ف 7 : قضية الحيض بين الاسلام والدين الٍسُّنى : الجزء الأول

آحمد صبحي منصور Ýí 2022-08-28



ف 7 : قضية الحيض بين الاسلام والدين الٍسُّنى : الجزء الأول
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 7 : قضية الحيض بين الاسلام والدين الٍسُّنى : الجزء الأول
أولا : قضية الحيض فى القرآن الكريم
المزيد مثل هذا المقال :

1 ـ فى آيتين فقط ورد التشريع الخاص بالحيض في القرآن الكريم مذكوراً فيهما كلمة الحيض ، الأولى في سورة البقرة : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة : 222") ، والواضح أنها تتحدث عن تحريم المعاشرة الجنسية وقت الحيض ، والآية الأخرى تتحدث عن عِدّة النساء بالنسبة لموضوع الحيض فتقول : ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق :4 )" ...
2 ـ ومع أنهما آيتان فقط في موضوعين مختلفين عن الحيض إلا أن المكتوب عن حيض النساء وتعلقاته بالصلاة والعبادات والأحوال الشخصية يملأ مجلدات في التراث . وفى أغلبه هجص مضحك مُقزّز وضد حكم القرآن .
3 ـ فآية المحيض في سورة البقرة نفهم منها أنهم سألوا النبي عن حكم المباشرة الجنسية عند الحيض ، ، لم يكن له أن يجيب أو أن يفتى ، فكان ينتظر حتى تأتى الإجابة وحياً قرآنياً ، ونزل الوحى هنا يؤكد ان المحيض أذى ويأمر باعتزال النساء جنسياً في المحيض ، وينهى عن الاقتراب جنسيا منهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فالمباشرة الجنسية مباحة.
4 ـ والملاحظ أن الآية الكريمة ربطت المباشرة الجنسية بالتطهر من الحيض ، وحيث أن الطهارة واجبة قبل الصلاة للتطهر من البول والغائط والمني واللقاء الجنسي ، فقد اعتبر الفقهاء ، الحيض من موانع الصلاة فمنعوا الحائض من الصلاة إلا بعد أن تتطهر وتغتسل. ولأن الحيض "عادة شهرية" ويشق على المرأة ان تعيد ما فات منها أثناء الحيض فقد أسقط الفقهاء عنها ما فات من الصلاة .
5 ـ على أن السياق القرآن ــ فيما نرى ــ لا يحتمل كل ذلك .
5 / 1 : فالآية الكريمة تتحدث عن حكم المباشرة الجنسية للحائض ولا تتطرق إلى الطهارة قبل الصلاة ، سواء كانت طهارة جزئية "وضوء" أو طهارة كاملة "غُسل" ، وصحيح أن الآية الشريفة ذكرت الطهارة من الحيض ثلاث مرات ، مما يعني ان نزول دماء الحيض تستلزم الطهارة ، وبالتالي لا يصح الصلاة مع نزولها إلا أنه من غير المستساغ ــ فيما نراه ــ ان تترك الحائض الصلاة طيلة أيام الحيض لأن ذلك قياس متسع في الموضوع ، والذي نراه ــ أن الحائض تغتسل قبل الصلاة وتتخذ الاحتياطات حتى لا تتلوث ملابسها الداخلية من الدم إذا فاجأها حين الصلاة ، فإذا سال منها الدم قطعت الصلاة واغتسلت وصلّت ، فدم الحيض إذا ظل في داخل أحشاء المرأة فحكمه حكم البول والغائط في داخل الأمعاء ، لا يقطع الطهارة إلا إذا خرج ، فإذا خرج وجب الغسل الجزئي للبول والغائط ووجب الغسل الكامل للمني ودماء الحيض ، والتيمم بديل عند الضرورة .
5 / 2 : ثم كيف يحكم الفقهاء بسقوط الصلاة عن الحائض طيلة الحيض ويعفونها من قضاء مافات منها .؟ مع ان الله تعالى يقول " إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) النساء :103 ) ولذلك فإن الله تعالى لم يسقط الصلاة على المؤمنين عند اشتداد القتال لأنه جعلها (على المؤمنين) أي واجبا عليهم لا يسقط أبداً ، أى جعلها (كتابا) أي فرضا مكتوبا (موقوتا) أي في كل وقت من الأوقات الخمس ، وفي كل مراحل العمر ، ومن البلوغ والتكليف حتى الموت..
