أكثر من نصّ :
بحثا عن محمّد في القرآن [ 1 ]

امارير امارير Ýí 2011-12-23


]بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ[يونس 39 .

مصطلح [ النص ] مرتبطٌ دائماً بمصطلح [ التفسير ] أو [ التأويل ] الذي يهدف للوصول الى [ المعنى ] أو [ المقصد ] وراء النّص ، و هذا الفهم لا يمكن تقيّيده [ بموروثٍ ] أو [ منهجٍ ] سار عبر التاريخ ليصل إلينا معبّراً عن فهمٍ إنسانيٍّ محدودٍ مقيّدٍ بوجود المفسّر نفسه ، فتفسير النّص بل و حتّى النّص ذاته أحايين كثيرة لا يساوي المقصد دائماُ ، لأن الفهم مرتبطٌ دوماً بالمسار الذي اتّخذه المفسّر للوصول للغائيّة الغائبة عند من أوجد النّص بالدرجة الأولى ، تفسير النصّ مقيّدٌ (1)[ باللغة ] أولاً على اعتبار أن لغة النصّ عبارةٌ عن وسيطٍ بين النص و القارئ ، و (2)[ الموضوع ] ثانياً و (3)[ علاقته بالواقع ] أيضاً ، و طبعاً (4)[ بالأهواء و النوازع ] التي تحرّك الباحث عن معنى النص ، فلكل تفسيرٍ جانبٌ موضوعيٌّ ، و جانبٌ غير موضوعيٍّ [ ذاتيٌّ ] ، لكن يبقى مفتاح قراءة النص داخله ، بمعنى أن الغائيّة متّصلةً (5)[ بالتراكم المعرفي ] الذي يحويه النص من الداخل : ]هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران 7 ، و الآية هنا تحديداً تتحدّث عن التراكم المعرفي المبني على قاعدة [ الآيات المحكمات ] التي ترد في : ]الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام 114 ، تلك التي لا يمكن عزلها عن ما تشابه لها ، و هو ما يقوم به من هم في : ]قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [و هم الفقهاء الذين كما يشير النّص صراحة ، يعزلون المتشابه عن المحكم ، محاولين بناء هرمٍ للمعرفة المنفصلة عن سياقات الآية المتراكم إنطلاقاً من : ]آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [، و هذه رحلةٌ في الإتّجاه الصحيح نحو تكوين تراكم معرفيٍّ ينطلق من النّص عبره ، عبر إعادة قراءة المقصود من : ]آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ [و : ]أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [في سياق النّص القرآني نفسه ، و ننطلق من الآية نفسها حيث يقول النّص المحكم : ]هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران 7 ، و ذهب الفقهاء و اختلفوا في فهم الآية عبر أكثر من طريقٍ و أكثر من وجهة [ نظر ] تبقى في نهاية المطاف مجرّد وجهات [ نظرٍ ] لا غير ، و تم ربط الآية و دلالتها بكونها نزلت في [ المدينة ] حيث ترتبط سياقات الآيات بالأحكام لا بالعقائد ، فيكون السياق المقصود بمعنى : ]آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ [، الآيات المقتصرة على الحلال و الحرام لا غير ، فيقول الطبري عن ابن العبّاس عليه رحمة اللهمثلاً  أن المحكم هو : [ ... ناسخه و حلاله و حرامه ، و حدوده و فرائضه ، و ما يُؤمن به و يُعمل به ] ، و المتشابه هو : [ ... منسوخه ، و مقدّمه و مؤخّره ، و أمثاله و أقسامه و ما يؤمن به ولا يُعمل به ] ، و عن ابن العبّاس أيضاً في تفسير لا شأن له بالأوّل : [ ... عن جابر بن رئاب أنّه قال : أن معنى المتشابه الحروف المتقطّعة التي في أوائل بعض السور من القرآن نحو : ]ألم [، ]ألر [، ]ألمر [، ]ألص [و ما شابه ذلك ، لأنّهن متشابهاتٌ في الألفاظ]، بينما يرد عن [ مجاهد ] تلميذ ابن العبّاس أنّه رأى رأياً آخر مفاده : [ ... المُحكم هو ما فيه من الحلال و الحرام ، أمّا سوى ذلك فهو متشابه يصدّق بعضه بعضاً ] ،  ،و في الطبري أيضاً روايةٌ أخرى مناقضة عن ابن العبّاس : [ .. عن الربيع : قال عمدوا فخاصموا الرسول في المسيح ، فقالوا : ألست تزعم أنّه كلمة الله روحٌ منه ؟ ، قال : بلى ، قالوا : فحسبنا ، فأنزل الله عزّ وجلّ :  ]فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ [آل عمران 7] ، و هذه الرواية هي الأقرب لما أرى أنّه الإستنباط الأصوب ، فالحديث عن الآيات المتشابهات ليس في الحلال و الحرام ، و ليس في تشابه بادئات الآيات ، بل التشابه في السياقات التي تتكرّر فيها المفردات في النّص القرآني .

 

بعيداً عن الرواية التاريخيّة المضطّربة التي تسير عبر اتّجاه احتكار معنى الآية و سياقها و الحالة التاريخيّة الخالية من المداومة و الإمتداد الأفقي عبر الزمان المتغيّر ، فالمقصود من المُحكم و المتشابه يأتي بمعنى مكوّنات التراكم المعرفي للمفردة أو السياقات العامة للموضوع ذاته داخل النّص ، ما يجعل منه كتلةً واحدةً مُرتّلةً : ]تَرْتِيلاً [متناسقاً و متّصلاً ، فلا يمكن اقتطاف الآيات خارج النّص و سياقاته و قاموسه المعرفي عبر عزل المُحكم عن المتشابه ما يكون صورةً تحوي : ]اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء 82 ، و هو ما يقول به صريح الآية نفسها : ]فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران 7 ، حيث الحديث هنا عن البحث في تأويل و فهم [ المتشابه ] فقط ، بعد عزله عن [ المحكم ] ، بمعنى أن الأخير هو القاعدة التي لا يجوز عزلها عن المتشابه حيث يوصل الأمر الى : ]الْفِتْنَةِ [، بعيداً عن ]تَأْوِيلَهُ [الذي يوصل الى حقيقة المعنى المقيّد بسياق النّص أولاً و أخيراً ، إذ أنّ التصوّر الذهني لتفسير النّص و معناه أمرٌ نسبيٌّ ، و الحكم المعياري أيضاً مرتبطٌ بحالة المفسر و المحيط ، تغيّر الظروف الموضوعيّة يوصل الى تغيّر النتائج بل إلى تبدل أولويات المرجعيّات ، فالمعنى الموضوعي للنص متغيّرٌ ، و طاقة البشر تبقى دوماً محدودة هذا على جانب ، و على الجانب الآخر يجب علينا أن نميّز و بشدّة بين [ محاولة فهم ] النص ، و [ استخدام ] هذا [ الفهم ] ، فالأولى مبنيّة في الغالب على حسن النيّة ، أمّا الأخرى فهي دائماً مبنيّة على سوءها ، حيث يميل الفقيه دائامً الى النيّة المبيّتة في استخدام هذا التفسير و إنكار أو تجاهل ذلك ، فدلالة النّص لا يمكن أن [ تُحصر ] و معناه لا يمكن ان [ يُظبط ] و النصّ الديني/الرسالة  لا يمكن احتوائها في نصّ موازي لها إسمه [ نص التفسير ] ، بسبب اتّساع الخطاب الإلاهي داخل هذا النّص مما ينتج تقاطعاً لا ينتهي من [ التأويلات العقليّة ] و [ الغير عقليّة ] على حدٍّ سواء ، هذه التأويلات التي لا جدوى حقيقةٍ من تصنيفها [ بالحقيقي ] و [ الزائف ] ما دام القول مستند على [ انتمائيّة ] مفرطة بالأساس ، عبر سلسلةٍ من معارك [ تصفية الحسابات ] إذا صحّ القول بين [ أتباع التراث ] الفقهي لا [ أتباع الدين ] : ]وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الجاثية 17 ، ]وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [لقمان 6 ، إذ أنّ وحدة الدلالة تظل دائماً غائبة عند مصدر الغائيّة ، [ الله ] ، و فاعليّة النص الديني تتمحور حول إمكانيّة تحوّله الى [ سلوكٍ اجتماعيٍّ ] ، لا مجرّد [ نصٍّ مكتوبٍ جامدٍ ] ، بمعنى أن النّص الديني ليس [ نتائج جاهزةٍ ] بل [ مشروعٌ قيد التنفيذ ] ، مرتبطٌ بالإنسان عبر [ واقعه ] ، لا عبر [ تاريخه ] ،  و العلاقة بين النص و التفسير علاقةً غير ثابتة ، لأنها مقيّدةٌ بمكان و زمان وضع التفسير ، بل بغائيّة المفسر نفسه ، ففهم المفسّر للنص لا يبدأ أبداً من الفراغ ، البداية من الصفر أمرٌ غير ممكنٌ ، الإنسان ليس كتلةً مصمتةً تتفاعل بمعزل عن واقعها مع النص ، بل أنّ [ الواقع ] هو الذي يتفاعل [ عبر الإنسان ] مع هذا [ النص ] ، هنا يكون التفسير مجرّد قراءةٍ للواقع مقيّدٌ بظروفه الآنيّة أولاً و أخيراً ، فالنص دائماً يحوي داخله [ السر ] ، و اللغة تحوي دائماً داخلها [ الرمز ] الذي يوصل الى [ المفهوم ] العام بالدرجة الأولى لا إلى شيءٍ بعينه ، [ اللغة/الكلمة ] لا تستطيع الأمساك بدلالةٍ واحدةٍ ، و الوصول الى المعاني العقليّة عبر منهّجٍ بعينه أمرٌ صعب المنال ، فاللغة تحوي داخلها عالماً منفرداً بحدّ ذاته ، يجعل [ الفهم السطحي ] للنّص فهماً زائفاًَ ، و اختفاء المعنى داخل غموض السّر يجعل [ التفسير اللاورائي ] تفسيراً أكثر غموضاً من السر نفسه ، فضرورات معرفة معنى النّص هي :

(1)[ العقل ] : الذي لا تنبع المعرفة من ذاته بل تنبع من تطوّر الرؤيا المعرفيّة ذاتها في المجتمع عبر مراحل الإستباط ، الإستدلال و الإستقراء .

(2)[ اللغة ] : كتواضعٍ و إصطلاح لا وحيٍّ و توقيفٍ وهو ما  تعارف عليها أهل النظر حسب ما يقول المعتزلي [ ابن جنّي ] على سبيل المثال .

(3)[ التاريخ ] : مع إعتبار تعذّر الفصل بين الإسطورة و السرد التاريخي أصلاً .

 

...... يتبع

اجمالي القراءات 11705

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   موسى زويني     في   السبت ١٩ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66657]

كلام الله العزيز الحكيم وليس نص

بسم الله الرحمن الرحيم


الاخ امارير امارير


السلام عليكم


   وبعد,ارى من يلزم نفسه بالقران المجيد يعرف ان كلام الله عزوجل لا يقاس بكلام الناس(النص),وتدبر القران المجيد يؤشر على نوره عند الايمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الاخر ثم التوجه لرب السموات والارض بالبصيره وفقه الكتاب(القران المجيد)بقلب سليم والله اعلم.


      واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-23
مقالات منشورة : 42
اجمالي القراءات : 458,644
تعليقات له : 14
تعليقات عليه : 55
بلد الميلاد : libya
بلد الاقامة : libya