آحمد صبحي منصور Ýí 2014-02-18
( ملاحظة:
تم نشر هذا الحوار مع جريدة الميدان فى المواقع التى كنت أنشر فيها قبل تأسيس موقعنا ( أهل القرآن ).
ثم بإنشاء موقع ( أهل القرآن ) أعدنا نشر كل المقالات التى سبق نشرها فى تلك المواقع .
وبسبب كثرتها وسوء النقل وبسبب الهجوم المتكرر على موقعنا وتدمير مقالاتى ، ومع محاولات غلاصلاح تظهر بعض هذه المقالات بصورة سيئة ومضطربة ، وفيها تكرار وتقديم وتأخير فى بعض الفقرات . وقد تنبه أخى الحبيب الاستاذ محمد دندن فأخذ على عاتقه مشكورا مراجعة تلك المقالات القديمة وتنبيهى على ما فيها من خلط . وبعث أمس لى بهذا المقال ، الذى بلغ عدد من قرأه 57657 . فتفرغت لتصحيحه وأعيد الآن نشره ، شاكرا للأستاذ محمد دندن المشرف الأمين على موقع ( أهل القرآن ) جزاه الله جل وعلا خير الجزاء . )
مقدمة
1 ـ فى عام 1993 صدر كتابى " عذاب القبر والثعبان الأقرع" أنفى فيه عن الاسلام هذه الأكذوبة ، وأوضح جذورها الفرعونية والتراثية. وأحدث الكتاب صدمة هائلة ، كما هو المعتاد فى كل كتاباتى التى تقض مضاجع شيوخ الثعبان الأقرع الذين يرهبون الناس بعذاب القبر ، ليفرضوا لأنفسهم جاها ما أنزل الله به من سلطان . انهم الذين يتعيشون من استمرار الجهل واستقراره متمتعا بالخرافات التراثية التى اكتسبت قداسة زائفة لمجرد أن أحدا من قبلى لم يغامر بمناقشتها فى ضوء القرآن والمنهج العقلى الاسلامى.
2 ـ ردود الأفعال على ذلك الكتاب وصلت الى حد استنطاق كل أنواع الشيوخ للرد على كتابى وشتمى ، بدءا من شيوخ الأزهر الى شيوخ التُّرب والمقابروالأضرحة. واذا كنت لم استفد كثيرا من ردود الأزهريين ـ لأننى احفظها جيدا من كثرة تكرارها وسذاجتها وضحالتهاوبؤسها ـ فانه ـ والحق يقال ـ قد استمتعت كثيرا بأقاويل شيوخ التُّرب والأضرحة الذين فاتهم أن ينسبوا افتراءاتهم عن نعيم القبر وعذابه الى النبى كما كان اسلافهم من أئمة الفقه وعلم الكلام وشيوخ القصص أو القصاصون ـ او الحكاؤون ـ يفعلون فى العصور الوسطى. أستمتعت بأكاذيب شيوخ التُّرب والأضرحة لأنها أضافت جديدا لم أكن أعرفه عن الخرافات المعاصرة ، والتى نالها بعض التجديد فى عصر الصحوة السلفية المباركة.
3 ـ من سياق الحملة الصحفية ضدى وقتها وردودى عليها ومن مقتطفات من كتابى سالف الذكر أعددت هذا المقال الذى كان فى الأصل حوارا صحفيا أجراه معى الصحفى ( مطاوع بركات ) لجريدة الميدان المصرية ، ونشرت الجريدة عنوانه فى مانشيت صفحتها الرئيسة ، وحاز الموضوع على إهتمام واسع ، فتشجعت الجريدة ونشرت حوارا تاليا مع شيوخ المقابر ، ونشرته فى صدر مانشيتات الصفحة الأولى عنوانا ضخما عن شيوخ التُّرب الذين يردّون على ( احمد صبحى منصور فى موضوع عذاب القبر والثعبان الأقرع ). وكان كلامهم مضحكا . يدل على أن الثعبان الأقرع لا يزال يعيش فى أذهان أولئك المساكين ويخسرون به الدين والدنيا.
أولا : قبل أسئلة الحوار الصحفى والردّ عليها ، أقول :
1 ـ : لماذا يطلقون على ذلك الثعبان الخرافي وحده وصف الثعبان الأقرع ؟ ولماذا يختص ذلك الثعبان وحده بالقراع ؟ . هل هناك ثعبان أقرع وثعبان أصلع وآخر أجلح ورابع بشعر كثيف..؟. إن كل الثعابين لا توجد شعرة واحدة على رؤوسها .. لكن لم يفكر أحد منهم في هذه المسألة ، لأن العادة أن الخرافات حين تستحكم في العقول تعطيها إجازة مفتوحة " وبدون مرتب".
2 ـ إنهم يقولون ان عذاب القبر والثعبان الأقرع من المعلوم من الدين بالضرورة ـ وبعضهم ينطقها خطأ فيقول " من المعلوم من الدين بالضروطة" ـ وهذا خطا لا نقره أبدا....أبدا..ـ وقلت فى الرد عليهم :
3 ـ ان تعبير المعلوم من الدين بالضرورة مصطلح أنتجته عصور التقليد والتخلف العلمي منذ منتصف العصر المملوكي خلال القرن الثامن الهجرى . وقبل ذلك كان الإجتهاد يصل إلى الاختلاف في كل شئ بين الفرق والمذاهب الفكرية والفلسفية والعقيدية والفقهية .. ثم أغلقوا باب الإجتهاد ، وتحول الأئمة المجتهدون والمختلفون في كل شئ إلى أئمة مقدسين لدى فقهاء عصور التخلف ، منذ منتصف العصر المملوكى وطيلة العصر العثمانى ، حيث لا يجوز الاعتراض علي الأئمة الأوائل او مناقشتهم أو نقدهم ، وبرزت شائعات علمية كاذبة تبرر هذا الأفك وتشرعه وتحميه مثل " المعلوم من الدين بالضرورة " وأجمعت على ذلك الأمة ."
والواقع أنه لا يوجد ( إجماع ) ولا توجد قائمة محددة متفق عليها بذلك المعلوم من الدين الضرورة ، حيث اختلف الشيعة والسنة والصوفية والفرق الإسلامية والكلامية في كل شئ منذ أن ابتعدوا عن القرآن . ومن ضمن العقائد المختلف عليها عذاب القبر ونعيمه والعصمة والشفاعة . وأنصح بقراءة كتاب " مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين " للإمام آبي الحسن الأشعرى إمام أهل السنة في علم الكلام ، للتأكد من اختلاف أئمة المسلمين فى عصر الاجتهاد ، فى الغصر العباسى ، حتى في داخل المذهب الواحد في كل شئ وحول كل شئ.
