حواجز القهر :
حواجز القهر

أسامة قفيشة Ýí 2017-11-23


حواجز القهر

مقال تعريفي للواقع اليومي المرير للشعب الفلسطيني ,

تتعمد السياسة الإسرائيلية على ممارسة القهر و الإذلال لكرامة الإنسان الفلسطيني و بالضغط النفسي الرهيب المتولد من خلال إهدار الوقت بالانتظار ,

و أنجع أسلحة الضغط النفسي هو إهدار الوقت و أفضلها إعاقة الفرد بتلك الحواجز التي تستنفذ منه جل وقته فتعطل مجرى حياته و تعمل على تشويشها ,

حواجز القهر و التعطيل التي تمعن بها السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ليست مجرد نقاط عبور أو نقاط تفتيش أو مجرد معابر حدودية , بل هي في حقيقتها حواجز للقهر و الإذلال النفسي و الإرهاق الجسدي و تعد من أسوء الانتهاكات لحقوق الإنسان ,

فالحواجز العسكرية تأتي كعقوبةٍ جماعيةٍ قهرية ( جسدية و نفسية ) يعايشها الجميع بشكلٍ يومي و مستدام , كما أصبحت وسيلة ضغطٍ و تهديد و أداة استفزاز و استبداد لتحقيق مطالب سياسية بكسر الروح المعنوية و هي آخذةٌ بالتزايد مع الأيام , تحاصر شتى المدن و القرى و تقطع أوصالها .

سنستعرض في هذا المقال لأشكال تلك الحواجز و التعرف عليها :

الحواجز الثابتة أو الدائمة :

و تكون في العادة على المداخل المؤدية للمنطقة المحتلة عام 1948 بكافة مدنها و قراها أو على المنافذ الحدودية البرية للأردن أو لقطاع غزة , أو تلك التي تقع في قلب المدن التي يتواجد فيها حيٌ يهودي كما في قلب مدينة الخليل و البلدة القديمة في القدس ,

و هي مزودة بأجهزة إلكترونية و بوابات حديدية لولبية و مسالك تضبط الأفراد بطوابير , مهمتها التفتيش الأمني على الأمتعة و الأفراد و التدقيق في هوياتهم ,

و منها أيضاً الحواجز المخصصة للبضائع و المسماة بالحواجز التجارية ,

و أهم تلك الحواجز الثابتة هو جدار الفصل العنصري الذي بلغ طوله 700 كلم , كما لا ننسى المستوطنات المنتشرة في الأراضي التي احتلت عام 1967 و التي باتت تغلف و تفصل كل المدن عن بعضها البعض فهي بحد ذاتها تشكل حاجزاً ثابتاً لا يمكن للفلسطيني من تجاوزه أو العبور من خلاله بل علية الالتفاف بعيداً حول تلك المستوطنات مهما كان حجمها كي يواصل سيره .

الحواجز المؤقتة :

و تكون على مداخل المدن و القرى و قد تكون عبارة عن سواتر ترابية أو كتل إسمنتية يتم إغلاق تلك المداخل بها لفترات قد تطول و قد تقصر , فتشل بها حركة المركبات و الأفراد و يصبح أهل تلك المدينة أو القرية معزولين في سجنٍ حقيقي لا يستطيعون الخروج منه كما لا يستطيع أحد الدخول إليهم .

الحواجز المتحركة :

و تكون على الطرقات الرابطة بين المدن و القرى الفلسطينية , يتم فتحها و إغلاقها حسب مزاج الجنود عليها أو حسب التعليمات و الأحداث السياسية و الأمنية .

الحواجز الفجائية ( الطيارة ) :

و تكون على الطرقات سواء الخارجية أو حتى داخل المدن و القرى , و ليس لها وقت أو مكان محدد , فإن صادفك حاجزٌ من هذا النوع فهو ما لم يكن بالحسبان فلا تنزعج إن كنت على عجلةٍ من أمرك , فما باليد حيلة .

تلك هي أنواع الحواجز التي تواجهنا و جميعها على اختلاف أشكالها تتفق فيما بينها على وجودها و هدفها بكسر إرادة الشعب الفلسطيني و تضيعاً لوقته , فضياع الوقت يعني ضياعاً للشعب .

بعد كل هذه الأنواع من الحواجز هل يعتقد البعض بثمةِ نوعٍ آخر من الحواجز و المعوقات لم يعمل به ضد الشعب الفلسطيني , فغاب عن فكر دولة الاحتلال ! فلربما يتم تصميم نوعٍ جديد من تلك الحواجز في الأيام القادمة يوضع على أنفاس الأفراد و أفواههم فيتم التحكم بهم في أنفاسهم و شربهم و أكلهم ـ و ما يدريك ـ !

