نظرات فى شريط القِمَارُ وصُوَرُهُ المُحَرَّمَة
نظرات فى شريط القِمَارُ وصُوَرُهُ المُحَرَّمَة
هذا شريط مفرغ ككتاب فى موضوع الميسر وليس مكتوب عليه اسم المحاضر وإن كان اسم المعد فى نهايته هو سالم الجزائرى فالله أعلم بصاحب المحاضرة
المحاضرة استهلها المحاضر بكلام طويل عن قواعد الفهم العامة للمعاملات وهو كلام ليس له علاقة بموضوع الميسر عندما يخاطب عامة الناس وليس الدارسين للفقه ولذاك لم نعتبرها من الموضوع وقد ذكر قلة الكتب فى موضوع الميسر فقال:
"فلهذا ينبغي الاهتمام بهذا الموضوع، وهذه بعض أوجه أهميته وطالب العلم أيضا من اهتمامه بالشريعة يهتم بما جاء في الشريعة، ومما جاء ذكر الميسر، وذكر الغرر، وذكر القمار، في النص، قد قال جل وعلا { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } ، إذن ذكر الميسر موجود وذكر القمار موجود كما في الحديث «من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق» وكذلك الغرر كما روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي (ص) «نهى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ, وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . فإذن إذا كانت هذه الألفاظ موجودة في الشريعة "
والحديثعن المقامرة لا يصحان فالتوبة من كلمة أقامرك ليس التصدق وإنما الاستغفار من الذنب كما قال تعالى :
" ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"
وقال:
" واستغفر لذنبك"
والحديث الثانى عن الغرر لا علاقة له بالميسر مباشرة إلا أن يكون أحد المتقامرين لا يعرف ما هو القمار أساسا وهذا قليل الوقوع
وتحدث عن آيات القرآن فى الموضوع عندما استهل الحديث عن الميسر وهو القمار فقال :
"الميسر -وهو موضوع هذه المحاضرة- والقمار جاء في القرآن تحريمه متدرجا؛ فنُهي عنه في أول الأمر ونُبِّه على بشاعته، ثم بعد ذلك نزل تحريمه، قال جل وعلا في سورة البقرة { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } وقال جل وعلا في سورة المائدة { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ } ففي الآية الأولى بين جل وعلا فيها نفع، ولكن إثمها كبير (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فيها منفعة؛ فيها منفعة اقتصادية بعض الشيء لمن يكسب، فيها منافع في إدارة المال من غير تعب ولا كد، في الميسر منافع فيما يكون من إفادة بعض المحتاجين في بعض صوره التي كانت في الجاهلية، نعم فيها منافع للفقراء؛ لأن بعض صور الميسر كانت لنفع الفقراء عند أهل الجاهلية؛ لكن إِثْمُهَا (أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)، فإثم الميسر أكبر لما؟ لأن الميسر فيه قعود عن العمل، والشريعة جاءت بحثّ الناس على العمل، وعلى الانتشاط، وعلى تقوية الأمة"
وحكاية التدرج فى الميسر لا دليل عليها لأن الخمر مرتبطة بإدمانها فهى تحتاج فترة للتخلص منها جسديا لعدم حدوث اضطرابات جسمية كبيرة بسبب الامتناع المفاجىء عنها وأما الميسر فشىء مالى محرم يمكن التخلص منه على الفور وارتباط الخمر والميسر يدل على أن معظم أماكن شرب الخمر هى التى تجرى فيها عمليات لعب الميسر
وأما حديثه عن أن بعض المقامرين فى الجاهلية كان يمارس القمار لمصلحة المحتاجين فهو وهم منه فلا دليل على ذلك
وتحدث عن أسباب تحريم الميسر فقال :
"وأما الميسر فهو انتقال للمال من غير كد ولا تعب؛ يعني في بعض صوره، أو نقول القمار انتقال للمال من غير كد ولا تعب، وذلك لا يهيئ ما تطلبه الشريعة من تقوية الأمة وانتشار الناس وتنمية أنواع الصناعات، وتقوية الأمة بما فيه إعداد للقوة، كذلك فيهما إثم لأن مبنى الميسر على أكل أموال الناس بالباطل، والشريعة جاءت بحفظ المال، وجاءت بدفع الظلم، والله جل وعلا أمر بالقسط، وحرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، وكل مسألة فيها ظلم فهي محرمة في الشريعة، ثم قال جل وعلا في سورة المائدة (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ) رجس يعني خبيث، يعني أن هذه خبيثة فالميسر من ضمنها فهو خبيث، ثم وصفه بوصف ثاني فقال (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وكونه من عمل الشيطان هذا مما يوجب على المؤمن أن يبتعد عنه؛ لأجل أنه وصف بكونه من عمل الشيطان، لهذا قال العلماء دلت آية المائدة على تحريم ما ذكر فيها من الخمر والميسر بعدة أوجه من التحريم منها:
أنه وصفه بأنه رجس.
