من التواتر الشيطانى : إبتداع وإستمرار صلاة العيدين

آحمد صبحي منصور Ýí 2018-12-11


 من التواتر الشيطانى : إبتداع وإستمرار صلاة العيدين

مقدمة :

مصطلح ( عيد ) لم يأت عن الصلاة مطلقا . حين طلب الحواريون من عيسى عليه السلام مائدة من السماء دعا ربه جل وعلا فقال : (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿١١٤﴾ المائدة ). ومع انها آية ( معجزة ) هائلة فلم تتحول الى مناسبة دينية ، أى لم تصبح عيدا يحتفل الحواريون بذكراه شكرا لرب العزة جل وعلا ، بل تم تناسيه .

المزيد مثل هذا المقال :

ليس فى دين الله جل وعلا أعياد . الأعياد توجد فى حياة البشر الاجتماعية ، ولا بأس فى هذا . ولكن أن تصبح الأعياد دينا فهذا ملمح من ملامح الأديان الأرضية القائمة على اللهو واللعب ، وتتكاثر فيها أعياد للآلهة وغيرها . العبادات الاسلامية تقوم على الخشوع والتضرع والإخبات . ولكن تحكم الخلفاء والسلاطين فى الحياة الدينية والمساجد والصلاة ، أعطاهم الفرصة لتحويل الدين الى لهو ولعب وإحتفالات بمثل ما كان سائدا فى البيئات النهرية من قبل. لذا أضافوا الى صلاتهم الشيطانية صلوات فى مناسبات ، أهمها صلاة العيدين وما تبعها من من ( المولد النبوى ) تقليدا لعيد الميلاد المجيد وموالد الأولياء متابعة لأعياد القديسين ..الخ.. . ونعطى عن صلاة العيد لمحة تاريخية .   

 البداية

1 ـ إخترعوا حديثا رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى يزعم  : ( أن بلال كان "يحمل العنزة بين يدي رسول الله يوم العيد والاستسقاء.." (ابن سعد 7/2/112). ومع هذا فلم ترد فى الطبقات الكبرى لابن سعد تفصيلات عن كيفية صلاة العيد فى عهد النبوة ، وان تكاثرت الأخبار عنها فى الكتب الفقهية تحمل الكثير من التنظير.

2 ـ الذى جاء فى المصادر التاريخية يفيد بأن الأمويين هم الذين احتفلوا بصلاة العيد وجعلوا لها آذانا وخطبة مثل صلاة الجمعة ، وكان الغرض سياسيا ، بالطبع ، خاصة وهم الذين كانوا يتهاونون فى الصلاة المفروضة الواجبة، ولا يهتمون فى صلاة الجمعة الا بالتطويل فى الخطبة التى حولوها الى منشور سياسي دعائي. تقول الروايات ان زياد بن ابيه حاكم العراق فى عهد معاوية هو أول من جلس على المنبر فى العيدين وجعل لهما آذانا (الوافي بالوفيات 15 /13) ، وهناك رواية أخرى تقول ان بشر بن مروان – أخ عبد الملك بن مروان – حاكم العراق هو أول من أحدث الآذان للعيد فى الكوفة : "فأكبر الناس ذلك وأعظموه " أى احتجوا عليه ، وقد توفى بشر بن مروان سنة 75  هـ ( الوافى بالوفيات 10/153) ، يعزز ذلك رأى ابن ابي شيبة الذى يقول : أول من أحدث الآذان في عيدي الفطر والأضحى بنو مروان ، عبد الملك أو أحد من أولاده (السيوطي تاريخ الخلفاء 248).

وهناك آراء أخرى تقول انه معاوية اول من أحدث الآذان فى العيد وينسب هذا الرأى لسعيد بن المسيب ، ورأى آخر منسوب للزهري يقول : أول من أحدث الخطبة فى صلاة العيد هو معاوية " (السيوطي ك نفس المرجع 317) . فى كل الأحوال فإنهم إخترعوا العيد وصلاة العيد وجعلوها صلاة عامة فى المسجد وجعلوها كصلاة الجمعة فى الآذان وفى الخطبة .

