لا كرامة لنبي في وطنه، ولا أصدقاء للمغترب بين أصدقائه، ولا فرحة للمهاجر بين أبناء بلده في الغربة!
رغم أنك لن تسرق اللقمة من فم ابن بلدك لكنه إحساس مؤلم عندما تبتهج لخبــر سعيد فإذا ابن بلدك هو آخر من يفرح لك، وأول من تبهت ابتسامته فور تلقيه خبر فرحتك.
تخطيء إذا تصورت أنَّ ابن بلدك في غربتكما سيرقص طربا لنجاحك لأن مشاعر خفية من الصلف والتعالي والغيرة ستمتليء بها نفسه نحوك، فأنت كنت تظن أنكما تسيران جنبا إلى جنب، فإذا المفاجأة تعقد لسانك وتكتشف أنه كان سباقاً رغم أن المفترض فيه فوز الجميع!
في الغربة الضرب تحت الحزام مسموح به، بل ستدمع عيناك حزنا عندما تعرف أن الذي وشــَىَ بك في أُذُنِ صاحب العمل كان ابن بلدك، وهو الذي لن ينتخبك في النقابة، ولم يعطك صوته في إدارة المنطقة.
القبح يبدأ من الغيرة، والغيرة لا تستند على أي وقائع فنجاحك فشل له، وأصدقاؤكما من الوطن المضيف يتعجبون من بركان كراهية في غيابك، فإذا التقاك احتضنك، وعانقك، وامتدحك أمامهم بدون خجل أو مواربة.
تتشعب الغربة إلى ثلاث: عن وطنك الأم، وعن وطنك المضيف وعن أبناء بلدك في الغربة، وإذا شققت قلوب أصدقائك في الغربة وجدت اسمك في قلب واحد من كل عشرة .. فقط!
إذا افتتحت مطعما في سيدني، أو فندقا في بروكسل، أو كافتيريا في ميلانو، أو صيدلية في برلين، أو مكتب سفريات في أثينا فإن أبناء بلدك هم الزبائن الأقل من بين كل الجنسيات، ولكن مع كرمك في اعطاء أسعار خاصة ربما يزداد عدد زائريك.
المرة الوحيدة التي سيقفون معك فيها هي جنازتك، وقلة منهم من ستتأخر، فأنت موتئذٍ خارج دائرة المنافسة الوهمية.
أظن أن السبب هو أن المغتربين عرايا أمام بعضهم، وهم يعرفون أن كل واحد منهم أعاد صياغة ماضيه بطريقته الخاصة، ومن السهل تقديم ماضٍ مزيف إلى ابناء الوطن الجديد، لكن هذا لا ينطلي على أبناء بلدك، وسيكتشفون فوراً التزييف في هوية سابقة لصناعة هوية جديدة ليس فيها خدش أو بقعة أو مساحة تخجل منها.
ومع ذلك فسيظل الحزن مالكا عليك رؤيتك لأبناء بلدك، ولن تعرف قيمتك في قلوبهم، ومكانتك في نفوسهم، ومحبتك في صدورهم ما دمت في إطار صراع المغتربين، فهو الصراع الوحيد الذي يبتسم فيه غريمك وهو يصرعك، ويحتضنك وهو يطعنك، ويهنئك وهو ينعيك.
إنها الغربة الثالثة!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 31 يناير 2014
اجمالي القراءات
10011