( الحرام / الحُرمة / المحرمة ) فى مصر الستينيات : يا حسرة على مصر اليوم .!
( الحرام / الحُرمة / المحرمة ) فى مصر الستينيات : يا حسرة على مصر اليوم .!
أولا : فيلم ( الحرام )
1 ـ فيلم ( الحرام ) من أروع الأفلام المصرية ، لأنه يعبر بصدق عن الثقافة المصرية وقت إنتاجه عام 1965 . موضوعه عن معاناة الفلاحين عمال التراحيل ، ويدور حول فلاحة فقيرة تعمل مع زوجها ضمن عمال التراحيل، يصاب الزوج بالمرض الذي يقعده عن العمل، فى مرضه يشتاق الزوج إلى البطاطا ، فتذهب عزيزة لتقتلعها فيغتصبها رجل وتحمل وتنجح في إخفاء حملها عن الأعين ، وخوف الفضيحة تنتهى حياة المولود موتا . ويطرح الفيلم سؤالا عن ( ماهية الحرام ). هل الحرام هو:
1 / 1 : الاستغلال البشع لعمال التراحيل الأطفال والنساء والرجال ، وبلا رعاية أو تأمين ، بحيث أنه عندما مرض الزوج وجلس فى البيت تنفق عليه زوجته، إذ لم يجد من يرعاه سوها ، وعندما إشتاق الى ثمرة بطاطة لم تجدها الزوجة إلا بالسرقة ، وعندما وجدتها دفعت الثمن إغتصابا ، وهى لم تقاوم كثيرا بسبب حرمانها الجنسى .
1 / 2 : أم هو الزنا وموت طفل برىء .
2 ـ شاهدت معاناة عمال التراحيل فى الستينيات، إذ كان مقاول ( الأنفار ) يرسل سيارة نقل الى أقرب نقطة من قريتنا ( ابوحريز ) وهى ( النقطة الثابتة ) على ( مصرف صان )، ويأتى الفلاحون اليها من بلدنا والبلاد المحيطة ، مع كل منهم ( زوادة الطعام ) ثم تذهب بهم سيارة النقل الى منطقة ( صان الحجر ) حيث إستصلاح الأراضى الجديدة . والى محافظة الشرقية ينتمى أيضا العبقرى يوسف إدريس . مؤلف رواية ( الحرام ) ، وقام ببطولة الفيلم الممثل المصرى عبد الله غيث ، وهو أصلا فلاح من محافظة الشرقية ، وقد أدى أعظم أدواره على الاطلاق ، وكان مناسبا للدور من حيث الشكل ، ومن حيث تعبير المعاناة للفلاح المصرى وقتها .
3 ـ ( الحرام ) هو الحاضر الغائب فى مجتمع عمال التراحيل أفقر الفلاحين المصريين وقتها ، والذين لم تمنعهم ظروفهم القهرية من فهم ماهية الحرام فى العلاقات الجنسية .
4 ـ هذا .. بينما شاع مصطلح ( المغيبات ) فى تاريخ العرب فى عصر الخلفاء والفتوحات . ( المغيبات ) أى الزوجات التى كان يغيب عنهن أزواجهن فى الحروب بأعوام ، وكان يدخل على ( المغيبات ) الشباب القاعد يزنى بهن ، ولقد أنشأ عمر بن الخطاب ديوانا للاطفال غير الشرعيين ، ثم فيما بعد إجتهد الفقهاء فى حلّ لهذه المشكلة ، فاخترعوا حديثا ظريفا يقول ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) أى نسبة المولود للزوج الغائب لأنه صاحب الفراش . ثم أشاعوا فتوى أخرى لا يزال يتمسك بها مواشى الفقهاء فى عصرنا الردىء ، وهى أن مدة حمل المرأة تصل الى عدة سنوات . بمعنى أن الزوج إذا غاب بضع سنوات وولدت زوجته فهو من أبيه الغائب من سنوات مضت . وقالوا إن ( مالك بن أنس ) قد حملت به أمه ثلاث سنين ، ونسبوه الى أب غائب مات فى الغربة .
5 ـ بالمناسبة : هل نسيتم حديث البخارى وغيره عن ( ام حرام بنت ملحان ) ، هذه الأسطورة صنعت شخصية وهمية ، جعلوها زوجة لعبادة بن الصامت ، وزعموا ـ عليهم اللعنة ـ أن النبى كان يدخل فينام عندها فى غياب زوجها فتطعمه وتسقية. هذا الحديث الباطل صنعته الثقافة العربية وقتها لتبرر الانحلال الذى ساد مع ( المغيبات ) فى القرن الأول الهجرى .
ثانيا : عمرو بن العاص : إبن الحرام الذى لم يخجل من نفسه ونسبه .!