والثاني وصفه بأنه من عمل الشيطان.
والثالث أمر باجتنابه فقال (فَاجْتَنِبُوهُ) هذا أمر، ثم قال في آخرها (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) يعني انتهوا في قول كثير من أهل التفسير، وقال بعضهم قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) أورده مورد السؤال لأنه أبلغ من الأمر المباشر
..إذن نفهم من هذا أن الميسر محرم قطعا، والميسر كان عملا تتعامل به الجاهلية، والناس في الجاهلية يتعاملون بأنواع من المعاملات التي حرمت في الشريعة ومنها الميسر، والميسر عندهم كانت له صفات متعددة:
¨ كانوا يتعاملون بالميسر والقمار في المغالبات والرِّهان.
¨ وكانوا يتعاملون بالميسر في المعاملات.
ولهذا قال سعيد بن المسيب لما رواه مالك في الموطأ (كان من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان في اللحم وبالشاة والشاتين).
إذن فعندنا أهل الجاهلية كان الميسر فيهم على نوعين:
1. ميسر في المغالبات والرهان والمسابقات.
2. والنوع الثاني ميسر في المعاملات. ولهذا قال علماؤنا إن الميسر الذي حَرَّمته الشريعة في نوعين: ميسر في المغالبات والرهان، وميسر في المعاملات، ويأتي مزيد بسط لهذه الكلمة.
كان من أغراض أهل الجاهلية في الميسر:
· أنه يفتخر بعضهم على بعض هذا واحد.
· من أغراضهم أنهم إذا أرادوا أن يتصدقوا لعبوا بالميسر وبالقداح حتى يخرج من له الفضل في التصدق إذا نحروا جَزورا ونحو ذلك، فكانت فائدة الميسر عندهم في بعض صوره للمساكين؛ يتبارون من يتصدق على المساكين بهذا الجزور المشترك، ولهذا يسمى الجازِر ياسر، ويسمى الجَزور يعني الجمل إذا ذُبح، يسمى أيضا ميسر تسمية للشيء باسم الفعل الذي منه."
ما ذكره عن صور الميسر الجاهلية بعضه ضرب من الوهم فليس المقصود من الأمر مساعدة الفقراء وإنما العملية لو صدقناها فهى عملية تباهى وتفاخر
وتحدث عن المعنى اللغوى للكلمة فقال :
وسبب اشتقاقهم هذه الكلمة من الفعل الذي فعلوه كلمة (ميسر)، العلماء اختلفوا فيها قالوا إنها مصدر ميمي كالموعد؛ ميسر والموعد من يسر توعد، ميسرا وموعدا، ومعنى الميسر هنا أنه من اليُسر؛ لأنه يحفظ المال بيسر، أو من اليَسَار لأنه يغتني بهذا الفعل، المقصود أن الميسر فيه من حيث اشتقاق اللغة:
¨ أنه كسب للمال بلا تعب.
¨ والثاني أن الميسر كسب للمال وسبب للغنى ولذلك سمي ميسرا.
إذا تبين ذلك"
واللغة لا تفيدنا بشىء فى المعنى فالميسر هو كل كسب أتى سهلا فيه كاسب وخاسر دون سبب شرعى للكسب أو للخسارة
وتحدث عن الفرق بين الميسر والقمار وها هو موجود فقال :
" فهنا سؤال مهم وهو: ما الفرق بين الميسر والقمار؟
هذه كلمة تعمل كثيرا ميسر ومن القمار، العلماء اختلفوا في ذلك اختلافا كبيرا، والحاصل أن لهم قولين في ذلك:
1. الأول: أنّ الميسر والقمار مترادفان؛ فكما أن الميسر يكون في المعاوضات المالية، وغير المعاوضات المالية، فكذلك القمار يكون عن عوض المال، وعن غير عوض المال.