3 ـ واشتهر عمر بن عبد العزيز بطقوس خاصة فى صلاة العيد . فكان فى عيد الفطر يدعو أصحابه صباحا ليفطر معهم بتمر من "صدقة رسول الله" أو "كان يأكل شيئا قبل ان يغدوا الى صلاة العيد" وكان يمشى الى المصلى ثم يصعد الى المنبر فيكبر سبع تكبيرات تترى ، ثم يخطب خطبة خفيفة ، ثم يكبر فى الثانية خمسا ، ثم يخطب خطبة أخف من الأخرى ، يقول الرواي : رأيته أتي بكبش فى المصلاة . فذبحه بيده ، ثم أمر بقسمته و لم يحمل الى منزله منه شيئ " ويقول آخر " سمعت عمر بن عبد العزيز يجهر بالتكبير حتي يسمع آخر الناس ، مع الأولى سبعا ثم يقرأ ، وفى الآخرة خمسا ثم يقرأ فى الأولى ( ق و القرآن المجيد) ، وفى الثانية "اقتربت الساعة وانشق القمر )، وكان يدعو من كل تكبيرتين بحمد الله ويكبر وصلي على النبي (ابن سعد 5/267) .

4 ـ وبمجيء الدولة العباسية قامت بتغيير جزئي فيما ابتدعته الأمويون فى صلاة العيد.

فى موسوعة "نهاية الأرب" فى الجزء الثاني والعشرين وفى الحديث عن ظهور الدعوة العباسية فى خراسان سنة 129 يذكر النويري انه بعد تجمع أنصار الدعوة العباسية وحلول عبد الفطر أمر أبو مسم الخراساني (قائد الجيش الذى دمر فيما بعد الدولة الأموية)  سليمان إبن كثير رئيس الدعاة السريين ان يصلي به وبالشيعة (ومصطلح الشيعة فى ذلك الوقت كان يعني اتباع الدعوة للرضى من آل محمد ، وكان مفهوما انه من ذرية على ابن ابي طالب ، ولم يكن يعرف احد من الشيعة ان الأمر قد تحول لذرية ابن عباس)، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة . وأمره ايضا ان يكبر ست تكبيرات تباعا. ثم يقرأ ويركع بالسابعة . ويكبر فى الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعا ، ثم يقرأ ويركع بالسادسة ، ويفتتح الخطبة بالتكبير ويختمها بالقرآن / وكان بنوا أمية يكبرون وفى الأولى أربع تكبيرات وفى الثانية ثلاثا. (نهاية الأرب 22/20). المفهوم من هذه الرواية ان كبير الدعاة : سليمان ابن كثير تلقى أوامر من القائد العسكري والسياسي للحركة العباسية بكيفية صلاة العيد وعدد التكبيرات وموقع الخطبة ، بما يخالف "السنة الأموية". و "السنة الأموية" نفسها اختلفت مع نفسها ، اذ كان عمر بن عبد العزيز يكبر ( اي يقول الله اكبر) سبع مرات فى الركعة الأولى ، وخمس تكبيرات فى الثانية ، ثم نزل التخفيض بعده فأصبحت أربع تكبيرات فى الأولى وثلاثا فى الثانية .

5 ـ وحين تولى الخليفة المعتضد العباسي سنة 240 صلي بالناس صلاة عيد الأضحى فكبر فى الأولى ستا وفى الثانية واحدة . ولم تسمع منه الخطبة (تاريخ الخلفاء للسيوطي 590)

ونرجع للسيوطي فى تاريخه ( تاريخ الخلفاء) لنراه يسجل ان صلاة العيد أقيمت لأول مرة فى جامع مصر (الفسطاط) سنة 302 ولم يكن يصلي فيها العيد قبلها، وحدث ان خطب العيد الشيخ على بن شيخه ، وفى هذه الخطبة الأولى للعيد فى مصر حدث خطأ هائل لأن الخطيب قرأ قوله تعالى "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" فقال " ولا تموتن الا وانتم مشركون" (تاريخ الخلفاء 607). اى ان مصر بعد الفتح لم تعرف صلاة العيد فى عصر الخلفاء الراشدين او الامويين او العصر العباسي الأول.

