تابع الأدلة القرآنية على أن مصر ليست بلاد القبط - المقال الثاني عشر
لما طلب موسى من فرعون السماح له بالخروج ببني إسرائيل من (مصر) , وبعد جمع السحرة من المدائن ثم إيمانهم برب موسى- انظر دقة اللفظ القرآني في وصف ذلك :" قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي (الْمَدِينَةِ) لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" الأعراف123, فالكلام في القرآن عن" مدينة "( مصرايم ) , وليس عن "دولة"(القبط) , وعن أهل المدينة المراد إخراجهم من مصر , فإخراج بني إسرائيل ,كان من مدينة وليس من كل بلاد القبط وهي إمبراطورية ممتدة الأطراف وما كان الله ليصفها بأنها "مدينة" أو أنها قرية كما جاء وصفها في سورة يوسف لما قال إخوان يوسف لأبيهم يعقوب: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }يوسف82 , .... القرية التي كنا فيها .. وهي موقع يصفه القرآن بأنه قرية , والقرية قد تعني أيضا مدينة ولكنها لا تعني (دولة) , وطبيعة السؤال ..اسأل القرية ..توحي بأنها مكان يمكن السؤال فيه , الأمر الذي يستحيل فيما لو كانت دولة كبيرة مثل مصر القبط , والمعقول والمنطقي أن تكون القرية هي المحطة أو المركز التجاري . وليس يخفى أن ذلك أيضا يلمح إلى أن من خرجوا من بني إسرائيل قلة فخروجهم من مدينة وليس من دولة . وإذا صدقنا التفاسير الموروثة نكون قد كذَّبنا اللهَ وقرآنه على نحو فيه من الاجتراء والحماقة بقدر ما فيه من الجهل والغباوة, فلا يوجد- في وادي النيل- أي إشارة تاريخية أو أثرية تذكر شيئا عن موسى أو بني إسرائيل أو الخروج .
ويذكر العالمان اليهوديان مؤلفا التوراة مكشوفة:"أن الغموض التاريخي لقصة الخروج الجماعي يتضمن حقيقة أنه لا توجد أي إشارة بالاسم لأي ملك محدد للمملكة المصرية - يقصدان مصر القبط- بينما تذكر مواد توراتية لاحقة الفراعنةَ بأسمائهم ,على سبيل المثال الملك شيشانق والملك نخاو ."ويسجل لنا المؤرخ الإغريقي هيرودوت في مؤلَّفه (التاريخ) أن الملك سنوسرت (1971- 1926) ق.م وهو من الأسرة المصرية الثانية عشرة , قاد عدة حملات على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر ,كما أن الجغرافي اليوناني سترابون يسجل نقلا عن المؤرخ (إراتسوثينيس) أن سنوسرت نفسه كان أول ملوك مصر الذين تمكنوا من الوصول إلى جزيرة العرب . بالإضافة إلى ذلك , فإن المؤرخ الإغريقي ديودور الصقلي الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد , ذكر في مؤلَّفه التاريخي- الجغرافي (المكتبة) أن سنوسرت قام باحتلال كل جزيرة العرب "(المرجع : د. زياد مني –جغرافية التوراة – مصر وبنو إسرائيل في عسير –-ص 62) . وإذا قبلنا ما يزعمه البعض من تبرير سكوت المؤرخ القبطي القديم عن ذكر غرق فرعون وجنوده بوصفه هزيمة مشينة لملك عظيم , فلا يمكن تبرير صمته المطبق عن انتشار الضفادع والقمل والدم والجراد وهي أمور ما كان يتقاعس عن تسجيلها أي مؤرخ على اعتبار أنها ظواهر غير معهودة. تقول التوراة :"بعد أن ظهر الرب لموسى في طور سيناء في برية مدين وهو يرعى غنم حميه (يثرو)- المسمَّى في القرآن شعيب - رجع موسى إلى يثرو حميه وقال له :إني منطلق فراجع إلى إخوتي الذين بمصر لأنظر هل هم باقون , فقال يثرو لموسى : اذهب بسلام ...فأخذ موسى امرأته وولديه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر". وإذا كان موسى يقصد الرحيل إلى مصر وادي النيل فما كان ليبلغها وامرأته وولداه وهم يمتطون الحمير , فالحمار لا يقوى على قطع المسافات الطويلة (من فلسطين إلى مصر وادي النيل بحسب الزعم اليهودي) ولا سيما إن كانت تلك المسافات في أرض صحراوية يتعذر على الحمير قطعها إذ تنغرس فيها قوائمها ولا طاقة لها على تحمل العطش الذي يتحمله الجمل كما أنها أضعف من أن تقطع المسافات الطويلة , والأقرب منطقا أن يكون المقصود انتقاله من منطقة جبل العليق (طور سيناء) إلى قرية مصريم التي هرب منها لما قتل المصري, "فأرض مدين بن إبراهيم تقع عند طرف جبل سعير حيث يوجد طور سيناء (جبل العليق) قرب العقيق شرق منطقة غامد وزهران من شبه جزيرة العرب "( د.أحمد داود - العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود).انتهى المقال الثاني عشر من سلسلة مقالات مصر ليست بلاد القبط .بتصرف من كتابنا ....بين القرآن والتراث-نبيل هلال هلال
اجمالي القراءات
15564