2. وقال آخرون: لا؛ الميسر ثَم فرق بينه وبين القمار في نوعه:
فإن القمار: مغالبة ومخاطرة -كما سيأتي تفصيل المعنى- مغالبة ومخاطرة فيها المال. وأما الميسر: فإنه يشمل كل أنواع المخاطرة بالتعريف الذي سيأتي، مما يكون معاوضة، أو يكون رِهانا، أو يكون معاملة، ولهذا -كما ذكرت لك- قد يكون في الميسر مقابلة المال، وقد لا يكون، ولهذا قال ابن القيم تبعا لابن تيمية قال: "السلف كانوا يعبِّرون بالميسر عن كل ما فيه مخاطرة محرمة، ولم يشترطوا المال في الميسر"، وهذا كما قال الإمام مالك الميسر نوعان: ميسر لهو وميسر مال.
إذا تبين لك ذلك، يظهر أن الميْسر يختلف عن القمار -كما ذكرت لك- من أن القمار ما فيه مخاطرة وغرر المال وأما الميسر فأعم من ذلك.
فإذن الميسر عام والقمار بعض صوره أو أحد شقيه عند أكثر أهل العلم.
ما هو الميسر؟ وما هو القمار؟
الميسر: حقيقته الشرعية أنّ القمار -القمار أحد صور الميسر- نقول الميسر -كتعريف عام ثم نأتي للقمار- الميسر يشمل كل معاملة يدخل فيها المتعامل مع التردد فيها لا يدري، مع التردد فيها، لا يدري هل يغنم أو يغرم.
فإذن ضابط الميسر أنه دخول في معاملة مع جهالة الحصول؛ هل يحصل على ربح فيها، أو يحصل على الشيء أو لا يحصل.
وفرق بين هذا وبين التجارة؛ لأن التجارة فيها تحصيل سلعة، أما الميسر لا يدري هل يذهب ماله بعوض يأتيه، أو لا؛ يذهب ماله ويأتيه الغل. إذن فكل معاملة دار الأمر فيها في المتعامل ما بين تردد -حين دخل- تردد بين غرمه وغنمه فإنها من الميسر، فإن كان غنمه وغرمه ماليا صارت المعاملة قمارا، يوضح ذلك مثال: لو -يعني يُفرق بينه وبين التجارة والميسر والقمار-أراد أن يشتري سلعة وهو يرد أن يبيعها، هذه السلعة أراد منها الربح، فاشتراها فحصلت له السلعة، هنا فيه مخاطرة هل يَربح أو لا يربح؟ لكن هذه الخاطرة لم يمنع منها الشرع؛ لأنه ما من أحد يشتري شيئا ليربح، إلا وقد يربح وقد لا يربح؟ ولهذا قال المحققون من أهل العلم: إنّ الشريعة لم تأتِ بنفي أو تحريم كل نوع من أنواع المخاطرة. بل لا تصلح المعاملات إلا بنوع من المخاطرة، لكن هنا المخاطرة أنواع، فإذا كانت المخاطرة في الربح هل يربح أم لا؟ فهذا لم تحرِّمه الشريعة، لأن الشاري تحصّل على السلعة، فإذن هو دخل في المعاملة، وقد تحصّل على سلعة. هذه صورة تجارة فيها مخاطرة ولكنها مخاطرة لم تحرم.
نأتي إلى صورة الميسر، الميسر معاملة دخل فيها لا يدري هل يغنم أم يغرم؟ هل يحصل على شيء أم لا يحصل على شيء ألبتة؟ ومعلوم أنّ أي متعامل بأي نوع من أنواع التعامل يريد أن يكسب لنفسه شيئا، فهو يدفع مالا في مقابل، أو يدفع عملا وجهدا في مقابل، فإذا كان يدفع ويعمل بشيء وهو لا يدري هل يحصل له أم لا يحصل له، وذاك الآخر هو الذي يستفيد، فإنه يعد ذلك ميسرا؛ لأن حقيقة الميسر ما تردِّد فيه بين الحصول وعدم الحصول، ما تردد عيه بين الغرم والغنم. والثالث القمار وهو التردد الحاصل بالمال مثل ما يحصل الآن من -يعني في بعض الصّور- من أنّ الشخص يشتري شيئا؛ يشتري ورقة كوبون، أو يسمونها في بعض البلاد اليانصيب، أو عندنا كوبونات مسابقات إلى غيره يشتريها بسعر غال مثلا يشتريها بمائة، وهذه المائة يدفعها وهو لا يدري هل يحصل على الجائزة أم لا يحصل؟ هل يحصل على مردود أم لا يحصل؟ فإذن حقيقة الميسر ونوعه؛ القمار في هذه واضحة من أنه بذل هذا المال، وهو لا يدري هل يحصل على مقابل أو لا يحصل؟ يُنظر هنا إلى هذا البذل للمال هل هو قليل فيغتفر، أو هو كثير فلا يُغْتَفر."