6 ـ والواضح ان الفقهاء اعتبروا الحيض شأنا مختلفا عن الفضلات الأخرى التي تخرج من الرجل والمرأة ، اعتبروه شيئا يؤثر على طهارة المرأة الجسدية والمعنوية ، فلا ينبغي منها في هذا الحال أن تؤدي صلاة ولا طوافاً بالبيت ولا صياماً ، ولا تمس المصحف ، أي جعلوها نجسة منبوذة ، بسبب شىء لا دخل لها فيه . وهى نظرة ذكورية مقيتة . ولذلك فإن الحديث الذي اخترعوه والذي يجعل المرأة ناقصة عقل ودين يستدل على حرمانها من تأدية العبادات بسبب الحيض مما يؤكد نقصان دينها ، ويتناسون القاعدة التشريعية القرآنية التي تؤكد أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وليس في وسع المرأة ان تمنع المحيض ، بل تتمنى أن تتنزه عنه وعن متاعبه الجسدية والنفسية والمرضية ، ثم إن الله تعالى خلقها هكذا ، تحيض وتلد ، وليس من رحمة الله جل وعلا أن يجعلها ناقصة دين ويباعد بينها وبين العبادات بذنب لم تقم به إذا كان الحيض ذنباً...
ثانيا : المحيض فى الدين السُّنى
ولأن الفقهاء هم الذين ابتدعوا في الحيض تفاصيل لم ترد في القرآن فإنهم اختلفوا فيها. وتتبع قضايا الحيض في التراث بإيجاز على قدر ما يسمح به المنهج..
ماهية الحيض عندهم ومتى يتم الطّهر منه ..
1 ـ يبدأ الحيض وينتهي بإفرازات ملونة بين الأصفر والمائل للكدرة ثم يأتي الدم الأصلي للحيض أسود غليظا ، فهل يعد الإفراز السابق واللاحق لدم الحيض الأسود من ضمن دم الحيض..؟ وهل تجوز الصلاة بالوضوء أثناء الإفرازات السابقة واللاحقة لدم الحيض الأسود أم يجب الغسل والطّهر الكامل.؟ هنا نجد رأيين كل منهما يرتدي ثوب الأحاديث..
أولهما :ــ حديث أم عطية المشهورة في البخاري ومسلم " كنا لا نعد الصّفرة والكدرة شيئاً" وحديث عائشة القائل أن " دم الحيض دم أسود يُعرف" وتنصح المرأة حينئذ بأن تدع الصلاة ، وان لم يكن كذلك فلتتوضأ وتصلي " ، أي ان الافرازات الصفراء وذات اللون الكدر ليست من الحيض ، وحينئذ يمكن للمرأة أن تتوضأ وتصلي على أنها ليس حائضاً ..
والرأي الثاني : ــ يجعل الإفرازات السابقة واللاحقة لدم الحيض ضمن الحيض ، ويعبر عن ذلك حديث آخر مشهور لعائشة تنصح فيه النساء اللاتي كنّ يبعثن لها بإفرازات الحيض على قطع القطن ، تنصحهن بألا يتعجّـلن الطُّهر من الحيض حتى يرين "القصّة البيضاء" بمعنى إلى ان تكون الإفرازات شفافة ، وينتهي الإفراز الأصفر والمتكدر ... فإذا انتهت يمكن للمرأة أن تغتسل وتصلي ، وينتهي حيضها .. وهذا يعني أن الحيض يبدأ أيضاً بتلك الإفرازات ، فتمتنع ــ على حد رأيهم في صاحبة الحيض ــ عن الصلاة..
والطريف أنهم غالبا يذكرون تلك الأحاديث المتعارضة مع بعضها .. والشافعي يذكر طبقا لما أورده المازني أن نزول دم الحيض الأسود يوجب عليها أن تترك الصلاة ، فإذا جاء الدم الأحمر فهو عرق وليس بالحيضة وهنا يكون الطهر والغُسل والصلاة ، ثم بعدها يجعل الصفرة والكدرة حيضاً ... أي يناقض نفسه في الصفحة الواحدة..
2 ـ وقد رأينا أن الحائض تغتسل قبل الصلاة إذا نزل عليها الدم ، ثم تحفظ نفسها أثناء الصلاة ، فإذا غلبها الدم وهي تصلي تعيد الصلاة شأن من يغلبه البول في الصلاة ، لأن دم الحيض داخل أحشاء المرأة مثل البول والغائط ، يوجب الطهارة إذا خرج ، أما إذا ظل في الأحشاء فلا يقطع الطهارة أو الصلاة...
