الفصل الأول : المرأة ـ عموما ـ في الدين السُّنّى الذكورى
الفصل الأول : المرأة ـ عموما ـ في الدين السُّنّى الذكورى
الباب الأول: لمحة عامة. كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السُّنّى الذكورى )
الفصل الأول : المرأة ـ عموما ـ في الدين السُّنّى الذكورى
هناك فوارق أساسية وصراع عقيدي وتاريخي بين دينى التصوف والسُّنّة ، ومع ذلك فإن نظرتهما للمرأة متقاربة ، وهو موضوع شرحه يطول ، ولكن نكتفي منه ببعض الشواهد :
1ــ في عصرنا الراهن يقول الشيخ أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية الصوفية في "وصيته للمرأة المسلمة : ( أنه تعالى خلق المرأة من الرجل ، فلو نظرنا بعين البصيرة إلى أن المرأة من الرجل وإلى الوظائف الحيوية القائمة بها المرأة من حيض وحمل وولادة ورضاعة ثبت لنا جلياً انحطاط المرأة عن الرجل في الجسم والعقل ، وذلك لأن خلقها من الرجل يستلزم عدم مساواتها به ، وذلك لأنها لم تخلق منه بطريق التناسل بل أخذ جزء منه بقدرة الله تعالى ، فهي كجزء من الرجل .) : ( محمد ماضي أبو العزائم : وصية المرأة المسلمة . دار الكتب الصوفي : 18 : 19 ). والمعنى أنه طالما أن المرأة مخلوقة من الرجل فالرجل أفضل منها ، وتأسيساً على هذه النظرية فإن الرجل وهو مخلوق من التراب والطين والماء فتلك المواد أفضل من الرجل ..!! وهذا هو رأي صوفي عصري ...
2 ـ أما الفقيه الحنبلي المعاصر أبو بكر الجزائري فهو يؤكد نفس المعنى في كتابه الذي "وضعه خصيصاً للمؤمنات" تحت عنوان " المرأة المسلمة" وقد جعل لها خصائص في الزي والسجن في البيت وضرورة الولاية عليها وعدم تولّيها أي وظيفة تضطرها إلى مخاطبة الرجال ، وكل ما من شانه أن يزيل كل الفوارق بين المرأة والحيوانات الأليفة في المنزل التي سخّرها الله تعالى للإنسان ، او للرجل فقط حسب نظرة الفقيه الجزائري السعودي : ( أبو بكر جابر الجزائري : كتاب المرأة المسلمة . الطبعة الثانية السعودية سنة 1406هــ : 95 : 100 )
3 ـ أبو بكر الجزائرى الفقيه الوهابى الحنبلى المعاصر متأثر بالفقه الحنبلي المتشدد ونظرته للمرأة ، وقد عبَّر عن هذه النظرة الإمام الحنبلي ابن القيم الجوزية منذ حوالى سبعة قرون في كتابه "إغاثة اللهفان" حين جعل المرأة من السفهاء ، وجعل لزوجها حق الولاية عليها حتى في أموالها الخاص ، ثم تطرف فأفتى بأن فرض النفقة لها وتقديرها ليس له أصل من كتاب ولا من سُنّة ، ووضع بعض الحيَـل الفقهية لكي يتخلص الرجل من دعوى النفقة..!! ( ابن القيم الجوزية : أبو عبدالله محمد بن أبي بكر (691 ــ 751 هـ) : إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان . تحقيق حامد الفقي 2/59 :58 ن 59 ، 61 ، 67)
4 ـ إذا عُدنا إلى الدين الصُّوفى فسنجد أبا حامد الغزالي في كتابه الأشهر " إحياء علوم الدين " ينسب للنبى محمد أحاديث تعبر عن نفس النظرة المتحيزة ضد المرأة ومنها : " لحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأة لا تلد" ، و" يأتي على الناس زمانٌ يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجته..." ، " مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم من مائة غراب" .ثم يؤكد الغزالي نظرته الشخصية للمرأة بقوله : ( فان كيدهن عظيم ، وشرُّهن فاشٍ ، والغالب عليهن سوء الخلق ، وركاكة العقل .. ) ( أبو حامد الغزالي (ت 505 هــ) إحياء علوم الدين دار إحياء الكتب العربية 2/26 ، 24 ، 46 ). الغزالى ينسب عبارة كيدهن عظيم للقرآن ، وينسى إنها مقالة رجل يخاطب امرأة العزيز في سياق قصة يوسف عليه السلام : ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29) يوسف ). وفى القصص القرآنى أقاويل قالها فرعون وغيره من الكافرين ، وهى منسوبة لقائليها . وليست قول الرحمن جل وعلا . ثم إن القصص القرآنى هو للوعظ ولا يؤخذ منه تشريع .
