لا خوف على الإبداع من أي نظام فالروح صعب حصارها
بمناسبة نشرة لباكورة أعماله رواية الكفار كان لخبر المصرية هذا الحوار مع الروائي الشاب أسامة يسن.
أجرى الحوار/ ماجد صقر
في روايتك الأولى لاحظنا امتزاج التاريخ بالواقع فلماذا؟
استحضار التاريخ في الرواية كان محاولة للوصول إلى الإرث التاريخي الذي لا يزال يشكل في معظمة خصوصا أحداث الفتنة الكبرى وما تلاها… لا يزال يشكل العامل الخفي في تلافيف العقل المسلم للآن .. ويلعب الدور الأساسي في النعرات الطائفية التي على الساحة بالإضافة بالطبع إلى انه أي التراث التاريخي يشكل المكون الأساسي في رؤية المسلم المعاصر سواء وعى بذلك أو لم يعي.
لاحظنا تعدد مستويات اللغة في الرواية فهل تعمدت ذلك؟
نعم تعمدت ذلك.. وهي ملاحظة جيدة… اللغة في الراوية تعددت على حسب العصر… فحين يستحضر البطل البعد التاريخي ويعيش في أجوائه تصبح اللغة أقرب إلى لغة التاريخ.. لكن مع الحرص على عدم التقعر فيها.. وحين يتحدث عن الواقع تكون اللغة واقعيه.. مع ملاحظة أني تعمدت استصحاب لغة رجل الدين حين يتحدث رجل الدين في الرواية… عمدا…
لماذا كان الحرص على الإبقاء على بطل الرواية دون اسم؟
في بداية العمل لم يكن الأمر متعمدا .. أي لم أكن أتعمد ذلك.. لكن السياق ربما فرض علي ذلك.. فالبطل بفكره… بما يمثله من وجه نظر الرواية ككل، صاحب فكر مختلف يواجه عقلية المجتمع ووجدانه هذا المجتمع الذي يحمل موروثا يثقل كاهله… ربما يكون البطل تخفى في الرواية كما هو عمله نادرة في الواقع…
هل هو نادر إلى حد الغياب؟
بالطبع ليس لحد الغياب .. ولكن ربما لحد التغييب .. وكما تعرف أي فكر جديد يواجه بالأفكار القديمة ويحتاج إلى سنين طويلة وتغير في بنيه المجتمع ككل… لذا فمن هم على شاكلته يهمشون دائما.. أو يحتاج الأمر إلى وقت لتجد لأفكارهم صدى .. خصوصا في جو ملبد بالتخوين والتكفير والتآمر.
الرواية أفصحت عن مشروع فكري ناضج ومكتمل داخلك فهل ستدور أعمالك القادمة حول هذا المشروع أيضا ؟
شكرا على هذه المجاملة.. فأنا بعد أتلمس طريقي… وفي رأيي يجب ألا تغرق الرواية في الفكر إلا بالقدر الذي يتحمله السياق وإلا أصبحت كتابا.. وابتعدت عن روح الرواية وفنها.. ولكن أظن أن الأفكار في الرواية تسمح بمعالجتها بشكل آخر… لكن سأكون حريص في العمل القادم أن أخرج من روح هذه الرواية حتى لا يكون الأمر تكرارا ولو بمعالجه مختلفة…
هل كنت تشير إلى معنى ما بعلاقة البطل بجوليا اليهودية؟
الرواية تعالج الروح الديني بشكل خاص.. والصراع السياسي بشكل عام… واختيار الأبطال على هذا النحو سمح لي إن استعرض الأفكار دون أن تكون مفروضة على ألألسنه.. أو مصطنعه… فهم يتكلمون كباحثين.. أما إذا كنت تشير إلى العلاقة الاجتماعية فإني أفضل ألا افرض وصاية على القارئ في تأويل المعنى المقصود.. حتى لا يتأثر وهو يقرأ العمل..
هل ترى أن خاتمة الرواية جاءت متشائمة بعض الشيء حيث يصل الفكر الذي ظل البطل يحاربه طول عمره إلى منزله ؟
ربما تكون في ظاهرها كذلك.. لكن ربما تفتح أملا بأن الأمر يحتاج الى صبر ووقت أطول مما كان يعتقد البطل… خصوصا أن البطل أعلن بوضوح موقفه.. وأعلن أنه لا يزال مصرا عليه…
كيف تتوقع ردود الفعل في ظل المزاج العام السائد في مصر؟
أتمنى من الله أن تقرأ الرواية بشكل عام.. .. وبخصوص رد الفعل … بالتأكيد الرواية تطرح فكرا ربما يعارضه الكثير لكن هذا لا يقلقني ، فحين تكتب أفكارا مختلفة تجابه فكرا لتيار معين.. فأنت تعلم مسبقا أنه لن يرضى عنها.. ولكن هذا لا يمنعك من طرحها.. والفيصل في هذا هو الحجة … والبرهان والدليل.. مع التأكيد أن العمل الروائي ليس نقلا لمنهج فكري على الورق… وليس ترجمة لروح أفكار بعينها بقدر ما هو بناء متكامل من لحم ودم ورح وفكر يحمله الأبطال…
لكن في الكفار الفكر كان حاضرا بقوة؟
لا أنكر انه كان حاضرا بقوة ولكني أظن انه حضر مضفرا في سياق الأحداث وليس مصطنعا على السنة الأبطال.. وربما يكون معالجة موضوع الدين كأهم عامل في يفرض ذاته على الإنسان فرض على الرواية هذا.. والمعالجة هي الفيصل.. والقارئ هو الحكم … هل نجحت الرواية في الخروج من الغرق في الفكر أم وقعت فيه بشكل يضعفها..
