عن الحرب والسلام

على سالم Ýí 2007-03-23


فى طفولتى قرأت رواية " كل شيئ هادئ فى الميدان الغربى" من تاليف الكاتب الألمانى ماريا ريماركه.كانت تتناول أحداث الحرب العالمية الأولى وتركز بوجه خاص على حرب الخنادق. وعند وصول النازى إلى الحكم قاموا بإحراق هذه الرواية التى تبين بأكبر قدر من الإبداع بشاعة الحرب ولا جدواها.سحرتنى الرواية وعشت مع أبطالها أحداثها لحظة بلحظة ومن الغريب أنه بعد تحويل الرواية إلى فيلم لم يكن له بالنسبة لى تأثير الرواية المقروءة. لم أكن أقرؤها بعينى فقط بل كانت درجة اندماجى فيها تجعلنى أسمع فى غرفتى دوى مدفعية الميدان التى كانت تفتك بالجنود من الطرفين.



يقول بول بومر أحد أبطال الرواية والتى يحكيها المؤلف على لسانه: لو أن أبى كان فى الخطوط المواجهة لأطلقت عليه النار على الفور.. العدو ليس بشرا.. بل هو الموت نفسه يرتدى خوذة.

هذه هى الحرب إذن, أن تقتل عدوك وأن يقتلك عدوك. وفى الخنادق عندما تكون الجبهة هادئة بين هجوم وآخر, كانت تجرى بين الجنود حوارات طويلة, أحد الجنود وكان فلاحا قبل الحرب سأل زملاءه: لماذا قامت الحرب بيننا وبين فرنسا؟

فأجاب أحد زملائه: لأن فرنسا اعتدت على ألمانيا.

فعاد يسأل: هل تعنى أن نهرا فى فرنسا اعتدى على نهر فى ألمانيا؟ أم أن جبلا فى ألمانيا اعتدى على جبل فى فرنسا.. لا أعتقد أن البلاد تعتدى على بعضها البعض.. البشر هم من يفعلون ذلك.

وفى عام 1956 التحقت بالحرس الوطنى فى دمياط, فقد حدث عدوان ثلاثى على مصر أقطابه ثلاثة, انجلترا وفرنسا وإسرائيل. احتلت إسرائيل صحراء سيناء كما احتلت فرنسا وانجلترا بورسعيد. كان المطلوب إيقاف تقدمهم تجاه دمياط ودلتا الوادى لذلك اتخذنا مواقعنا غرب بورسعيد فى منطقة تسمى الجميل غير أننى لم أشترك فعليا فى قتال من أى نوع فقد تم إيقاف إطلاق النار وانسحبت الدول الثلاثة بواسطة ضغط شديد من الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت دوايت آيزنهاور غير أن ما كينة الإعلام نسبت هذا الفضل للسوفييت.

بعد ذلك بعام واحد أثناء فترة تجنيدى الإلزامية فى سلاح الإشارة, تلقينا إلى جوار التدريبات العسكرية, محاضرات نظرية عن فنون القتال, وفى إحدى المحاضرات شرح لنا الضابط المحاضر كيفية فتح ثغرة فى حقل ألغام, هناك طرق عديدة, إحداها تعتمد على استخدام المشاة,

يعنى أن تطلب من جنودك أن يتقدموا على الأرض فى الحقل نفسه لتتفجر فيهم الألغام وبذلك تفتح ممرا آمنا ليمر منه باقى أفراد المشاة. استبشعت هذه الطريقة وقلت ذلك للمحاضر فرد على: هذه هى الحرب.. الحرب ليست نزهة.. فى ظروف معينة من الممكن أن تعطى هذا الأمر لعدد من الأفراد لحماية بقية قواتك ولكى تتمكن من الهجوم على العدو.

أفزعتنى الفكرة وحمدت الله على أننى لست قائدا مسئولاعن جنود فى أى حرب ولن أكون. ربما كنت قادرا على إعطاء الأمر بقتل الأعداء, غير أنه من المؤكد أننى عاجز عن إعطاء الأمر لجنودى بالتقدم فى حقل ألغام لأى سبب من لأسباب.

وفى مايو 1967 حلق طائر الحرب الأسود فوق مصر, كانت هناك اتفاقية دفاع مشترك بين مصر وسوريا, وقيل أن هناك حشودا عسكرية إسرائيلية على الحدود السورية وهو ما نفاه السوفييت غير أن تصريحا من موشى ديان فى عدة كلمات أفقد القيادة المصرية أعصابها, فقد هدد سوريا بضرب دمشق إذا لم تمنع العمليات الفدائية ضد إسرائيل من حدودها ثم قال الجملة التى كان يعرف بالضبط رد الفعل المتوقع عليها, قال: ولن تهمنا اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا لأننا نعرف أنها ليست أكثر من قصاصة ورق.

