قانون ازدراء الأديان ، حفاظ على العقيدة أم تبرير للقمع والدكتاتورية ( ج 2 )
وتستمر المأساة ، ويستمر الإستبداد تحت بند آخر ومادة قانونية أخرى، هي المادة (160) ، والتي تنص على أن " يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100ج ولا تزيد على 500ج أو بإحدى هاتين العقوبتين:-
(1) كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بالعنف أو التهديد.
(2) كل من خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.
(3) كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها وتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على 5 سنوات إذا ارتكبت أي من الجرائم تنفيذا لغرض إرهابي .
وكما فعلنا في السابق ، سنتناول أجزاء هذا البند نقطة نقطة ، وهو بند يحوي من النفاق ماحمله البند السابق ، غير أن جنباته تنطوي على ماهو أخطر وأعم . فأنت حين تقرأ النقطة الأولى
( كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بالعنف أو التهديد)
لا يمكنك إلا أن توافق عليها لأنها في آخر المطاف ترفض العنف والتهديد وتحمي شعائر أي ملة كيفما كانت وهذا شيء معقول ومطلوب ولا يمكن لأحد أن يرفضه . فذلك عين العقل وقمة الاحترام.
لكن كما يقال : "الشيطان يكمن في التفاصيل ". فانظر أين يكمن اللغم الذي يمكن أن يقع تحت طائلته كل متنور وكل مفكر حر . وهنا يمكن أن تضع مايحلو لك من الأسماء ، ابتداء بالدكتور أحمد صبحي منصور وإسلام بحيري و انتهاء بالدكتورمحمد شحرور وعدنان إبراهيم .
إن أي دارس قانون لا يمكن أن يقفز على كلمة " شوش " في النقطة الأولى من هذا البند . والتشويش هو من قبيل مايفعله الدكتور منصور في نقد الصوفية مثلا. حيث أن مايقوله عن شعائرهم الفاسدة هو من قبيل التشويش على شعائرهم ، ولقد أسهب في كتابه عن الصوفية أيما إسهاب عن انحلالهم الخلقي والشذوذ والانحراف في ممارستهم لطقوسهم "الدينية ". وحين ينتقد الدكتور إسلام بحيري البخاري مثلا ، فإنه يشوش على شعائر مسلمي الجزائر الذين مازالت الكثير من مساجدهم تقيم احتفالات ختم دراسة البخاري . والتي تعتبر طقسا مهما بالنسبة لهم . لقد أخذنا الجزائر نموذجا لكنه ليس مثالا حصريا ، فكل البلاد الإسلامية في رمضان تنشر عبر قنواتها جلسات تدارس لما يسمى الأحاديث النبوية هاجرين بذلك القرآن ، الذي يصبح التهافت على ختم قراءته وتجويده أهم من تدبره . فإذا انتقدت هذا وقلت بأن الله عز وجل يأمر بالتفكر والتدبر فأنت بذلك تشوش على إقامة شعائر دينية . وإذا قلت بأن صلاة التراويح مثلا ليست ملزمة وبأن المسلمين لم يبدؤوا ممارستها إلا على عهد عمر بن الخطاب فإنك بذلك تشوش على إقامة الطقوس والشعائر . وسواء شئت أم أبيت ، فإن مجرد كلمة " يشوش" هي سيف على رقبة حرية التعبيروالفكر والمعتقد .
لأن التشويش يكون بالكتابة أو الكلام أو ماسبق تسميته في البند السالف الذكر ، " أفكار منطوقة بقصد الفتنة " . وبذلك يمكن أن تضع في هذه الخانة أي مواطن عادي تسول له نفسه انتقاد مالايراه صائبا. في انتقاده للدجل الذي يقام في المعابد والزوايا كما في شمال إفريقية وغيرها. أو حتى مايسمى احتفالات الزار في مصروالتي لايخفى على أحد مايمكن أن يقع فيها من ابتذال ومسخ وفساد بلغ حد الاغتصاب أحيانا كثيرة لعلاج العقم عند النساء .
وإذا تجرأ أحد وقال بأن طقوس الصوفية وغيرها تحوي الكثير من الشرك فهذا يعتبر تشويشا . وإذا قال أهل القرآن بأن المساجد لله " فلا تدعوا مع الله أحدا" فهذا من قبيل التشويش على إقامة شعيرة الصلاة ،مع أن رب العزة قال :" وأقم الصلاة لذكري ".
ولكي لا نطيل ، سنخلص فقط إلى ان كلمة التشويش كلمة مطاطة يمكنك أن تحاكم باسمها سكان الأرض جميعا متى شئت .
