تقرير خاص حول مؤتمر اسطنبول للمعارضة السورية.
مرة اخرى استضافت اسطنبول مؤتمراً للمعارضة السورية, يومي 29 - 30 تشرين الأول/اكتوبر, بحضور حوالى 150 شخصية سورية تمثل اطياف المعارضة وتشكيلاتها كافة، العسكرية والشبابية والثورية والاجتماعية والامنية, فضلاً عن السياسية, وخصوصاً المجلس الوطني, حيث كان معظم أعضاء المكتب التنفيذي ورئيس المجلس عبد الباسط سيدا حاضرين. نظم المؤتمر المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن الذي يرأسه د. أسامة القاضي ويديره البروفيسور والناشط المعروف د. رضوان زيادة، بهدف وضع دراسات وأفكار وخطط عملية تنفيذية لوثيقتي العهد الوطني والمرحلة الانتقالية اللتين أقرهما المؤتمر السوري العام الذي انعقد في الجامعة العربية في القاهرة مطلع تموز/ يوليو الماضي لإدارة الدولة والمجتمع في سوريا بعد سقوط نظام الاسد وزواله.
ومعروف أن هذا الامر وما ينطوي عليه من احتمالات ومخاطر أثارت مخاوف دولية واسعة النطاق خصوصاً في حال انهارت الدولة والأجهزة الأمنية واضطرب الأمن مع انتشار السلاح والجماعات المسلحة بين الطوائف والمكونات القومية والأحزاب السياسية. واستمر العمل على مدى شهور كما هو معلوم لإعداد وثيقتي الاتفاق على مبادىء المرحلة وكيفية مواجهة التحديات والظروف التي ستنشأ عن فراغ السلطة. والمعروف أن مؤتمر القاهرة ووثيقتي المرحلة الانتقالية شكلا نجاحاً مهماً للمعارضة ومستوى ثابتاً أصبح صعباً التراجع عنه، ولا سيما ان الدول الكبرى رعت المبادىء التي تضمنتها الوثيقة.
وجاء عقد المؤتمر هذا الاسبوع في السياق نفسه ولم يكن اختيار المركز السوري للدراسات في واشنطن إلا توكيداً لاهتمام الولايات المتحدة بهذه المبادىء وما سنبني عليها من إجراءات وتدابير في المستقبل, إلى حد يقال معه أن التأخر في دعم إسقاط النظام السوري سببه التريث حتى يتفق على محددات المرحلة التالية سلفاً, وهو ما سماه الأميركيون ايضاً في وثيقة مشابهة (ذي نكست دي/ اليوم التالي).
الجديد المهم جداً في هذا المؤتمر حضور ممثلي الأجهزة الجديدة التي بدأت تظهر من رحم المجتمع السوري وتأخذ مكانها على أنقاض الأجهزة الأصلية للدولة والنظام الحالي: حضر ممثلو الجيش الحر البديل عن الجيش السوري الذي صار يسمى الجيش الاسدي, وحضر ممثلو الشرطة والأمن الذين شكلوا جهازاً بديلاً للشرطة السورية القديمة والتي انهارت تماماً في جميع المحافظات المحررة وخصوصاً حلب وادلب ودير الزور والحسكة ودرعا. وحضر ممثلو مجلس القضاء السوري الحر, ومجلس المحامين الأحرار, وممثلو المجتمع المدني, وممثلو الشباب الحر وعشرات الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية, أو التي بدأت تتشكل, أو سبق أن تشكلت وعلى رأسها لجان التنسيق والهيئة العامة للثورة ومجالس ادارة المحافظات والمناطق المحررة, وغير ذلك من حضور لم يعهد سابقاً في أي مؤتمر للمعارضة السورية. ولكن القضايا والأبحاث والاوراق التي قدمت في المؤتمر نوقشت وعولجت في اطار يغلب عليه البحث العلمي والأكاديمي بالأساس, لا في إطار سياسي.
شكل المؤتمر أربع ورشات تخصصية, الأولى تناولت الاصلاح السياسي والدستوري والتشريعي للدولة السورية برئاسة هيثم المالح, والثانية عن الاصلاح الاداري والحكومي برئاسة القاضي فاروق طه, وكان يفترض أن يرأسها رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب, بيد أنه تعذر عليه حضور المؤتمر, والورشة الثالثة عن النظام الحزبي والمشاركة الشعبية في سوريا الجديدة برئاسة المعارض جورج صبرا, وأخيراً الورشة الرابعة للإصلاح العسكري والأمني برئاسة اللواء المنشق محمد نجاح العلي الذي كان قبل انشقاقه في شهر آب/ اغسطس الماضي مديراً لأكاديمية الدفاع الوطني. وفي جميع الورشات كان النقاش عميقاً وجريئاًلم يتجنب الخوض في اي فكرة أو قضية بما في ذلك ما كان يعد من المحرمات في الماضي القريب, أو محرجاً.
المحصلة الرئيسية لعشرات المداخلات والأوراق والمعلومات التي تم طرحها وكان بعضها مفاجئاً ومثيراً الى حد بعيد, يعطي صورة ظليلية لأركان دولة جديدة تنهض من بين ركام القصف والتدمير وتومىء باتجاه مستقبل مليء بالثقة والقوة والشجاعة. وعلى سبيل المثال فجهاز القضاء الحر الجديد ينسق مع أجهزة الشرطة والامن الحرة ومع قوات الجيش الحر والادارة المحلية الجديدة, من أجل التحقيق في الجرائم التي اقترفت في عمليات الابادة ضد الشعب من أجهزة السلطة توثيقاً قانونياً وقضائياً سليماً ودقيقاً, وتقوم هذه الأجهزة بإصدار مذكرات توقيف وملاحقة قضائية بحق من ارتكبوا الجرائم. وستنشأ محاكم جديدة قريباً لمحاكمة المتهمين, وتعهد القضاة الاحرار بمحاكمة كل من ارتكب جريمة ضد اي مواطن سوري حتى ولو كان من الثوار أو الجيش الحر كتعبير عن النـزاهة القضائية أو الاهتمام بحقوق الانسان وسيادة القانون فوق الجميع كائناً من كان المتهم. وذلك رداً على وجود تجاوزات ترتكب حالياً من قبل بعض الثوار وعناصر الجيش الحر. وقال رجال القضاء والقانون الاحرار ومعهم المحامون والضابطة العدلية أنهم سيعقدون مؤتمراً قريباً لتنظيم أجهزتهم على أسس جديدة واختيار نائب عام.
وبموازاة ذلك أوضح ضباط الجيش الحر الكبار الذين شاركوا في المؤتمر أن الجيش الحر سيشهد عملية تنظيم إدارية بما فيها خلق اجهزة انضباطية, ودفع رواتب ثابتة للمقاتلين بشكل ثابت اعتباراً من الشهر الحالي, وهناك خطط لبناء أجهزة امن واستخبارات عسكرية, وما إلى ذلك من أفكار وخطط تغطي قطاعات الدولة والادارة العامة كافة. وتضع مشاريع دستور مؤقت للدولة خلال المرحلة الانتقالية ريثما ينظم مؤتمر وطني جامع في داخل سوريا بعد سقوط النظام الحالي لوضع دستور مؤقت وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف خلال فترة محددة على انتخابات عامة حرة وتنظيم الحياة السياسية والحزبية والاعلامية, تنبثق عنها حكومة منتخبة وبرلمان ذي صلاحيات تامة ثم وضع دستور دائم للبلاد. ولا بد ان يقال أن سبعين شخصية شاركت في المؤتمر جاءت من داخل سوريا وستعود اليها فور انتهاء المؤتمر وتواصل مهام عملها في كل ميادين القتال والتحرير والبناء والتطهير, وكانت كلماتهم رغم ما قدموه من صور وعروض قاسية ومؤلمة عن الأوضاع الانسانية والاجتماعية مفعمة بالآمال والثقة بالمستقبل والسعادة, نتيجة ما يحدث اليوم على أرض سوريا كلها من أقصاها إلى أقصاها من مشاريع وأعمال ثورية تتسم بالطموح والريادة والاعجاز قياساً الى ما كان عليه من بؤس وانحطاط.
|
|