4 ـ ومن هذه القضايا الخلافية وقتها عذاب القبر ونعيمه ، و هى فى الأصل عقيدة فرعونية عاشت آلاف السنين ، ثم ما لبثت أن رجعت الى أفئدة المسلمين متخفية فى أحاديث نبوية وتفسيرات مختلّة للقرآن الكريم ، جاء بها التيار السنى الفقهى والكلامى ـ نسبة الى علم الكلام ـ شأن كل ماجاءوا به مما يخالف الدين الحنيف. وقد رد عليها المخالفون لها بأدلة عقلية ونقلية . حدث ذلك كله في عصر الاجتهاد العلمى والصراع الفكرى بين المعتزلة ـ دعاة التجديد العقلى ـ وأهل السنة الذين يسترون عورة تخلفهم العقلى وعجزهم العلمى بالتمسح بالنبى محمد ونسبة أقوالهم له ولأصحابه حتى تتحصن آراؤهم من النقد. بيد أن المعتزلة لم يعترفوا بذلك الاسناد الكاذب النبى. وبعضهم استخدم نفس الأسلوب فى الرد على أهل السنة والكيد لهم ـ كما كان يفعل الشيعة ـ حين صنعوا أحاديث"نبوية" ترد على أهل السنة بنفس اسلوبهم . وانتج هذا الصراع الخائب العاجز الكثير من الأحاديث المتناقضة ، والتى عكف عليهابعض اللاحقين يحاولون ـ دون جدوى ـ التوفيق بينها .
ثُم جاء عصر التقليد ثم الجمود ثم التخلف حيث انقرض المعتزلة وانقرض معهم الاجتهاد العقلى ، لتسود الخرافات السنية ـ ومنها الثعبان الأقرع ـ متحصنة بالاحاديث الكاذبة والشائعات السامة من نوعية " المعلوم من الدين بالضرورة ـ وليس الضروطة ـ و أسطورة الاجماع . وكل منهما يحتاج وقفة قادمة ان شاء الله تعالى.
إن مناهج الأزهر التى درسناها أشارت لذلك الخلاف بين الأئمة المجتهدين في قضايا العصمة والشفاعة وعذاب القبروغيرها ، ولكن مع التأكيد على نصرة المذهب السني ورؤيته المتخلفة في تلك القضايا .
5 ـ ومنهجى الفكرى هوالاجتهاد في تلك القضايا الخلافية : أولا: بتدبر القرآن الكريم برؤية قرآنية محضة تعتمد على فهم القرآن بالقرآن وتحديد مفاهيم القرآن بالقرآن ، وتجميع كل آيات القرآن فى الموضوع المبحوث واستطلاع مضمونها بتجرد كامل منزه عن الهوى والأفكار المسبقة بهدف الوصول للحق والاهتداء به ابتغاء مرضاة الله تعالى ، مع عدم الاهتمام مطلقا بما يعتقده الناس أو ردود أفعالهم الغاضبة ،لأن حق الله تعالى هو الأولى بالنصرة والاتباع . ُثُم ثانيا : بالبحث التاريخى والتراثى فى جذور الموضوع وتجلياته وابعاده المعاصرة واللاحقة.
6 ـ وقد تأكّد لى بعد مشوار شاق وطويل من التفرغ للبحث الجاد والمحايد ان كل الاعتقادات المخالفة للقرآن في عذاب القبر ونعيمه وفى تأليه البشر والأنبياء وعصمتهم وشفاعتهم كانت موجودة قبل الإسلام ، وقد أشار القرآن إليها ورد عليها .
7 ـ إنّ عقيدة الثعبان الأقرع وعذاب القبر اسطورة فرعونية فى الأصل ، عاشت فى مصر منذ آلاف السنين ، ثم اكتشفها علم المصريات فى العصر الحديث حين فُكّت رموز اللغة الهيروغليفية ، وهذا ما ناقشته في كتاب لي ـ لم ينشر بعد عن الصلة بين التصوف المملوكى والديانة الفرعونية ـ أقارن فيه بين مظاهر الحياة الدينية الفرعونية ومظاهر الحياة الدينية فى العصر المملوكى . وفى تلك المصادر التاريخية والصوفية المملوكية كان المؤلفون ينقلون عن" مشايخ الزيارة " الذين كانوا يعملون كمرشدى السياحة فى عصرنا، ولكن لسياحة من نوع مختلف . حيث يشرحون لزوار المقابر المتبركين بها معالم القرافة وكرامات أوليائها الموتى و يسترزقون من خدمة التُّرب المقدسة ونشرالشائعات حولها ومنها الأقاصيص عن عذاب القبر ونعيمه ، وكرامات الأولياء الصوفية داخل قبورهم ، كانوا فى العصر المملوكى يرددون باللغة العربية ما كان يقوله أجدادهم فى عصر الفراعنة باللغة الهيروغليفية ، وفق ما كتبه علماء المصريات .
8 ـ ومنذ العصر الأموي استحدث بنو أمية وظيفة رسمية للراوي في المسجد أو من كان يسمى بالقصاص ـ بثشديد الصاد ـ ، وكان يجلس فى المسجد بعد الصلاة للدفاع عن السلطة الأموية وتبرير فظائعها ، ولكن بصورة غير مباشرة وتحت ستار الوعظ . لذا كان منهج صاحب القصص أن يجذب إليه عقول السامعين بالأساطير والحكايات ، وكلما توغل في الكذب ازدادت جماهيريته وازداد تأثيره. و كان العصر الأموى عصر الروايات الشفهية التى تم تدوينها فيما بعد فى العصر العباسى منسوبة للنبى بعد ان دخل فيها الكثير من التحريف والتخريف . دونها وسجّلها كثيرون ، أبرزهم "ابن برزدويه " صاحب الانتماء المزدكى والأصل المجوسى ، وهو المشهور بيننا بلقب ( البخارى) المتوفى سنة 256.