و هلم جرا مع النقطتين الثانية والثالثة ، وهما مرتبطتين في آخر المطاف ارتباطا وثيقا ، ولايمكن للقارئ المتفحص إلا أن يرى فيهما دفاعا عن الصوفية وعقائدها الفاسدة ليس إلا . كما أنها تشجيع على نشر الخرافة والشرك البواح. فالقبور بما لديها من حرمة لا يمكن أن تكون رموزا مقدسة . لأن من بداخلها أناس عاديون وليسوا آلهة . ولا يمكن بأي حال من الأحوال إدخالها في قانون ازدراء الأديان . لأن القبور ليست من الدين في شيء ، وليست أماكن عبادة ، وإنما يجب أن تكون لها حرمة تماما كما يجب أن تكون لبيوت الأحياء حرمة . حيث يعاقب القانون المتعدي عليها دون إقحام الدين فيها بأي حال من الأحوال .
طبعا لا يمكننا إلا أن ننوه بالنقطة الثانية من هذا البند ، وهي النقطة الوحيدة التي يمكننا الموافقة عليها لما تتضمنه من احترام لأماكن العبادة بالنسبة للديانات والملل المختلفة . ولكنني حقا لا أفهم ماالذي يقصدونه بكلمة" أو فريق من الناس " . قد توهمك هذه الجملة بأن من حق أي أحد ان يعتقد مايشاء ويتصرف كما يشاء . وأن ماهو مقدس عند فريق من الناس يجب احترامه حتى لو كان هذا الفريق لا دينيا مثلا . حاولنا مرارا وتكرارا أن نفهم المقصود بهذه الجملة ، إذ لايمكن بأي حال من الأحوال أن ندخل ازدراء اللادين مع ازدراء الدين . فكان لزاما علينا أن نفهمها في إطار السياق العام وهو أن هذا الفريق من الناس يمكن أن تضع فيه ما شئت . حفلات الزار والموالد والمواسم وغيرها من الممارسات التي ليست من الدين في شيء . ومع ذلك تم إقحامها في الدين .
لقد حيرتني فعلا هذه النقطة وتوقفت عندها طويلا . فوجدت بأنها تمثل مربط الفرس . والنقطة التي يمكن لأي نظام أن يركب فوقها لادعاء حماية المعتقد عند " فريق من الناس " . هؤلاء الناس الذين تستغلهم الأنظمة سياسيا تماما كما استغلها الاستعمار في شمال إفريقيا . حيث عمل المستعمر على التفريق بين الزوايا التي كانت تمثل الإسلام الشعبي في المغرب مثلا وبين إسلام جامع القرويين ، والذي تخرج منه علماء ومثقفون ناهضوا الإستعمار وحملوا شعلة المقاومة . " ففريق الناس "هذا يمكن ان تدخل تحته ممارسات الشعب البسيط الدينية بكل ما قد تحمله من أخطاء وممارسات لا علاقة لها بالدين مطلقا ولكنها تبقى سلاحا في يد النظام ، أي نظام ، يضرب به كل مخالفيه السياسيين بتهمة إساءتهم لممارسات وطقوس مجموعة من الناس. ونحن نعرف كم تتمسك العامة بما تعتقده وكيف يمكن استغلالها وجرها إلى الفوضى والقتل والاعتداء للذود عما تعتقده صحيحا . ولنا في تقاليد الصعيد ( في الثأر وجرائم الشرف أمثلة غير قليلة ) . فهي تقاليد لا علاقة لها بالدين ولا حتى بالقانون . ولكنها تبقى قوانين فريق من الناس. فتبقى هذه النقطة في نهاية المطاف الذريعة التي يمكن التدخل بها لاضهاد أي مفكر وأي متنور أو أي إنسان عاقل يرى في بعض الممارسات شركا وابتعادا عن الدين . وخلاصة القول أن المسألة لا تتعلق بالمِلَلِ فقط ، بل حتى ماينبثق عن هذه الملل من انحرافات يدينها الدين والعقل. لأن الحفاظ عليها هو حفاظ وتكريس لجهل العامة التي تبقى دائما سلاحا في يد المستبد يضرب بها معارضيه كلما أحس بعدم الأمن والاستقرار.
وأما كلمة "أشياء أخرى لها حرمة عند فريق من الناس " فحدث ولا حرج . إذ يمكنك أن تضع ماشئت أيضا تحت هذه الخانة بداية من السبحة الصينية الصنع ، إلى الكتب البشرية التراثية ذات الحرمة كسنن البيهقي والنسائي وابن ماجة والبخاري ومسلم وابن تيمية ووو ...
ومعنى هذا كله ، أن هاته القوانين وضعت لقمع الناس ومنعهم من التفكير . وضعت لتكبح جماح حرية العقيدة التي كفلها رب العزة لخلقه، وضعت لازدراء الدين والناس والفكر . وضعت لتضع الناس خلف القضبان كلما قالوا ربنا الله ، فلا عبادة لأحد سواه . ولا تقديس لغيره.
هو ذا قانون ازدراء الأديان ، ولحديثنا بقية .
اجمالي القراءات
13643