Brahim إبراهيم Daddi دادي Ýí 2014-03-22
بين فساد له نسب وفساد يبحث عن النسب بضراوة.
كتب عبد الله القصيمي في كتاب: كبرياء التاريخ في مأزق ما يلي:
يرفض الإله الكبير أن يكون له شركاء، كما يرفض الطاغية واللص الكبير أن يكون معه طغاة ولصوص آخرون ينافسونه على التفرد، لهذا يقاوم الثوار الطغاة أحيانا الفاسدين واللصوص الصغار والمتكبرين على المجتمع بحزم ودعاية. وليس الدفاع لهم حينئذ أخلاقيا أو وطنيا، بل كالدفع لهم حينما يقاومون المفكرين والمحتجين والمقاومين لطغيانهم والرافضين للنفاق وعبادة الأصنام البارزة المولودة على فراش غير شرعي ـ إنهم يقاومون فسادا له تاريخ لينصروا عليه فسادا ليس له تاريخ ليكون أكثر غباء وبذاءة وفتكا ـ إنه قتال بين فساد ذي نسب وفساد بلا نسب ويبحث عن النسب بضراوة، إنهم في الحالتين ـ أي حينما يقاومون هؤلاء وهؤلاء ـ يريدون أن تكون القوة والسلطان لهم وحدهم. فالطاغية الذي يريد أن يتفرد بالقوة والحرية والفساد والامتلاك قد يرى في القضاء على السرقات والمفاسد والمظالم الصغيرة المعنى الذي يراه في القضاء على جميع حريات الآخرين ومنافستهم. والفساد والظلم اللذان يسمح بممارستهما، أو اللذان لابد أن يكونا، يجب أن يكون هو الذي يسمح بهما، كالإصلاح والتطوير اللذين يريدهما ويوافق عليهما، أو يعمل لهما تحت أضخم الإعلانات والدعاية الضاجة ـ هذا وهذا وكل شيء يجب أن يكون بإذنه بل كمنحة من عنده.
إن الطاغية السارق القاتل قد يعاقب القتلة واللصوص أكثر أو بأسلوب أعنف مما يفعل المجتمع الحر. وهذا أسلوب من أساليب نفي المشاركة له حتى عمل السوء، إنه يجد أعظم البهجة في أن يكون وحده السارق القاتل، وهذا يساوي في مشاعره أ، يكون وحده البطل العبقري!
إذن فحينما نجد الطغاة يقاومون المظالم والمفاسد التي يأتيها الأقوياء المتعددون المنافسون لكبريائهم وتفردهم لا ينبغي أن نفرح بذلك ولا أن نعده عملا صالحا أو عملا من أعمال العدل والنزاهة، فليست مقاومتهم هذه إلا تعبيرا عن أنانيتهم القائمة على مقاومة كل قوة وحرية غير قوتهم،إنها بحث عن الانفراد بالسلطان وعن الذلال للجميع ليكونوا هم وحدهم السادة المتفوقين، وليست بغضا للعدوان.
إن قطع يد السارق وقطع لسان المفكر الناقد لدمامة الطغيان لسواء في حساب الطاغية الذي يريد أن يسحق جميع احتمالات المنافسة له.
وتعريف الطاغية: إنه إنسان شره سارق جدا، يريد سرقة جميع الأشياء، ويريد أن تكون جميع الحريات وألوان القدرة له وحده، حتى السرقة والفساد يجب أن يكونا له وحد، ويجب أن يتصدق بهما على الآخرين حينما يرى أن يسمح بهما لبعض أعوانه أو لبعض الناس لغرض من الأغراض الكثيرة، أو لأن عهد الطاغية لابد أن يكون من أكثر العهود ازدهارا بالفساد والسرقة. فالطاغية إذا عاقب لصا أو أو قاتلا أو مرتشيا أو مستغلا فهو إنما يعاقب ـ في قصده ـ حرية ذلك المنافس له، ولم يرد أن يعاقب معنى الجريمة أو الفساد فيه، وإلا لقتل نفسه لأنه هو أعلى مستويات الفساد والجريمة.
إن المصحف والسجن لا يعنيان في حساب الطاغية إلا معنى واحدا.
ولم يزل الطغاة في جميع العصور يتفننون في ابتكار الحيل التي يستطيعون أن يمتلكوا بها كل أسباب القوة والنفوذ في المجتمعات. لم يكن كافيا لطموحهم القاتل أن يملكوا كل سلطان الحكم المطلق بكل أساليبه وأجهزته وكبرياءه، بل إنهم يريدون أن يسرقوا من جميع الطبقات والطوائف كل ما في يدها من تاريخ ومال ونسب ومجد وكبرياء وأحزان وأرض، بل وذكاء وتفكير وكلام وأنين وشكوى، ليملكوا هم كل ذلك، لأنهم يريدون أن يملكوا كل شيء. لقد سلبوا مجتمعاتهم جميع ما تملك من أشياء وقيم تحت شعارات العدل والإنسانية وملكية الشعب لوسائل الإنتاج وإزالة الفروق والقضاء على الطبقية، وكان قصدهم أن يمتلكوا هم كل ذلك لا أن يهبوه المحرومين والمظلومين، إنهم يأخذون من الذين يملكون، ولكنهم لا يعطون الذين لا يملكون. لقد كانوا يريدون أن يحطموا كل الآلهة الصغيرة الضعيفة المتفرقة التي تملك مخاطبته، فكيف يمكن نقده أو تخويفه أو الأخذ منه ـ لقد كانوا يكررون ما حدث ذات يوم في التاريخ حينما قال الناقدون لما حدث: ( أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب). وإنه لخير للبشر أن يعيشوا في مجتمع فيه عديد الآلهة الضعيفة التي يخاف يعضها من بعض وينافس بعضها بعضا من أن يعيشوا في مجتمع يستبد به إله واحد لا حد لقدرته.
لقد كانت عملية تجميع وتضخيم باهظة التكاليف، كانت تجميعا لكل البنوك في بنك واحد، ولكل الأنانيات والأحقاد في حقد واحد وأنانية واحدة، ولكل الأيدي الضاربة في يد واحدة لا مثيل لها في قدرتها على الضرب والتدمير والإذلال. إنهم يريدون أن يحولوا كل شيء إلى هبة منهم حتى العمل والقدرة على العيش.
