عن ( الزواج فى الاحرام والتفريق بين الزوجين )
عن ( الزواج فى الاحرام والتفريق بين الزوجين )
الزواج في الإحرام .
إسلاميا فى رؤية قرآنية
1 ـ يقول جل وعلا عن الحج خلال الأشهر الحرم ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة ) .
2 ـ يبدأ موسم الحج ببداية شهر ذى الحجة أول الأشهر الحُرُم الأربعة ، ويستمر المجىء للحج خلال الأشهر الأربعة الحرم ، أى الشهر الرابع ربيع الأول . كل من يحج للبيت خلال هذه الشهر عليه مراعاة التقوى بأقصى درجة ، فهو فى البيت الحرام فى شهر حرام ، بالتالى لا بد أن يتطهر قلبه بالتقوى ، من هنا فإن الذى يحج عليه أثناء أداء المناسك أن يتنزه عن الرفث ــ أي ممارسة الجنس مع الزوجة ــ والفسوق والجدال ، أي ان الله جل وعلا قد حرّم على الحاج بعض الحلال ن أثناء إحرامه بالحج ، ومنها مباشرة الزوجة .
2 ـ فهل يكون الزواج حراماً أثناء تأدية المناسك..؟
ليس حراما عقد الزواج أو ( النكاح ) . ولكن الحرام هو الدخول بالزوجة أثناء تأدية مناسك الحج . بعدها يكون ( الحلّ ) بكسر الحاء ، يستطيع الدخول بها .
فى الدين السنى
1 ـ مع وضوح اقتصار التحريم قرآنيا على المباشرة الجنسية إلا إن أئمة الدين السنى لا يقيمون للقرآن الكريم وزنا ولا وقارا ولا إعتبارا . إبتعدوا عنه واتخذوه مهجورا فوقعوا فى الشقاق والخلاف ، وتبارزوا كالعادة بالأحاديث ،
2 ـ وفي البداية فإن موطأ مالك لم يتعرض لهذه القضية ، أي أن الاشتباك حولها حدث بعد عصر مالك ، أي في القرن الثالث الهجري ، حيث بدأ الشافعي ( 150 : 204 ) يعرض القضية ، فأورد حديث عثمان بن عفان أن النبي نهى أن يَنكح المحرم أو يُنكح ، وان النبي تزوج السيدة ميمونة قبل أن تخرج إلى الحج ، وذلك خلافا لما يقال أنه تزوجها وهو مُحْرم بالحج ، وأن عمر بن الخطاب في خلافته ردَّ نكاح طريف ، وكان قد تزوج امرأة وهو مُحْرم ـ ولا نعرف من هو طريف هذا .!.. وانتهى الشافعي من ذلك إلى أن المُحْرم لا يلي نكاحا لنفسه أو لغيره ، فإذا فعل كان نكاحا مفسوخاً . ثم أفتى الشافعي بأن للمُحرم أن يراجع زوجته ، لأن ذلك ليس نكاحاً جديداً ، وقام الشافعي بفتح نقاش مع معارض رأيه على طريقته في المناظرة والجدال .
3 ـ عاش المؤرخ ابن سعد ( 168 : 230 ) بعد موت الشافعى .
وفي كتابه ( الطبقات الكبرى ) فى الجزء الأخير المخصص للنساء ذكر أن هناك خلافا فى وقت زواج النبى محمد عليه السلام بالسيدة ميمونة ، وهل كان النبى مُحْرما ساعتها أم لم يكن ، وهو يؤكد أنه تزوحها قبل الإحرام ، إلا أن البخاري يؤكد أنه تزوجها وهو مُحْرم بالحج ، ثم يأتي مسلم ويورد أحاديث مختلفة في الموضوع تحت عنوان "باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته" إذ يورد حديث أن "المُحْرم لا يَنْكِح ولا يُنْكَح" بأسانيد مختلفة ، ثم يورد أحاديث أخرى تؤكد أن النبي تزوج ميمونة وهو مُحْرم ، وحديث آخر عن ميمونة تؤكد أنه عليه السلام تزوحها وهو حلال أي غير مُحْرم...
4 ـ والأحناف هم الذين يرون جواز عقد النكاح للمُحْرم لأن الإحرام لا يمنع صلاحية المرأة للعقد عليها ، وإنما يمنع المباشرة الجنسية فقط . وهذا هو الرأي الصحيح بعيداً عن اختلاف واختلاق الأحاديث.
5 ـ والخلاصة : اتفق بعض أئمة الدين السُنّى على تحريم حالات من الزواج بدون دليل واضح من القرآن وخلافا للقرآن ، كما اخترع بعضهم حالات أخرى وحكموا بتحريم الزواج فيها ، واشتبكوا في عراك فقهي مع الآخرين ، وفي كل الحالات كانت الرؤية الفقهية تعتمد على أسانيد من الأحاديث إصطنعوها ، وليس ذلك الخطر الوحيد ، لأن هناك خطراً آخر ، وهو الإفتاء بالتفريق بين الزوجين بناءً على تلك الرؤى الفقهية خلافا للاسلام ، وهو مترتب على ما سبق .
ثانيا :
التفريق بين الزوجين
إسلاميا من وجهة نظر قرآنية
1 ـ د . ( نصر حامد أبو زيد ) الاستاذ المساعد بقسم الدراسات الاسلامية بكلية الآداب، جامعة القاهرة هو صاحب أكبر قضية فى الصراع العلمانى الوهابى فى مصر التسعينيات . إضطهده د عبد الصبور شاهين أحد أعمدة الاخوان فى جامعة القاهرة ، وعطّل حصوله على الترقية لأستاذ ، واتهمه بالكفر ، وأوصل د نصر قضيته الى الصحف ، فأصبحت مدار الصراع العلمانى الوهابى . ووصلت الى المحاكم ، إذ إنهزم الوهابيون فى السجال الفكرى مع أنه تزعمهم أكبر رموزهم فى مصر وقتها د . أحمد هيكل ود محمد البتاجى و د اسماعيل سالم بالاضافة الى عبد الصبور شاهين .
عن طريق عملائهم فى القضاء ، ولعدم وجود نص قانونى فى مصر يقتل المتهم بالردّة فقد وجدوا ثغرة فى القانون المصرى الذى يسير على المذهب الحنفى تتيح لهم التفريق بينه وبين زوجته بناءا على إتهامه بالردة فيما يسمى بالحسبة . وعن طريق قانون ( الحسبة ) حكمت لهم المحكمة بالتفريق قسرا بين نصر حامد أبو زيد وزوجته د إبتهال يونس ـ رغم إرادتها وإرادته. كان الحكم بالتفريق بين الزوجين سابقة خطيرة تؤشّر الى تقنين قادم لقتل من يتهمه التيار الاخوانى الوهابى بالردة ، وإستغلال عقوبة الردة لارهاب العلمانيين والقرآنيين . وفعلا وخوفا على حياته إضطر د نصر أبو زيد وزوجته الى الهرب الى هولنده عام 1995 حيث عمل هناك استاذا للدراسات الاسلامية بجامعة لأيدن.
2 ـ دافعت عن د نصر أبوزيد فى مقالات نشرتها الأهالى والأحرار ، وفى ندوات عقدها حزب التجمع اليسارى . وبناء على طلب بعضهم كتبت بحثا فى موضوع الحسبة ، وتم نشره ، وهو منشور الآن هنا .
وهنا نعطى لمحة عن موضوع التفريق فى رؤية قرآنية .
2 ـ مصطلح التفريق فى سياق العلاقة الزوجية جاء فى قوله جل وعلا :
2 / 1 : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) البقرة ). الذى يقوم بالتفريق بين الزوجين بالأعمال السحرية لا يستطيع ذلك إلا بالايقاع بينهما ، وهذا لا يكون إلّأ بإذن الله جل وعلا ، وهذا الساحر ملعون . ونفهم من هذا تحريم من يقوم بهذه الأعمال السحرية أو غيرها للتفريق بين زوجين .
