هل نحن دولة مدنية؟

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٠٢ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربية


 

هل نحن دولة مدنية؟

  بقلم   د. يحيى الجمل    ٢/ ٨/ ٢٠١٠

طرح الصديق العزيز الأستاذ الدكتور جابر عصفور هذا التساؤل فى مقال أخير له فى «الأهرام»، وأنا أتفق مع الصديق العزيز فى جوهر ما أثاره من تساؤلات، وإن كان هناك بعض ما أريد أن أضعه تحت نظره. دستور ١٩٧١ ليس هو المسؤول عن المادة الثانية بوضعها الحالى.

والمادة الثانية بوضعها الحالى هى التى جعلت الدكتور جابر وكثيرين غيره يتساءلون: هل نحن حقاً دولة مدنية فى ظل هذه المادة؟ وهذه المادة أيضاً هى التى جعلت كثيراً من الإخوة المسيحيين يتساءلون: هل لا تفتح هذه المادة الباب واسعاً أمام الدولة الدينية؟

الحقيقة التى أريد أن أوضحها للأخ الدكتور جابر هى أن نص المادة الثانية على النحو الذى يثير هذه الريب عُدّل فى أواخر عهد الرئيس السادات وقبيل اغتياله بفترة وجيزة، أى فى أواخر عام ١٩٨١، ولم يكن هذا النص هو المقصود بالتعديل، كان المقصود بالتعديل هو نص المادة ٧٧ من الدستور التى كانت تنص على أن مدة الرئاسة تقتصر على فترتين اثنتين فقط كل منهما ست سنوات.

وعندما اقتربت نهاية المدة الثانية اقترح بعض النواب تعديل هذه المادة بإطلاق مدد الرئاسة، لكى تكون أبدية، وأجزم بأن الرئيس السادات كان موافقاً على هذا التعديل.

نص المادة ٧٧ بتحديد مدة للرئاسة كان هو المقصود بالتعديل، وأريد لهذا النص أن يمر وأن يبتلعه الناس على مرارته ومخالفته مبدأ تداول السلطة، الذى يعتبر مبدأ أساسياً فى النظام الديمقراطى الحقيقى، فعُدّل إلى جواره نص المادة الثانية لكى تصبح «الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع» بعد أن كانت «الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع» وهذا القصر فى المادة بعد تعديلها ـ قصر المصدر على الشريعة الإسلامية ـ هو الذى يفتح الباب للحديث عن الدولة الدينية، وهو الذى يثير خشية الدكتور جابر وخشية الكثيرين من هذا التعديل الذى لم يكن له سبب إلا أنه نوع من النفاق الدينى.

وعلى أى حال فإن المحكمة الدستورية العليا ـ فى عصرها الزاهر ـ أفرغت هذا التعديل من مضمونه عندما قالت إن النص يقصد منه مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة. هذه المبادئ هى وحدها التى تعد المصدر الأساسى للتشريع بعد التعديل.

والمبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة ـ فى غير العبادات- لا تتعدى عدداً محدوداً جداً من المبادئ.

ومع ذلك فأنا شخصياً وبغير تردد أعترض على صياغة المادة الثانية المعدلة، وأنضم للقائلين بأنها تفتح الباب لشبهة الدولة الدينية.

وأعود أخيراً لتساؤل الصديق الدكتور جابر: هل نحن دولة مدنية؟ وأدخل على السؤال من عندى تعديلاً آخر: هل نحن دولة لها طعم أو لون.. هل نحن دولة جمهورية؟ وهل نحن دولة رأسمالية؟ وهل نحن دولة ديمقراطية؟

كل هذه التساؤلات واردة، وحياتنا السياسية التى نعيشها تجعل طرح كل هذه التساؤلات أمراً مشروعاً ووارداً.