وهذا الرأي ــ إذا صح ــ يكون هو الفيصل في الاختلاف بين الفقهاء ، ذلك الاختلاف الذي ارتدى ثوب الأحاديث ، واسندوا فيه للسيدة عائشة حديثين متناقضين في موضوع الإفرازات الخفيفة في الحيض ، أو بتعبيرهم "الصُّفرة والكُـدْرة" ..
3 ـ هذا ، وقد انفرد ابن حنبل ببحث قضية نزول الدم بعد بلوغ المرأة الخمسين ، او في سن اليأس ، فهو يرى ألا تلتفت إليه ، فإذا عاودها أصبح حيضا قد رجع ، وعليها طبقا لما استقر عليه الفقه أن تمتنع فيه عن الصلاة ولا تقضيها ، وتمتع عن الصوم ولكن تقضيه...!!
وناقش الفقهاء مدة الحيض، وكالعادة إختلفوا
1 ـ والأصل في هذه القضية هو إصابة بعضهن بنزيف مستمر ، أو متقطع ، يسبق الدورة الشهرية ـ ويعقبها ، لذا حاولوا تحديد مدة الحيض نفسه ليكون ما بعدها شيئاً آخر سموه بالاستحاضة ، وله حكم مختلف. وقد بدأ الشافعي بإثارة هذه القضية في كتابه "الأم " وأجرى جدالاً طويلاً مع معارضيه في الرأي ثم انتهى إلى أن أقل مدة للحيض يوم وليلة وأكثرها خمسة عشر يوما ، أما ابن حنبل فقد قال بأن أقل مدة يوم واحد ولا يزيد على خمسة عشر يوما ، أما الأحناف فقد جعلوا المدة ما بين ثلاثة أيام بلياليها إلى عشرة ، واستراح المالكية إلى الرأي القائل بأنه لا حد لأقل الحيض...
2 ـ كما اختلف الفقهاء أيضا في مدة الطهر من الحيض ، فقال الحنابلة ثلاث عشر يوما ، وقال الشافعية خمسة عشر يوما ، واعتبر المالكية انقطاع الدم طهراً ، ولو استمر لحظة ثم انقطع بعدها الدم فتكون طاهرة إلى أن ترى الدم ثانياً.
3 ـ على ان الفقهاء جعلوا من المرأة مرجعية صادقة فيما تخبر به عن حيضها ، وأوجب البخاري تصديقها فيما تقول ، وذكر أن امرأة ادعت انها حاضت ثلاث مرات في الشهر فصدقوها ، وأن أخرى رأت الدم بعد طهرها بخمسة أيام . والواضح أن هناك من الأعراض المرضية ما كان يستعدي ذلك ، ولم يكن أصحاب الفتوى السابقين من البخاري وشريح وعطاء وابن سيرين ممن يدركون ما نعرفه بأمراض النساء والولادة ، وذلك القسم الذي لديه متخصصون ، هم أفقه من الأئمة السابقين في هذا الموضوع..
كيف تطهر الحائض:ــ
1 ـ الله جل وعلا فى كتابه الكريم أنزل تشريع الحيض فى آيتين فقط ، لأن المرأة قبل نزول القرآن بآلاف القرون كانت تعرف كيف تغتسل وكيف تباعد بين ملابسها والتلوث بدم الحيض . ولكن الفقهاء ــ كالعادة ــ دسوا أنوفهم في هذا الموضوع ، وأضاعوا عمرهم وجهدهم فى ثرثرة تافهة غير مفيدة ، ثم جعلوها دينا . وكالعادة أيضا حملوا آراءهم وفتاويهم إلى الناس في صورة أحاديث...
ونقرأ في البخاري مثلا : الأبواب التالية : الطيب للمرأة عند غسلها من الحيض، باب دلْك المرأة نفسها إذا تطهرت من الحيض وكيف تغتسل وتأخذ قرصة ممسكة فتتبع أثر الدم ، باب غسل الحيض ، باب انتشاط المرأة عند غسلها من الحيض ، باب نقض المرأة شعرها عند غسل الحيض .. وفي كل باب منها يذكر حديثا واحداً .
وكرر مسلم معظم هذه الأحاديث تحت عنوان كيفية طهر الحائض ، وتحت عنوان حكم ضفائر المغتسلة ، وأفتى ابن حنبل في كيفية غسل الحائض نفسها من الدم ، فقال يغسل بماء وسدر وتحكّه بضلع ، وذكر حديثا بهذا المعنى ، وأورد ابن سعد مثل ذلك تقريبا عن إحدى الصحابيات...
البقية تأتى تباعا بعون الرحمن جل وعلا.
اجمالي القراءات 3065