9 ـ وكانت خرافات الترهيب وعذاب القبر المادة المفضلة للقُصّاص فى العصر الأموى، ثم جاء الفقيه " الأوزاعى " الذي عاصر الخلافتين الأموية والعباسبة وخدمهما معاً ، وكان من أشهر القصاص في الدولتين ، وهو الذي اخترع حد الردة ، وهذا الأوزاعى هو أيضاً المصدر الأساس لخرافات عذاب القبر ، وتحولت معظم أقاصيصه إلى روايات وأحاديث ، إنتشرت وتمتعت بالتصديق لأن لها جذوراً فرعونية في عقول الناس من آلاف السنين.
10 ـ ان بعض أنواع الماعز تعتقد أن الشيطان قد قدم استقالته بعد ظهور الاسلام وبعد موت خاتم الأنبياء ، وأن اهل البلاد المفتوحة قد دخلوا فى الاسلام أفواجا ، ودفعة واحدة وبايمان عميق لا مجال للشك فيه ، وأنه حتى الآن فايمان أحفادهم المسلمين اليوم هوالتطبيق الحرفى المخلص للاسلام الذى كان عليه خاتم النبيين عليهم جميعا السلام. ولذلك تستهجن تلك الماعز أى دعوة لاصلاح المسلمين ، وتهاجم كل من حاول الاصلاح . يعتقدون أنّ
الذين يجب اصلاحهم ودعوتهم للهداية هم الذين لم تبلغهم الدعوة ، فى مجاهل أفريقيا وأحراش الغابات الاستوائية والصحارى القطبية .
وهناك أنواع أخرى من الذئاب ترى أن الهدف الأسمى هو أن يخضع المسلمون لحكمهم طوعا او كرها لإقامة دولة الخلافة التى تعيد مجد السلف وتواصل الجهاد ضد دار الحرب الصليبية الى قيام الساعة.
10 ـ هذه الماعز وتلك الذئاب تحتاج الى تغييب عقول الناس كى تسرق منهم الوعى والعقل ، وبعدها يصبح سهلا امتطاء الضحايا ـ أو المطايا لا فارق هنالك ـ . ولكى تسرق منهم الوعى والعقل لا بد أن ترهبهم باحاديث عذاب القبر ، وينسبون كل خرافاته للنبى حتى يقطعوا الطريق مقدما على كل من يفكر فى النقاش ، اذ يكون التحذير جاهزا أنه" لا اجتهاد مع وجود النص" ، فاذا أصرّ جاء الارهاب الفكرى يتهم المسكين بأنه ينكر السنة . بذلك الارهاب المسبق تخضع الجباه لشيوخ الثعبان الأقرع ، وارهابهم الفكرى الذى يتمسّح بالاسلام زورا وبهتانا . وهم مستمرون فى عملهم ، يروعون الناس ويرهبونهم بتلك الخرافات المفزعة. والمحصلة النهائية لتلك الحملات الارهابية الفكرية أن السامعين الذين استمعوا اليها وآمنوا بها ، يشعرون شعورا خاصا نحو ذلك الذى أدخل تلك المعتقدات فى قلوبهم، يشعرون نحوه بالرهبة والاحترام الزائد ، فاذا خاض بهم فى موضوع دينى آخر ـ مثل تغيير المنكر بالقوة ـ أطاعوه، ثم اذا انتقل بهم بعدها الى أن الدولة القائمة هى منكر يجب ازالته كان حتما طاعته، و الا فالثعبان الأقرع ينتظر فى القبر فاغرا فاه من يعترض على الداعية .
11 ـ من هنا نفهم سبب التركيز فى كتابات السلفيين فى التسعينيات على عذاب القبر دون التركيز على النصف الآخر من الأكذوبة وهو " نعيم القبر"، لأن الهدف هو الأرهاب الفكرى المعنوى والذى يتفوق فى خطورته على الأرهاب المادى الدموى. فالمعنوي يقتل العقل والكرامة الانسانية واحترام الانسان لذاته. هذا الانسان الذى جعله الله تعالى خليفة فى الأرض وسخر له ما فى الكون. وبهذا الارهاب الفكرى اغتالوا جيلا من المساكين اضاعوا عليهم الدنيا والاخرة معا. وسعد بهم الشيطان الذى أوهمهم انه استقال وترك لهم البلاد والعباد باحثا عن عقد عمل مع ثعبان أقرع آخر فى المريخ..
12 ـ من هنا أيضا نفهم ثورة الماعز والذئاب على شخصى الضعيف حين فنّدت أكذوبة عذاب القبر عام 1993 . وأتذكر صديقا لى علمانيا تقابلنا ضمن مجموعة من المثقفين ، أعطيته الكتاب ( عذاب القبر والثعبان الأقرع ) فقرأه دفعة واحدة فى نفس الجلسة ، كان يقرؤه بتركيز ، غائبا عمّا يجرى بيننا من نقاش . وبعد فراغه من قراءته استراح واقتنع به ، وصارحنى ان عذاب القبر كان دائما يخيفه ويؤرق مضجعه ، وكان سلاحا مؤثرا فى أيدى السلفيين . فاذا كان هذا حاله ، فكيف بالبسطاء من الناس ؟ وكيف بالشباب المتلهف للجديد و التجديد ، فاذا بهم قد أعدوا له ثعبانهم الأقرع يقف على أعتاب مستقبلهم الواعد ويحوله الى ماضى غامض.
ثانيا : ونعود الى حوار صحيفة ( الميدان ) .
1 ـ أنكرت فى كتابك عذاب القبر ، لكن هناك أحاديث للرسول (ص) في عذاب القبر ونعيمه . فماذا عنها ؟
- الدكتور صبحى : من يؤمن بهذه الأحاديث فإنه يكفر بالقرآن .. لأنه يستحيل أن تؤمن بالقرآن وتؤمن أيضاً بما يخالفه.
2 ـ ما أدلتك على أن هذه الأحاديث تناقض القرآن ؟
- الدكتور صبحى : لأن القرآن يؤكد في أكثر من عشرين آية قرآنية أن النبي (ص) لا يعلم الغيب وليس له أن يتحدث فيه ، ولا يدرى ما سيحدث في المستقبل في الدنيا أو عند الموت أو بعده أو في الآخرة ، ويكفى في ذلك الآية التاسعة من سورة الأحقاف " قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) " وكذلك الآية 50 من سورة الأنعام " قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) " والآية 188 من سورة الأعراف " قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) " . وطالما يؤكد القرآن الكريم أن النبي (ص) لا يعلم الغيب فان المؤمن بدين بالإسلام إذا جاءه حديث كاذب ينسب للنبي الكلام في الغيبيات فان واجبه يحتم عليه تبرئة النبي (ص) منه . وأحاديث عذاب القبر والشفاعة وأحوال الآخرة كلها ضمن تلك الخرافات المخالفة للقرآن والتي يجب أن نبرئ منها الرسول (ص).
3 ـ لكن هناك آيات يستشهد بها بالقرآن عن عذاب فرعون " النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب " ؟
- الدكتور صبحى : لا شأن للآية الكريمة بعذاب القبر ، فالقرآن هنا يتحدث عن البرزخ وليس عن القبر , والآية القرآنية تشير إلى عذاب فرعون في البرزخ إلى قيام الساعة، ولنا أن نتخيله فى البرزخ وهو يعانى فيه العذاب بينما يرى ما انعم الله تعالى به على المستضعفين من بنى إسرائيل بعد غرقه ، وهكذا معنى قوله تعالى في قصة موسى وفرعون " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ) القصص .) فقد كان فرعون في طغيانه يضطهد بنى إسرائيل خشية منهم ، وحدث ما كان يحذر منه وتم تمكين الله تعالى لبنى إسرائيل بعد غرق فرعون ، مصداقاً لقوله تعالى " فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف ) فالتدمير لما كان يصنع فرعون والتمكين لبنى إسرائيل حدث بعد غرق فرعون . إذن فكيف يرى فرعون ذلك بعد غرقه ..؟ لأن فرعون وآله كانوا ـ ولا يزالون ـ في البرزخ يعيشون في عذاب إلى أن تقوم الساعة . يرون وهم تحت العذاب فى البرزخ ما حدث بعد موتهم ، لأنهم أحياء تحت العذاب فى هذا البرزخ ، ثم سيأتي أشد العذاب يوم القيامة بعد سوء العذاب فى البرزخ ، مصداقاً لقوله تعالى عنهم : " وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر ) .
عفوا : ما هو هذا البرزخ ؟
الدكتور صبحى : البرزخ هو المستوى الذى توجد فيه الأنفس قبل أن تدخل فى أجسادها ، أى توجد فيه أنفس أحفادنا الذين لم نرهم بعد ولم يولدوا بعد ، وتوجد فيه أيضا أنفس من مات من أسلافنا . كلهم موتى فى البرزخ لا يشعرون بشىء ، والبرزخ مستوى من الوجود لا زمن فيه ، والأنفس التى فيه ميتة لا تُحسُّ بالزمن ، وكل نفس تأخذ دورها ، تأتى من برزخها الى هذه الدنيا لترتدى جسدها حين ينتفض الجنين فى بطن أمه ، بما يعنى أنه صار إنسانا ، ثم يخرج وليدا ، ويعيش بنفسه وجسده فى هذا العالم ،ليأخذ إختباره فى الدنيا ثم يموت ، تقبض ملائكة الموت نفسه ، ويفنى جسده البشرى الترابى ، وتعود نفسه الى البرزخ ، ومعا عملها ، وتبقى فى البرزخ ميتة مع الأنفس الأخرى التى ماتت من قبل الى قيام الساعة . وبعد أن تأخذ كل الأنفس البشرية التى فى البرزخ حظها ، بأن تلبس جسدها وتدخل إختبار الحياة ، يتم تدمير هذا العالم الدنيوى ، وتأتى الآخرة ، ويتم البعث ، وعند البعث تشعر أنفس المجرمين أنهم ناموا فقط ساعة من الزمان (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم ) ، أى أنهم يشغرون عند البعث أنهم مكثوا فى البرزخ ساعة أو يوما أو بعض يوم : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)) النازعات )، فمهما كان وقت الموت ، من آدم الى آخر جيل من البشر فإن الاحساس عند البعث أننا مُتنا من ساعة أو من يوم أو بعض يوم لأن المستوى البرزخى للجميع ليس فيه زمن ، فالزمن مرتبط بالجسد المادى وليس بالنفس فى برزخها ، الذى لا تُحسُّ فيه بالزمن ، سواء كانت قبل أن تأتى للحياة الدنيا ، أو بعد موتها ورجوعها للبرزخ .
الاستثناء الوحيد لإثنين : نعيم البرزخ لمن يُقتل فى سبيل الله جل وعلا ، ولهذا نهانا رب العزة عن القول بأنهم موتى ، بل هم أحياء فى البرزخ عند ربهم يتمتعون بالرزق ،ولا نشعر بهم فى مستوانا المادى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) ) البقرة ) بل هم فى مستواهم البرزخى يشعرون بنا وبأحبائهم ورفاقهم الذين لا يزالون أحياءا ، يقول جل وعلا : ( ) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ) ( آل عمران ) . وهناك إستثناء آخر هو فرعون وقومه . وقوم نوح . إن الله جل وعلا قد اخبرنا أن فرعون موسى الغريق لم يتم دفنه فى قبره بل أنجى الله جسده ليكون عبرة لمن خلفه ممّن عاشوا بعده : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ) وبالتالى لا شأن لفرعون وقومه بأسطورة عذاب القبر ، فليس هنا قبر ، إذ غرقوا جميعا فى البحر . ولكنهم وهم أحياء بأنفسهم يتم تعذيب أنفسهم فى البرزخ ، وهم يُحسّون بما حدث بعد غرقهم ، حيث أنجى الله جل وعلا بنى اسرائيل ، وجعلهم يرثون مُلك فرعون وقومه .: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) الشعراء ). لقد إستحق فرعون هذا العذاب البرزخى بسبب تماديه فى الطغيان والضلال ، ولأنه عاند واستكبر وقضى آخر حياته يطارد إثنين من الأنبياء وقومهم الذين فروا من طغيانه ، وهو يريد أن يظلوا تحت تعذيبه وقهره ، لذا جعل الله جل وعلا فرعون وقومه أئمة لكل الكفرة والطغاة من بعده : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ (41) القصص )، وقال عن قريش وغيرهم إنهم إتبعوا ( دأب ) أو سُنّة فرعون : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران ) ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52 ) ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال ) .