مهمة الدولة الأساسية الآن هى «حماية واستقرار نظام الحكم» على حد تعبير سامر سليمان فى رسالة الدكتوراه التى قدمها إلى معهد العلوم السياسية بباريس عام ٢٠٠٤، التى قال فيها: «أسوأ شىء يحدث فى مصر الآن أنه لا يحدث شىء على الإطلاق».

قلت كثيراً إن النظام العربى استطاع أن يبدع نظاماً جديداً بين النظامين الجمهورى والملكى، ذلك هو نظام الجمهوريات الملكية الذى تعيش فى ظله كل الجمهوريات فى الوطن العربى باستثناء واحد هو جمهورية لبنان التى ينطبق عليها وصف الدولة الجمهورية. ولكن الجمهوريات العربية الأخرى، وفى مقدمتها مصر المحروسة، هى من نوع الجمهوريات الملكية.

يأتى رئيس الدولة ثم يبقى فى منصبه إلى أن يلقى ربه: صحيح تجرى انتخابات للرئاسة، وكلنا يعرف كيف تجرى.

ويجمع الرئيس فى يده سلطات غير محدودة وتطغى السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، وتصبح هى وعلى رأسها السيد الرئيس، محور كل شىء.

ومن هنا فإنه يجوز لنا أن نقول بصرف النظر عن النصوص الدستورية إننا لسنا دولة مدنية ولسنا دولة دينية وإنما نحن دولة الرجل الفرد، حتى جاز لبعض الناس أن يقول فى وقت من الأوقات «مصر عبدالناصر ـ أو مصر السادات ـ أو مصر مبارك».

ونسى هؤلاء أن عبدالناصر والسادات ومبارك هم أبناء من مصر وصلوا إلى الحكم ـ بطرق مختلفة نوعياً ـ وأنهم جميعاً ينسبون إلى مصر ولا تنسب مصر لأى منهم.

كلهم عملوا رؤساء لجمهورية مصر، وسيحكم التاريخ لهم أو عليهم. سيقول التاريخ إنه حتى وإن اقتربت الوسائل فى طريقة الحكم فقد اختلفت الأهداف اختلافاً جذرياً.

والحقيقة أن نصوص مواد دستور ١٩٧١ ـ مجرد النصوص ـ تقيم الدولة المدنية ولا تقيم دولة دينية أو تفتح الباب لها.

ولكن متى كانت النصوص فى ذاتها محل اعتبار فى دول العالم الثالث. وكما قال الفقيه الفرنسى «هوريو» هناك بلاد فيها نصوص دستورية بغير حياة، وهناك بلاد أخرى فيها نصوص دستورية وحياة دستورية حقيقية، فيها دولة مؤسسات فيها إرادة الناس هى المعيار فوق كل معيار. فيها المواطنة لا تفرق بين مواطن ومواطن من أجل دين أو جنس أو لغة أو غير ذلك.

ولكن كما قلت فإن الدستور فى ذاته ليس هو المعول عليه وإنما هى إرادة النظام، وكذلك ما يسود المجتمع من ثقافة. وأظن أن الثقافة التى تسود مجتمعنا فى الفترة الأخيرة هى ثقافة التخلف. هى الثقافة التى تفتح الباب واسعاً إلى الدولة الدينية وهى أشد استبداداً من الأنظمة الديكتاتورية وأشد نكراً، لأنها تتسربل بسروال دينى كاذب.

فى الدولة المدنية الحديثة لا يتعثر تصريح بناء كنيسة لأنها مجرد كنيسة، ولا يضار مواطن لأنه لا يدين بدين أغلبية الناس أو لأنه لا يدين بدين قط، فهذه حرية شخصية كاملة. والدستور يقول «حرية الاعتقاد مطلقة».

كن مسلماً أو مسيحياً أو غير ذلك، ولكنك فى كل الأحوال مواطن لك كل الحقوق وعليك كل الواجبات.

هذه هى الدولة المدنية، فهل نحن فعلاً فى دولة مدنية؟

أنا مع الدكتور جابر فى هواجسه وتساؤلاته، ولابد من توضيح الأمور

اجمالي القراءات 1807
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more