5 ـ على إن كلام الغزالي يطرح دور الرجل في انتقاص المرأة عن طريق تأليف الأحاديث ونسبتها للنبي عليه السلام زوراً :
5 / 1 : في سلسلة ما جعلوه من الأحاديث الضعيفة نقرأ بعض النماذج مثل : "لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف" ، " طاعة المرأة ندامة" ، لولا النساء لعُبد الله حقاً حقاً " ، " شاروهن وخالفوهنّ" ، " هلكت الرجال حين أطاعت النساء" ، "أعدى اعدائك زوجتك" ، خالفوا النساء فإن في خلافهن بركة "
5 / 2 : وجاء مثلها وأفظع منها فيما يعرف بالصحيحين ، صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وقد عرضنا لهذا في كتابنا ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ).وفيهما نقرأ ان "الشؤم في الدار والمرأة والفرس" أي يتشاءم الناس من الدار ومن المرأة ومن الخيل ، فأين إذن يذهبون ..؟!! ويأتي حديث آخر يتناقض اوله مع آخره ، يقول " لا عدوى ولا طيرة" والطيرة هي التشاؤم ، وبعد نفي التشاؤم يقول الحديث " وإنما الشؤم في ثلاثة : المرأة والفرس والدار " وجاءت صيغ أخرى للحديث ليؤكد على أن المرأة شؤم...!! وجاء في البخاري ومسلم معا حديث يقول أنه " لولا بنو إسرائيل لم يخنز (أي يفسد) اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها " ، وهناك حديث آخر أكثر طولا وإيلاماً يؤكد على أن أكثرية أهل النار من النساء وأنهن ناقصات عقل ودين / يقول " يا معشر النساء تصدَّقن فإني أُريتكنَّ أكثر اهل النار... تكثرن اللعن وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُب الرجل الحازم من إحداكن ... أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ..؟ فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تصم ..؟ .... فذلك نقصان دينها ...) .
5 / 3 : نتوقف مع مناقشة حديث البخاري ومسلم " يا معشر النساء تصدقن فانى أُريتكن أكثر اهل النار..." فهو حديث تؤكده أحاديث أخرى تجعل أغلب رواد الناس من النساء ، وكلها تناقض القرآن الكريم
5 / 3 / 1 ـ فالنبي محمد عليه السلام لا يعلم الغيب ولا يدري ماذا سيحدث له أو لغيره (الأنعام 50 ، الأعراف 187 ، الأحقاف 9)
5 / 3 / 2 ـ تناقض ما أخبر به القرآن من التساوي التام بين الرجل والمرأة في البشرية وفي المسئولية والحساب والثواب والعقاب. وسنعرض لهذا لاحقا .
5 / 4 ـ ثم كيف نحكم على كل امرأة بأنها ناقصة عقل ودين ونحن نقرأ ما قاله رب العزة عن أم موسى وهارون وعن البتول مريم عليهما السلام ؟ . لقد خاطبت الملائكة السيدة مرية في مناسبتين : الأولى (آل عمران 42) وفي المرة الثانية قبيل أن تلد المسيح عليه السلام ، وفيها بشرتها الملائكة بأبنها الطاهر الذي يكلم الناس في المهد وكهلا (آل عمران 45) . وليست العذراء البتول هي المرأة الوحيدة التي خوطبت بالوحي الإلهي ، فقد سبقتها أم النبي موسى عليه السلام ، يقول تعالى " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ... " ، " .. إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى " : القصص 7 ، طـه 28 " وحمل الوحي لأم موسى توجيهات إلاهية كانت خطة عمل في تجهيز ابنها للمهمة الرسولية التي سيقوم بها فيما بعد ، بنفس ما حمل الوحي للعذراء من نبوءة بمستقبل ابنها الذي لم يكن قد جاء بعد..
5 / 5 ـ وقد جعل الله سبحانه وتعالى نموذجا للصلاح والفلاح امرأتين ، كانتا مثلا أعلى للإيمان لكل من الرجال والنساء المؤمنين والمؤمنات ، وهما مريم ، وزوجة فرعون المصرية ، وإذا كانت السيدة مريم قد أنبتها الله في بيئة إيمانية طاهرة فازدادت إيمانا وتقوى ، فإن زوجة فرعون وصل نور الحق إلى قلبها في داخل قلعة الطغيان وادعاء الألوهية ، أي أن الله تعالى ضرب مثلاً للإيمان الحق بامرأتين اختفت ظروفهما الاجتماعية ولكن اتحدتا في اختيار طريق الهداية والتمسك به. وضرب الله تعالى مثلاً آخر لفظاعة الكفر بامرأتين كلتاهما ارتبطت بنبي من الأنبياء ن كانت له زوجة ، فلم تزدد إلا عناداً وكفرا ، وهما زوجة نوح ، وزوجة لوط ( التحريم 10 ــ 12) إذن هو اختيار بشري للهداية أو الضلال ، ومسئولية كل نفس بشرية من الرجال والنساء في الاختيار وفي عاقبة اختيارها ، يقول سبحانه وتعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) المدثر 38 )
6 ـ ولا تزال هذه الأحاديث الضّالة السّامة تتحكّم في نظرة السنيين للمرأة
7 ــ ان تلك الأحاديث رواها وكتبها وصنعها (رجال) جعلوا لهم دينا أرضيا ذكوريا متحيزا ضد المرأة طبقا للسائد في العصور الوسطي ، وبهذه الأحاديث أسّسوا لهم دينهم الأرضى ، وهم يملكونه ويقولون فيها ما تهوى أنفسهم وغرائزهم .
بل أضفوا على ما عملوا قداسة مصنوعة حين نسبوه للنبي ، بل لله تعالى أحيانا بزعم انها قراءات منسوخة ــ أي بطل لفظها وبقي حكمها ، والشواهد ستأتي في اوانها..
8 ـ ومن العجب أنهم مع ذلك يعترفون بأن تلك الأحاديث مجرد أحاديث آحاد لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن ، ولا تكتسب صُدقية إلا إذا أيدتها آية قرآنية . أي لا قيمة لها إلا إذا أيدتها آية قرآنية ، وإذن فما الداعى لها أصلا ؟!. وإذا كانوا يعترفون بأن النبي محمداعليه السلام نهى عن كتابة غير القرآن فلماذا نهجر القرآن وكنوزه التشريعية وننشغل عنه بأحاديث تمت كتابتها بعد موت النبي بقرنين ونصف قرن من الزمان ، وبعد أجيال من الصراعات والحروب والفتن والمكائد والنزاعات .؟
اجمالي القراءات
3672