قلت إن الرواية كتبت قبل الثورة لماذا لم تظهر إلى النور إلا الآن؟
الرواية كتبت بالفعل قبيل الثورة، ولكني بالطبع راجعتها بعد الثورة، والعمل بالفعل كان سيطرح من قبل لكن حدثت ظروف مع دور النشر حالت دون نشره في المرة الأولى، لكن الحمد لله ها هو يظهر للنور
كيف يتقاطع وصول تيار الإسلامي إلى الحكم في نظرك مع روايتك التي رأيناك فيها تحلل البنية العقلية للعقل الإسلامي؟
الرواية كتبت قبيل الثورة وقبل وصول التيارات الإسلامية إلى الحكم.. حتى أن فيها استفسار على لسان احد أبطال الرواية ماذا لو وصل الإخوان إلى الحكم… لكن بالتأكيد إجابتي سيدخل فيها ما آلت إليه الامور الآن… وصول التيارات الإسلامية بشكل عام للحكم هو اختبار على أرض الواقع لمدى صمود المنهج الذي يحملوه تحتى مسمى الإسلام.. والخطير في الأمر أنه إذا كان الإسلام هو الحل… فكم سيظلم الإسلام بين أيديهم
هل قرأت بشكل مبكر ميل الغرب الى استبدال الأنظمة العسكرية في المنطقة العربية بأنظمة إسلامية؟
لا أستطيع أن أقول أني استشرفت هذا الأمر على النحو الذي تم، واستبدال أنظمة على النحو الذي كان بأنظمة على النحو الحالي إسلامية لا يمكن مهما كنا نؤمن بالمؤامرة لا يمكن أن يكون قد حدث بشكل تحريك قطع الشطرنج… الذي حدث في رأيي هو امتصاص للثورة كي لا تحدث أثرها الذي كان مأمولا منها… لذا سارعت الإدارة الأمريكية باللعب على الحصان الراجح المنظم.. الذي تضمن من وجوده أمن إسرائيل أولا… وعدم خروج عناصر اللعبة من أيديها ثانيا.
هل تصمد التيارات الإسلامية في الحكم؟
هناك فرق بالتأكيد بين الأمنية والواقع.. أنا أتمنى نجاح التجربة لصالح مصر فانا لست من الذين يتمنون سقوط أحد ولو لصالح أفكاره.. إذ بنجاحهم إن كان سيحقق رخاء لبلدي فبها ونعمت.. وإن كنت أرى صعوبة او شبه استحالة حدوث هذا… مع تنويه ضروري أن الخلل الذي يعانيه هذا التيار فكريا وواقعيا لا يؤهله أن يصمد طويلا إلا بإتباع نفس سياسات القمع القديم.. لكن المصيبة الكبرى أن يكون القمع مزدوجا قمعا سلطويا ودينيا…
برأيك كيف تفرز مصر المنفتحة التي تميزت بمثقفيها هذا النظام؟
هذا النظام لم يولد فجأة بل كان هناك حيث أسس حسن البنا الإخوان
فهو إن شئت صوفيا قل: كان في مرحلة الكمون والآن إخوانيًا قل: في مرحلة التمكن…
يتوقع أغلب المثقفين قيودا على الإبداع فمن جانب النظام فهل تشاركهم نفس القلق؟
التضييق على الإبداع وارد جدا.. لكن في الأجهزة التي تملكها الدولة والتي يمكن أن تقيد
فيها الإبداع.. أي في الأدوات التي تملكها الدولة.. لكن الإشكال في رأيي أننا سنكون أمام قمع مشترك قمع بمثله النظام لحماية نفسه مادام في السلطة وقمع تمثله أفكار النظام وأفكار إتباع النظام وأنصاره إذا أخذنا في الاعتبار أن التيار السلفي يماثله في الكليات على الأقل… القمع سيكون باسم النظام وباسم الدين اي قمع مزدوج كما ذكرنا سابقا.. لكن مع كل هذا مستحيل في هذا العصر وبعد هذه الثورة العظيمة أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء…
في نفس السياق دائما ما كانت علاقة التيارات الإسلامية بالإبداع علاقة مبتورة الآن في ظل وصول هذه التيارات إلى الحكم أيهم قادر على البقاء أو سحب البساط من تحت الأخر؟
الإبداع حالة شبه غريزيه في الإنسان فروح الله في الإنسان… مهما حيل بينها وبين التعبير ظهرت في شكل آخر.. والفن جزء من هذه الروح… يسمو بالنفس.. وهو قادر على البقاء ما بقي الإنسان.. ويعبر عن ذاته ولو في نكته تقال … لذا فلا خوف على الإبداع من هذه الزاوية… وهذا لا يعني أنه سيهنأ في ظل وجود التيارات الإسلامية… بل سيواجه بقوة..
(رواية الكفار / اسامة يس / هيباتيا للنشر بمعرض الكتاب 2013 بجناح دار التنوير بقاعة ألمانيا أ)
اجمالي القراءات
8557