دلالات صعود تيار الإسلام السياسي
دلالات صعود تيار الإسلام السياسي..
عبدالله عبداللطيف المحامي *
ألسنا ديمقراطيين ؟ ونؤمن بالتعددية السياسية والفكرية ؟ ونؤمن بالتداول السلمي الديمقراطي للسلطة عن طريق صناديق الإقتراع ؟ نعم نحن كذلك . إذن لماذا الفزع من النجاح الملحوظ الذي حققه تيار الإسلام السياسي في الإنتخابات النيابية الأخيرة في مصر ؟!!
نعم فزعنا.. ولابد أن نتوقف كثيرا أمام الحدث.. ليس رفضا له.. ولكن وقفة تحليلية لكي نفهم ما حدث وكيف ولماذا ؟
ولنبدأ بالسؤال هل كان هذا الصعود طبيعيا ؟ هل جاء نتيجة تطور مجتمعي وسياسي يؤدي إليه ؟ هل كان وليد مناخ ديمقراطي حقيقي ؟ هل كان تداولا سلميا للسلطة في مصر أم إنقلابا – حدثا فجائيا – يشبه الإنقلابات العسكرية ؟
باديء ذي بدء.. نقرأ الخلفية العامة للحدث.. مناخ ديمقراطي ناقص الأهلية.. قالوا هي إنفراجة ديمقراطية وخطوة أولي للإصلاح السياسي في مصر، لكن أين هي باقي عناصر الصورة الديمقراطية ؟ أحزاب كثيرة نتوه ونجهل حتي أسمائها حبيسة المقرات والصحف ليس لها أدني إرتباط برجل الشارع، مؤسسات مدنية مقيدة الحركة متهمة دوما إذا ما خرجت عن الطوق الحكومي أو مارست عملها بحرية، حالة طواريء دائمة تحول بين المواطن والمشاركة الحقيقية في إدارة شئون البلاد، إنتهاكات منهجية لأبسط حقوق الإنسان للمواطن العادي بعيدا عن النشطاء لدرجة أن أصبح المواطن العادي أيا كان نصيبه من مستوي التعليم يتحاشي دخول قسم الشرطة لأي سبب حتي لو كان صاحب حق ، نسبة كبيرة من الأمية الأبجدية والثقافية والسياسية ، نسبة مرتفعة من البطالة ، تأخر ملحوظ في سن الزواج لدي الذكور والإناث علي السواء بما يترتب علي ذلك من نتائج ، إنتشار ظاهرة العشوائيات ، وسط هذا الجو ينهار الحلم ، ويستقي الناس ثقافتهم ومعلوماتهم من المنابع السمعية سواء كان منبرا أو شريط كاسيت ، وهنا يبرز دور الجماعات الدينية التي تنشط في ظل هذا المناخ المساعد لها ، تلك هي الصورة العامة لخلفية الحدث .
أما عن الحدث ذاته.. فحدث ولا حرج.. بدءا من عدم تنقية الجداول الإنتخابية بوجود أسماء مكررة وأسماء خاطئة وأسماء موتي وأسماء مسافرين للخارج وأسماء منقولة من جداول إلي جداول أخري ومن لجان إلي لجان أخري ، بحيث يتعب المواطن من البحث عن لجنته التي يصوت أمامها فيقول بركه يا جامع !! ومن مشكلة الجداول إلي دور المال في العملية الإنتخابية والدعاية والرشاوي، حتي بتنا نسمع عن حجم إنفاق يصل إلي الملايين، هذا المناخ الفاسد كون فئة يمكن أن نطلق عليها سماسرة الإنتخابات وأصبحت هذه المرحلة بالنسبة لهم موسما يجمعون فيه الأموال من المرشحين تحت أي مسمي، وجانب المال ظهرت أيضا البلطجة الإنتخابية بحيث أصبحت عنصرا من عناصر العملية الإنتخابية لا غني عنه وأصبحت تمارس علنا وأصبح لها سيناريو وأسعارا في البورصة الإنتخابية، والظاهرة الملفتة للنظر هي حمي الترشيح أو عدوي الترشيح بحيث في الدائرة الواحدة تجد نفسك تختار من بين خمسين مرشح أو أكثر لتختار إثنين فقط، في حين أن المرشحين الحقيقيين لا يزيد عددهم عن الخمسة مرشحين والباقي إما رشح نفسه من باب الوجاهة أو الدعاية لإسمه، أو مرشح ظل قدم أوراق ترشيحه لحساب أحد المرشحين الأقوياء بغرض التفتيت في الأصوات أو لإستخدامه في الطعن علي مرشح آخر لأنه يملك الصفة وذلك كله مقابل مبلغ من المال مرصود له ، وهؤلاء المرشحين الصوريين علي كثرتهم لا يحصل الواحد منهم إلا علي نحو ثلاثين أو خمسين صوتا من مئات آلاف الأصوات ، وذلك كله في ظل إنعدام وعي المواطن بالدور المنوط بالعضو البرلماني وهو التشريع والرقابة علي أعمال الحكومة والولاية علي المال العام وأنه نائب عن الشعب والأمة بأسرها ولا يمثل دائرته فحسب ، فلازال المواطن يعتقد أن دور العضو البرلماني هو التدخل للحصول علي تأشيرة من أي مسئول علي طلبات المواطنين .