كانوا يلعنون الطبقات القديمة ويشنعون عليها لأنها كانت تملك بعض المجتمع: تملك بعض ناسه وأفكاره وقدرته وجاهه وإنتاجه وثروته، وتتصرف في هذا الذي تملك بالشهوة والمصلحة والاستبداد والغرور، ولكنهم قد أصبحوا بعد انتصارهم يمتلكون بأقسى وأطغى أساليب الامتلاك كل المجتمع، كل ما فيه من ثروات وإنتاج وقدرة وأفكار وعلم ومجد وكرامة وحرية وتاريخ وبشر، ويتصرفون فيه أوقح أساليب التصرف لمصلحة أهوائهم وطموحهم وتوترهم وتوطيد قوتهم ـ بالمجتمع كله يتاجرون ويغامرون ويناورون ويحاربون ويرشون ويبيعون ويشترون ويهددون، بل وشاتمون الآخرين ويفاخرونهم ويكاثرونهم بهذا المجتمع، بكل أشيائه وناسه، يحلون كل شيء إلى معاملة من معاملاتهم التي يبحثون بها عن المجد أو عن الجنون.
يفعلون كل ذلك دون أن يوجد لسان واحد يجرؤ على أن ينكر أو يسأل، أو فكر واحد يصدم أو يتململ، بل هل هتاف كل الأجهزة لهم ، مع هتاف كل مفكر وكاتب وأستاذ وعالم وأديب وفنان وراقص، وهتاف كل طبقة وطائفة، بل مع هتاف كل الآلهة والأنبياء لهم من فوق المآذن والمنابر والآيات والأحاديث التي تتلى وتفسر ثناء عليهم وتأييدا لما يفعلون، حتى لقد أصبح ذلك الفساد القديم الذي هزم تحت جبروت هذا الفساد الجديد نوعا من المثالية المرحومة في تقدير بعض الناس ونوعا من الترف في خيال هذا الفريق وأمانيهم أن ينتظروا عودة ذلك الإثم القديم ليكون كفارة بذيئة في تقديرهم عن هذا الذي يلقون ويشاهدون من هؤلاء الطغاة المحررين!
ويقول:
إن تكاليف عرس واحد كبير من أعراس الآلهة لتفوق ما يسرقه الألوف من اللصوص المدربين، ربما في حياتهم كلها. ويذهب ما يأخذون أيضا ثمنا للتخريب والعجز الذي يصيب أي عمل يسيطر عليه هؤلاء الطغاة وأجهزتهم الجاهلة المغرورة.
كم أشك في قيمة الإنسان حينما أجد هذا الطغيان الجديد قد حول كل شيء إلى فقر وهوان وتفاهة ووثنية ـ حوّل الأغنياء الأعزة إلى فقراء وأذلة، وحوّل الأذلة الفقراء إلى أقل من فقراء وأذلة، وحوّل المفكرين إلى غير مفكرين، إلى منافقين وتافهين، وحوّل الصحافة إلى عار، وحوّل رجال الدين إلى عبدة أصنام، بل حوّل الكتب المقدسة إلى شروح للوثنية وإلى هتافات للطغيان والأكاذيب، حتى كأن الأنباء جميعا لم يبعثوا إلا للتبشير بهؤلاء الثوار الطغاة، وللتحدث عن مزاياهم، وكأن الآلهة لم تخلق الكون وتمارس أعمالها إلا ترحيبا بهم وتحية لهم، وحتى كأن جميع المنابر لم ترفع إلا لإلقاء الخطب الضارعة تحت أقدامهم.لقد وضع رجال الدين كل الآلهة، و ووضع المفكرون والأساتذة كل التفكير والمذاهب والنظريات، ووضع العلماء كل العلم والقوة، ووضع العمال والجنود كل العمل والدماء والعرق ـ وضع كل هؤلاء كل هذا تحت أحذية هؤلاء الطغاة ليحولوه إلى جنون وطعام لأهوائهم وطموحهم الفاسق القاتل السارق.
يتبع.../...
انظري أيتها النجومالحليمة التي لا تستطيع كل دمامات الأرض تغضبها.
إن أحد هؤلاء اللصوص استطاع أن يصعد دون عناء كبير على كرامة مجتمع ضخم، وراءه تاريخ، وفيه جماعات وأساتذة ومفكرون وشعراء وكتاب وفنانون ورجال يتحدثون عن أن العظمة والقوة للسماء وحدها، وعن أن العبادة للإله وحده، وفوقه أله مطلق القدرة والكمال والعلم، يرى ويسمع بأدق وأقوى الحواس ويحاسب أقسى حساب، ويرفض المنافسة ويقتل عليها، وأمامه حضارة هائلة تهزه وتتحدى ضعفه وخنوعه، انظري أيتها النجوم الناظرة بلا رؤية إن أحد هؤلاء اللصوص جاء إلى هذا المجتمع فسرق منه بلا معاناة كل شيء، سرق منه كل زعمائه لأن هذا اللص يريد جحد هؤلاء الزعماء لأنه يرفض المنافسة، وهو يغار أن يكون لأحد سواه مكان في التاريخ، وسرق منه جامعاته وأساتذته وشعراءه وكتابه وفنانيه ومفكريه، لقد سقطوا جميعا تحت عتاب عرشه يهتفون ويبكون ويضرعون ويزيفون كل الأشياء إرضاء له ولجنونه، إنه إذا أهانهم أو حاكمهم أو سلبهم أو لعنهم هدوا ذلك تكريما منه لهم، والتفاتا متواضعا إليهم، وحولوه إلى عبادة له وصلوات يرفعونها إلى قدميه بضراعة وارتجاف، وإذا سرق منهم آلهتهم تحول رجال الدين إلى مؤدبين ومروضين لهذه الآلهة، يعلمونها كيف تطيع وتتوافق مع شهوات وجنون هذا اللص، وتحولوا أيضا أي رجال الدين إلى مفسرين لهذه الآلهة تفسيرا مشوها كئيبا لتكون على صورة هذا اللص القاتل المشوه وعلى مقاسات رذائله!
حدثينا صادقة أيتها النجوم، في أية منطقة من مناطق التاريخ كان الإنسان فيها حرا وشجاعا وذا كرامة؟ أحينما كان الكون كله أربابا متوحشة تقتات بكل احتمالات ذكائه وكبريائه؟
لقد كان الإنسان في كل مستويات التاريخ يقدم طعاما لطموح الآلهة والحكام والزعماء الطغاة والمعلمين الجهلاء، كان يقدم طعاما سهلا في الحروب والمغامرات والاستعراضات وفي أعمال الحراسة، وفي المعابد، وفي تعلم الغباء والطقوس الذليلة، وفي فعل الشيء ونقيضه وفي الطاعة اليوم والمعصية غدا أو العكس، وفي اتباع هذا المذهب أو الطاغية واتباع المذهب أو الطاغية المخالف له، وفي الإيمان بالنبي والإيمان بالدجال، وفي الصلاة لله والصلاة للشيطان، وفي بناء المدن وهدمها وفتح الطرق وإغلاقها. لقد كان الإنسان في كل مستويات التاريخ يقدم كذباب طعاما سهلا في كل هذه التناقضات والاستعراضات، كان يعامل ويساق كشيء لا كإنسان...