نفس الحال مع قوم نوح ، كانوا أول جيل من البشر شهد رسالة سماوية ، فكذبوا برسالة نبيهم ( نوح ) الذى ظل يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وفى النهاية دعا ربه أن يهلكهم لأنه لا أمل فيهم : (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) ) نوح ). فأمره الله جل وعلا أن يصنع سفينة ، فكانوا يتندرون عليه ، ولأنه عليه السلام يعرف قدوم الطوفان ، ويعرف أنهم سيهلكون بالطوفان ، ويعرف أنهم سيتلقون عذابا فى البرزخ ، يكونون فيه أحياء ، وعندها سيعرفون لماذا يصنع السفينة . (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) ( هود ) . ويقول جل وعلا عن عذاب قوم نوح البرزخى : () مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25) ) ( نوح )، أى بمجرد غرقهم دخلوا نار البرزخ ، وفيه تحقق لهم ما قاله لهم نوح مسبقا عن عذاب البرزخ : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) ( هود ) . أى إن عذاب البرزخ لفرعون وقومه وقوم نوح قائم ومستمر الى قيام الساعة ، وكذلك نعيم البرزخ لكل من يُقتل فى سبيل الله ، وأن هذا العذاب البرزخى وذلك النعيم البرزخى إستثناء من حالة البرزخ التى تكون فيها بقية الأنفس البشرية موتى لا تُحسُّ بشىء الى أن تستيقظ أن تُبعث يوم البعث ، وأنه عذاب البرزخ ونعيمه لا صلة لهما على الاطلاق بأسطورة عذاب القبر . يكفى أن المجرمين أصحاب النار سيقسمون عند البعث أنهم لبثوا ساعة ، ولو كان لهؤلاء المجرمين عذاب قبر لأحسوا به طيلة قرون . ولكنهم ماتوا بلا إحساس وبلا عذاب الى أن جاءهم البعث فاستيقظوا كما لو كانوا نياما من ساعة .!
ماذا تقول عن حساب الملكيين .. هل ستنفيهما أيضاً ؟
دكتور صبحى : إذا لم يكن هناك عذاب أو نعيم في القبر فلماذا يكون في الأصل حساب أو استجواب في القبر؟.
وإذا كان الحساب سيأتي يوم القيامة أمام الله تعالى يوم الحساب حيث البعث والحشر والعرض واللقاء والميزان فان هول ذلك اليوم وتفصيلاته التي تكررت في القرآن الكريم يجعل من العبث التفكير في حساب سابق له .. فكيف إذا كان ذلك الحساب المزعوم في القبر أسطورة فرعونية في الأصل ترددت في كتاب الموتى واحتفلت بها دراسات علم المصريات التي تتخصّص في بحث تاريخ مصر القديمة. ومن يرد المزيد فليقرأ كتاب " أرمان " عن ديانة مصر القديمة .. فسيرى إننا نكرر ما قاله الأجداد وننسبه للنبى العظيم افتراء وكذباً.
ولكن القرآن ذكر أيضا نعيم الشهداء بعد الموت . نريد المزيد من التركيز على هذه النقطة .
دكتور صبحى : هنا أدعو الشيوخ الى قراءة ما ذكرته فى كتابى . بايجاز أقول : ـ عند الموت والاحتضار تبشر الملائكة الفائز ، بينما يصرخ الخاسرـ بعد أن يرى الملائكة تبشره بالنارـ يطلب فرصة أخرى ليرجع للدنيا ليعمل صالحا، ويأتيه الرد بالنفى حيث ينتظره البرزخ الذى جئنا منه الى هذه الدنيا ، ثم بعد الموت نعود الي البرزخ ونظل فيه الى قيام الساعة ." حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ".)( المؤمنون ) .
البرزخ منطقة انعدام للزمن , ندخل فيه مؤقتا عند النوم والغيبوبة القصيرة أو الطويلة أثناء هذه الحياة ، وحين نرجع منه ونستيقظ نقول انه يوم أو بعض يوم . حتى لو كان النائمون هم أهل الكهف " ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )(الكهف 19") مع انهم ناموا 309 عاما : ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) ( الكهف ) أو ذلك الذى أماته الله تعالى مائة عام ثم بعثه : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ )(259)"البقرة ) برزخ النوم الذى تدخل فيه أنفسنا مؤقتا بالنوم هو نفسه البرزخ الذى تدخل فيه أنفسنا أخيرا بالموت والوفاة ، بعد الموت نبقى فيه بلا احساس بالزمن الى أن تقوم الساعة.عندها سيقسم المجرمون أنهم لبثوا إلا ساعة:(الروم 55 ـ 56 ). ونكرر : لو كان هناك عذاب فى القبر لأولئك المجرمين لأحسوا بالزمن ثقيلا وبطيئا بما يعادل ملايين السنين ، و لكن البرزخ مر عليهم وعلى غيرهم مثل نوم أحدنا فى هذه الدنيا. هذه هى القاعدة ، ولكن لها فى القرآن الكريم استثناءات محددة ، هى تعذيب فرعون وآله فى البرزخ ، وتعذيب كفرة قوم نوح ، ونعيم اولئك الذين قتلوا فى سبيل الله تعالى.
التفاصيل كاملة فى كتابى سالف الذكر عن تلك الاستثناءات ، ولكن المهم أن ذلك لا علاقة له أبدا بعذاب القبر أو بنعيمه لأنه يحدث فى البرزخ وليس فى القبر، بل ان فرعون مات غريقا بلا قبر وذكر الله تعالى كيف نجاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية. (يونس 92") . اذن فالتعذيب الذى يلقاه الآن متعلق بنفسه وليس جسده . ولا تقل "روحه" لأن الروح فى لغة القرآن ومصطلحاته هو جبريل ، وتلك قصة أخرى. ونفس الحال مع الذين قتلوا فى سبيل الله تعالى. ـ اللهم اجعلنى منهم ـ ، حيث ذكر الله تعالى نعيمهم عند ربهم يرزقون , وليس فى القبور . وأيضا لا تقل هنا (الشهداء ) ولكن قل " الذين قتلوا فى سبيل الله" لأن مصطلح الشهداء فى لغة القرآن هو عن الدعاة للحق المناضلين فى سبيله والذين سيأتون يوم القيامة ليشهدوا شهادة خصومة على أقوامهم ـ اللهم اجعلنى منهم ـ ولتراجع القرآن لتتأكد من هذا.
لم يجد شيوخ الأزهر وقتها ما يردون به على كتابى فاضطرتهم الحاجة الغلّابة الى اللجوء الى تقرير منحط وضعته اللجنة المكلفة بتبريرعزلى من الجامعة الأزهرية سنة 1987 .ونشروا فقرات من هذا التقرير فى منتصف التسعينيات , تتهمنى ـ اثما وعدوانا وبهتانا ـ بأننى أنكر أن يكون محمد خاتم النبيين. ونسوا أن مثلى لا يخشى أحدا من الناس ولا يتردد فى اعلان ما يؤمن به ، وتاريخى معهم خير شاهد على ذلك حيث لم أخش تحطيم كل أصنامهم الفكرية وابقارهم المقدسة وتابوهاتهم المحرمة . بل كنت أتحداهم، وأنا فى الجامعة الأزهرية ، فأقرره على الطلبة فى الجامعة , ويعلم الله ـ وكفى به عليما ـ أنه لو شككت لحظة فى كون محمد عليه السلام خاتم النبيين لأعلنت ذلك دون أدنى تردد. ولكن كيف يقول ذلك من وهب حياته دفاعا عن كتاب الله تعالى وتبرئة لخاتم النبيين مما افتراه عليه اعداؤه من أحاديث كاذبة بعد موته بقرون.
سؤال أخير : لماذا فصلت من الأزهر ؟ هل لإنكارك السنة ؟ وما قولك في الإتهامات التي وجهها إليك تقرير اللجنة الثلاثية سنة 1987من أنك تدافع عن مسيلمة الكذاب، وقولك " انتهى الوحي نزولاً ثم مات الرسول الخاتم ونحن لا نعرف إلى أي حد طبق الرسول الخاتم أوامر ربه ولا نعرف إلى أي حد تحددت درجته بين الأنبياء," وقولك :" أما آن لنا أن ندع عبارات تعارفنا عليها ما انزل الله بها من سلطان ، مثل قولنا عن رسولنا : أشرف المرسلين ، سيد المرسلين ..؟
الدكتور صبحى : هذه مجموعة أسئلة وليست سؤالاً واحداً ، لكن سأجيب عليها بالوثائق وباختصار ..
أولاً : الاجتهاد الذي قمت به أثناء عملي في جامعة الأزهر مدرساً مساعدا ( ً1975 ـ 1980 ) لا يختلف عن الآراء السابقة في هذا الحوار الصحفى . وهذا الاجتهاد جاء تطبيقاً لقانون الأزهر نفسه الذي يوجب على عضو هيئة التدريس الاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام ، وهذا الاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام يعنى الإتيان بالجديد معززاً بالدليل ومخالفاً للمألوف وما وجدنا عليه آباءنا ، ولكن كوفئت على هذا الاجتهاد غير المسبوق بالتعطيل فى مناقشة رسالة الدكتوارة لمدة ثلاث سنوات ( 1977 : 1980 )، إلى أن قمت بحذف ثلثى الرسالة ، وحصلت على الدكتوراة سنة 1980 بعد أن أكدت تناقض التصوف مع دين الاسلام . وبعدها كان لزاما على أن أبحث التراث السنى ـ الذى كنت أنتمى اليه وقتها ـ محاولا اصلاحه من داخله . وفى عام 1985 ، أصدرت خمسة كتب دفعة واحدة قررتها على طلابى فى جامعة الأزهر. وكنت اعدها أيضا للحصول على الترقية لدرجة أستاذ مساعد ، وكانت العادة أن كتابا واحدا يكفى للترقية التى كان موعدها عام 1985. وكانت المكافأة الكبرى هى وقفي عن العمل وإحالتي للتحقيق ومنعي من الترقية والسفر ، وبعد التحقيق جاءت التوصية بإحالتي لمجلس التأديب متهماً ـ ليس بإنكار السنة ـ ولكن بإنكار الشفاعة العظمى والعصمة المطلقة للنبي وإنكار تفضيله على الأنبياء السابقين ، وكان واضحاً أنهم الخصوم والقضاة في نفس الوقت ، يملكون الجاه ولا يملكون الحجة والبرهان ، ومن هنا استخدموا كل ما يستطيعون للضغط على لأتراجع عن آرائي بالتهديد والوعيد .. ورفضت ، وجبُنوا عن إصدار قرار بالإدانة ، واختاروا أسلوباً أشد مكراً ، فالقانون يقول ( المُحال إلى التأديب إذا مر عليه عام بدون إدانة فان الاتهام يسقط ) ولذلك فانهم قبل أن ينتهي العام أعادوا نفس الاتهام ، لكي أظل محروماً من العمل ومن مستحقاتى المالية ومن الترقية ومن السفر إلى أن استجيب وأوافقهم .. وكان من الممكن أن أوافقهم خصوصاً وهم يملكون المنح والمنع ، وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ، ولكن قدمت استقالتي المسببة ، فرفضوا قبولها وفزعوا منها ، فرفعت ضدهم دعوى في مجلس الدولة ، لإلزامهم بقبول الاستقالة ، واعتبرت نفسي مستقيلاً من هذه الجامعة إحتقارا للقائمين عليها . وجاءهم الإنذار من مجلس الدولة ، فاضطروا لإرسال خطاب لي يفيد بأن الإستقالة التي قدمتها سيناقشها مجلس الجامعة ، وحين أوشك مجلس الدولة على إصدار حكم في قضيتي أصدروا قرار بالعزل لمن قدم استقالة من قبل ترفعا بنفسه وعلمه من ان يكون فى موضع يتحكم فيه أعداؤه الذين هم أقل منه علما وخُلقا.
إن قرارهم المزعوم بالعزل جاء ـ وقتها ـ مدعماً بذلك التقريرالذى ينضح حقداً على باحث شاب يحترم نفسه ودينه وعقله ، لذلك تناثرت في هذا التقرير إتهامات أخرى لم تأت أصلاً في قرار الإتهام ، وحفل ذلك التقرير باصطياد أخطاء مفتعلة الهدف منها التكفير ، ومنها على سبيل المثال إنني في كتابي " العالم الإسلامي بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسيين " كتبت أرصد الفجوة بين عقائد المسلمين في عصر الخلفاء الراشدين وبين عقائد المسلمين في العصر المملوكى حين سيطر عليها التصوف ، فعرضت مقارنة بين مسيلمة الكذاب الذي جعلوه كاذباً لمجرد إدعائه النبوة مع إيمانه بخاتم النبيين، وبين الشيخ إبراهيم الدسوقى في العصر المملوكى الذي ادعى الألوهية في كتابة المشهور ( الجوهرة ) وهو كتاب منشور ومطبوع ويباع على أسوار الأزهر ، وقارنت ساخراً بين{ الشيخ مسيلمة الكذاب} و{الشيخ إبراهيم الدسوقى} الذي ادعى الألوهية وحظي بالتقديس ولا يزال مقدساً لدى الأزهريين حتى اليوم مع ادعائه الألوهية. هذا ما فعلته في رصد الفجوة التاريخية في ذلك الكتاب بين تدين المسلمين في عصر الخلفاء الراشدين وتدينهم في عصور التصوف والخرافة، معززا بالأدلة . فماذا فعلت اللجنة الموقرة التى كانت الخصم والحكم.؟ استخلصوا مما كتبته إنني أدافع عن مسيلمة الكذاب وألمحوا إلى إنني أسانده في ادعائه للنبوة لأني أقول عليه الشيخ مسيلمة ، وأسسوا على ذلك اتهاما آخر بأننى أنكر أن يكون محمد خاتم الأنبياء ، وتناسوا تماماً قصة إبراهيم الدسوقى والهدف منها .. ثم ناقضوا أنفسهم في نفس التقرير حين استشهدوا بنص أصف فيه النبى (ص) بأنه " الرسول الخاتم " أي خاتم الأنبياء المرسلين ، وهذا هو الوصف الذي التزمت به في كتاب " الأنبياء في القرآن " ، ومع ذلك يجرأون على اتهامي بإنكار أن يكون محمد عليه السلام خاتم النبيين. وبنفس الطريقة اقتطعوا من السياق عبارة لى فى كتاب ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) فى موضوع أرفض فيه برؤية قرآنية تفضيلهم للنبى الخاتم عمّن سبقه من الأ نبياء . قلت : " ثم انتهى الوحي نزولاً ، ثم مات النبي الرسول الخاتم ، ونحن لا نعرف إلى أي حد طبق الرسول الخاتم أوامر ربه ، ولا نعرف إلى أي حد تحددت درجته بين الأنبياء" .. وبعدها عبارة أغفلوها تتحدث عن النبي الخاتم ، قلت فيها : { قد يكون قد سبقه فى الفضل آخرون من الأنبياء، وقد يكون قد تفوّق على آخرين من الأنبياء السابقين . علم ذلك عند الله تعالى وحده , وليس لنا أن نحكم فيه ، فنحن أقل شأنا من الأنبياء المكرمين ، ولا يجوز لنا أن نحكم ـ غيبا ـ عن الأفضل من بينهم ، فذلك لله تعالى وحده . وعلينا أن نؤمن بهم جميعا دون أن نفرق بين أحد منهم ، كما تكررت لنا الأوامر مرتين فى ىسورة البقرة ومرة فى سورتى آل عمران والنساء.}. أغفلوا ذلك كله ثم بعدها جاءوا بعبارة {" أما آن لنا أن ندع عبارات تعارفنا عليها ما انزل الله بها من سلطان مثل قولنا عن رسولنا : أشرف المرسلين ، سيد المرسلين }" وأغفلوا العبارة التي بعدها التي تؤكد أن كل الأنبياء أشرف البشر، وأنهم جميعاً عباد الله المصطفون ، وأنّه لا سيد لهم إلا الله تعالى. تركوا ذلك كله واتهموني بإنكار أفضلية النبي ، مع إنني توقفت في الحكم فيها ، ولم أقل بها ولم أدع إليها ولم أنكرها ، وإنما قلت أن الذي يفاضل بين الأنبياء إنما يجعل نفسه حكماً عليهم ، ويضع نفسه فوقهم جميعاً ، وتلك منزلة المولى سبحانه وتعالى وحده . وكل ما استفادوه من تلك العبارة هى إتهامهم لي بأنني أشكك في تبليغ النبي للرسالة، مع أن العبارة تقول " ثم انتهى الوحي نزولاً ، ثم مات النبي الرسول الخاتم " . وكتاب الأنبياء لا يخلو سطر فيه من آية قرآنية أو تعليق عليها ، وتمسكى بالقرآن والأحتجاج به أكبر دليل على ايمانى بأن خاتم النبيين قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ولكن يكفى اننى كنت أقول " قال الله تعالى " وهم يردون على ب : قال " النووي " وقال فلان .. وفى النهاية أقول لهم ودائماً : " اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود ) .
لكن بماذا تفسر كل هذا الهجوم عليك بالذات من الشيوخ مع أن أدلتك من القرآن ودفاعك عن الاسلام ، و هناك آخرون من العلمانيين يهاجمونك أيضا قائلين أنك من نفس فصيلة الشيوخ . أن الفريقين قد اتفقا على شىء وحيد هو الهجوم عليك . بماذا تفسر هذا الموقف الغريب ؟
دكتور صبحى : أولا: انا أعتز بصداقتى لأخوانى المثقفين العلمانيين ، واحترم حق الجميع فى حرية الفكر والاعتقاد ، لأن حرية الفكر والعقيدة فى الاسلام بلا حدود ولا قيود ، وكل انسان مسئول عن اختياره الدينى والعقيدى امام الله تعالى فقط يوم القيامة.
ثانيا: اشهد بأن حقائق الاسلام ـ المنسية والمغيبة عمدا والتى أجاهد فى سبيل اظهارها ـ هى نفسها القيم الانسانية العليا من الحرية والعدل والتسامح والسلام والرحمة وحقوق الانسان ، وهى أيضا نفس القيم العليا للعلمانية الشريفة . هما معا ـ الاسلام الحق والعلمانية الفاضلة ـ ضد الكهنوت الدينى والسياسى و الطغيان والظلم والاستبداد والاضطهاد الدينى والعنصرى والاستعلاء والاستغلال. لذلك فنحن فى نفس المعسكر نواجه نفس العدو فى حرب سلمية فكرية عقلية. قد تختلف أنواع الذخيرة ،فذخيرتى أو أدلتى من القرآن والثراث وهم لهم أدلتهم الأخرى ، وهذا وارد بل مطلوب . ولكن بعض العلمانيين المتطرفين لا يرى ذلك كُرها فى الاسلام ذاته . وهذا اختيارهم ، ونحن نحترم حق الجميع فيما يختارونه لأنفسهم ومستقبلهم يوم القيامة . يسرى ذلك على كل انسان طالما لا يُرغم الآخرين فى الدين والفكر والمعتقد.
ثالثا " اننى افخر بصداقتى لرواد العلمانية المناضلين فى سبيل الحرية وحقوق الانسان ، وأعتبر عملى معهم جهادا فى سبيل الله تعالى ، انه الفريضة الغائبة حقا ، ذلك الجهاد السلمى الذى ينشد الاصلاح على طريق الانبياء والمرسلين وضد الحكام الطغاة و سفاكى الدماء البريئة ومحترفى التجارة بالدين والدجالين من شيوخ الثعبان الاقرع .
رابعا " خصومتى مع شيوخ الثعبان الأقرع ليست خصومة شخصية ، وانما هو الصراع بين تيارين مختلفين فى الدين والفكر. الاختلاف الفكرى بيننا هو استمرار للصراع بين المجددين والمقلدين ، وهو صراع ممتد فى تاريخ الحركة الفكرية للمسلمين ، بدأ فى مطلعها بين مدرسة الرأى التى أسسها أبو حنيفة ومدرسة الحديث التى أسسها مالك، ولم تنته بالصراع حول تحديث الآزهر الذى قاده محمد عبده ووقف ضده الشيخ عليش وامثاله فى أوائل القرن الماضى. اذن الصراع الفكرى موجود بل ومطلوب. بيد ان المشكلة أن هذا الصراع يثمروينتج ايجابيا حين يكون المناخ صحيا والمستوى الفكرى مزدهرا كما كان الحال عليه فى عصر الازدهار الفكرى للعصر العباسى الأول . عندها ينحصر الخلاف فى الرأى فقط دون المساس بالاشخاص المختلفين ، أى بدون تكفير أو تحقير أو تخوين . عندها تتردد عبارات ذهبية من نوعية " كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب". و" من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر " " كل بنى آدم خطاءون ، وخير الخطائين التوابون" " كل منا يؤخذ منه ويرد عليه"...ويسوء الخلاف الفكرى ويتحول الى تكفير وتخوين وتجريح للمخالف فى الرأى واضطهاد له ودعوة الى قتله وملاحقته حين يتسيد الحركة الفكرية والدينية الشيوخ الراقصون فى مواكب السلطان الخادمون للأمراء والحكام ، المتلاعبون بعقول العوام ، او باختصار " شيوخ الثعبان الأقرع ". ليس لديهم العلم ولا الخلق ولا الحجة ولا البرهان. وحتى لو أرادوا فليس لديهم الوقت ، اذ وهبوا وقتهم للنفاق والمواكب وأكل أموال الناس بالباطل والضحك على الذقون. وحتى اذا تفرغ أحدهم للبحث فليس لديه موهبة البحث وملكة الابداع التى تولد منذ الصغر وتدفع صاحبها من بداية حياته للتفرغ والاستغراق فى مجال بحثه ينام به ويصحو عليه ، ويعطيه التفرغ للبحث والدرس والقراءة والتفكر اعتدادا بالنفس لا يمكن معه أن يحنى رأسه لحاكم نصّاب أو قصّاب. ولأن شيوخ الثعبان الأقرع ليس من مناقبهم المباركة الاجتهاد فى أمور الدين والتدين بما ينفع الناس فالحل المتاح لديهم هو الأخذ عن فتاوى السابقين وفرضها على عصرنا . واذا كان مستحيلا بعث الائمة الموتى من القبورليعيشوا عصرنا فانه ليس صعبا ان يرجعوا بنا وبعصرنا ـ عصر التقدم العلمى المذهل ـ الى عصور القرون الوسطى المظلم منها أوالمضىء حسب التساهيل .
فماذا اذا رفض الناس العودة للماضى وتمسكوا بحقهم فى أن يعيشوا عصرهم بفكر اسلامى جديد قائلين ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان ؟ الجواب عند شيوخ الثعبان الأقرع : نقدم لهم الماضى فى صورة وردية فقط ومحصنة باحاديث نبوية ، من انكرها او ناقشها كان كافرا.
فماذا اذا أصر بعض الناس على النقاش واكثروا من السؤال واقلقوا منا راحة البال ؟ الجواب عند شيوخ الثعبان الأقرع : نسلط عليهم عذاب القبر ونطلق عليهم الثعبان الأقرع .
فماذا اذا خرج علينا ذلك الأزهرى المتمرد وكشف لعبة الثعبان الأقرع ؟ الجواب عند شيوخ الثعبان الأقرع : الاتهام بإنكار السنة ، وتحريض أمن الدولة . )
أخيرا :
فكيف نعرف الحقيقة : الجواب من أحمد صبحى منصور : اذا أردت الجواب فاقرأ هذا الموضوع من أوله ..
من جملة ما أعجبني بمقال الأستاذ المحترم الفقرة التالية ، التي أعتبرها ملخصة ولا تحتاج إلى مزيد ةم تعليق ، وهي : ( لأن العادة أو الخرافات حين تستحكم في العقول تعطيها إجازة مفتوحة " وبدون مرتب ".
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5118 |
اجمالي القراءات | : | 56,904,325 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
تدبر آيات 32 : 34 من سورة الشورى
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
المتحولون والمتحولات: هل يجوز الزوا ج من متحول او متحول ة ، أى واحد...
قرآنيون فى استراليا: نحن قرآني ون فى استرا ليا ، ونريد تأسيس مركز...
عصيان ابليس: ابليس عصى امر الله بالسج ود فكان فتقرر مصيره...
خمسة أسئلة : السؤ ال الأول : ما رأيك فى قول عنترة بن شداد :...
more
أخي وأستاذي الحبيب الدكتور / أحمد
بعد ماقرأت بحث الإسناد من حوالي 9 سنوات بدأت شمس الحقيقة تسطع من خلف ظلمات الأباطيل والأحاديث المفبركة وكان ثاني ماقرأت من كتاباتك هو كذبة عذاب القبر والثعبان الأقرع وكان كافيا لأعلن توبتي وخروجي من الدين الأرضي إلى دين الإسلام الحقيقي الذي لا كتاب له إلا القرآن.
وللآن لا أمل من قراءة ماقلت في هذين الموضوعين.
وفقك الله جل وعلى لإظهار الحق وادام عليك الصحة والسلامة.
أمين رفعت