هذا هو الحدث.. لعل أبرز ما فيه بياضا هو الإشراف القضائي علي عمليتي التصويت والفرز، وأكرر ما قيل من قبل علي قدر ما نكن من إحترام للقضاء وأنها بالفعل خطوة إيجابية لكنها ظلمت القضاء لأن المنظومة الإنتخابية غير كاملة، فتحمل القضاء – وهو بريء – عوار النتيجة السلبية لهذا المناخ غير الديمقراطي والإسم أنها تمت تحت إشراف قضائي.
في ظل مثل هذا المناخ لا نستغرب الصعود الإخواني في الإنتخابات البرلمانية ، فخطابهم الديني المخلوط بالسياسة ، وشعاراتهم الدينية كلإسلام هو الحل تجد التربة الخصبة للإنتشار والقبول تحت ضغط تأثير الثقافة السمعية من المنابر وشرائط الكاسيت التي تهييء عقول الناس لتقبل مثل هذا الخطاب .
كذلك .. التعاطف مع أصحاب هذا الخطاب من قبل المواطنين فهم المضطهدون من قبل الحكومة التي لها تاريخ غير مشرف مع المواطن وهي بنظره سيئة السمعه، وبالتالي فإن إختيارهم لم يأت في المقام الأول علي أساس موضوعي ولكن لرفض الآخر.
فضلا عن ضعف بنية الأحزاب والقوي السياسية الأخري بفعل المناخ غير الديمقراطي ومن ثم فليس في الساحة قوي فاعلة مرتبطة بالناس لعمل التوازن المطلوب مع قوي الإسلام السياسي فالساحة خالية لهم من ثمة منافس فلماذا لا يتقدمون ؟
عبارة ترددت كثيرا وتثبت الأيام صحتها ( أقلية منظمة تكسب الأغلبية المبعثرة ) وهي برأيي توازي المثل الشعبي القائل ( كذب مستف يعني منظم ومرتب ولا صدق مفعكش يعني مبعثر وغير منظم ) ، وأتصور أن جماعة الإخوان المسلمين تسير علي ذات القاعدة فهم جماعة تمثل أقلية في المجتمع لكنها منظمة وممولة علي أعلي مستوي من التنظيم والتمويل ، وقد تناولنا في وصف المشهد الإنتخابي في مصر عناصر التفتيت وبعثرة أصوات الناخبين بين العديد من المرشحين الوهميين أو الصوريين أو غير الأقوياء مما يتيح الفرصة لمرشح الإخوان الذي يضمن كتلة أصوات الجماعة في الدائرة المنظمة فضلا عن المتعاطفين فضلا عن الكارهين للحكومة فضلا عن المتحفظين علي باقي المرشحين الدائرين في فلك الحكومة فضلا عن المخدوعين بشعارات الإسلام هو الحل والمنتظرين الجنة في الدولة الدينية الجديدة .. فلماذا لا يتقدم الإخوان المسلمون ويحصدون المقاعد ؟
ولازال الحظر القانوني لجماعة الإخوان المسلمين يخدمهم لدي قطاعات عديدة في المجتمع ، والحكومة أيضا تخدم الجماعة بسياستها تجاهها ، فلا هي طبقت القانون الذي يحظر تكوين جماعات سياسية علي أسس دينية وتعاملت معها علي أنها محظورة وممنوعة قانونا من ممارسة ثمة أنشطة سياسية ، بل تركتها وأعطتها حرية الحركة بل وأضفت عليها مشروعية ، فلهم مقر معلوم ، ولهم مرشد عام يدلي بتصريحات للصحف ووكالات الأنباء والإذاعة والتلفزيون بهذه الصفة ، ولها متحدث رسمي ، ويعقدون اللقاءات والصفقات والمؤتمرات ويخوضون الإنتخابات بإسم الإخوان المسلمون ، والحكومة أذن من طين وأذن من عجين تتفرج علي المشهد والمسيرات الحاشدة للإخوان ، ووقت اللزوم تحتجز عناصرهم وتقبض عليهم الأمر الذي يزيد التعاطف معهم والتعامل معهم بحسبهم شهداء وضحايا الحكومة .
والجماعة المحظورة مرتاحة لهذا الأمر – فهو في مصلحتها – ترفض أن تمارس عملها السياسي من خلال حزب سياسي ببرنامج سياسي وليس ديني وتقبل أن تنخرط في فعاليات المجتمع المدني وتتخلي عن الشعارات الدينية ولا تخلط بين المقدس بالمتغير وبين الثابت بالمختلف عليه.
الجماعة هنا مستفيدة من كل العوار الموجود في السياسة والنظام الإنتخابي وواقع المجتمع المتأخر، وتجيد التعامل مع هذا العوار بكل اللغات وبكل اللهجات وبكل الطرق فعندها الغاية تبرر الوسيلة ولو كانت رشاوي إنتخابية كما رصد تقرير إحدي منظمات المجتمع المدني التي تراقب العملية الإنتخابية حيث رصدت أن أحد مرشحي الإخوان بأحد الدوائر كان يوزع مظروف به مبلغ مالي وكتب عليه إنتخب أخيك المسلم .
في ظل هذه الأوضاع هل تستغربون الصعود الإخواني ؟
الإخوان أنفسهم لا يصدقون حجم المقاعد التي أحرزوها ؟
لكن مثل هذا الواقع يعطيهم أكثر مما حصدوا
لا تستغربوا
------------
• عضو المكتب التنفيذي ومجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان .
• Elmohamy20@hotmail.com
اجمالي القراءات
13477