يا ليتني قدمت لحياتي...

عزمت بسم الله،

إن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يخلق الجن والإنس ليعبدوه. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56).الذاريات. ـ ولم يذكر الملائكة لأن الملائكة في نظري من الجن ـ وجعل لهما أي (الجن والإنس) حرية الاختيار في الطاعة أو المعصية، وبدأ باختبار الملائكة فأمرهم بالسجود لما خلق بيديه، فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس أبى. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى(116). طه. فقال له الرب: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ(75)...قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(79)قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ(80)إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(81)قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ(83).ص.

في هذا المقال المتواضع، أُذكر القراء الكرام ونفسي، بما تعهد به الشيطان بعد أن عصى أمر الله تعالى، وتوعد بغواية خلق الله ( أجمعين)، إلا عباد الله المخلصين، فلن يستطيع غوايتهم، لأن الله تعالى سيهديهم الصراط المستقيم فلن يتمكن منهم الشيطان. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ(42). الحجر. والإسراء 65.

أما من اتبع خطوات الشيطان فإنه يضلهم ويمنيهم، تماما مثل ما فعل مع آدم عليه السلام وزوجه.

وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا(119)يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا(120).النساء.

لذلك فقد أرسل الله تعالى رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(165). النساء.

لنرى مصير من اتبع خطوات الشيطان يوم الفرقان كيف يكون؟

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27).الفرقان. فمن هو الرسول ( أو الرسالة) التي تبقى بين يدي الناس إلى أن يطوي الله السماء كطي الكتاب؟ إنه القرءان العظيم الذي تولى الله حفظه، ولم يأته الباطل رغم كيد البخاري وغيره من الكتب.

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25).الحاقة.

لاحظوا أعزائي الكرام هذا الذي يتحسر من مجيء كتابه بشماله، فهذا وصف مفهوم ومعقول جدا.

إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا(40).النبأ.

إن هذا الإنذار يحتاج للإيمان بالغيب، لأن الإنسان سينتظر كتابه الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويجد عمله حاضرا، فإن كان عملا صالحا فقد نجا من العذاب، أما إن كان غير ذلك فإن الكافر يتمنى لو لم يكن إنسانا بل ترابا حتى لا يسأل عما كان يعمل في حياته الدنيا.

وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74).المؤمنون.

فعلا إن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن العمل الصالح مبتعدون، وعن الفساد في الأرض متسابقون.

قال رسول الله عن الروح عن ربه: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي(15)وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16)كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17)وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(18)وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا(19)وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا(20)كَلَّا إِذَا دُكَّتْ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا(21)وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24). الفجر.

لاحظوا أعزائي هذه الآيات الكريمة كيف تبين لنا مشهدا من مشاهد يوم القيامة، لتذكر من كان حيا، أو كان ممن فرَّط في جنب الله تعالى وكان من الساخرين. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ(56). الزمر.

يوم يرى الإنسان نار جهنم حينئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى، أي أن الذكرى التي كان يُتذكر بها في حياته الدنيا ولم يكن يأبه لها أو كان ساخرا منها وكافرا بها، حينئذ لن ينفعه الندم رغم أنه سيقول : (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي). حينئذ يعلم أن الحياة الدنيا ما هي إلا حياة اختبار وغير دائمة، لذلك يتحسر لأنه لم يقدم لحياته الأبدية التي هي الحيوان لو كان يعلم.

قال رسول الله عن الروح عن ربه: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(64).العنكبوت.

وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا(50).الفرقان.

صدق الله العظيم.

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(29).ص.

والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.