إزدهار صلاة العيدين فى العصر الفاطمى

1 ـ تحولت الحياة الاجتماعية والدينية الى إحتفالات ومواكب لتقديس الخليفة الفاطمى ، كانت هناك ما يعرف بالأعياد الاسلامية ( عيد الفطر وعيد الأضحى ) وأعياد شيعية مثل عاشوراء ، وقبطية وفرعونية ، وبهذا إجتذب الفاطميون المصريين الٌباط فدخلوا فى الدين الشيعى أفواجا ، إذ كانت تلك الأعياد مواسم لاظهار كرم الخليفة مع رعاياه .

يقول المقريزى فى الخطط عن موسم عيد الفطر‏:‏ ( وكان لهم في موسم عيد الفطر عدة وجوه من الخيرات منها‏:‏ تفرقة الفطرة وتفرقة الكسوة وعمل السماط وركوب الخليفة لصلاة العيد وقد تقدم ذكر ذلك كله فيما سبق‏.) ( عيد النحر‏:‏ فيه تفرقة الرسوم من الذهب والفضة وتفرقة الكسوة لأرباب الخدم من أهل السيف والقلم وفيه ركوب الخليفة لصلاة العيد وفيه تفرقة الأضاحي كما مر ذلك مبينًا في موضعه من هذا الكتاب‏.).

2 ـ ومما سجله المقريزى نعطى لمحة عن احتفالات بعيد الفطر :
شوال 361هـ: كانت أول خطبة عيد للمعز الفاطمي في القاهرة عاصمته الجديدة .

شوال 364هـ : ركب المعز الفاطمي لصلاة عيد الفطر علي العادة ، وورد عليه الخبر بأن جنوده قد انتصروا علي الروم في الشام فسر المعز بذلك ، وتصدق على الفقراء...

 شوال 381هـ: صلي الخليفة الفاطمي العزيز بالله بن المعز صلاة عيد الفطر وخطب علي العادة .وأهدت إليه امرأة أسدا كانت قد ربته وأرضعته فكان حجمه كالكبش الكبير .

 شوال386هـ : فرشوا سرير الذهب للخليفة ( الطفل ) الحاكم بأمر الله الفاطمي بن العزيز بالله وكان قد تقلد الخلافة في 28 رمضان ، وخرج الخليفة الجديد في عيد الفطر راكبا فرسا أدهم وقد تعمم بالجواهر وتقلد السيف ، وفي ركابه حسين بن عبد الرحمن الرابض وبرجوان ، وقام له الناس وقبلوا الأرض أمامه ، وتكلم ابن عمار عن الخليفة ( الطفل ) فقال للقاضي ابن النعمان : مولانا يأمرك بالخروج إلي المصلي لتصلي العيد بالناس وإقامة الدعوة لأمير المؤمنين، فنهض القاضي قائما وقلده برجوان سيفا محلي بالذهب، ومضي القاضى فصلي الناس وأقام الدعوة للخليفة الحاكم . ثم نصب السرير المذهب في صفة الإيوان ونصب السماط للطعام وكان من فضة ، وجلس الخليفة ( الطفل ) علي السماط وحضر المدعوون فأكلوا .

 شوال 387هـ: صلي الحاكم عيد الفطر وخطب العيد ، وأحضروا له امرأة من الأقزام من الشام في علبة ، طولها ذراع واحد ، وهى من غير ذراع ، ومعها أخ لها في قد الرجال من حيث الطول ، فأنزلت بالقصر وصرفوا لها ولمن معها الرواتب ، وقطع لها في وقت واحد مائة ثوب من الحرير ، وكانت مليحة الكلام نظيفة . ولبثت بضعة وثلاثين يوما وماتت .. فكانت لها جنازة عظيمة .