أمُّ عمرو ( النابغة ) كانت من البغايا ـ وكان لقبهن ( ذوات الرايات الحُمر ) بما يعنى أن بيوتهن كانت عليها رايات حمراء لمن يريد قضاء ( ليلة حمراء ). إشتهرت بأن زبائنها من زعماء قريش . قالوا :
1 : ( وقع عليها أبو لهب ، وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان بن حرب ، والعاص بن وائل ، في طهر واحد ، فولدت عمرا . فادعاه كلهم ، فحكمت فيه أمه فقالت : هو للعاص لأن العاص كان ينفق عليها . وقالوا : كان أشبه بأبي سفيان . )
2 : ( كانت النابغة أم عمرو بن العاص من العواهر المشتهرات ذوات الرايات ، وكن يحضرن عكاظ ومجنة وذا المجاز أسواق العرب ، ينصبن فيها الرايات لتدل عليهن من أراد العهار ليأتيهن. )
3 : ( كان من حديث النابغة أم عمرو بن العاص : أنها كانت بغيا من طوائف العرب ، فقدمت مكة ومعها بنات لها ، فوقع عليها نفر من قريش في الجاهليه فيهم : أبو لهب بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة المخزومي ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية ، والعاص ابن وائل السهمي ، بطهر واحد فحملت فولدت عمرو ، واختصم القوم جميعا فيه كلهم يزعم أنه ابنه ، ثم ضرب عنه ثلاثة وأكب عليه اثنان العاص بن وائل وأبو سفيان . قال أبو سفيان : " أما والله إني وضعته في رحم أمه" فقال له العاص :" ليس مما تقول شيء هو ابني" فحكما فيه أمه فقالت : " هو للعاص" . فقيل لها بعد ذلك : " ويحك ما حملك على ما صنعت ، فو الله إن أبا سفيان لأشرف من العاص" ، قالت : إن العاص كان ينفق على بناتي ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا ." ).
4 ـ عاش عمرو ( إبن النابغة ) طفولته فى بيت أمّه ، يرى الناس يدخلون على أُمّه أفواجا من كل مكان . بعد أن فتح مصر وصفها وصفا إستوحاه من بيت أمه ، فقال حسبما ذكر المقريزى فى كتابه ( الخطط ) : ( مصر كبيت الزانية يؤتى من كل مكان ) . عمرو لم يكن فقط ابن حرام ، بل كان أيضا أكبر ( حرامى ) فى عصره ، إذ سرق من مصر 140 أردبا من الدنانير الذهبية . »
ثانيا : ( الحُرمة )
1 ـ فى الستينيات كنت فى التعليم الأزهرى طالبا مشاغبا أتندّر على ما يقال لنا فى حصّة الفقه بالذات حيث التحريم هو الأساس . كان المدرس منهمكا فى شرح كتاب ( الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ) وسألته : ( ماذا لو أنا فعلت كذا وكذا ؟ ) وقال المدرس على الفور : ( إذا تكون عليك حُرمة ) وقلت مسرعا : ( يا ريت ).! ، وضجّ الفصل بالضحك ، فكلمة ( حُرمة ) تعنى فى ثقافتنا المصرية الريفية : المرأة..يعنى إننى أتمنى أن تكون فوقى إمرأة .
2 ـ والمصرى وقتها كان يعتبر المرأة ـ عدا زوجته والمحرمات فى الزواج ـ ( حّرمة ) . يعنى يحرم عليه لمسها أو النظر اليها بشهوة . هذا الفلاح المصرى البسيط فى الستينيات كان يعبر عن رقى فى الأخلاق وفى الحضارة . فمن كلمة " الحرام " اشتق وصف " الحرمة " ليعبر به عن كل امرأة أجنبية يحرم النظر إليها ويحرم التعرض لها . ولهذه التربية الأخلاقية الرائعة جذورفرعونية كانت لا تزال تعيش فى ريفنا فى الستينيات دون أن يقرأوا نصائح الحكيم الفرعونى ( أمنيت ـ بن ـ كانخيت) من الأسرة الثانية والعشرين حين يقول " لا ترسل نظراتك إلى جارتك فإن نظرك إليها يجعلك كالذئب الماكر ، لأن للجار حرمة يجب الإحتفاظ بها " . ودون أن يقرأ فى الفصل الخامس والعشرين من كتاب الموتى تفاصيل عن محاكمة النفس حيث يجتهد الميت فى تبرئة نفسه أمام أوزوريس ومن ضمن دفاعه عن نفسه " أنى يا إلهى لم أرتكب الفحشاء ولم أشته امرأة قريبى ."
3 ـ ومن هنا فاذا دخل غريب إلى دار قال : ( دستور) ، هو القانون الأخلاقى غير المكتوب عند دخول بيت غير بيته . أو يقول ( يا ساتر ) دعوة لأن تستر نساء البيت أنفسهن من نظرات غريب زائر ، والضيف يقولها ليعبر عن احترامه وتوقيره لمن فى البيت من حريم .
4ـ هذه الثقافة المصرية لم تكن معروفة عند العرب وقت النبى محمد عليه السلام ، حتى مع بداية إستقرار المهاجرين فى المدينة ، فكان دخول البيوت بلا إستئذان ، فأنزل الله جل وعلا تشريع الإستئذان للقادمين من الخارج أو حتى للأطفال داخل البيت ، وحتى لمن يدخل بيوت النبى ويتكلم مع زوجات النبى . راجعوا الآيات الكريمة التالية ( النور 27 : 29 ، 58 : 59 ) ( الأحزاب 53 ).
5 ـ وكان التحرُّش بالنساء سائدا فإستلزم تشريعا : ( الأحزاب 59 )
ثالثا ( المحرمة ) من ( الحرام )
1 ـ فى قريتنا ( أبوحريز ) فى الستينيات ذهبت فتاة لتعمل خادمة فى القاهرة ، ثم جاءها عريس، وجىء بها للزفاف ، وحسب العادة يجب فضُّ بكارة العروس أمام أعين الأشهاد من النساء من أهلها وأهل العريس . وحين تسيل دماء البكارة كانت الأغنية فى صباح يوم الدخلة هى : ( يا صباح الدم ساح ) أى سال دم البكارة معلنا شرف البنت وعزّة اهلها . الفتاة كانت مرعوبة ، خصوصا وقد تربّت على كلام أمها إن العملية الجنسية مؤلمة مثل إدخال مسمار فى العين . من رعبها وصراخها عجز العريس عن فضّ بكارتها ، وعجزت ( القابلة / الدّاية ) ، وصمّم أهلها على إستمرار المحاولة مهما كان الأمر ، لأنها عاشت فى القاهرة بعيدا عنهم . سقطت الفتاة مغشيا عليها ، وتمكنوا من فضّ بكارتها ، وحملوا دم البكارة على قطعة قماش أبيض مُعدة الى لذلك الأمر ، ويسمونها ( محرمة ) . طافوا ب ( المحرمة ) تحت المشاعل فى شوارع البلد يغنّون ( يا صبح الدم ساح ) ، مع أن الصباح لم يكن قد أتى بعدُ.!
2 ـ أحد أساتذة جامعة الأزهر فى شبابه ( م . س ، ج ) كان يعيش فى حىّ الغورية بالقاهرة . تزوج منها ، وليلة الدخلة فوجىء بها غير عذراء . أسرع ففتح شباك الحجرة وصرخ قائلا بلا تحرّج : ( أُشهدكم يا أهل الغورية أننى دخلت بزوجتى ، فأدخلته وأخرجته عدة مرات فلم يخرج منها دم . أُشهدكم أنها طالق ثلاثا ) . بعدها عوتب فى ذلك ، وأنه كان الأليق أن ينتظر يوما ، فقال : " عندها سيقال أننى الذى فضضت بكارتها ويضيع حقّى ).!
3 ـ كباحث متخصص فى تاريخ العرب أقول أننى لم أجد على الاطلاق فى تاريخ العرب وأشعارهم وآدابهم أى كلام عن إختبار البكارة ليلة الدخلة . وهذا طبيعى فى مجتمع ساد فيه سبى نساء بعضهم البعض ، ويتفاخرون بهذا .
رابعا : ( حرامى )
عندما يسرق السارق يصرخ الناس ( إمسك.. حرامى ) . لا يقولون ( إمسك ..لص ) أو ( إمسك ..سارق ). السارق أو ( اللص ) يقال عنه فى الثقافة المصرية ( حرامى ) ، فكما عف المصرى بصره عن النظر للمرأة الأجنبية فإنه كذلك كف يده عن مال الغير ، وكما أعتبر المرأة الأجنبية حرمة فإنه كذلك أعتبر مال الغير حراما ، ووصف من يسرق مال غيره بأنه " حرامى " أى ارتكب حراما حين سرق مال الآخرين .
أخيرا :
1 ـ جاء السادات بالانفتاح والتحالف مع السعودية والسلفية الوهابية فاختلف الحال . بالتدريج إنتشر فى مصر النقاب والحجاب واللحى والجلباب وملايين المساجد والجمعيات ، لتخفى إنحلالا خلقيا مستترا، وانتشرت عمليات ترقيع البكارة ، والحرامية أصبحوا هم الحكام ، والمرأة المصرية التى شاركت فى انتفاضة 2011 إنتهك الجيش جسدها علنا فى ميدان التحرير ، ووصل الانتهاك أقصاه فى ( كشوف العذرية ) و أصبح الضابط الذى تولاه هو الرئيس .
2 ـ وكل عام وأنتم .. كما أنتم.!!
اجمالي القراءات
2530
قرأت كتاب الأغانى للأصفهانى والعقد الفريد وكثير من كتب التراث العربى فلفت نظرى أنه ندر أن وجدت امرأة اجتمعت برجل فراودها عن نفسها وامتنعت وأضرب مثلا بزوجة آكل المرار عندما أنعمت لخاطفها بل ورحبت به وفى سيرة الفرزدق وغيره من الشعراء نجد نفس السلوك فكنت أتعجب من انتشار الزنا فى بيئة قوم يدعون أنهم يحفظون أنسابهم.