47) . ويقول في سورة النجم: أعنده علم الغيب فهو يری (35) .

وقد كان المشركون يطالبون خاتم النبيين بأن يحدثهم عن أمور غيبية من باب التحدي والمعاجزة، فأمره رب العزة أن يقول لهم أن الغيب بيد الله وحده, وفي ذلك يقول سبحانه: ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين (يونس 20) .

وأمر خاتم أنبيائه أن يقول للناس أيضا: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب. وذلك في سورة الأنعام (50) . والآيات في هذا الصدد كثيرة جدا.

كما خاطب رب العزة المؤمنين مباشرة وواجههم بحقيقة أنه لن يطلعهم علی الغيب بقوله تعالی: وما كان الله ليطلعكم علی الغيب (آل عمران 179) .

وعلی الرغم من كل هذا فقد أقدم الناس علی نسبة آلاف الأحاديث التي تتحدث عن غيبيات إلی خاتم النبيين، بداية بأحاديث يا فلان يقتلك فلان، وإنتهاءا بأعلامات الساعة وأحوال أهل الجنة والنار، وحين تقول لهم ليس لخاتم النبيين أن يتكلم في غيبيات إلا من خلال القرآن، يرد عليك أجهلهم طريقة بقوله: ألم يقل الله تعالی في سورة الجن: عالم الغيب فلا يظهر علی غيبه أحدا (26) إلا من ارتضی من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27) . إذن فقد أطلع الله خاتم النبيين علی غيبه.

وهذا كما ترون إستدلال غبي وساذج وفي غير محله، وحتی نفهم الآيات السابقة دعونا نقرأها من بدايتها، وهي لسوء حظهم حجة عليهم، فقد بدأت بنفي علم الغيب عن خاتم النبيين.

قال تعالی: قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا (25) علم الغيب فلا يظهر علی غيبه أحدا (26) إلا من ارتضی من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27) ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصی كل شيء عددا (28) (الجن) .

نعم هناك رسل أطلعهم الله جل وعلا علی بعض الغيب، منهم كما ذكر لنا القرآن الكريم، نبي الله يوسف ونبي الله عيسی.

عن نبي الله يوسف يقول الحق تبارك وتعالی: وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث (6) . وقد تجلی ذلك في قضية أصحاب السجن، جاء ذلك في الآية 41 : يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه.

وعن نبي الله عيسی يقول الحق تبارك وتعالی: ورسولا إلی بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ... وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (آل عمران 49) .

غير أن الله جل وعلا لم يطلع رسلا آخرين علی الغيب ومنهم أول الأنبياء بعد آدم وهو نبي الله نوح، جاء ذلك في سورة هود، ونوح يقول لقومه: ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب (31) . وهذا كما ترون نفس منطق خاتم النبيين، وهو أنه لا يعلم الغيب وليس له أن يتكلم في الدين إلا من خلال الوحي القرآني.

وختاما يقول الحق تبارك وتعالی عن خاتم النبيين في سورة التكوير الآية 24:

وما هو علی الغيب بضنين