وإنه لا يزال حتى اليوم يعامل ويساق كذلك حتى في هذا العصر راح يطلق في المغامرات الكونية، إلى القمر والأكوان الأخرى، يطلق كما تطلق الأشياء والحيوانات، يجرب عليه الطغاة قوتهم ويعرضون على حساب سعادته ألعابهم. ويعدونه ليخوض حربا فضائية، ضد القمر، ومن القمر ضد خصومهم ومنافسيهم.
يتبع.../...
فمتى إذن أيتهاالنجوم الخالدة كان الإنسان حرا أو شجاعا أو ذا كرامة؟ لقد كانت المذاهب والنظم والناس والعقائد والحكام والمعلمون والكتاب، يلعبونها أحيانا على مستوى الحرب، ودائما على مستوى الحقد والأنانية والبغضاء والبذاءات !.
أيتها النجوم المترفعة، لست أرى أنه يوجد منظر يلعن الإنسان ويتحدى شرفه مثل منظر طاغية مشكوك في شجاعته وذكائه: يصاب بالجنون أو التوتر أو بشهوة الحرب أو الاستعراض أو المغامرة أو الكبرياء أو الوقاحة، فيصاب المجتمع كله بذلك ويتحول بلا مقاومة إلى طعام شرير لهذه الآفات التي تصيب رجلا واحدا غير معقول، لست أرى شيئا يطعن في كرامة الإنسان وذكائه بلا شفقة مثل أن تتحول شهوات طاغية مريض إلى معبد مظلم كئيب تتجمع وتصلي فيه مواهب وطاقات وشهوات مجتمع بأسرع.
إن رجلا واحدا أو مجموعة من الرجال المتوترين أو المغامرين أو الأغنياء قد يسرقون العالم كله إلى ما لا يريد،إلى الحرب، فيخوضها وهو يغني أعلى الشعارات والمذهبية دويا. فأين إذن ذكاء الإنسان أو كرامته أو حريته؟
إن معنى الحرب أن رجلا أو رجالا يأمرون مئات الملايين من البشر بأن يزحف بعضهم إلى بعض، ليقتل بعضهم بعضا، ويدمر مدنه وحقوله دون أن يعرف القاتل المقتول أو يسيء أحدهما إلى الآخر أو يدينه بشيء أو يريد شيئا، وهذا كما لا يخفى أعلى مستويات الذكاء والأخلاقية!
أيتها النجوم إني أتهمك ـ أتهمك بمحاباتك لأعداء الإنسان أو بضعف ذكائك أو ببلادة غضبك. اسقطي لتكوني نبيلة وصالحة فوق هذا الفساد الباحث عن المجد بلا شرف، أو فتورى حياء وكرامة ـ اهبطي من عليائك أو فهبي شيئا من تعاليمك لهذا الإنسان الذي لم يزل ينظر إليك بلا شمم في كبريائه أو ذكائه مهما صنع الصواريخ الكونية أو حلق فوق الكون أو آمن بالآلهة والطغاة أو أسقط ـ إنه في كل ذلك تابع مغلوب ، يعبد الأصنام ويطيع الأوامر ويفعل ما يهب أعداءه الجنون والغرور والقوة عليه والخداع له!
ماذا يعني القائد أو الزعيم أو الحاكم أو البطل أو المعلم؟ إنه هو إنسان ينتصر علينا أو يعجبنا أو يخدعنا بلا عقلية أو إنسانية أو وطنية.
وماذا يأخذ منا ؟ يأخذ منا الحرية والرخاء والشرف والكرامة والذكاء والشعور بالأمن، ويأخذ منا أحيانا الحياة إذ يحولنا إلى حروب ومؤامرات وحرائق وتجهيزات لمجده الصانع للموت والفقر. ولكن ماذا يعطينا ؟ يعطينا الخصومات والعداوات والبغضاء لجيراننا وأقاربنا ولجميع الآخرين، ويعطينا أيضا البذاءات والأزمات والشعارات والمذاهب المعادية للأطفال والنساء والتسامح، ويعطينا الأجهزة الدعائية الهائلة الممتصة لوقارنا وذكائنا، ويحولنا إلى أشعار وأناشيد في التغزل بكبريائه، وإلى موسيقى حربية جارحة لشرف الأذن وسلامها، ويعطينا مكاتب مخابرات وجاسوسية لا مثيل لها في الضخامة والشمول وغلاء الثمن وفي إفساد الخلق وقتل الضمير وإرهاب المستوى الإنساني في الإنسان!
يتبع.../...
ولكن من الإنصاف أن نقول إنه يعطينا بعد ذلك وفوق ذلك انتصارات عظيمة أحيانا. وهذه لا تنكر، ولكنها انتصارات عليه هو، لا منه ضد أعداء آخرين. إن هذه الانتصارات ليست سوى تخلص منه ومن هزيمته هو للإنسان، فالانتصارات لأي زعيم ليست إلا هزيمة للزعامة التي تعيش فيه وفي الزعماء الآخرين. ذلك أن انتصار أي زعيم أو قائد أو حاكم أو معلم ليس انتصارا مكسوبا ضد الطبيعة أو الفراغ، وإنما هو انتصار على طغيان زعيم أو قائد أو حاكم أو معلم آخر!
إذن لا يوجد انتصار، فانتصار زعيم ما إنما يعني فقط هزيمة لجبروت زعيم آخر،إذن كأن الزعماء والقادة والحكام والمعلمين لا يعطون انتصارات، ولكنهم بمجموعهم يعطون انتصارات وهزائم وظلما، ومجموع هذه وهذه لا يساوي انتصارات فقط، بل يساوي بعض الانتصارات على بعض الهزائم والجبروت. فالزعامات إذن بمجموعها لا تعطي إلا هزائم وظلما مهما انتصرت، لان انتصارها ليس انتصارا، بل إبطال لبعض مظالمها في بعض أشخاصها ولو لم توجد أية زعامة لما وجد أي طغيان أو ظلم أو هزيمة تصيب شعبا من الشعوب، وهذا يعني أنه لا حاجة حينئذ إلى الانتصارات.
والانتصارات الحقيقية هي أن يصبح المجتمع غير محتاج إلى الانتصارات، أي حين لا يوجد قادة ولا زعماء ولا حكام ولا معلمون يصنعون طغيانا وظلما وخداعا ليصبحوا مسوغا المجيء قادة وزعماء وحكام ومعلمين آخرين ليصنعوا انتصارات على هذا الذي صنعه أولئك القادة و الزعماء والحكام والمعلمون الآخرون، لكي يصبحوا هم هزيمة لنا جديدة يطلب الانتصار عليها.
وانتصارات هؤلاء الطغاة ليست على كل حال انتصارات للمجتمع ولكنها انتصارات لهم هم على المجتمع، إنها انتصارات للكبرياء والطغاة.
يتبع.../...
وشيء آخر يعطوننا إياه، شيء لا تمكن منازعته على أنه هو عطاؤهم الحقيقي العظيم. هذا الشيء هو أن يكتبوا على تاريخنا وفوق معاصمنا وعقولنا كلمة " صنعه القائد" ممهورة بالسلاح والدم، ويحولون هذه الكلمة إلى نشيد مفروض على كل الأجهزة أن تحوله إلى نوع من العبادة والتراتيل الدينية المصابة بالتهيج.
إن الشعب يجب أن يفترض دائما فيه أنه صناعة زعيم ويجب أن يمدح بهذا الافتراض، ويجب الإعلان عنه على أنه كذلك. وهذا أفضل وأضخم ما يستطيع أن يهبه أعظم قائد أو زعيم أو حاكم أو معلم لأي شعب من الشعوب.
إن الحكم وأجهزته وتكاليفه، وإن الزعامات وأجهزتها وتكاليفها لهي أكبر عدو في التاريخ ضلل الإنسان وأذله وأصاب شرفه بالجراح وسرق منه عمله ونضاله وحرياته دون أي ثمن، ثم فرض عليه أن يؤمن ويصرخ بأنه هو الذي وهبه كل نضاله وحرياته وعمله ورخائه وكرامته وعبقريته.
إن أغلب البشر لا يعرفون كم يكلفهم هذا العدو وكم يسحقهم ويصيبهم بالجنون والأخطار. ولعلهم لو عرفوا ذلك لشقوا باحتقارهم لأنفسهم واحتجاجهم عليها ورؤيتهم لها. ولكن لعل البشر مستعدون دائما أن يغفروا لأنفسهم كل خنوعها وضعفها وجهلها ومستوياتها غير الكريمة، بل إن البشر جميعا موهوبون الاستعداد والقدرة على أن يفسروا جميع نقائصهم بأنه فن رفيع من فنون البطولة والتدين وحب الوطن والإنسان!
والخطر الدائم أن جميع الناس على جميع المستويات محتاجون إلى لعب تخفق لها قلوبهم ويتزينون بها أمام أنفسهم وجيرانهم، ويتغذى بها خمولهم وضياعهم الباحث عن الضياع.
وسائر الناس يجدون لعبهم في أشياء صغيرة، وأحيانا في أشياء بريئة، أو على الأقل في أشياء ليست قاتلة ولا مفقرة ولا ساحقة للإنسان ولكبريائه، ليست حربا أو مؤامرة أو مذهبا استعراضيا.
أما الكبار جدا:الزعماء والقادة والأبطال فإن لعبهم من نوع آخر خطير جدا، فيها الجنون والموت والفقر ـ إن لعبهم هي المذاهب والحروب والثورات والمغامرات الغالية الثمن.
إن هؤلاء الكبار يريدون بجنون وطفولة غير سعيدة أن يلعبوا ويفرحوا بأنفسهم ويعرضوها في أضخم المعارض والميادين الدولية، كما أنهم محتاجون إلى أن ينفقوا اهتماماتهم وانفاعلاتهم وآلامهم واختزاناتهم التاريخية انفاقا ضخما باهظا قاتلا. إذن هم حتما محتاجون إلى أن يحولوا البشر والمجتمعات والعقائد والآلهة وكل شيء إلى لعب ليست في فيضلة أو سهولة لعب الأطفال أو لعب الناس الطيبين ـ إلى لعب فيها كل الجنون والخطر والعذاب والامتصاص لذكاء الإنسان وعمله.
يتبع.../...
هل ترى هؤلاء الكبار يقبلون أن تموت الحروب والخصومات والعداوات والحواجز الوطنية والقومية والآلهة والمذاهب المتعادية المتلاعنة؟؟؟أين يجدون حينئذ اللعب، وفي أي مكان وتحت أية وسيلة يعرضون جنونهم وتتحدث الدنيا عنهم ويبددون طاقاتهم النفسية العدوانية الأليمة؟؟؟
ما أبشع قوما لا بد أن تكون لهم لعب ثم لا بد تكون هذه اللعب هي الشعوب والأرباب والمذاهب والعداوات والحروب والمؤامرات والآلام ـ ما أبشع إذن القادة والزعماء والثوار والمعلمين والكتاب لأنهم هم هؤلاء القوم؟
إن جميع الحدود التاريخية والتقسيمات الوطنية والقومية المتعادية، وجميع الآلهة والعقائد والمذاهب والنظم التي تشقق البشر وتقيم بينهم الحواجز المصنوعة من النار والجنون والبغضاء، إن جميع ذلك لم يخترعه ذكاء الإنسان أو ضرورات الحياة أو البحث عن القيم الأخلاقية والإنسانية، وإنما اخترعه جنون هؤلاء الرجال الباهظين المفتونين باللعب بهذا الأسلوب العنيف المخرب.
يتبع.../...
أيها الأبناء الذين يستعدون للمجيء، احذروا ، إن الأرض التي نعيش عليها ملأى بالوحوش. لست أعني الوحوش الطيبة الإنسانية التي تسكن الغابة ولا تتكلم بصراخ عن المذاهب والثورة، والتي تأكل أحيانا إذا جاعت وهوجمت في أوطانها أجسامنا بشيء من الورع والعفة والأخلاقية بلا حقد أو طموح مريض، ثم تترفع عن أكل ما عدا الأجسام ـ وإنما أعني وحوشا أخرى تسكن المدينة والمعسكرات وتتحدث بالشعارات والمذاهب وبالأمجاد الثورية وتمارس كل فنون الجريمة والقسوة بمباهاة وإعلان وتدين، وتأكل دائما ولا تشبع أبدا، بل تزداد مع الأكل جوعا ونهماـ إنها لا تأكل اللحم وتعف عما سواه، إنها تأكل الكرامة والذكاء والشجاعة والصداقة والحب والرخاء والأمن.
وليست أجهزة الافتراس في هذه الوحوش المذهبية هي الأنياب والأظفار اللينة الرقيقة، وإنما أجهزة الافتراس في هذه الوحوش الغبراء هي المعتقلات والمباحث والسجون والمحاكمات والنفي والجيوش والدعايات والحروب والمذاهب والشعارات والطموح والمؤامرات والصحافة المقتولة الشرف، والمؤتمرات الاستعراضية القائمة على المغازلة والإسراف في الخلاعة والتزين والطفولة، والقائمة أيضا على السرقة لخفقات قلوب المجتمع.
إن هذه الوحوش التي تهاجمنا وتفترس كل فضائلنا وأسباب رخائنا مسلحة بكل ما في الحضارة من قوة وعلم وفن وقدرة على الحشد والخداع والقمع والاستعلاء والانتصار والإذلال الجماعي. إن جميع ما في التاريخ من آلهة وأنبياء ومذاهب وفلسفات هي إحدى فرق هذه الوحوش المقاتلة وشهودها المزورين ودعاتها المنافقين ـ وإن هذه الوحوش لتزداد في أعدادها وقوتها وجرأتها ووقاحتها نموا واتساعا، وإننا نحن نزداد تحت ضرباتها المتتابعة ضعفا واستسلاما وخوفا. إن جميع ما يبدعه عباقرتنا نحن البشر، جميع ما يبدعه العلماء والفنانون والمفكرون والكادحون يتحول إلى سلاح وقوة لهذه الوحوش، وإلى ضعف فينا نحن الناس، وإرهاب لشجاعتنا وسلاح نقتل به أنفسنا لنرضي هذه الوحوش ونغازل جنونها.
إن العبقري ليصنع السلاح الرهيب أو الرخاء أو المذهب أو الفنون أو الأفكار أو الأجهزة الدعائية أو الآلات العجيبة، لكي يتحول كل ذلك إلى قوة وحماية ودعاية وحلي لهذه الوحوش ليخضع هو ومجتمعه كله لقبضتها وغبائها لتحطمه وتقهره وتضلل عبقريته.
وليس هناك منظر يلطم البصر كأنه غرز الإبر مثل أن نرى كل العباقرة والعلماء والمفكرين وجميع الأذكياء يتحولون إلى فيالق من الشرطة والدعاة والهتافين في جيوش هذه الوحوش، وإلى أنبياء يبشرون بمجيئها ويحللون الشهوات لا فتراس فيها!
ينبع.../...
كان من المفروض أن تقدم الإنسان وحضارته إنما يعنيان انتصار الحرية والعقل وقيادتهما،فإذا بهما يعنيان انتصار الطموح المريض والطغيان وقيادتهما ـ لقد تحول علم الإنسان وقوته إلى قوة لمغامريه الجهال وطغاته، لا لعلمائه. هل من قدر الإنسان أنه كلما ازداد قوة وحضارة وعلما ازداد خنوعا واتباعا لمجانينه ـ هل من قدره أن يكون أوغاده وجهاله هم قادته حتى في عصر التقدم العظيم؟ في عصور الجهل كان الجهال والأغبياء يقودونه، فهل يظلون يقودونه أيضا في عصور العلم وفي كل عصر على مستويات أكثر جنونا وشمولا وجهالة؟
أيها الأبناء الذين لم يحضروا بعد إلينا لتعذبوا ويهونوا مثلنا، ليتكم تستطيعون أن تنتظروا وتسمعوا ، لكي تروا كيف توضع جميع المواهب والعقول والكرامات والمذاهب والثروات والرجال تحت أقدام الطغاة، وكيف يتصرفون في كل ذلك، وكيف تهتف لهم كل الأفواه وتنافقهم كل الأخلاق وتسجد لهم كل الجباه وتمتلك أيديهم كل أسباب الحياة ـ كيف تهون الرجولة تحت كبريائهم وجنونهم وتهون الأرض، وكيف تتبلد الشموس والمجرات والأنهار و الأشياء، إذ تمارس تحت مجدها أكبر الآثام والحماقات فلا تعاقب أو تغضب أو تنتحر أو ترفض البقاء والعمل، أنفة أن يفسق بها هؤلاء الطغاة الصغار المتعاقبون، أو أنفة أن ترى كيف يفسقون بالناس والمذاهب والآلهة وجميع القيم! ولكن أليس كل الناس يفسقون بالآلهة وبالمذاهب على درجات متفاوتة ؟ وهل آمن المؤمنون بالآلهة والمذهب ليعبدوها أم ليفسقوا بها ! إن من آمن بإله أو مذهب فقد فسق به.
أيها الأبناء، احذروا، إنكم لو قدمتم لكان محتوما أن يعيش بعضكم كل حياته في المعتقلات أو السجون أو في أقاضي الأرض نفيا، وأن يموت بعضكم طعاما للحروب والمغامرات والمؤامرات أو على حبال المشانق، أو جوعا بعمليات الامتصاص السارقة المفقرة التي تقوم بها أجهزة الطغاة الكثيرة الهائلة، ولكان محتوما أن تموتوا جميعا إذلالا وإرهابا وتخويفا، أو سحقا تحت المذاهب والشعارات، أو بكاء على الشرف والشجاعة، أو حزنا على العجز عن البكاء . والعجز عن البكاء حيث يجب البكاء هو أقوى الأساليب في التعبير عن استعداد الإنسان لتقبل الهوان بلا حدود!!!
إن المذهبية الشاملة القوية هي أحد الأجهزة التاريخية التي ظلت تحطم كبرياء الإنسان وذكاءه، والتي ظلت حليفا ممتازا للطغاة والطامحين واللصوص والأغبياء ليتكبروا ويسرقوا ويخدعوا ويجهلوا بحماس وضجيج وتأله.
يتبع.../...
إذا سرق طاغية شرفك وكبرياءك فالمفروضأن تقاوم، وإذا لم تقاوم ـ وكل الناس قد يجبنون أحيانا تخت الظروف المختلفة عن المقاومة ـ فالمفروض أن تبكي، والبكاء هو أقل ما يطلب من الرجل لكي يعد نفسه بطلا أو مؤمنا، أو لكي يبقى على الأقل إنسانا . وهذا على افتراض ألا توجد في ظروف تفتل فيها إذا بكيت حيث يعد البكاء تحت هذه الظروف مقاومة للمذهبية والثورة وعملا من أعمال الرجعية. فإذا لم تقاوم ولم تبك فما أنت إذن والإنسان هو دائما شيئان: بكاء ومقاومة؟ وليس البكاء إلا أسلوبا من أساليب المقاومة النفسية!
إذن لا تقدموا أيها الغائبون، إذن اقدموا لتشاركوا آباءكم في تذوق الهون والطغيان تحت حكم الوحوش، أو لتساعدوا على قهر هذه الوحوش.
إذن تعالوا سريعا لتتعذبوا كما تعذب من قبلكم، أو تساعدوا على شفاء الأرض من جنون المذهبية والبطولة والثورات والطموح القاتل لكبرياء النهار، المذل لرجولة التاريخ.
يتبع.../....
أيها التاريخ، إنك تستحق كل ما في الكون من رثاء، فكم تحتوي في جوفك من صعاليك، فيهم كل بذاءات السلوك والمشاعر، سلبوك كل وقارك وشجاعتك وغاصوا بشرفك وذكائك إلى حضيض بذاءتهم وفسقوا بكل ما فيك من عفة ورصانة ونظافة وسمت ـ إنهم أولائك الصعاليك المنتصرون عليك، الذين وضعوا أنفسهم في سجل مواليدك باسم الثوار، أولئك الثوار الذين أرادوا أن يهربوا من آلامهم الطبقية أو الاجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الجسمية بالعدوان عليك ـ لقد أرادوا أن ينتقموا من عذابهم فانتقموا منك، وأن يصعدوا فوق أنفسهم وفوقك وفوق الذكاء الإنساني فاقترفوا الثورات والمذاهب والنظم التي تنادي بمحبة قوم، ولكن لم يكن قصدها إلا كراهة قوم آخرين، لم يكن قصدهم أن يحولوا الأرض إلى سماء بل أن يحلوا السماء إلى أرض، بل أن يكونوا هم سماء ويكون كل شيء أرضا لهم!!!
أنت أيها التاريخ مطعون في شرفك وشجاعتك وذكائك ووقارك، لقد ظلت تسلم نفسك لهؤلاء المتطاولين الصغار بلا زواج أو كفاءة أو شرط من الشروط، وبلا مقاومة ولا رفض نفسي أو عقلي. إن أعجب ما فيك أو أضعف ما فيك أن ينتصر هؤلاء الفاجرون بالقدر على جميع ما في البشر من عبقريات وذكاء ورفض وأخلاق وجماهير وتقاليد وتاريخ. عجبا! كيف يوجد في الناس من يقول الشعر أو ينشد الموسيقى أو يسمعها أو من يصنع الابتسامة على وجوهه أو من يطيق أن يراها على وجوه الآخرين، كيف يوجد من يتغزل بجمال القمر أو من يرى شيئا جميلا في هذا الكون، بينما أحذية هؤلاء الثوار المعاقبين للجمال تتهاوى فوقه وفي وجهه وفوق كل شيء يحياه وفي وجهه، فوق عظة الواعظ وقلم الكاتب وفكر المفكر وضمير المؤمن وفوق فراش النائم وجوع الجائع وثراء الثري ـ فوق المعابد والمتاجر والمصانع والحقول والبيوت ـ فوق التاريخ والحياة والبشر وكل الأشياء.
يتبع.../...
أيها التاريخ، إنك تستحق كل ما في الكون من رثاء، فكم تحتوي في جوفك من صعاليك، فيهم كل بذاءات السلوك والمشاعر، سلبوك كل وقارك وشجاعتك وغاصوا بشرفك وذكائك إلى حضيض بذاءتهم وفسقوا بكل ما فيك من عفة ورصانة ونظافة وسمت ـ إنهم أولائك الصعاليك المنتصرون عليك، الذين وضعوا أنفسهم في سجل مواليدك باسم الثوار، أولئك الثوار الذين أرادوا أن يهربوا من آلامهم الطبقية أو الاجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الجسمية بالعدوان عليك ـ لقد أرادوا أن ينتقموا من عذابهم فانتقموا منك، وأن يصعدوا فوق أنفسهم وفوقك وفوق الذكاء الإنساني فاقترفوا الثورات والمذاهب والنظم التي تنادي بمحبة قوم، ولكن لم يكن قصدها إلا كراهة قوم آخرين، لم يكن قصدهم أن يحولوا الأرض إلى سماء بل أن يحلوا السماء إلى أرض، بل أن يكونوا هم سماء ويكون كل شيء أرضا لهم!!!
أنت أيها التاريخ مطعون في شرفك وشجاعتك وذكائك ووقارك، لقد ظلت تسلم نفسك لهؤلاء المتطاولين الصغار بلا زواج أو كفاءة أو شرط من الشروط، وبلا مقاومة ولا رفض نفسي أو عقلي. إن أعجب ما فيك أو أضعف ما فيك أن ينتصر هؤلاء الفاجرون بالقدر على جميع ما في البشر من عبقريات وذكاء ورفض وأخلاق وجماهير وتقاليد وتاريخ. عجبا! كيف يوجد في الناس من يقول الشعر أو ينشد الموسيقى أو يسمعها أو من يصنع الابتسامة على وجوهه أو من يطيق أن يراها على وجوه الآخرين، كيف يوجد من يتغزل بجمال القمر أو من يرى شيئا جميلا في هذا الكون، بينما أحذية هؤلاء الثوار المعاقبين للجمال تتهاوى فوقه وفي وجهه وفوق كل شيء يحياه وفي وجهه، فوق عظة الواعظ وقلم الكاتب وفكر المفكر وضمير المؤمن وفوق فراش النائم وجوع الجائع وثراء الثري ـ فوق المعابد والمتاجر والمصانع والحقول والبيوت ـ فوق التاريخ والحياة والبشر وكل الأشياء.
يتبع.../...
إنه لا حد لما يمكن أن يهبط إليه مستوى الذكاء والاحتياج والرفض والغضب في البشر، إنهم قد يفقدون جميع المستويات الإنسانية المعروفة والممكنة، ثم يطلون مع هذا يبتسمون بوقاحة لأنفسهم إعجابا بها، ورضا عن شموخ مستوياتها الرافضة أن تتعلم حرفا واحدا في أية لغة من لغات الهوانم.
ليست قمة البشاعة أن يهون الإنسان بلا حد، ولكن قمة البشاعة أن يفعل ذلك دون أن يشعر أنه قد فقد شيئا ـ قمة الهوان أن تموت كل معارضة ضد الذات داخل الذات، أن تتجمع الذات وتتفق في سقوطها وضعفها دون أن يلعن بعضها بعضا أو يحتج بعضها على بعض، حتى ولو بالبكاء والمشاعر الرافضة.
إن معارضة الذات للذات هي إحدى مزايا الإنسان القوية، كما أنها هي إحدى خصائصه الكبرى. والذي يستطيع أن يقتل في الإنسان هذه المزية سيكون أحد العباقرة في الهبوط بالإنسان عن مستواه المحتوم... وأقوى ما في الإنسان قد يصبح أضعف ما فيه، فأقوى ما فيه الرفض، وقد يفقده فيصبح فقده الرفض أضعف ما فيه.
أيها الكون، خذ مني بعض حزني، بعض احتجاجي، بعض غضبي، خذ مني فإني لا أطيق حمل كل ما عندي.
خذ مني وكن رحيما أو عظيما أيها الكون الكبير، وإلا فكن فناء.
فنزل عبد الرحمن الفيصل بادية الاحساء وحثها على قتال الترك !.. فاجتمع حوله العجمان، واستولوا على الاحساء ما عدا (القلعة ) في الكويت وفيها الحامية التركية بعد أن خدعهم عبد الرحمن آل فيصل طالبا منهم (الانتظار حّتى يتفاوض مع الاتراك لينسحبوا) وكان في الوقت نفسه قد ذهب للاتصال بقبيلة بني خالد فأثارها ضد بني عمهم العجمان قائلا لهم : (ان هناك خطة سرية دبرها العجمان لقتلكم يا بني خالد وهي أن العجمان، يريدون طرد الاتراك للاستيلاء على الحكم لانفسهم وقتلكم بعد ذلك فلهذا يجب أن تقاتلوا قبيلة العجمان مع الاتراك وانا إذ أسر لكم بهذه الخطة فانما أنصحكم كأخ لكم وصديق!.) فصدق بنو خالد اليهودية، انقض بنو خالد على مؤخرة بني عمهم العجمان بينما هم يحاصرون القلعة ٢٥ الحامية العثمانية في الكوت بالاحساء .. والمضحك المبكي ان الذي كان يقود العجمان: لم يكن سوى الفاجر نفسه عبد الرحمن آل فيصل السعود .. وبناء على الخطة المتفق عليها مع السلطات التركية انهزم عبد الرحمن بانهزام قائدهم !..
ومن يستدل بالبوم مصيره الخر اب.. وفي هذه المعركة : قتل بنو خالد عددًا من أبناء عمهم العجمان بسب غدر آل سعود وكذبهم وطعن من يعينهم من الخلف وركوعهم للاعداء ضد العرب والانسانية والاخلاق والدين، أما العجمان فلم يعلموا إ ّلا أخيرا بهذه الخديعة السعودية التي جعلت بعض أبناء عمهم بني خالد يقا تلونهم ارضاء لوجه الشيطان السعودي والاستعمار، وكذلك بنو خالد لم يعلموا إ ّ لا فيما بعد هذه الخديعة السعودية التي جعلتهم يقاتلون أبناء عمهم العجمان ارضاء لوجه الشيطان السعودي والاستعمار أيضًا… وبعد أن أوقع آل سعود بين العرب وأحس عبد الرحمن بقرب انكشاف هذه الوقيعة، سافر إلى الرياض ، بحجة ابلاغ شقيقه سعود الثاني، بما جرى، وكأنه لم يكن المتسبب لما، جرى، ولكن قبيلة عتيبة لم تسكت على ما لحقها هي الأخرى من جرائم سعودية نكراء، فثارت عتيبة بقيادة مسلط بن ربيعان فهجمت على الرياض من جهته الغربية فخرج "الإمام" سعود لقتال عتيبة ولكن عتيبة أحاطوا به وقتلوا معظم أنصاره وأصابوا سعود نفسه بجرح بليغ مات على أثره وذلك في صيف سنة ١٢٩١ ه الموافق ١٨٧٤ م.. وبموته امتطى أخوه عبد الرحمن آل فيصل آل سعود صهوة الامامية وقفز إلى مكانه في الحكم مدعما من الاتراك وأعلن نفسه إماما..
واستمر عبد الرحمن بن فيصل "اماما حاكم ا" في الرياض نحو سنة، حيث جاء إلى الرياض أخوه الأكبر عبد الله بن فيصل ونصب نفسه "اماما" مكانه قائلا (اّنه أحق بالمنصب من أخيه) وأفتى مشايخ الدين الوهابي "بصحة هذه الأحقية " ولكن عبد الله الفيصل لم يدم طويلا حيث تمكن أبناء أخيه سعود الميت من القبض عليه وحبسه يوم ١٢ شعبان عام١٨٨٧ م وأفتى مشايخ الدين السعودي "بأحقية أولاد سعود على عمهم " وبهذا النوع من تشريع تجار الدين لحكم اللصوص استنادا على مبدأ (نحن مع الغالب ضد المغلوب).. انتشرت المفاسد.. وتململ الناس من ظلم آل سعود … وأخذت الفتن تطحن في نجد وتشتت في شعوب الجزيرة العربية.. فرأى عدد من مشايخ الدين غير الوهابيين ورؤساء القبائل في نجد أن يتصلوا بحاكم حائل آنذاك محمد العبد الله آل رشيد لنجدتهم (وتخليصهم من شر هذه العائلة المتطاحنة من أجل شهواتها وفي سبيل هذه الشهوات لا يهمها الا أن يفتك الشعب بعضه ببعض) فتوجه ابن رشيد بجموع من نجد كلها إلى الرياض، وضرب (ابناء سعود) وفك اسر عمهم عبد الله بن فيصل وأخذه معه إلى حائل (العاصمة آنذاك ) ووضع حاكما من عنده في الرياض ثم نصب إلى جانب هذا الحاكم عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وهكذا تم هذا بمنتهى السذاجة.. من محمد العبد الله الرشيد، أو بمنتهى الحكمة العرجاء أو العدل الذي لم يتبعه آل سعود فيما بعد ..
يتبع.../...
وبالطبع لم يقف عبد الرحمن هذا موقف المتفرج بل حاول أن يثير الفتنة من جديد وينفصل بالرياض ليجعل من نفسه إماما كما فعل في السابق، ولكن ابن الرشيد اكتشف فتنته، وأمره بالتوجه إلى حائل ليقيم إلى جانب أخيه الأسير عبد الله الفيصل ومعه عدد من مشايخ الوهابية وبذلك توقف عهد الفتاوى الباطلة واستقرت نجد كلها لقيادة ابن رشيد، كما ورد في التواريخ (لقد ساعد على ذلك الاستقرار شخصية محمد العبد الله الرشيد، وشهر ته بالرحمة ورجاحة العقل ولين الجانب وكرمه وحبه للسلم). ولم يعد لآل سعود وآل الشيخ أي أهمية أو أثر في إحداث أي فتنة بين المواطنين … لكن هذا لم يدم طويلا، فقد قام عبد الرحمن آل فيصل بدس نوع من السم البطئ ينبت في الصحراء بشكل شجيرات يطلق عليها (أم لبن) لشقيقه عبد الله بن فيصل، ولما ساءت حالته في حائل طلب من ابن رشيد أن يذهب للرياض فسمح له وذلك عام ١٨٩٠ م كما أذن لأخيه عبد الرحمن ابن فيصل أن يرافقه ويسكن في الرياض أيضًا ، لكن عبد الله بن فيصل مات بعد وصوله إلى الرياض بيوم واحد، وحاول عبد الرحمن أن يثير الفتنة من جديد يسانده تجار الفتاوى اياهم مشايخ الوهابية "آل الشيخ " وعدد من٢٦ المرتزقة وقبضوا على عامل ابن الرشيد (ابن سبهان) وأظهر الشعب تذمره مما فعله عبد الرحمن آل سعود، ولم يدم له الأمر أكثر من ٢٠ يوما حّتى حاصره جيش ابن الرشيد ودخل الرياض دون الحاق أي ضرر بالشعب وساعد على ذلك كره أهل الرياض للفتن السعودية وحكمها، واستسلم عبد الرحمن آل سعود ولم يكن جوابه (الا طلب المغفرة من ابن الرشيد ) وكانت حجته (أن عامل ابن الرشيد قد أساء إليه ولم يوفر له ما يحتاجه من مال وطعام ) ومع ذلك تركه محمد ابن رشيد في الرياض وأمر عامله بأن يعطيه ما يحتاجه من مال وطعام، وفي هذه المرة وكل عبد الرحمن المهمة إلى مشايخ الدين السعودي، فذهبوا إلى القصيم كالشياطين واتصلوا ببعض تجار الدين والرؤساء واستطاعوا اغراء بعضهم بالوعود الكاذبة .
وأخذوا منهم البيعة لعبد الرحمن آل سعود، واتفقوا على مباغتة ا بن الرشيد وضربه ضربة تشله وتفصل نجد عن بعضها، واستعدوا لذلك فعلا، وكان مشايخ الدين السعودي قد اتفقوا مع زامل آل سليم الذي تحكم عائلته مدينة عنيزة حّتى الآن بأن يجعلوه حاكما على عنيزة بدلا من (آل يحيى) كما اتفقوا مع (ابن مهنا) بأن ينصبوه في مدينة بريدة بدلا من آل الخيل، ولكن ابن الرشيد علم بذلك وانقض عليهم وقتل في هذه المعركة المكروهة المعروفة بواقعة المليدة زامل آل سليم، وابن مهنا، أما مشايخ الفتاوى وعبد الرحمن بن فيصل آل سعود فقد هربوا ومعهم "حريمهم " من الرياض إلى الاحساء وأقام عبد الرحمن الفيصل سبعة أشهر فيما جمع خلالها بعض من سول لهم بمغريات السوء وهجم على الرياض واستخلصها هي وضواحيها ولكن ابن الرشيد كرّ عليه بجيشه، وقابله في قرية حريملا فقضى على من معه .. فتمكن عبد الرحمن بن فيصل من الهرب إلى الاحساء فالقطيف فالكويت، وكان يدفعه لكل ذلك حكم آل عثمان الذين لم يكن محمد العبد الله الرشيد على وفاق معهم والذين كانوا يحكمون الاحساء والقطيف في المنطقة الشرقية …
يتبع.../...
دعوة للتبرع
خشرجة الميت : رأيت أقارب لى عند الاحت ضار ، وسمعت بعضهم...
وخروا له سجدا: ( وخروا له سجدا ) من الذى سجد لمن ؟ هل سجدوا...
الحقنا بهم ذرياتهم: ما معنى ( ألحقن ا بهم ذريات هم )...
يا عدوى : كلمة ( يا عدوى ) تتردد كثيرا ، ولا أفهم معناه ا .....
موقعنا مخزن للعلم : موقع أهل القرآ ن ممتلى ء بالمق الات ...
more
كل الناس في كل العصور كانوا يتحدثون بكل اللغات والأساليب بلهجة الكبرياء عن الشرف والحرية والكرامة والذكاء. ولكن هؤلاء الثوار قد تحولوا إلى تشكيك في قيمة ما يملك البشر من هذه الفضائل التي يتحدثون عنها بمباهاة تصدم التواضع.
لقد كانت في التاريخ أشياء كثيرة تسحق الإنسان وتسلبه شجاعته وتجدع أنف كبريائه، أما في هذا العصر فإن أعظم ما يسحق الإنسان هو جبروت الحكم المتعاظم مع الأيام وأجهزته العديدة الرهيبة الغبية ـ هو هؤلاء الطغاة الثوار الذين يجيئون بلا مجد يبحثون عن المجد ولو بصلب النهار وفقء عيون الكواكب.
إن طغيان الحكم في هذا العصر يشبه طغيان الألوهية في العصر القديم، والفرق بينهما أن الألوهية ليست سوى طغيان عقيدة وتصور، وأن الحكم هو طغيان جيش وشرطة ومخابرات ومعتقلات وسجون وأدوات أخرى قاهرة، وفوق ذلك يجلس جنون حقيقي رهيب نراه ونتعذب به ونجده في كل طريق من طرقنا، وليس جنون فكرة أو تصور فقط كالألوهية.
إني حزين وخائف على شرف الإنسان لأن هؤلاء الثوار الباحثين عن النسب الجديد يتساقطون على طريقه بأعداد تكفي لإغلاق كل طريق إلى الشرف. إن كرامة الإنسان معروضة للخطر، للقتل الذريع الرخيص.
أيتها النجوم الهادية للإنسان في ظلمات جهله، القارئة له حظوظه في عصور أميته، المرافقة له في رحلته الغامضة الخائفة المتسائلة، تمنحينه نوعا من الحراسة النفسية، منذ كان ينظر فيراك فوقه تومئين له بالمحبة والنور فيطرب ويغني، احزني عليه أيتها النجوم الطيبة، بل فاسقطي مشتعلة نارا على هؤلاء الذين يبحثون عن العدل والشرف والحرية بسرقة شرفه وحريته ورخائه!
احزني أيتها النجوم المتهمة بالبرود في موقف الحماس، فلقد استطاع لصوص صغار مشكوك في شجاعتهم وذكائهم أن يسرقوا من البشر كل ما كان يزعمه لهم أنبياؤهم وشعراؤهم وخطباؤهم وتاريخهم المكتوب الطويل من كرامة وحرية وشجاعة، لقد أثبت هؤلاء اللصوص الصغار أن فضائل البشر الرافضة لم تكن إلا لغة يتحدثون بها ويحولونها إلى أشعار وأناشيد وخطب، فإذا جاء لص واحد من لصوص الحرية والكرامة ركعت هذه الأشعار والأناشيد والخطب تحت جبروت هذا اللص الواحد متبرئة من مزاعمها لنفسها، وانكبت على نعاله تمسحها بكرامتها وشرفها ودينها، وتحول كتبها المنزلة إلى تفاسير لمناقب هذه النعال.
يتبع.../...