هناك عدة جهات رقابية فى مصر مهمتها التمحيص والتفحيص والتفعيص لأى عمل فنى أو إبداع أدبى بغرض الاطمئنان على أخلاق المواطن المصرى من التعرض لأى فيروس خدش حياء أو نزلة برد ازدرائية.

كنت أتخيل أن الأزهر هو آخر طابور تلك الرقابة، فإذا برقيب آخر ينضم إلى طابور الوصاية على عقولنا وهو عامل المطبعة!! فقد رفض صاحب المطبعة وعمالها طباعة رواية «زهرة الصمت» للكاتب رؤوف مسعد الصادرة عن دار العين للنشر، بحجة أن الروائى قد كتب فى الصفحة الأولى «الإلهة إيزيس وحراس الروح»!!، وعندما اكتشف عامل المطبعة تلك الكارثة وأمسك بجسم الجريمة صرخ فى وجه الناشرة «هذا كفر.. لا إله إلا الله، والروح مالهاش إلا حارس واحد هو ربنا»، حاولت الناشرة إفهامه أنهم كانوا زمان بيعتبروهم آلهة وذكّرته بالدور الذى مثّلته لبنى عبدالعزيز والذى كانت تصف فيه نفسها بأنها هاميس بنت الإله الفرعونى وبأن كلامها مرّ على الرقابة وتقبّله الجمهور آنذاك، صرخ: هذا كان زمان أيام العلمانية والكفر والإلحاد!!، رضخت الناشرة وحذف الكاتب كلمة الإله وجعلها إيزيس فقط، واستراحت المطبعة، فقد كسبت ثواباً ودخل أهل المطبعة بماكيناتهم الجنة أفواجاً وأنقذوا أهل المحروسة من رياح الكفر العاتية!!، أصبح كل عابر سبيل رقيباً ومطوعاً ووصياً على عقولنا، يدّعى حماية أمخاخنا القاصرة من الوقوع فى أحابيل الشيطان، إذا أبدعت عملاً فيه شيخ أو صحابى لا بد من عرضه على الأزهر، وإذا كان فيه تجسس يُعرض على المخابرات، وإذا كان فيه عسكرى يُعرض على الشئون المعنوية، وإذا كان فيه دكتور تبقى نقابة الأطباء، وإذا كان فيه سيرة جمعية استهلاكية يبقى لازم ولابد من موافقة وزير التموين!! وإذا أفلت المبدع من كل هؤلاء الرقباء إذا بعامل المطبعة يطل برأسه ويقيس فنك أو روايتك أو شعرك بمازورته الأخلاقية ويجعلك تفصل جلباباً فنياً على مقاسه وإلا أخرجك من الملة لتصبح مرتداً بختم النسر وأكليشيه المطبعة!!، ماذا ستفعل الدولة لو خرج عمال المطابع لتحطيم تماثيل الفراعنة رافعين علم داعش بحجة أن تلك التماثيل أصنام آلهة وهم يدافعون عن التوحيد؟؟!، وابقى اعترض حضرتك وقتها، بداية نار الفاشية الدينية من مستصغر الشرر، وللأسف لم يعد شرراً بل صار شراً مستطيراً يحيط بنا ويطبق على أنفاسنا ويخنق الروح والوجدان والعقل