2 / 2 : قال جل وعلا فى موضوع العدل بين الزوجات : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130) النساء ). يهمنا أن تفرّق الزوجين أمر مطروح فى هذه الحالة ، ولكنه بإرادتهما ، وبدون تدخّل خارجى .
3 ـ وجاء فى المحرمات من النساء قوله جل وعلا :
3 / 1 : ( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) النساء )
3 / 2 : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) النساء ). نزل تحريم نكاح من نكحها أو عقد الزواج عليها أبوه ، وتحريم الجمع بين الأختين فى النكاح . الإستثناء هو فى الإبقاء على الحالات السابقة ، وأن لا يكون التحريم بأثر رجعى ، أى يسرى بعد نزول الآيتين فقط . كانت هناك حالات فردية ، ولكن الحرص على الأسرة جاء التشريع الاسلامى بالإبقاء على تلك الحالات الفردية . وهو ما لم يفهمه أئمة الدين السُنّى .
4 ـ كلامنا عن الزواج الصحيح . أما الزواج الفاسد الباطل فلا بد من فسخه ، كمن تزوج امرأة وهي في عدتها أي لا تزال في عصمة الزوج السابق ، أو كمن تزوج امرأة بلا مهر ، أو بالهبة ، أو من تزوج إحدى المحرمات عليه المنصوص عليهن في القرآن ، أو من تزوج زانية محترفة أو هاوية ولم تتب عن الزنا ، او من تزوج بدون شهود او ولي وإثبات .
فى الدين السُنّى :
1 ـ ونبدأ بموطأ مالك..
قال بالتفريق بين الزوجين في حالة من يتزوج ولا يستطيع أن يعاشر زوجته جنسياً فإن يُعطي مهلة سنة ، فإن لم يمسّها يفرّق بينهما ، وليس هذا صحيحا على إطلاقه لأنه يعنى تدخل السُّلطة فى التفريق بينهما . هذا يجوز فقط إذا طلبت الزوجة الطلاق ، لا أن يتم فرضه عليها وعليه . وأصاب مالك فى فسخ زواج كانت المرأة لا تزال فى عدتها من زوج سابق. هنا لابد أن يفرق بينها وبين زوجها الثاني لأنه نكاح فاسد أصلاً ..
وعرض مالك لموضوع إسلام المرأة قبل زوجها الكافر ، وذكر قصة أم حكيم وإسلامها قبل زوجها عكرمة ابن أبي جهل ، دون أن يذكر حكماً فقهياً ، ولكن محمد الشيباني ذكر رأي شيخه أبي حنيفة ، وهو أنه إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر وهما في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يٌعرض على الزوج الإسلام ، فإن أسلم فهي امرأته وإن أبى يفرّق بينهما . وهذا مخالف للقرآن الكريم ومعنى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، والايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان . وعرضنا لذلك من قبل .
2 ـ ومحمد الشيباني (ت189هــ) كان معاصراً للشافعي (ت 204هــ) وقضية التفريق بين الزوجين بسبب الدين كانت مطروحة في ذلك الوقت في آثار حركة الزندقة التي طاردت فيها الدولة العباسية تحت هذا الشعار الخارجين عليها في الأمصار الشرقية البعيدة والمتآمرين داخل بغداد ، وفى إطار الصراع الحربى بين العباسيين والبيزنطيين . ولذلك حفل كتاب "الأم" للشافعي بأحكام فقيهة خاصة بإسلام الزوجة إذا كان زوجها على غير الإسلام ، وحكم زواج المرتد واستمرارية هذا الزواج أو بطلانه او التفريق بين المرتد وزوجته. فقد حكم الشافعي بفسخ النكاح إذا أسلم أحد الزوجين دون الآخر ، إذا لم يسلم ذلك الآخر خلال العدة ، ورأي أن يتم الفسخ أو التفريق مالم يتدارك الآخر نفسه وبدخل في الإسلام ..
أما المرتد عن الإسلام فقد أفتى الشافعي بأنه إذا نكح امرأة مسلمة أو مرتدة او مشركة أو وثنية فإن نكاحه باطل ..!! ونسى ان ذلك المرتد طالما خرج عن الإسلام فلن يحتاج إلى فتوى الشافعي أو غيره .
3 ـ ونأتي إلى ابن حنبل ونتوقع منه أن يتوسع في الموضوع برغم ضآلة حجم كتابه "أحكام النساء" .. وقد فعل .. فيقول أن زوجة النصراني او اليهودي إذا أسلمت يُعرض على زوجها الإسلام فإن أسلم فهي امرأته وإلا يفرّق بينهما ، إن لم يسلم قبل انتهاء عدتها منه ، وفي تعبير آخر في الكتاب ، أنهم ينزعونها منه إذا أسلمت ، وهي حجة ظريفة لكل امرأة نصرانية تكره زوجها وتريد التحرر من عشرته ، ودينها يمنع أو يصّعب موضوع الطلاق ، وحينئذ تعلن إسلامها بمجرد النطق ، وتتركه . وابن حنبل يحكم بالتفريق بين الزوجين إذا كان الزوج تاركاً للصلاة ، وبهذه الفتوة أخذ الشيخ العثيمين أحد شيوخ الوهابية المعاصرين ، كما يفتى ابن حنبل بالتفريق إذا جمع الرجل بين المرأة وخالتها او المرأة وعمتها ، كما يفتى بالتفريق في موضوع الشغار أي أن يتزوج رجلان كل منهما من ابنة الآخر دون ان يدفع أحدهما مهراً ، اكتفاء بتبادل البنتين ..
4 ـ ونلمح تأثر البخاري بابن حنبل فيما يرويه من احاديث ، إذ يروى عن ابن عباس فتوى تقول أن النصرانية إذا أسلمت قبل زوجها بساعة حرمت عليه ، ورواية عن آخر تأتي بفتوى غريبة هي انها إذا أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة ــ بعد فسخ نكاحها ــ فهي لا تُعـدُّ امرأته وهي في العـدة إلا أن تشاء هي الرجوع إليه بنكاح جديد وصداق جديد ، وحينئذ يبيحون له أن يتزوجها في العدة ..!!
أخيرا
1 ـ وقد سبق تقرير أن الإسلام يؤكد حرية العقيدة ويؤجل الفصل بين الاختلافات في الدين إلى يوم القيامة ، وأن تدعيم الأسرة واستقرار الحياة الزوجية مقصد أساسي من مقاصد تشريعات القرآن .. وهنا يبدو الفارق واضحاً بين تشريعات القرآن وتشريعات الدين السُنّى .
2 ـ وحين يخفت تأثير الدين السُنّى في حياة المجتمع تظل الأسرة بخير ، أما حين تصاغ عقول الناس على أساس السُّنّة فإن مستقبل الأسرة يكون محفوفا بالمخاطر ، والدليل على ذلك ما تعرضت له الأسرة في القرون الوسطى من مخاطر نتج عنها احتراف وظيفة المحلل وشيوع زواج المتعة بطريقة مخالفة للقرآن ، والدليل في عصرنا الراهن أن شيخ الأزهر عبد الحليم محمود أفتى ببطلان زواج المسلمة من الشيوعي ، وقد سبق أن قُدمت هذه الفتوى لعبد الناصر أثناء صراعه مع الشيوعيين ولكنه رفضها ، ثم تغيرت العقول فأصبحت المحاكم تحكم بالتفريق على أساس العقيدة .
3 ـ فماذا إذا حكم مصر الاخوان والسلفيون الوهابيون ؟
اجمالي القراءات
2067