تم حشد القوات المصرية فى سيناء فى الوقت الذى استولت فيه على المصريين فرحة كبرى بقرب الانتصار على الكيان الصهيونى, كان جزء كبير من الجيش المصرى فى ذلك الوقت يحارب المتمردين أعداء الثورة فى اليمن, أى أننا كنا على وشك الحرب على جبهتين غير أن الأستاذ هيكل لقربه اللصيق بمصادر صنع القرار شرح لنا الخطوة التالية, لن نبدأ نحن بالضرب.. سنتلقى الضربة الأولى ونمتصها ثم نكيل لهم بقية الضربات, غير أنه لم يذكر لنا حجم أو قوة هذه الضربة الأولى ومن ثم قدرتنا على امتصاصها.

تم استدعاء أخى أحمد الذى كان قد أنهى خدمته فى سلاح الخدمات الطبية منذ شهور, قابلته قبل يوم واحد من ترحيله إلى الجبهة قال لى: لقد ألحقونى بكتيبة مشاة استطلاع وأعطونى مدفع رشاش لم أره من قبل.. لايوجد استعداد لأى شيئ, معى أفراد بالجلاليب.

فى تلك اللحظة أدركت أننى لن أراه مرة أخرى, فعندما يصل الأمر إلى هذا النوع من العبث الثورى الاستعراضى فلابد أننا مقبلون على كارثة كبرى نفقد فيها عشرات الألوف من الشبان المصريين فأنا أعرف جيدا التدريبات الخاصة التى يجب أن يتلقاها فرد المشاة الاستطلاع, من المستحيل أن تستدعى من الاحتياط جنديا من الخدمات الطبية لكى تكلفه بعملية استطلاع فى ميدان القتال, ولم يعد أحمد. بعد ذلك بسنوات طويلة وبعد أن استعدنا العريش قمت بزيارة إلى هناك, وفى صحراء سيناء كنت أنظر من نافذة السيارة إلى المواقع العسكرية المدمرة المتناثرة فى الصحراء وأنا أسأل نفسى: هل مات أحمد هنا.. أم فى ذلك الموقع.. أم لعله مات هنا.. ترى فى ماذا كان يفكر فى تلك اللحظة.. هل فكر فى هؤلاء الذين أرسلوه إلى هذه المذبحة بغير استعداد أو هدف واضح؟ أم فكر فى أمه وإخوته.. أم فكر فى صديقته؟ كنت أعرف أن له صديقة.. لابد أنه فكر فيها فى لحظة مغادرته للحياة.

ومرت أعوام قبل أن أعرف أن الحرب بالتعريف هى" تدمير قوات العدو وعتاده من أجل فرض شروط السلام عليه" هذا هو الهدف من الحرب ولا شيئ آخر. وحدث الإنجاز العظيم للعسكرية المصرية فى حرب اكتوبر 1973 ثم قام السادات بصنع السلام الذى هو الهدف من أى حرب وكل حرب. هؤلاء الذين اكتووا بنيران الحرب أو عرفوها مثلى نظريا يعرفون جيدا حجم المعجزة السياسية التى قام بها هذا الرجل.

ولسنوات طويلة قاومت تعبئة الناس بانفعالات الحرب وحاولت بكل ما أملك من قوة الدفاع عن السلام. لست نادما على شيئ, ولست يائسا من شيئ, ولست أشكو من شيئ فليس مهما ما يدفعه الإنسان من أجل ما يؤمن به, الأكثر أهمية أن يكون قادرا على دفعه, الحمد لله, حتى الآن أنا قادر على دفع فواتيرى. غير أننى بدأت أسأل نفسى: يا إلهى .. من أين يأتى كل هذا العدد من البشر غير المسئولين..؟ من أين يأتى كل هذا العدد من الناس غير الجادين؟ وما هو سر هذا الإصرار العجيب على تدمير كل ما أنجزته مصر والمصريون؟
 

اجمالي القراءات 66816

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   الثلاثاء ١٤ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68316]

أين هذا الرجل

بصراحة أنا لا أجد مثل هذا الرجل : "علي سالم " كثيرا بكل هذه القيمة والقامة ، مسئول عن كل كلمة تخرج من شفتية له موقف لا يهمه كثرة المعارضين والمطبلتية الذين يغيرون مواقفهم على حسب الريح ما تودي على رأي فنان الشعب عبدالحليم حافظ ، لكن ما أضفته غلى معلومات حقا ان امريكا من ايام الاحتلال الثلاثي على مصر ولأمريكا مكانة مكنتها من أن توقف الحرب وتجبرثلاث دول في حجم : فرنسا وانجلترا وإسرائيل ، بإيقاف إطلاق النار وانسحبت الدول الثلاثة بواسطة ضغط شديد من الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت دوايت آيزنهاور غير أن ما كينة الإعلام نسبت هذا الفضل للسوفييت.

 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 8
اجمالي القراءات : 157,284
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 3
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt