الجدال:
أدب الحوار في القرآن الكريم

زهير قوطرش Ýí 2010-09-01


 

 

 

أدب الحوار في القرآن الكريم.

 

القرآن الكريم ,كتاب هداية ,ومنهج إلهي يعلم الناس على اختلاف عقائدهم طرق التواصل والتعايش من أجل بناء علاقات إنسانية تقوم على السلام بين الأفراد والشعوب ,وذلك لتحقيق مشيئة الله في خلقه ,هذه المشيئة التي عبر عنها عز وجل في رده على الملائكة عندما أخبرهم وحاورهم  بأنه سبحانه سيجعل في  الأ&sp;الأرض خليفة .فكان ردهم سلبياً في مضمونه ,لكنه أجابهم  إني أعلم ما لا تعلمون.

 

"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

لهذا حرص المنهج القرآني في كثير من الآيات الارتقاء بمستوى الدعوة إلى الله  باستخدام ما نستطيع تسميته- الجدل اللطيف والبناء والهادف.

والآيات الكريمة في كتاب الله بهذا الخصوص كثيرة وموزعة على مساحة القرآن الكريم. ومنها قوله عز من قائل.

 

  سبأ -24قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  

وبتدبر هذه الآية الكريمة ,نجد أن فيها تعليم لرسول الله (ص) ولمن اتبعه آدب الحوار مع الأخر المخالف لمنهج الحق . طالما كان الهدف من الجدال هو القيمة النهائية ألا وهي خير الدعوة ,وشد الناس إليها بأسلوب  لطيف ,من خلال تفعيل واستثارة الفطرة التي خُلق عليها الإنسان ,فطرة التوحيد ,التي شابتها الإبائية والعرف والتقليد.

لنلاحظ ,لطف الحوار القرآني بقوله( وإنَّا )أي رسول الله ومن اتبعه أو (إياكم) .أي الذين كفروا ..الكافرون بالله .لعلى هدى أو في ضلال بعيد. وهنا لم يقل أنا وحدي ومن اتبعني على هدى وأنتم في ضلال وانتهى الجدال والنقاش,كما يحدث اليوم من قبل الجماعات الإسلامية ,وبعض المسلمين الذين لاهم لهم سوى تكفير الأخر ,مبتعدين عن منهج القرآن في الدعوة إلى الله.

بل قال لهم منهجنا ومنهجكم ,لا يتفقان ولا بد أن يكون هناك منهج على هدى ,ومنهج على ضلال. ولم يطلب   الخالق بجلاله أن نحدد لهم بصريح العبارة من هو  على هدى ومن هو على ضلال ..أي ترك النتائج.. حتى تدور المسائل العقدية على العقول والأبصار ,لأن الرسول ومن اتبعه يعلمون أنهم على حق.وأن منهج الله هو منهج الحق.فحتى لا يصاب الأخر بعزة الجاهلية ,لهذا ترك لهم الباب مفتوحاً لأخذ الخيارات بحرية (لا إكراه بالدين).

وفي قوله عز وجل

 

سبأ -25قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ

لنلاحظ أيضاً هذا التعبير الإلهي الذي هو في غاية اللطف في أدب الجدال.حيث نجد أن الحق لم يقل أنهم هم الذين يجرمون ,بل جعل الجرم إن صح على المؤمنين ,وجعل العمل وإن فسد مع الكافرين.كون المساواة في  قول البشر ومنهج البشر تقتضي القول ولانسال عما تجرمون.لكنه العليم الخبير الحكيم المعلم لم يقل ذلك تعليماً لرسوله وللمؤمنين ,بل نسب الأجرام  إلى الرسول والذين اتبعوه .....لأن الله تعالى يريدنا أن نتبع منهج اللطف والأدب في الدعوة إلى منهج الحق ,وهذا المنهج يتطلب من المؤمنين التحلي بالصبر والحكمة وعدم التسرع والغضب الذي يؤدي في أغلب الحالات إلى توتر الموقف والخروج عن أدب الجدال ,إلى استخدام الشتائم والسباب التي هي منهج الشيطان لإبعاد الأخر عن منهج الحق.