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   الأحد ٢٨ - أغسطس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[93428]

الظاهر أن موقف المسلمين هو للتصريح بأن رد الله سبحانه وتعالى جاء غير كاف وغير شاف


في  كل  مناسبة  من مناسبات  تناول هذا  الموضوع  (الكبير) بسبب  الآراء  المتناقضة،  يتبادر إلى الذهن  تساؤل،  مفاده:  هل  يعقل أن  يسأل  الناس  النبيّ  عن  المحيض، فيأتي الرد الشافي من الله  سبحانه وتعالى، ولا يرى  الله  أهمية  تنبيه  الناس  عن  أمر  الصلاة والصيام ؟  ومع  ذلك  فإن  السؤال  جاء (مستفزا إن صح التعبير) ... ولكن الواقع يبدو  أن الرد  ما زال  غير كاف  وغير  شاف.؟



ودمتم  موفقين .



2   تعليق بواسطة   بلال هاشمي     في   الأحد ٢٨ - أغسطس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[93429]

لفد قرأت في هذا موقع


أقرأ في هذا موقع وأسأل نفسي ،هل ينصر نا السلف يوم القيامة  سبحان الله كل هذا جهل وومازال  بعض يعبدوهم، الذفاع عن الحق وهو الله وكتابه مجيد لكن بأسف مقتبس كلام أستاد ،قوم لايفقهون



3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الإثنين ٢٩ - أغسطس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[93433]

شكرا استاذ يحيى ، وأكرمك الله جل وعلا ، وأهلا بك أستاذ بلال


فقهاء الدين السُنى وأصحاب الحديث فى العصور الوسطى يذكروننا بشيوخ عصرنا البائس فى كوكب المحمديين . ينشغلون بالتوافه ويختلفون فيها ، ولا يتكلمون فى العدل والقسط وظلم الحكام واستبدادهم ، بل إن رءوسهم عملوا قضاة للشرع السنى ، دوابا يركبهم المستبد . كانوا ولا يزالون. هم عار فوقه عار وتحته عار. 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5123
اجمالي القراءات : 57,055,358
تعليقات له : 5,452
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي