مسلسل الدم فى خلافة المعتصم ( 218 : 227 ) : مع الشيعة والزط والأكراد والمبرقع

آحمد صبحي منصور Ýí 2016-06-22


أولا : مع الشيعة : ثورة محمد بن القاسم العلوى عام 219

1 ــ  تحولت المساجد كما قلنا من قبل الى مراكز سياسية ، وأصبحت من وسائل الشهرة الدينية بالورع والتى يمكن أن يستثمرها أحدهم فى طموحه السياسى . وهذا ما حدث من ( محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،) فى بداية خلافة المعتصم .ونتتبع مراحل حركته :

المزيد مثل هذا المقال :

  المرحلة الأولى : التظاهر بالورع والصلاح والاعتكاف فى ( المسجد النبوى ) ، فإشتهر ابن القاسم العلوى فى المدينة بالورع والصلاح ، ولازم الاعتكاف فى ( المسجد النبوى ) ، فانتشر صيته ، فتوافد اليه الناس من الحجاج ،ووصلت شهرته الى خراسانى طموح اسمه (أبومحمد ) ، كان مجاورا فى مكة ، فأنى المدينة وقابل فى مسجدها ابن القاسم ( فلما رآه أعجبه طريقه، فقال له:"  أنت أحق بالإمامة من كل أحد. ".) وبايعه أبو محمد  ، وأصبح الداعية له ، تقول الرواية : ( وصار الخراساني يأتيه بالنفر بعد النفر من حجاج خراسان يبايعونه، فعل ذلك مدة.) وتكاثر أتباعه .

المرحلة  الثانية : الهرب الى خراسان بعد أن صار له فيها أشياع بايعوه :  فسار أبو محمد وابن القاسم العلوى إلى الجوزجان، واختفى هناك ليكون فى مأمن ، بينما تصدر أبو محمد الدعوة اليه ، (وجعل  يدعوالناس إليه، فعظم أصحابه، ).

المرحلة الثالثة: وهى الظهور العلنى : تقول الرواية (  وحمله ( أبومحمد ) على إظهار أمره، فأظهره بالطالقان، فاجتمع إليه بها ناس كثير. )

المرجلة الرابعة : الحرب والهزيمة والهرب والاعتقال :، تقول الرواية : (  وكانت بينه وبين قواد عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالهأ،  فانهزم هووأصحابه. ، وخرج هارباً يريد بعض كور ( قرى )  خراسان، وكان أهلها كاتبوه ( أى بايعوه ) .فلما صار بنسا ،  وبها والد بعض من معه ، فلما بصر به سأله عن الخبر فأخبره، فمضى الأب إلى عامل نسا ، فأخبره بأمر محمد بن القاسم، فأعطاه العامل عشرة آلاف درهم على دلالته، وجاء العامل إلى محمد، فأخذه واستوثق منه، وبعثه إلى عبد الله بن طاهر، فسيره إلى المعتصم،.

المرحلة الرابعة : السجن فى قبو ثم الهرب الى المجهول : وصل ابن القاسم العلوى الى المعتصم ( فى منتصف شهر ربيع الأول، فحُبس عند مسرور الخادم الكبير، وأجرى عليه الطعام، ووكل به قوماً يحفظونه، فلما كان ليلة الفطر اشتغل الناس بالعيد، فهرب من الحبس، دلي إليه حبل من كوة كانت في أعلى البيت يدخل عليه منها الضوء، فلما أصبحوا أتوه بالطعام، فلم يروه، فجعلوا لمن دل عليه مائة ألف، فلم يعرف له خبر.) .