وأختم مقالتي أيضاً بقول الحق

وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

   

اجمالي القراءات 38329

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   نعمة علم الدين     في   الأربعاء ٠١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50869]

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَ

أدب الحوار والجدال فى القرآن الكريم ، للأسف فقد افتقد شيوخ اليوم ممن يدعون أنهم أدعياء للحق ولنصرة الإسلام افتقدوا لهذا الأدب فى الخطاب والحوار مع الأخرين ، فتسببوا فى تشويه صورة الاسلام الصحيح ، صورة الإسلام السمحة فى التعامل مع الأخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ، فقد رأيت فى أحدى القنوات الفضائية ذات مرة أحد هؤلاء الشيوخ وكان من لديه مشكلة من المشاهدين يتصل بالشيخ ليحل له هذه المشكلة ، وفجأة اتصلت أم وتحدثت مع الشيخ الهمام وقالت له عن مشكلة ابنها الذى لا يؤدى الفرائض وانضم لمجموعة شباب تفعل ما تحلو لها  ، وكانت الام حزينة لما وصل له حال ابنها وتسأل الشيخ عن طريقة تنصحه بها لكى يعود لرشده ، وكانت الطامة الكبرى فى رد ذلك الشيخ عليها ، فقد قال لها فى صورة سخرية واستهزاء لقد تركتى ابنك حتى وصل لهذه المرحلة وقادمة لى اليوم لأحل لكى هذه المشكلة أين كنت وماذا فعلت حتى وصل ابنك لهذا واخذ يؤنب فى الأم ويكيل لها ، هذا مثال بسيط على شيوخ الفضائيات وطريقتهم فى الحوار مع المسلمين وهى طريقة السخرية والاستهزاء ،فما بالك بطريقتهم مع من يختلف معهم فى العقيدة  فقد نسوا قوله تعالى فى كتابه الكريم


{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125


2   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الأربعاء ٠١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50873]

ادفع بالتي هى أحسن

الأستاذ الفاضل / زهير قوطرش السلام عليكم ورحمة الله وكل عام وأنتم بخير


دائما مقالاتك بها الكثير من النصح بحسن التعامل مع المختلف معنا وحسن المجادلة معه فالخالق العظيم هو أعلم بخلقه من ضل منهم ومن اهتدى فهذه ليست مهمة بشرية ولكنها متروكة لله الخالق العالم بمن خلق .


والقرآن الكريم وآياته البينات هى خير معلم  وخير معين لنا على الصبر على الأذى الذي يلحقنا  من  الشيوخ ومن تسلط ألسنتهم وحدة طباعهم


فلو تدبرنا قول الله تعالى  {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ }المؤمنون96


{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34.


فالله تبارك وتعالى يأمرنا بأن نتعامل مع المسيء لنا بأخلاق قرآنية حميدة فلو أطعنا الأمر الإلهي فسوف نجد أن سلوك الشخص المعادي لنا قد تغير من النقيض للنقيض ( فمن العداوة للحميمية )


فلو حاول الشيوخ فهم هذه الآيات وتقبل رأي الآخر المخالف لهم في الفكر والتوجه فسوف يتغير حال الكثيرين منهم .


هدانا الله وهداهم إلى ما يحبه ويرضاه


3   تعليق بواسطة   رضا عبد الرحمن على     في   الأربعاء ٠١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50876]

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتّ

شكرا أستاذ / زهير على هذا المقال المبسط المختصر في لغة الحوار التي يدعونا ربنا جل وعلا باتباعها مع كل مخالف لنا في الفكر او الدين


وهذه اللغة الراقية الحضارية وهذا الأسلوب اللطيف الهاديء المؤدب له حكمة من المولى عز وجل أن يكون الإنسان المسلم المؤمن بالله نموذجا للتحضر والتمدن وأدب الحوار ليكون قدوة لغيره من الناس سواء يختلفون معه فى ال\دين أو يتفقون فيجب على الإنسان المسلم المؤمن بالقرآن الكريم أن يكون حقا نموذجا لكل الناس وأول ما يظهر صفات الإنسان هو أسلوبه فى الكلام وطريقته فى الحوار وطريقته في عرض رأيه على الناس ، لذلك نجد العديد من آيات القرآن الكريم جاءت تعلم خاتم النبيين نفسه هذه الصفات وهذا الأسلوب وهذه الطريقة ، وهذه الآيات لنا جميعا من بعد خاتم النبيين ، ويقول ربنا جل وعلا لخاتم النبيين أن بقدرته ومشيئته أن يؤمن كل من فى الأرض ، لكن يا محمد لا يمكن لك أن تكره إنسان على الإيمان ولكن كما قال ربنا جل وعلا لا إكراه في الدين ، وهذا درس عظيم لكل الناس الذي يضعون أنفسهم في مرتبة أعلى وأفضل من باقي البشر وذلك لمجرد أنهم دعاة أو خطباء تجدهم يصرخون فى خطبهم بعلو الصوت ويجلسون فى أماكن مرتفعة عن الناس ، ولا يسمحون لأحد مناقشتهم فيما يقولون وكأنهم أفضل من الأنبياء والرسل ، والسبب انهم ابتعدوا عن منهج القرآن الكريم .


4   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الخميس ٠٢ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50901]

و لو كنت فظا غليظ القلب...


• الاستاذ العزيز / زهير قوطرش كل عام وأنتم بخير بمناسبة قرب انتهاء شهرالقرآن شهر رمضان .. قرأنا المقالة اللطيفة والتي تعطرت بعطر الهدي القرآني فكانت كلماتها وجملها لطيفة هادئة تمس القلب والعقل معا ...


• فمن يركن الى القرآن فلابد وأن تمسه الرحمة والبركات ، ألست معي أن كل من يقرأ آية من القرآن ويتدبرها يأتي بجديد لم يات به غيره حتى ولو تدبر نفس الاية ؟؟


• و هاكذا تأتي آية قرآنية عظيمة تقرر لنا صفة أصيلة في شخص النبي محمد في دعوته إلى الإمان بالرسالة الخاتمة (القرآن) . و في تأسيسه لدولة المدينة .


• هذه الصفة هي اللطف و لين القلب


• كان العربي وقتها في عصر الرسول مغاضبا فظ القلب سريع الغضب يشهر سيفه في صغائر الأمور وكبيرها


• مثل عمر بن الخطاب كان سريع الغضب سهل الأستثارة و من مجالسته للرسول و تأدبه بأدب القرآن تحول إلى نقيد


• هذه هي أخلاق الداعية الذي يتأدب بأدب القرآن .

 

5   تعليق بواسطة   Brahim إبراهيم Daddi دادي     في   الخميس ٠٢ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50907]

أخي الحبيب الأستاذ زهير قطرش تحية من عند الله عليكم،

أخي الحبيب الأستاذ زهير قطرش تحية من عند الله عليكم،

أكرمك المولى تعالى في الدنيا والآخرة.

أرجو أن تعذرني لفقري للوقت فلا أتمكن من التعليق فيما تخط أناملك المباركة الكريمة، رغم أنني أستفيد الكثير مما تكتب، وأكتفي بالدعاء لك عن ظهر الغيب أن يمتعك المولى تعالى بالصحة ما دمت حيا، وأن يرفعك الله الدرجات العلى لما تقوم به من جهاد في سبيل الله، ونشر دين الله بين الناس بما أنعم الله تعالى عليك من العلم والخلق العظيم، راجيا بذلك ما عند الله ولا تبغي من غيره سبحانه جزاء ولا شكورا.

ومما ذكرتني به في هذا المقال الرائع ملاحظتك حول قول الله تعالى: قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ .سباء "25". فقلت: لنلاحظ أيضاً هذا التعبير الإلهي الذي هو في غاية اللطف في أدب الجدال.حيث نجد أن الحق لم يقل أنهم هم الذين يجرمون ,بل جعل الجرم إن صح على المؤمنين ,وجعل العمل وإن فسد مع الكافرين.أهـ




ولنا في يوسف عليه السلام مثل ذلك القول إذ قال لإخوته بعد أن من الله تعالى عليه فأصبح على خزائن الأرض حفيظ عليم، فقال: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي. "100" يوسف. نلاحظ أن يوسف عليه السلام كان ذو خلق عظيم، حيث أنه نسب نزغ الشيطان لنفسه قبل إخوته الذين فعلا قد نزغ الشيطان بينهم، ففعلوا بأخيهم ما فعلوا، ومع ذلك عفا عنهم وقال: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ(93). يوسف.

نعم أخي الحبيب الأستاذ زهير لو أن المسلمين يتدبرون القرآن وتخلقوا بالحكمة التي جاءت فيه، لما وجدوا وقتا لغيره مما أوهموا أنه من عند الله ومن سنة الرسول عليه السلام...

لك مني أخي الحبيب أخلص التحيات وأزكى السلام.


6   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   السبت ٠٤ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50933]

الأخوات وألأخوة الأعزاء

أشكركم على مروركم الكريم .وكما ذكرت  فانه ليسعدني دائماً تعليق الأخوات والأخوة ,لأن التعليق هو في الحقيقة إغناء للموضوع .وكلنا نحاول استنباط الكنوز القرآنية بتدبر القرآن ,ومعاينة هذا التدبر على أرض الواقع.


أدب الجدال ,وأدب النقاش ,التي جاءت في صريح النصوص ,يجب أن تكون ملزمة لكل مسلم ومؤمن طالما أمن بكتاب الله .وهذه هي الميزة التي يجب أن تميزنا عن الأخرين.لكن مع كل أسف ,ترك بعض الدعاة الذين يؤثرون في الفرد المسلم ,هذه الأخلاق القرآنية ,واستبدلوها بتراث وفقه كره الأخر ....وكانت النتائج انعزال الأمة الإسلامية ..


شكرا لكم


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-25
مقالات منشورة : 275
اجمالي القراءات : 5,711,386
تعليقات له : 1,199
تعليقات عليه : 1,466
بلد الميلاد : syria
بلد الاقامة : slovakia