شوال 395هـ: كانت أوامر الحاكم المتناقضة قد كثرت في ذلك العام وأحدثت أثرا سيئا . وفي عيد الفطر ركب الحاكم للصلاة وعليه ثوب أصفر وعلي رأسه منديل وقد غطي نصف وجهه الأسفل والجوهر بين عينيه ، وكان بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجواهر وستة فيلة وخمس زرافات ، فصلي بالناس العيد ، وخطب فيهم فلعن في خطبته خصومه والمرجفين به .

شوال 402 هـ: شدد الحاكم أوامره في منع بيع الملوخية والسمك الذي لا قشر له ( القراميط ) ومنع الناس من الاجتماع في المآتم والسير فى الجنائز ، وأحرق الزبيب والشطرنج وجمع الصيادين وحلّفهم ألا يصطادوا سمكا بغير قشر ومن فعل ذلك ضربت عنقه، وتوالي إحراق الزبيب عدة أيام،وأحرقوا منه 2840 قطعة وبلغت تكاليف حرقها خمسة آلاف دينار . 

شوال 403 هـ: قبله جاءت أوامر جديدة للحاكم تمنع تقبيل الأرض بين يديه والانتهاء عن أخلاق أهل الشرك من السجود لغير الله ، وألا يصلوا عليه في المكاتبة و المخاطبة .ثم صلي الجمعة في رمضان في جامع عمرو بالفسطاط ، وهو مركز لأهل السنة، والحاكم كان أول من صلي فيه من الخلفاء الفاطميين وكثرت إعطاياته للناس. وحين جاء عيد الفطر ركب ليصلي بغير ما تعود من الزينة والمواكب .

شوال 404هـ : استمر الحاكم في سياسته الجديدة فركب لصلاة الجمعة قبل عيد الفطر فازدحم عليه الناس فوقف لهم وحادثهم وضاحكهم وأعطاهم الكثير. وفي عيد الفطر ركب للصلاة بغير زى الخلافة ، ولم يعمل سماط في القصر لكبار الناس ، ومنع النساء من الخروج ..

شوال 415 هـ: ركب الخليفة الجديد الظاهر  لصلاة العيد في عساكره وبين يديه فيل وزرافات وأعلام مذهبة بقصب وفضة والطبول تضرب والخيول  أمامه ، وجميع القواد أمامه في السلاح ، وعليه ثوب خز وفي يده القضيب ، وعليه السيف ومعه الرمح ، وعلي رأسه المظلة المذهبة يحملها خادمه مظفر وبين يديه الخدم السودان وعليهم أصناف المذهبات .ووصل بهذه الزينة و المواكب إلي الجامع الأزهر فصلي العيد ورقي المنبر ، وخطب ثم نزل ، وعاد إلي قصره وأقيم السماط فأكل أهل الدولة ..

لمحة عن الاحتفال بالعيدين فى العصر المملوكى

 1 ــ ويصف ابن الصيرفى بعض مظاهر الاحتفال الرسمي بعيد الفطر 876، يقول عنه: ( أهلّ بيوم الأربعاء ، ويوافقه من أيام الشهور القبطية خمس عشر برمهات، وهذا أول يوم من الربيع. فيه صعد قضاة القضاة إلى السلطان فصلوا صلاة العيد بالإيوان الذى جدّده بالقرب من باب القصر . وكنت في خدمة قاضى القضاة الحنفي . ودخلت القصر، فحضر السلطان، وكان له موكب عظيم، الجاويشية تزعق والأوزان تضرب، والنشابه السلطانية والصنوج وأمثال ذلك، والعسكر والأمراء الأكابر خلفه ، وهم الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح والأمير لاجين أمير مجلس والأمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير أخور والأمير تمر حاجب الحجاب، والأمراء أزدمر الطويل والأمير قراجا الطويل والأمير قانصوه المحمودى والأمير سودون، وبقية العسكر . والأمراء يقبلون يد السلطان ، وأمير جندار وأمير داودار ثانى يمسكانهم حتى يقبلوا يد السلطان. ودخل قضاة القضاة بعد لبس خلعهم وهنّوه فقام لهم، ولم يقم لأحد من الترك (المماليك) في هذا المجلس سوى للأمير جانبك الإينالى الشرفي الشهير بقلقسيز نصف قومة. ودخل المباشرون وبقية العسكر فهنّوه وقبّلوا الأرض وباسوا يده ، وانصرفوا على ذلك . والله مالك الممالك.).

وواضح مما سبق أن السلطان جعل لعيد الفطر احتفالاً موسيقياً عسكرياً، وإن لم يخل من تقديس فرضته الطقوس المملوكية وباركته الشريعة السّنية في تقبيل الأرض بين يدى السلطان، أى كانوا يسجدون سجوداَ كاملاً أمام السلطان، وقد كان ذلك يحدث دائماً وفي أثناء المناسبات الدينية وبعد أن سجدوا لله تعالى في صلاة العيد، جاءوا ليسجدوا للسلطان ويقبلوا الأرض بين يديه، وأحيط ذلك بطقوس مملوكية حربية من دق الصاجات والطبول وصراخ الجاويشية لترتجف القلوب وهى تدخل ذلك الإيوان الجديد الذى بناه السلطان.

2 ـــ وكان ذلك يحدث بالطبع في صلاة عيد الأضحى، إلا أن عيد الأضحى تميز بأنه عيد الأضحية ، حيث يقوم السلطان بذبح الأضاحي وتوزيعها على أرباب المناصب وبعض فقراء القاهرة، وكان الرؤساء والأمراء يقلدون السلطان في ذلك. وفي عيد الأضحى 873 كان السلطان في فارسكور، فلم يتم توزيع الأضاحي في القاهرة بسبب غياب السلطان ، وكان ذلك من أسباب الهم والغم في القاهرة، يقول مؤرخنا يعبر عن حزنه وحزن الآخرين: ( هذا والناس بالقاهرة في أمر مريج وقلق عظيم لعظم الغلاء ومخافة السبل والطرقات ، والمصيبة العظمي حزنهم على من مات لهم بالطاعون قبل تاريخه، والزيادة على ذلك قطع ( أى منع ) أضاحى الناس لسفر السلطان لأن المباشرون قطعوا ( منعوا ) غالب الأضحية، ولم يفرق أحد في هذه السنة من الرؤساء والأمراء شيئاً من الأضاحي اقتداءاً بغيبة لسلطان نصره الله، وكان هذا العيد أشبه شيء بالمأتم لما طرق الخلق من الحزن والكآبة وقبض الخاطر، وافتقر بسبب هذا الغلاء خلائق من الأعيان وغيرهم لطول مكثه. ). أى لأنّ السلطان بالديار المصرية أى بالأقاليم فلم يجد ابن الصيرفي في العيد إلا مأتماً لأن السلطان غائب وأضحياته ضاعت فضاعت بهجة العيد.

3 ـ وفي عيد الأضحى 875 فرّق السلطان الأضحية على المستحقين من أرباب الوظائف، وخلع السلطان على ناظر الخاص الذى قام بتفرقة الأضحية، ( وشكر الناس ودعوا للسلطان بسبب ذلك.). وفي عيد الأضحى 875 سافر الأمير قانصوه الخسيف من القاهرة، ويعلق مؤرخنا على ذلك فيقول: ( كأنه هرب من تفرقة الأضحية، وفرق السلطان نصره الله، الأضحية على المماليك السلطانية وغيرهم ، فجزاه الله خيراً.).  وفي عيد الأضحى 885 فرّق السلطان الأضاحي، يقول مؤرخنا : ( وذبح فيه السلطان. ونحر ذبائح عظيمة وفرّق فيه من قبله أضاحي من أول هذا الشهر بجمل من الأموال ، ولم يعط المباشرون فيه لأحد عادته كما رسم لهم. )، أى أن السلطان كان يوكل للمباشرين تفرقة الأضاحى، ويقوم المباشرون باختلاس الأضحية وحرمان المستحقين . وهى عادة مصرية سيئة.

الدعم لا يصل إلى مستحقيه: ويقول مؤرخنا يعطي تفصيلات أكثر:( وفُرّقت أضحية السلطان ــ نصره الله ـــ في هذه السنة بحضوره في الحوش السلطانى على الخاص والعام ، من أمير المؤمنين ( الخليفة العباسى الذى كان يقيم فى القاهرة ) دام شرفه ، وقضاة القضاة ، حتى إلى اليتيم والأرملة والضعيف والفقير والفقية والعاجز والمسكين . وذلك بوصية السلطان في ذلك. ).  وهذا كلام جميل يطمئننا على أن الفقراء أكلوا لحماً فى ذلك العيد، ولكن لا يلبث مؤرخنا أن يناقض نفسه فيقول : ( غير أن الفقهاء والفقراء يقاسون من ديوان الخاص من الشدائد والتعب أمراً عظيماً، وذاك أن المتكلم في هذه السنة في وظيفة الخاص وكيل السلطان علاء الدين إبن الصابوني رسم له السلطان أن لا يعوّق أحداً، فصاروا يأخذون الوصول،ثم يأخذون خط ابن الصابوني ثم يتوجهون إلى الصيرفي فلا يعطيهم إلا فلوساً. وأما أصحاب الجاه الأقوياء فيأخذون ذهباً وفضة وغنماَ، بل ويرسلون إلى بيتهم من غير مطالبة . ). كانوا يصرفون الدعم في وصل أو بطاقة يتسلمها أحدهم وعليها توقيع وكيل السلطان ابن الصابوني، ويذهب بالوصل إلى الموظف المختص بالصرف، فإذا كان صاحب الوصل فقيراً صرف له قليلاً من الفلوس، أما إذا كان من أصحاب الجاه وذوى النفوذ أخذ بذلك الوصل الذهب والفضة والغنم، بل أرسلوه إلى بيته بدون أن يحضر إلى الصرّاف.إنّها (الدولة العميقة) فى مصر!.العميقة العريقة فى فسادها وتسلّطها وتحكم كبار موظفيها فى الشعب المسكين. ومن سنّتها أن يذهب الدعم إلى غير مستحقيه.

أخيرا

ومع ذلك فإن هذه البدعة ( صلاة العيد ) لا تزال فريضة مرعية الجانب لصلتها بالاستغلال السياسي .. ويحرص الفرعون المصري على حضور صلاة العيدين ، وفى المقابل فإن أتباع التيار الديني الوهابي السياسي ( الاخوان المسلمين) يحرصون من جانبهم على تأدية صلاة العيد ، ولأنهم خارج السلطة فإنهم يحرصون على تأدية صلاة العيد فى الخلاء ، لاستعراض القوة ولجذب الانتباه ، ونشر النفوذ وكسب المزيد من الاتباع.. 

اجمالي القراءات 8236

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الأربعاء ١٢ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89814]

الأعياد وارتفاع الأسعار وتزايد المبيعات


 عجيب أمركم أيها المصريون أقباطا ومحمديون تجعلون أعيادا جزءا من الدين متأثرين ، بالجبت المصري القديم ومتمسكين به وكأنه لم ينزل لكم كتابا  من عند الله وآمنتم به ظاهريأ وتماديتم في تزييف الحق والحقيقة، تحت اسم الدين. والدين لله برئ مما تصنعون.



 وافر المحبة للدكتور/ أحمد صبحي منصور.



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٢ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89815]

شكرا ابنى الحبيب د محمد شعلان ، وأقول :


لم يعرف المصريون عن الاسلام سوى ما لاقوه من العرب الغزاة المحتلين. وسرعان ما قام المصريون بتمصير دين الغزاة فأصبح مصريا يرقص على أنغام السابقين. 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,881,137
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي