قررت أمريكا بناء تحالف دولي لضرب تنظيم داعش الإرهابي، وتشمل الضربات كافة مراكزه القيادية والعسكرية ومواقعه الاستراتيجية، إضافة إلى دعم ما تسميها.."بالمعارضة السورية المعتدلة"..عسكرياً في وجه داعش والحكومة السورية، وهو ما يعني لها منفذاً للتدخل في سوريا بحجة مكافحة الإرهاب، فقد حاولت من قبل التدخل عسكرياً بحجة أسلحة الدمار الشامل وفشلت بمناورة روسية سورية مشتركة أدت إلى تدمير السلاح الكيماوي السوري..الذي أعتقد أن صناعته مرة أخرى ليس أمراً عسيرا.
لقد تعود البعض أن يسبق أي هجوم أمريكي أو عدوان شيطنة للطرف الآخر ومحاولة إيهام العالَم أن حركة أمريكا هي لإنقاذ العالم من ذلك الشيطان، فعلتها قبل ذلك في العراق وأفغانستان وجواتيمالا وفيتنام ولاوس..بينما فشلت في كوبا وسوريا وكوريا الشمالية، وهذا يعني أن أمريكا هُزمت عدة مرات رغم تفوقها العسكري والتقني والإعلامي الكبير.
الآن أعادت أمريكا رسم خريطة الماضي باستدعاء ما فعلته في فيتنام بمحاولة إنفاذه في سوريا، حرب ضد الخطر الشيوعي في فيتنام يؤدي إلى دعم فصائل متحاربة وإشعال حرباً أهلية ، بينما في سوريا حرب ضد الخطر الداعشي ودعم فصائل معارضة للحكومة رغم أن داعش هي عدو للحكومة السورية ، ويظهر بالتالي أن الهدف الأمريكي من وراء الحملة هو أبعد من تنظيم داعش الذي هو حسب المعايير العسكرية الأمريكية عدو ضعيف سهل القضاء عليه، ولكن الحملة تستوجب تضخيماً من أمره أملاً في توسيع الحملة وضم متعاطفين جدد ربما يحسمون الأمر لصالح أمريكا إذا ما تطور أو تغير الوضع.
المثير أن أصابع الاتهام تشير لأمريكا بتمويل داعش في المنطقة ، وهو ما تجلى في السابق بدعمها عسكرياً ومالياً ومعلوماتياً ضد بشار الأسد، حتى إذا ما استفحل أمر التنظيم ساقوا حملة إعلامية دولية ضده ، وفي تقديري أنه لولا توسع التنظيم في العراق- واقتصر دوره في الحرب في سوريا- ما كان لأمريكا أن تتدخل، وبالتالي ستستمر في دعم التنظيم وتشكيل مافيا دولية لتجنيد الإرهابيين من مختلف دول العالم ضمن قوامه.
هذا يعني أن الحملة الأمريكية ضد داعش غالباً ما ستكون إعلامية وسياسية فقط ،تمهيداً لبسط النفوذ الأمريكي في المنطقة بعدما تراجع في السنوات الأخيرة ، أما الحملة العسكرية فلا أعتقد أنها ستؤثر بشكل جدي في التنظيم، بل ربما تجلب معه متعاطفين وحواضن شعبية ضد العدو الأمريكي المفترض لشعوب المنطقة، لذلك كانت نصائح بعض المحللين ذهبت باتجاه تسليح الجيش العراقي ودعمه معلوماتياً وأمنيا، ودعم الحكومة العراقية الجديدة، وفي تقديري أن هذا الاتجاه يكفي إلى حد كبير لمواجهة داعش لاعتبارات دينية وأيدلوجية ترى أمريكا خصماً غير أمين.
لكن أمريكا رفضت هذا الخيار، وأصرت على عدم تسليح الجيش العراقي، وذهبت لتسليح البشمركة الأكراد دوناً عن جيش الدولة الرسمي، مما يثبت النوايا السيئة للعدو الأمريكي في استهداف أمن ووحدة العراق وسوريا بدعم النزعات الانفصالية العرقية والدينية المتطرفة.
ما يُعزز هذه الرؤية أن أمريكا قررت دعم المعارضة السورية عسكرياً، على افتراض عدم دعمها في السابق، وأنا أقول منذ متى أقلعت أمريكا عن دعم الإرهاب والجماعات في سوريا ضد الجيش الحكومي؟...قيادات ورؤوس البنتاجون والcia كانوا على خط النار بشكلٍ دائم، وبعضهم ظهر إعلاميا بجوار مقاتلي المعارضة.
الآن ظهرت الخطة الأمريكية بشكلٍ أوضح، وهي صناعة شرق أوسط جديد على غرار ما أعلنت عنه كونداليزا رايس في السابق، شرق أوسط تعمه الفوضى الدينية والعرقية، ولن يكون ذلك إلا بدعم الطوائف وتأليبها على بعضها البعض، وقد حدث ذلك بدعم السنة على الشيعة، ودعم الشيعة على السنة ، والآن يدعمون الأكراد عسكرياً(دعم عرقي) ثم يدعمون الجيش الحر(دعم ديني) حتى إذا ما انهارت الدولة وظهرت معالم الخطة يلجأون إلى التدخل الإعلامي مثلما يحدث الآن، والهدف هو إبقاء حالة الفوضى أطول فترة ممكنة إلى أن تفرز الحالة الجديدة هذه واقعاً أقرب إلى التعايش مع إسرائيل وتغيير معالم الوجدان العربي المعادي لأمريكا والإمبريالية بشكلٍ عام.
هو سلوك إمبريالي اتخذته أمريكا ضد أي شعب يكن لها مشاعر العداء، فتقوم بدعم الفوضى فيه حتى تنتقل مشاعر العداء لأمريكا باتجاةٍ آخر، وهو ما أسميه بعملية.."صناعة العدو المفترض"..وبالتالي تنتقل المشاعر ضد أمريكا من كونها عدو مفترض وأساسي إلى عدو مؤقت يزول الإحساس به مع الوقت، وهو ما نجحت فيه نسبياً مع شعوب أمريكا الوسطى وجنوب شرق آسيا ، وتريد تجربته وتطبيقه في كل بقاع العالَم.
لست من دعاة التشاؤم أو التضخيم من قدرات العدو، لكنها محاولة للتحليل وفهم الواقع بناءً على معطيات ..ربما في الأخير تنتج هذه الحملة انتصاراً عربيا على التنظيمات الإرهابية والعدوان الأمريكي بالعموم ، فكلما زاد خصوم داعش كماً وكيفاً كلما خف الضغط عن الجيوش العربية ومنها.."العراقي والسوري"..مصداقاً لقول الشاعر:
إذا العبء الثقيل توزعته....رقاب القوم خفَّ على الرقاب
وهذا يتوقف على طريقة وأسلوب تقبّل الجيشين العربيين لهذه الحملة، فالجيش العراقي ربما يراها مساعدة من دولة خلقت هذا الوضع وهي مسئولة عنه أمام شعبها، أما الجيش السوري فيراها مؤامرة، لذلك العمل الآن مع الجيش السوري لدراسة الموقف برؤية متأنية، فلربما كانت هذه الحملة هي من حماقات البيت الأبيض من جهة تصفية حساباته مع نفسه ، وبالتالي فعندما صمد الجيش السوري ضد هذه الغزوة الإرهابية الأمريكية لن يصعب عليه الصمود هذه المرة ، وهو ما تعودناه من هذا الجيش البطل الذي تآمرت عليه قوى الأرض قاطبةً لا فرق فيها بين قريبٍ أو غريب.
وعليه أطالب أشقائنا في سوريا بالصبر وعملاً بالمَثَل المصري.."خليه يجيب آخره"..يعني عدم التعرض لقوات الجو الأمريكية حتى لا تكون ذريعة لتوسيع العمليات ضد الجيش ، وبالتوازي أن يعمل على تأهيل جنوده نفسياً والشعب السوري اجتماعياً وسياسياً لصد هذه الغزوة فيما لو انتقلت أمريكا للمواجهة الصريحة مع الشعب والعدوان على جيشه، وأن تسبق أي عملية للجيش السوري ضد العدو الأمريكي خطاباً إعلامياً وشعبياً واسعاً لشرح أبعاد الموقف وفضح العدوان الأمريكي على السيادة السورية.
أعتقد أن الجيش السوري سينجح في ذلك فيما لو انتقلت الحرب إلى مواجهة مع القوات الغازية، فهو الأجهز نفسياً وعسكرياً منذ سنوات، وفي تقديري أن هذه الجزئية على خارطة تفكير واشنطن وتعلم أن التعرض للجيش السوري ومواقعه ليس سهلاً، فهو من جهة سيعد دعماً لقوى المقاومة في المنطقة واستنفارها شعبياً وإعلامياً، وحجة روسية إيرانية بالتدخل والدعم ، ومن جهة أخرى تضعف جبهة التحالف التي أنفقت أمريكا المليارات على إنشائها حتى الآن.
اجمالي القراءات
6781