تأثير تلك الحواجز :

لها تأثير سلبي خطير على جميع الأصعدة و على كافة النواحي العامة و على النواحي الفردية الذاتية , فأصبح الجميع لا يستطيع ضبط وقته في ظل هذا الكم الهائل من المعوقات , فجل همه و تفكيره هو كيف سيصل لهدفه و كم سيستغرقه من الوقت , فقد يكون ساعات و ساعات و ربما أيام على الرغم من صغر تلك البلاد ,

فأنت في واقع الأمر لا تحتاج لأكثر من ثمان ساعات بسيارتك لتقطعها من أقصى شمالها إلى أقصى الجنوب , و لا تحتاج لأكثر من ساعتين لتقطع من أقصى غربها إلى أقصى الشرق , فعلى سبيل المثال تحتاج ساعتين لتصل من مدينة رام الله إلى العاصمة الأردنية عمّان و لكن في ظل تلك الحواجز تحتاج من أربع ساعات في أحسن الأحوال إلى يومٍ كامل أو يوما و نصف في أسوء الأحوال , و مثال آخر حتى تصل من مدينة رام الله إلى مدينة الخليل فإنك تحتاج إلى 45 دقيقة و لكن مع وجود تلك الحواجز فإنك تحتاج من ساعتين إلى أربع ساعات - حسب التساهيل -   

لا ننسى مدى تأثيرها السلبي على الطالب و الموظف بشكلٍ خاص و على طواقم الإسعاف و الحالات الطارئة .

قد يبدو بأن إسرائيل لا تفهم ـ أو تفهم و لكنها تتعمد ـ الخطر الحقيقي و التأثير السلبي الكبير المتولد لدى الشعب بشكل عام من تأثير تلك الحواجز على نفسيتهم التي تتحطم و تمرض فلا يبقى لديهم أي أمل أو طموح في حاضرهم و مستقبلهم , فينعكس الإذلال و الضغط النفسي على سلوك الفرد و تصرفاته فتراه يتدافع و يتناحر مع من حوله فيصبح عدائياً شيئاً فشيء ,

فالحواجز العسكرية هي عملية ممنهجة لسلب روح الإنسانية و الحس الإنساني لتحل محلها روح العداء و العنف حين تهان كرامته و إنسانيته فيشعر بالعجز لسلب حريته وعدم قدرته على الحركة , فيبدأ بالغرق في متاهة اليأس و الحرمان و الحقد ,

و يتشكل أول هذا الحقد ليكون حقده على نفسه كونه لا يملك من الدنيا شيء , و يشعر بعجزه على حماية نفسه كإنسانٍ عادي , فهو يرى نفسه و كرامته تهان في كل يوم و كل لحظه , ليس هذا فحسب بل يرى الخوف في عيون أبنائه , و حينها سيلعن الحياة ألف مره ,

فلا تلوموه على ردة فعله الانتقامية و العنيفة , فحياته اليومية كانت في عزلةٍ و تشاؤم كحياة البهائم بل أشد , فهو يتعرض للتفتيش في كل حين بحثاً عن موادٍ قتاليةٍ يحملها , و لم يدرك الجميع بأنه قد أصبح يحمل في عقله قنبلةٍ موقوتة يمكن لها بأن تنفجر في أي لحظة ,

فهو يشعر بالخجل و الدونية و القهر حين يرفع ملابسه و يخلع حذائه أمام الجميع و أمام الكبار و الصغار من النساء و الرجال , و هو محطمٌ و مسلوب الإرادة و الكرامة , لذا تلاحظ و بشكلٍ واضح شخصية الإنسان الفلسطيني التي صقلها الاحتلال بأنها شديدة الحساسية و الانفعال , فكل علاقاته متوترة و مشوشة و محطمةٌ من الداخل هذا في تعامله مع أبناء جلدته , فماذا تتوقعون منه في تعامله مع غيرهم !

تتذرع إسرائيل و تبرر حاجتها لتلك الحواجز بالذرائع و المتطلبات الأمنية , لكن في حقيقة الأمر فإن هذا الإدعاء غير صحيح على أرض الواقع , فمن ينوي تنفيذ أمرٍ ما فلن تعيقه تلك الحواجز و سيجد الكثير من الثغرات , و إسرائيل تعلم جيداً هذا الأمر ففي حين تشاهد شدة الإجراءات الأمنية على الحواجز الرئيسية التي يكتظ بها الناس في حين تشاهد الاستهتار بتلك الإجراءات على الحواجز الغير رئيسية التي لا يسلكها الناس بكثرة ,

فعلى سبيل المثال على الحواجز التي تدخلك لداخل إسرائيل هناك حاجز يسمى ( حاجز قلنديا ) هذا الحاجز لا يستطيع أحد الدخول دون التدقيق المشدد و الفحص الأمني الدقيق لذا تلاحظ الازدحام و الإذلال على هذا الحاجز و لا تستطيع دخوله سوى مشياً على الأقدام , في حين هناك حاجز آخر يسمى ( حاجز حزما ) و لا يبعد عن حاجز قلنديا أكثر من 15 دقيقة , إلا أنه غير مشدد و يمكنك عبوره راكباً في السيارة أو الحافلة , و كثيرٌ من الأوقات لا يتم توقيفك أو فحصك أمنياً !