2 ــ  إنتهى أمره بالهرب وغاص فى المجهول وسقط من سطور التاريخ  . ولو ظل معتكفا فى مسجد المدينة لأراح نفسه ، وحقن دماء كثيرة . لو كان إعتكافه تقربا لرب العزة مبتعدا عن السلطان ما إلتفت اليه التاريخ . التاريخ ينام فى أحضان الطُّغاة ومن يلوذ بهم ومن يثور عليهم ومن ينافسهم فى دنياهم . لا مكان فى التاريخ للصالحين الأتقياء السابقين فى الايمان والعمل الصالح والذين لا يريدون عُلوا فى الأرض ولا فسادا .  أبطال التاريخ هم فى موضوعنا الخلفاء قاطعو الطرق الرسميون ، وقاطعو الطرق المنافسون . ومنهم ( الزط ) .

 ثانيا : الزط

1 ـ هم مجموعة منظمة من قطاع الطرق ، وكانوا مشكلة من عهد المأمون ، وورثها المعتصم . ( وكان رئيس الزط رجل يقال له محمد بن عثمان، وكان صاحب أمره إنسان يقال له سماق.).  وكان ( الزط  )  قد عاثوا فسادا في طريق البصرة وقطعوا الطريق ونهبوا المحاصيل من القرى فيما بين كسكر وما يليها من البصرة ، وأخافوا السبيل.

2 ـ وقد أرسل المعتصم اليهم حملة حربية في جمادى الآخرة عام 219 يقودها عجيف بن عنبسة تتكون من 15 ألف مقاتل ، ونظم المعتصم البريد بينه وبين عجيف ، فرتب الخيل في كل سكة من سكك البريد تركض بالأخبار، فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصير إلى المعتصم في يومه.

3 ـ سار عجيف حتى نزل تحت واسط، وأقام على نهر يقال له بردودأن حتى سدة وأنهاراً أخر كانوا يخرجون منها ويدخلون، وأخذ عليهم الطرق، وحصرهم عجيف من كل وجه ، وأقام بإزاء الزط خمسة عشر شهرًا يقاتلهم،  فأسر منهم في معركة واحدة خمسمائة رجل، وقتل في المعركة ثلاثمائة رجل، فضرب أعناق الأسرى، وبعث الرؤوس إلى باب المعتصم.. ، وفى النهاية إستسلموا وخرجوا إليه بالأمان على دمائهم وأموالهم ، وكان هذا فى شهر ذى الحجة ، وكانت عدتهم فى حوزة عجيف سبعة وعشرين ألفًا المقاتلة منهم اثنا عشر ألف رجل ،  فجعلهم عجيف في السفن، وأقبل بهم حتى نزل الزعفرانية ، وأقام بها يومًا ، ثم عبأهم في زواريقهم على هيئتهم في الحرب معهم البوقات حتى دخل بهم بغداد فى موكب يوم عاشوراء سنة 220 عشرين،  وخرج المعتصم إلى الشماسية في سفينة يقال لها الزو، حتى يمر به الزط على تعبئتهم وهم ينفخون في البوقات، وأعطى عجيف أصحابه كل رجل دينارين دينارين،  فمر به الزط على تعبئتهم ينفخون بالبوقات ، فكان أولهم بالقفص وآخرهم بحذاء الشماسية. فأقاموا في سفنهم ثلاثة أيام ، ثم عبر بهم إلى الجانب الشرقي . ثم تسلمهم ( بشر بن السميدع ) فسار بهم الى التخوم مع الروم ، ذهب بهم إلى خانقين ثم نقلوا من الثغر إلى عين زربة ، وجعلوهم هدفا سهلا للروم ، فأغارت عليهم الروم بعد مدة ، فاجتاحوهم فلم يفلت منهم أحد . وانتهى أمرهم .

ثالثا : ثورة الأكراد :

1 ـ  من العادات السيئة لمؤرخى السلطة إتهام الثوار بالفساد ومدح السلطان القائم .  الشعب الكادح المقهور لا يستحق إن يلتفتوا اليه . يلتفتون اليه إذا ثار على الظلم ، وعندها يقومون بتشويه الثورة وقائدها .