وكل هذا الكلام الطويل العريض عن الاختلاف فى الكلمتين لا فائدة منه فنحن كعموم لا نفرق بين الميسر والقمار فكله شىء واحد
ثم حدثنا عن الغرر والجهالة فقال :
"ومن المعلوم أن الشريعة جاءت بالتفريق ما بين قاعدة الغرر والجهالة:
فالغرر: هو تردد في الحصول على شيء.
وأمّا الجهالة: فالشيء موجود، ولكن تُجهل أحد أوصافه، أو يُجهل حاله، أو تُجهل هيئته، أو نحو ذلك.
والغرر منقسم في الأحكام الشرعية إلى ثلاثة أقسام:
1. غرر كثير نُهي عنه، كما في حديث أبي هريرة «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ, وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».
2. وغرر قليل اغتفرته الشريعة؛ كالغرر فيما اشتريت بيتا، ما تدري عن أساسه هل هو جيد أم ليس بجيد؟ اشتريت مثلا شيئا تلبسه، ما تدري داخل هذه الجبة مثلا أو الفروة، هل ما في داخلها من القطن أو المادة هو جيد أو ليس بجيد؟ يعني ثَمّ شيء من الغرر مغتفر، هذا لا بد منه؛ لأنه ليس من شرط البيع أن تتضح جميع الأحوال على التفصيل، فهذه أنواع من الغرر والمخاطرة معفو عنها. . والنوع الثالث غرر متوفِّق؛ ليس بالضخم الكبير، وليس بالقليل، وهذا النوع من الغرر هو الذي اختلفت فيه أنظار أهل العلم، هل يُعفى عنه أو لا يعفى عنه؟ ومن صوره المعاصرة -لهذا الغرر المتوفِّق- ما ذكرته لك من أنواع المسابقات الذي دفع المائة هذه، أو التأمين التجاري؛ بأنّ (ألف أ) من الناس يدفع مائة كل سنة، حتى إذا حصل على سيارته شيء، أو بيته شيء، تُصلَّح له مجانا، وقد يكون بآلاف مألفة، و(باء ب) يدفع مائة، إلى آخره، كل الناس يدفعون -يعني من اشترك- ثم المستفيد من هذه المعاملة قليل، فنظر ناظرون في ذلك: هل هذا من الغرر الكبير؟ أو من الغرر المتوسط؟
¨ ومن أباحه -وهم قليل من العلماء-؛ من أباح التأمين التجاري قال إنّ الذي يبذله المرء قليل في مقابلة ما سيحصل له هو غرر يسير؛ يعني مائة ريال ما تهمك كثيرا، مائتين ريال ما تهمك كثيرا في مقابلة ما سيأتيك من الفائدة.
¨ ومن نظر إلى مجموع الناس، وما يحصل للشركة من الفائدة، قال إن الغرر كبير؛ لأنهم جمعوا عشرات الملايين، أو مئات الملايين، والذي بذلوه للناس في مقابلة ذلك ملايين محدودة؛ يعني أنهم استفادوا من غير كد منهم ولا تعب؛ استفادوا مبالغ كبيرة جدا -مئات الملايين في بعض الأحوال، أو أكثر للشركات الكبيرة- والمبذول هو من الناس، فيكون الذي بذلوه وصلّحوا به ما صلحوا، أو ضمنوا به ما ضمنوا، يكون قليلا في مقابلة ذلك. وإذا تقرر هذا، فإن نظر المجتهد من أهل العلم ينظر لا إلى الفرد من الناس، بل ينظر إلى حماية الناس جميعا؛ لأن الشريعة جاءت لحماية أموال الناس، كما هو معلوم فإن الكليات التي حافظت عليها الشريعة خمس، ومنها المحافظة على المال؛ مال الفرد وأيضا مال الجماعة، فهذا المال الوفير الذي أخذته شركات التأمين مثلا في مقابلة فائدة أناس قليلين، هذا غرر كبير جدا؛ لأنهم يحصدون مائتين مليون، ثلاثمائة مليون، والذي أنفقوه خمسين مليون مثلا في السنة في بعض أحوال الشركات.
إذا تبين ذلك هنا، إذن في مسألة الغرر المتوفق يكون ثم خلاف بين أهل العلم.
نأخذ الآن مقارنة لك ما بين الغرر والميسر:
الغرر نوع من أنواع الميسر، فالميسر أعم من الغرر، فالغرر يدخل في المعاملات؛ يعني في المعاملات والمعاوضات، والميسر عام يشمل ذلك ويشمل غيره، لهذا عدّ السلف أنواع كثيرة من اللهو الباطل، عدوها من الميسر لأجل ما فيها من مشابهة أهل الجاهلية في ذلك، ولم يعدوها غررا لأنها ليست معاوضة.
فإذن الغرر قد يكون في المعاملات؛ يعني في أنواع التعامل في البيع، في الإجارة، في الشركات، في أنواع الأبواب الفقهية؛ يعني في المعاملات.
أما الميسر فيشمل كل معاملة تُرِدِّدَ فيها هل تحصل أم لا تحصل، والغرر أيضا إذا كان فيه معاملة فينطبق على ذلك، فالميسر يدخل في المسابقات والرِّهان. وأما الغرر فلا يدخل في المسابقات والرهان، ولهذا نقول مثلا في المسابقات نقول هذه قمار، ولا نقول غرر لأن -مع أن بعض أهل العلم يعبر عنها بالغرر لكنها غرر بمعنى، وهي بالمعنى أكثر إذا كانت مالية قمارا وميسرا- نقول إذن إن الميسر كما ذكرت لك نوعان: نوع في المغالبات والرهان، ونوع في المعاملات. والميسر الذي في المعاملات هو الغرر، ولهذا كل بيع فيه غرر فيدخل باسم الميسر في الاسم الواسع، وأما المغالبات والرهان فهذا يدخل فيه أحوال كثيرة، مثل مل هو معروف عند الناس، تقول أراهنك على كذا وكذا، يعني بشيء يحصل أو لا يحصل، أو نعمل كذا وكذا بالمراهنة، هذا يدفع مبلغ وذاك الثاني يدفع مبلغ، وأيهما فعل أو سبق صاحبه فإنه يكون الآخذ للمال؛ يعني مال الآخر. معلوم أن هذه المغالبة هي أخذ للمال بغير وجه حق، ولهذا نهت الشريعة عن كل أنواع المسابقة والمغالبة والرهان إلا ما كان فيه نصرة للدين وفيه جهاد، لهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «لا سَبَقَ إلاّ في خُف أوْ نَصْلٍ أوْ حَافِرٍ» لأنّ الخف والنصل والحافر هذه فيها إعداد للجهاد؛ يعني لا عِوَضَ يبذل على مسابقة إلا فيما فيه إعانة للجهاد؛ مسابقة الخيول تبذل فيها عوض لا بأس لأنه فيها إعانة على الجهاد، مسابقة الرمي بالسهام للإصابة؛ بالسهام في الزمن الأول أو بالرماح، أو الآن بالبنادق أو بأشباه ذلك، هذه كلها فيها إعانة على الجهاد، هذه لا تدخل في تحريم المغالبات، فإذن نقول القاعدة أن أنواع المغالبات والرهان محرم إلا ما كان فيه نصرة لدين الله جل وعلا، كما قال عليه الصلاة والسلام «لا سَبَقَ إلاّ في خُفّ أوْ نَصْلٍ أوْ حَافِرٍ»، قال أهل العلم إن العلم من أعظم أنواع الجهاد، ولذلك فإن المغالبة والمسابقة والرهان فيه جائز؛ لأنه قائم على الجهاد، يعني مثلا اثنين يِتْسَابَقُونْ أنا أضع ألف، وأنت تضع ألف ريال، الذي يسبق في حفظ سورة البقرة يأخذ ألفين، هذا فائدة للدين، وفائدة للعلم، أو يحفظون متنا، أو يحررون بحثا، قال طائفة من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم وجماعة أنّ هذا مما فيه إعداد للجهاد."
وهذا الكلام الطويل لا فائدة منه فى شرح الغرر والميسر والغرر هو أن تفعل شيئا ماليا وأنت تجهل مصيره أو حكمه أو صفاته وهو أمر نادر الحدوث ألا يعرف الإنسان أنه يمارس الميسر من خلال لعب لعبة من ألعابه
وجرنا الرجل إلى الرهان وهو نوع من أنواع الميسر وكل أنواع الميسر محرمة ولكن القوم ينسبون إلى الرسول(ص) أنه أمر أبو بكر بممارسة الميسر بعد نزول أول سورة الروم فقال :
"إذن فقاعدة الميسر والمغالبات يُستثنى منها ما كان فيه نصرة لدين الله جل وعلا، والرهان؛ أنواع المراهنات محرمة، فكل رهان ميسر؛ لأنه يُراهن؛ يدخل في هذا النوع على تردد هل يحصل له أم لا يحصل له؟ هل يتحقق يكسب أم لا يكسب؟ وبعض أهل العلم أجاز الرهان استدلالا بحادثة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لما نزل قول الله جل وعلا { الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } فكان المسلمون يفرحون بنصرة الروم على الفُرس، وكان المشركون بنصرة الفُرس على الروم، فلما نزلت الآية وكانت الدائرة للفرس، تراهن أبو بكر مع أحد المشركين، فقال أحد المشركين ستغلب فارس أو غلبت فارس. فقال أبو بكر - رضي الله عنه - بل الروم ستغلب. وراهنه على مال، وكسب المالَ أبو بكر - رضي الله عنه -، وأهل العلم في هذا الرهان الواقع من أبي بكر لهم منحيان :
¨ المنحى الأول أنّ هذا منسوخ بتحريم الميسر في المدينة. والثاني أنّ هذا ليس بمنسوخ بل هو محكم؛ لأن أبا بكر لم يدخل في معاملة الأمر فيها متردد بين الحصول وبين عدمه، حين دخل في المعاملة دخل بوعد الله جل وعلا، بل بإخبار الله جل وعلا، وهذا أوثق أنواع الإخبار؛ لأنه لو ظن هو أو تحقق هو من نفسه بأنه ستحصل، الأبلغ منه أن يخبره المولى جل وعلا وأن يحكم بأن الروم ستغلب، لذلك أبو بكر الصديق حين راهن تسمى المعاملة رهانا، ولكن هو كاسب فيها داخل متيقنا بالكسب لا على غرر ولا على جهالة؛ لأن الله جل وعلا هو الذي أخبر بأن الروم ستغلب { الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } فلما انتهت بضع سنين غلبت الروم، فإذن هذه الصورة لا تدل على إباحة المراهنة ولا تدخل في الميسر ولا في القمار ولا في الغرر؛ لأن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - دخل فيها وهو عالم أنه سيكسب بيقين، فلا تصلح دليلا على إباحة الرهان ولا المراهنة، ولا إباحة بعض صور الميسر."
قطعا هذا أمر لم يحدث ولم يقله النبى(ص) خاصة أنهم لا يضمنون أن يوفى الكفار بعهدهم
وتحدث عن الفرق بين الرهان والقمار فقال :
"ما الفرق ما بين الرِّهان والقمار؟
الرِّهان فيه توقُّع مع عمل، وأما الميسر فهو توقع بلا عمل هناك؛ يعني أن الميسر والرهان يشتركان في أن كلا منهما فيه تردد في الحصول من عدمه، لهذا صار الرهان من أنواع الميسر، لكن الرهان يختلف عن القمار بأن المراهن لم يعمل عملا يكتسب فيه هذا المال، بينما المقامر فإنه قد يعمل عملا يحصل له هذا الشيء، والعلماء في الفرق ما بين الرهان والقمار في دخول العمل لهم تعابير مختلفة باعتبار العمل تارة، وبعدم اعتباره تارة."
وهذا فرق فى معنى كل صورة من الصور ولكنه لا يخرج عن المعنى العام وهو عمل فيه كاسب وخاسر بلا سبب شرعى للكسب والخسارة
وانتهى المحاضر إلى أن القمار غير الميسر فقال :
"إذا تبين ذلك في تبيين هذه المسألة فأعود ألخص:
بأنّ حقيقة القِمار الشرعية أن القمار نوع من أنواع الميسر وقد يعبر بعض أهل العلم عن الميسر بالقمار، والقمار بالميسر.
الثاني أن القمار والميسر كل منهما فيه تردد هل يحصل الشيء أم لا؟
القمار فيه بذل للمال بلا عوض يحصّله، يقابله أيضا القمار نوع من أكل أنواع الناس بالباطل، وهو يغامر بماله رجاءَ أنْ يغتني والثاني يغامر بماله رجاء أن يغتني، وهذا فيه بذل للمال من غير عوض، ومن الجهة المقابلة فيها أكل للمال بالباطل بغير وجه حق.
والقاعدة التي يمكن أن يندرج تحتها أكثر الصور المعاصرة مما يُشكل على الناس في قاعدة الميسر والقمار: أنّ -هذه تنتبه لها وهي حصيلة الكلام المتقدم- أن المعاملة التي يدخل فيها الداخل:
والأمر يدور فيها ما بين أن يخرج غانما أو غارما فهي من القمار أو الميسر؛ يعني يدخل وهو متردد هل يكون -يعني لا يدري؛ تردد يعني لا يدري- هل يغنم أو يغرم هذه تكون ميسرا وقمارا. فإذن أعود أكرّر إذا دارت المعاملة التي تتعامل بها، دار بذل المال الذي تبذله، دار بذل العمل الذي تعمله، بين أن تكون غانما شيئا، أو غارما المال أو العمل، فهذه المعاملة من الميسر.
الحال الثانية أن تدور المعاملة التي تتعامل بها ما بين أن تكون غانما أو سالما؛ يعني إمّا أن تغنم وإما أن تسلم؛ إما أن تستفيد وإما أنه لا شيء عليك، فهذه الصورة لا شيء فيها وليست من الميسر أو القمار المحرم.
بالمثال:
مثلا تدخل إلى محل تجاري تجد فيه مسابقة؛ أو يعني جوائز، هنا تأتي الجائزة تنظر فيها، هذه الجائزة التي ستعطى، هل تكون ببذل منك لمال؟ أو بشراء لأشياء غير مرادة لك؟ يعني تبذل خمسين ريال عَشَانْ تأخذ كوبون مثلا، تأخذ قسيمة ستربح أو لا؟ هذا بذلت شيئا، أو تشتري أشياء لا حاجة لك فيها، ما أردتها، وإنما أردت هذه القسيمة؛ أردت المشاركة، فهنا أنت دار أمرُك فيما بذلت بين أن تكون غانما بالجائزة أو غارما لهذا المال، أو شراءك لهذه الأشياء التي لا تحتاجها، فإذا دار الأمر على هذه الصورة صارت الصورة محرمة؛ لأنها ميسر، لأن الأمر في حقيقته دار بين الغنم والغرم، وترددت بين أي الأمرين يحصل لك.
الصورة الثانية دخلت مثلا في مكان، واشتريت بأي مبلغ، ما يشترط مبلغ معين، أنت خاطب تشتري هذه السلعة بعينها، ثم لما أتيتَ للمحاسبة قال خذ هذا الكوبون عبِّئ اسمك وحط مثلا عنوانك، فهنا دخولك فيها دخولك في هذه المعاملة دائر بين أحد إحتمالين: إما أن تستفيد الجائزة، وإما أن تسلم فلا تخسر شيئا، حينئذ دار الأمر ما بين السلامة، وما بين الغنم، فحينئذ لا تكون المعاملة قمارا ولا ميسرا.
فإذن هذه القاعدة يمكن أن تطبق عليها أكثر الصور المعاصرة التي يسأل عنها الأكثرون في مسائل القمار والميسر.
الحال الأولى التي هي ميسر أن تدخل لا تدري هل تغنم أو تغرم.
الحال الثانية ليست من الميسر تدخل على أحد احتمالين:
•إما أن تسلم ما تخسر شيء.
•أو أن تستفيد فهذا نوع من أنواع التبرع من المقابل.
وكما ذكرت لك يأتي كثيرا أسئلة من هذا النوع، فيمن يدخل المحلات التجارية وفيها جوائز لمن اشترى بمائة، فيها جوائز لمن اشترى بخمسمائة ريال، فيها جوائز لمن اشترى بألف ريال، إلى آخر ذلك، فهنا إن كان شراؤك مأخوذا يعني أنت محتاجا لهذه السلع ستشتريها للحاجة، فإذن الجائزة تأتي تبعا، يعني احتمال أخذك للجائزة يعني تبعا، فإذن أنت ما بذلت لتأخذ الجائزة بذلت لحاجتك، فحينئذ الجائزة إما أن تغنمها، وإما أن تسلم فلم تدفع مقابلا، وهذه فيه صور كثيرة يمكن أن تطبقها، فيه حالات لا، يكون إما دفع -وهذا من القمار المحرم والميسر الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب- لابد تدفع مال، مثل ما ذكرت لك، ما يسمونه اليانصيب، وأشباه ذلك في بلاد أخرى، هنا يحتالون عليه بأنواع الاحتيال. إذا تبين ذلك فإن هذه الصور والتعاريف تقرب لك حقيقة الأمر،"
الصور التى ذكرت فى الفقرات السابقة ليست من الميسر وإنما هى من باب الهبة وإن كانت حقيقتها أنها من باب من ذقنه وافتل له بمعنى أن صاحب المحل يأخذ ربحا أكثر من الربح المقرر عنده ضمن الثمن ويتنازل عنه مرة أخرى لبعض المشترين وهى معاملة محرمة وإن كان ظاهرها أنها هبة محللة
وتحدث عن كون الميسر من الذنوب الكبرى فقال :
" وأنّ الميسر والقمار محرم، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب، وأن الشريعة نهت عنه لما في ذلك من حفظ المال العام والخاص، ودفع الغرر، ودرء تلاعب المتلاعبين، وأيضا لما فيه من دورة المال ونمو المال بالطريقة الصحيحة، بما فيه قوة البلاد، وقوة الأمة، وقوة المسلمين، لأن القمار يفضي إلى الخسارة، ويفضي إلى الذل، ويفضي إلى العداوات كما قال جل وعلا { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ }
الميسر إسم عام -ألخص لك بعض المسائل التي وردت- يشمل ميسر اللهو وميسر المعاملات. ميسر اللهو ولو لم يكن فيه مال كما قال الإمام مالك الميسر نوعان: ميسر لهو وميسر مال. وعد علي وابن عباس وطائفة من السلف كعطاء والحسن وجماعة أن اللعب بالنرد، واللعب بالشطرنج، واللعب بالجور وكعاب الأطفال أنه من الميسر لأنه وسيلته.
الميسر في المغالبات المالية هو القمار، والقمار -وأنا نسيت ربما أن أعرف القمار- القمار مأخوذ في الأصل في اللغة من نور القمر؛ لأن نور القمر متردد بين الكمال والضعف، كل يوم له حالة، فكذلك المقامر كل يوم له حالة. والمقامرة خاصة بالمال تدخل في أنواع المغالبات، والتعاملات المالية.
قاعدة الغرر كقاعدة المغالبة والميسر والقمار قائمة على تردد هل يحصل الشيء أم لا يحصل، إذا دخلت في معاملة بذلت شيئا لا تدري بَذْلُكَ هذا له يحصل معه شيء أم لا شيء وراءه، فإنها تدخل باسم الميسر، أما إذا كانت دائرة ما بين السلامة والغنم فهذه لا تدخل في اسم الميسر . هناك صور كثيرة من أنواع المعاملات المعاصرة يعدها طائفة من الناس في القمار وهي لا تدخل في القمار، فقط تكون في أكل أموال الناس بالباطل، والقمار -كما ذكرت لك- له تعريفه، والميسر له تعريفه.
هذه المسألة بما ذكرتُ قرّبنا لك تعريف القمار، تعريف الميسر، والرهان، والفرق بين هذه الألفاظ، وأنواع الميسر، وأنواع المغالبات، وما يستثنى من ذلك، ولعل فيما ذكرت فتح باب لمن أراد التوسع لمراجعة هذه المسألة المهمة والقاعدة العظيمة من قواعد المعاملات وهي قاعدة الغرر أو قاعدة الميسر."
وبهذا أنهى المحاضر محاضرته بتلخيص ما فصله فيها وكما سبق القول فالميسر هو :
أى مال فيه خاسر وكاسب دون سبب شرعى كالهبة أو التجارة أو التنازل عن الدين
الصورة المتخيلة عند فى نفوسنا أنه ما يدور فى الحانات ومحلات القمار من ألعاب ولكنه يدخل فى أمور غيرها خارج تلك الأماكن كالسباقات والرهانات
اجمالي القراءات
2248