كانت هذه إحدى رحلات الآلام التي يعانيها الشعب الفلسطيني و التي لا تنتهي ولا تحمل في ثناياها بذور أي سلامٍ أياً كان شكله .

مع التنويه بأن حملة بطاقات ( ألبي أم سي ) أو حملة بطاقات ( ألفي آي بي ) فلا يتم إعاقتهم أو تأخيرهم كباقي أفراد و عامة الشعب , لذا تجدهم بعدين كل البعد عن فهم معاناة الشعب , و هؤلاء هم رجال السلطة و كبار الشخصيات بالإضافة إلى عائلاتهم , لذا من فترةٍ لفترة يتم تهديدهم بسحب تلك الصلاحيات من أجل المزيد من الابتزاز و الضغط عليهم حسب الرؤية السياسية و الموقف السياسي المطلوب .  

اجمالي القراءات 8408

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   الخميس ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[87559]

القهر صناعة يهودية


القهر الحديث صناعة صهيونية بإمتياز .. بإنتهاء الحرب العالمية الثانية و التي عرفت البشرية فيها الموت المجاني من أجل أفكار شرذمة من القادة الذين قادوا شعوبهم إلى المحرقة العالمية و ساد الأرض ظلما و قهرا لا نظير له في تاريخ البشرية و راح ضحية تلك الحرب ملايين البشر من أجل أهداف غاية في الشيطنة و الأبلسة و أوهام ( الخُلد و الملك الذي لا يبلى !! ) .



في ظل تلك الأجواء البائسة و المدن المدمرة و في لحظة تأمل إنسانية إنتهت تلك الحروب و كان لا بد من وضع ميثاق أقرب للشرف بحيث لا عودة لفكر القتل و الدمار و الإبادة و بالقوة الإنجليزية و وعد بلفور و نشاط هيرتزل و أفكار الصهاينة و ضعف العرب و تخلفهم قامت إسرائيل في أرض يسكنها مسالمين و بالعصابات الصهيونية عاد القتل و الدمار للشعب الفلسطيني الآمن و في مرآى من العالم سمح لقطعان العصابات بالتمكين !!



أما آن لهذا العالم الذي يدعي الديموقراطية و الحرية أن يصطف جميعا لوقف هذا الظلم و هذا القهر !! إن من أغبى الإتجاهات إختزال هذا الظلم في مسمى ( قضية ! ) و تقزيمها في قالب ( قضية فلسطينية ! ) إنها مشكلة تهم أحرار العالم كلهم فلا يمكن السكوت عن الظلم و لا يمكن التصفيق للظالم و لا يمكن غض النظر لسنوات طويلة و الشعب الآمن في فلسطين يستباح دمه و عرضه و ماله لا يمكن .



أعانكم الله جل و علا أخي أسامة و حفظكم من الظلم و القهر و الله جل و علا هو المستعان .



2   تعليق بواسطة   فتحى احمد ماضى     في   الخميس ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[87560]

حواجز القهر والموت ايضا


اضافة لما سطرة قلم الاخ اسامه اضيف ان هذه الحواجز هي حواجز للموت بعد القهر ..فانت اذا ما تحركت حركة غير متوقعة اثناء وجودك على الحاجزكان تنحني لتلتقط شيئا وقع منك فقد يفاجئك احد الجنود برصاصة ربما تكون قاتلة او تسبب لك شللا دائما بحجة محاولة طعن احد الجنود ومن السهل جدا ان يفبرك اعلامهم منظرا بوجود سكين يقوم احد الجنود بوضها بجانب جثة الشهيد او المصاب مدعين انك حاولت طعن احد الجنود فهل هناك ذل اكثر من هذا وهل هناك ارهاب واجرام منظم تدعمة الدولة اكثر من هذا ايها الاخوه الكرام .........



3   تعليق بواسطة   أسامة قفيشة     في   الجمعة ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[87562]

الأخ سعيد و الأخ فتحي


شكرا لكما على تلك الإضافه , رحمنا الله و إياكم و كان الله بعون المظلومين في كل مكان .



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-04-09
مقالات منشورة : 196
اجمالي القراءات : 1,414,880
تعليقات له : 223
تعليقات عليه : 421
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : فلسطين