2 ـ نموذج لهذا هو الزعيم الكردى ( جعفر بن فهرجس ) الذى  ثار على ظلم العباسيين فى خلافة المعتصم ، وانتهى أمره بالهزيمة والقتل ، دون إنصاف من المؤرخين . تقول الروايات فى أحداث عام 224 (  في هذه السنة عصى بأعمال الموصل إنسان من مقدمي الأكراد اسمه جعفر ابن فهرجس، وتبعه خلق كثير من الأكراد وغيرهم ممن يريد الفساد،) . لاحظ الصياغة وإستعمال الألفاظ ، فالرواية تعترف بزعامته أو أنه من مقدمى الأكراد ، ولكن التحقير يبدو فى وصفه بالعصيان وبأنه ( إنسان ) وهذا فى ثقافة العصر وقتها يعنى أنه مجهول منكور ، فكيف يكون مجرد ( إنسان ) وهو فى نفس الوقت من ( مقدمى الأكراد ) . التعليل واضح ، أن الأكراد أنفسهم لاشأن لهم عند المؤرخين لأنهم من الرعية ومن ممتلكات الخليفة .! .وعندما ثاروا على الظلم وصفهم المؤرخون بالفساد ، كما لو كان ما يفعله الخلفاء الفاسقون هو الصلاح .!!

3 ـ  تستطرد الرواية فتقول : (  فاستعمل المعتصم عبد الله بن السيد بن أنس الأزدي على الموصل، وأمره بقتال جعفر، فسار عبد الله إلى الموصل. ) وكان الثائر الكردى ( جعفر ) فى منطقة ( ما نعيس ) وقد قد استولى عليها ، فقاتله الوالى العباسى عبد الله ، وهزمه وأخرجه منها . فلجأ الثائر الكردى الى الجبال وتحصن فيها فى منطقة يعرفها وقومه ، تقول الرواية عن ( جعفر ) : ( فقصد جبل داسن، وامتنع بموضع عال فيه لا يرام، والطريق إليه ضيق، فقصد عبد الله إلى هناك، وتوغل في تلك المضايق، حتى وصل إليه وقاتله، فاستظهر جعفر ومن معه من الأكراد على عبد الله لمعرفتهم بتلك المواضع وقوتهم على القتال بها رجالة، فانهزم عبد الله وقتل أكثر من معه.) .

4 ـ وأرسل المعتصم جيشا قويا يقوده إيتاخ التركى عام 225 ، تقول الرواية :  ( فلما بلغ ذلك المعتصم أمر إيتاخ بالمسير إلى جعفر وقتاله، فتجهز، وسار إلى الموصل سنة خمس وعشرين، وقصد جبل داسن، وجعل طريقه على سوق الأحد، فالتقاه جعفر، فقاتله قتالاً شديدأ،  فقتل جعفر، وتفرق أصحابه، فانكشف شره وأذاه عن الناس.) لاحظ الجملة الأخيرة .!

5 ــ وتستطرد الرواية :( وقيل إن جعفراً شرب سماً كان معه فمات، وأوقع إيتاخ بالأكراد، فأكثر القتل فيهم، واستباح أموالهم، وحشر الأسرى والنساء والأموال إلى تكريت.) . قتل وسبى وسلب ونهب .. كل هذا مباح للخلفاء الفاسقين وبرضا المؤرخين .!!

 رابعا : ثورة  المبرقع عام 227

1 ـ تخيل إنسانا مسالما مؤمنا أبيّا ، خرج من بيته ، فاقتحم بيته جندى يريد النزول فيه فإعترضت الزوجة فضربها بالسوط ، ورجع الزوج للبيت فشكت له زوجته ورأى أثر الضرب على ذراعها .. ماذا تفعل لو كنت عزيزى القارىء مكان هذا الزوج ؟ الاجابة فى ثورة ( المبرقع ) فى خلافة المعتصم فى العام الذى مات فيه .

2 ـ تقول الرواية : (  في هذه السنة خرج أبوحرب المبرقع اليماني بفلسطين، وخالف على المعتصم.
وكان سبب خروجه أن بعض الجند أراد النزول في داره وهوغائب، فمنعه بعض نسائه، فضربها الجندي بسوط، فأصاب ذراعها ،  فأثر فيهأ ،  فلما رجع إلى نزله شكت إليه ما فعل لها الجندي، فأخذ سيفه وسار نحوه فقتله، ثم هرب، وألبس وجهه برقعأ، وقصد بعض جبال الأردن، فأقام به، وكان يظهر بالنهار متبرقعأ ،  فإذا جاءه أحد ذكره، وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذكر الخليفة وما يأتي، ويعيبه، فاستجاب له قوم من فلاحي تلك الناحية.).

3 ـ أى تطور الأمر من قتل الجندى الباغى الى هروب وتبرقع وتنكر وتخفّى ، ووعظ بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتجنيد الأتباع . ولأنه من قبيلة عربية يمانية فى منطقة الاردن فقد إحتاج الى شعار للثورة ، وكان الشعار المقبول والمستحب هو ( السفيانى المنتظر ) حيث تتركز فى المنطقة ذكريات الأمويين . لذا تقول الرواية : ( وكان يزعم أنه أموي، فقال أصحابه: هذا السفياني، فلما كثر أتباعه من هذه الصفة دعا أهل البيوتات، فاستجاب له جماعة من رؤساء اليمانية، منهم رجل يقال له ابن بيهس كان مطاعاً في أهل اليمن، ورجلان من أهل دمشق.)

4 ـ وأرسل المعتصم جيشا يقوده رجاء بن أيوب الحضارى ، وكان قائدا ذكيا ، رأى كثرة جموع المبرقع ، وفهم أن معظمهم فلاحون ، وأن الوقت ملائم لتجمعهم فإذا جاء أوان الحصاد فسيذهبون الى زرعهم . لذا انتظر حتى جاء اوان الحصاد وتفرق الفلاحون عن المبرقع فقاتله رجاء الحضارى ، وإستعمل الحيلة حتى أسره ، تقول الرواية : ( واتصل الخبر بالمعتصم في مرضه الذي مات فيه، فسير إليه رجاء بن أيوب الحضاري في زهاء ألف رجل من الجند، فرآه في عالم كثير يبلغون مائة ألف، فكره رجاء مواقعته، وعسكر في مقابلته، حتى كان أوان الزراعة وعمل الأرض، فانصرف من كان مع المبرقع إلى عملهم، وبقي في زهاء ألف أوألفين... فناجزه رجاء، فالتقى العسكران، فقال رجاء لأصحابه: ما أرى في عسكره رجلاً له شجاعة غيره، وإنه سيظهر لأصحابه ما عنده، فإذا حمل عليكم فأفرجوا له، فما لبث أن حمل المبرقع، فأفرج له أصحاب رجاء، حتى جاوزهم، ثم رجع فأفرجوا له، حتى أتى أصحابه، ثم حمل مرة أخرى، فلما أراد الرجوع أحاطوا به وأخذوه أسيراً.).

 وتقول رواية أخرى ( وقيل: كان خروجه سنة ست وعشرين ومائتين، وإنه خرج بنواحي الرملة، وصار في خمسين ألفأ، فوجه المعتصم رجاء الحضاري، فقاتله، وأخذ ابن بيهس أسيرأ ، وقتل من أصحاب المبرقع نحواً من عشرين ألفأ،  وأسر المبرقع وحمله إلى سامرا.).

5 ـ إلتفت التاريخ لهذا الرجل الأبى حين ثار على الظلم . ولو رضى بالمذلة شأن الباقين من ( ملح الأرض ) ما إهتم به التاريخ .

اجمالي القراءات 7883

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5123
اجمالي القراءات : 57,058,628
تعليقات له : 5,452
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي