فى مفهوم ردوه إلى الله والرسول:
فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ

أحمد الجَحَاوى Ýí 2012-08-19


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59]

المزيد مثل هذا المقال :

 

     فى قراءة الآية الكريمة السابقة يأمرنا الله تعالى الإحتكام عند التنازع برد الأمر إلى الله والرسول، و"الله والرسول" هى وجهة واحدة وليست إثنتين، وإذا كان القول "ردوه الى الله والى الرسول" فهى تعنى هنا رُدّوه الى وجهتين، ولكن الآية تشير الى وجهة واحدة "الله والرسول"، وهذه الوجهة المشار إليها تعنى أو تتجسد فى القرآن، وهو الشيئ الوحيد الذى نعرفه والذى أمامنا يجتمع فيه الله والرسول، وتتحقق فيه المعيّة بين الله والرسول، وهو الحق المبين الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عند رد الأمر إليه، وهو ما يعنى الطبيب الذى يعلم الداء والدواء تماماً ويقوم بالعلاج فى غرفة معقمة لا تأتيها الميكروبات أو الضرر من بين يديها ولا من خلفها، أو القاضى الذى لا ميل له ولا هوى ويحكم بالعدل المطلق والعلم التام. وهو النور المبين الذى يبيِّن ويضرب الأمثال ويأمر وينهى ويذكّر ويعلِّم ويهدى ويرحم ويُنذر ويبشِّر، ولأن هذا الكتاب الحق - الذى تجتمع فيه أمامنا المعيّة بين الله والرسول - هو تبياناً لكل شيئ ومن خصائصه أنه يحكم بين الناس فيما إختلفوا فيه.

 

والقاضى يحكم من خلال أمرين:

  1. قاعدة قانونية يحتكم إليها أو نص مكتوب (وهو النص القرآنى المنزّل من عند الله والأحكام التى وضعها الله تعالى بنفسه) وهو الشق الإلهى والمتمثّل فى كلمة "الله" فى الآية الكريمة التى نحن بصددها.
  2.  قدراته وملكاته الشخصية فى تكييف نوعية الخلاف، ومَن هو صاحب الحق ومن هو على باطل، وتحديد درجة الوزر التى وقع فيها المخطئ، وقدرته على إستنباط الحكم أو العقاب المناسب بعد ذلك من الكتاب، وإعتدال النفس وعدم إتباع الهوى وتقوى الله تعالى فى إصدار الحكم، وهو الشق البشرى والمتمثّل فى كلمة "الرسول" فى الآية الكريمة التى نحن بصددها.

 

وذلك مما يبين دقة اللفظ القرآنى فى التعبير.

 

ويقول تعالى:

"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ"

 

ولأنه لا تبديل لكلمات الله، فلا يقول تعالى أن الذى يفصل فى الخلاف بين الناس "الكتاب الذى أنزله" ثم يوجِّه الناس (بما فيهم الذين آمنوا) فى موضع آخر أن يحتكموا إلى غير ذلك الكتاب، فعبارة "رُدّوه الى الله والرسول" تعنى الإحتكام لأحكام الله تعالى فى كتابه العزيز وتطبيق منهج الرسول الكريم عندما يُعرض عليه النزاع ليحكم فيه.

 

وبالله التوفيق  ،،

 

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور : 51]

اجمالي القراءات 39052

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الإثنين ٢٠ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68477]

مقال رائع مع إيجازه ، ونرجو المزيد

 أهلا بالاستاذ أحمد الحجاوى ومرحبا به فى موقعه ( أهل القرآن ) ..


وفى انتظار المزيد من لمحاته واجتهاداته .


وكل عام وهو واسرته الكريمة بخير .


2   تعليق بواسطة   أحمد الجَحَاوى     في   الإثنين ٢٠ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68478]

أشكرك سيدى الكريم د. أحمد منصور - ولو تعلم وقع كلماتكم علىّ

لكم يسعدنى تعقيبكم فى كل مرّة تقع فيها عينى عليه، فكل كلمة تأييد أو إعجاب من شخصكم هى نيشان أضعه على صدرى وأفتخر وأباهى به.


تقبل الله تعالى منّا ومنكم صالح الاعمال وأسعد الله عيدكم وفتح لكم أبواب علمه وفضله ورحمته.


أرجو تفضلكم بالإطلاع على التعليق بمقالكم بيان كلمة (أجمعون - أجمعين) والتعقيب، وذلك لما لرأيكم من أهمية كبيرة عندى فى القراءة والبيان.


ولكم جزيل الشكر والعرفان ،،   


3   تعليق بواسطة   الحسن الهاشمي     في   الثلاثاء ٢١ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68486]

الشهادة والرواية

الأخ الجحاوي

تحية طيبة،

قضية الدين يضرب لها المثل بالقضية التي يحكم فيها القاضي، فالقاضي يبني حكمه على شهادة الشاهد بعد أداء اليمين، أما السامع الذي لم يشهد الواقعة ولكن وصلته خبرا فلا يلتفت إليه القاضي ولا يقيم لأقوله وزنا حتى لو حضر معه ألف شخص مثله كلهم لم يحضروا الحادثة ووصلتهم خبرا عن طريق راو شاهِد تغيب عن حضور جلسة المحكمة، فسيطلب منهم القاضي أن يحضروا الشاهد الذي روى لهم القصة، فإن لم يستطيعوا فلن يحكم القاضي في القضية بناء على أقوال رواة ليسوا شهودا، لم تقبل رواية سامع عن شاهد فما بالك إذا كانت رواية سامع عن سامع عن سامع عن شاهد . كل راو يعترف أنه لم يكن شاهدا ولكن على ذمة راوي آخر والعهدة عليه، وهذا الأخير لم يكن هو الآخر شاهدا ولكنه هو أيضا يبرئ ذمته ويقول سمعت عن فلان على ذمته والعهدة عليه، وهكذا سلسلة من الرواة.

إذاً فالرواية لا تصح أن تكون دليلاً أو حجة يقضى بها لأنها ليست شهادة، فالشهادة هي القرآن، فالرواية يجب أن تكون مطابقة للشهادة (القرءان) لكي نصدقها، والشهادة يجب أن تكون كتابا متوارثا تواتريا منذ عهد التنزيل، وليس كلاما شفويا، فالكلام الشفوي يرتاب الناس في صحته لأنه لم يوثق كتابيا، وهذه الحقيقة أثبتها القرءان في قوله تعالى : ذلك الكتاب لا ريب فيه، فقد عبر عن الذكر بمصطلح (الكتاب) ، وهذا تشخيص لحال المسلمين، فكل المسلمين لم يرتابوا في صحة القرءان لأنه وصلهم (كتابا)، ولكنهم اختلفوا في الرواية وارتابوا فيها لأنها وصلتهم شفويا وليست كتابيا (كتابا). وأضرب مثلا لذلك فأقول : هب أن تلميذا تغيب عن درس ، وفي المساء إلتقى بزملاءه التلاميذ فنقل منهم الدرس الذي أملاه عليهم الأستاذ أثناء غيابه، كل التلاميذ كتبوا في دفاترهم نفس الدرس لا يوجد اختلاف بينهم ولو في كلمة أو حرف، فهل يرتاب التلميذ في صحة الدرس الذي لم يحضره؟

كلا، لن يرتاب فهو يقين على صحته، أما إذا لم يلتق هذا التلميذ بأي واحد من زملائه ولكنه التقى بابن الجيران فأخبره أن صديقه سمع ابن عمه يقول التقيت خالدا (زميل التلميذ) فأخبرني أنه شب حريق في المدرسة فسيرتاب في الخبر لأنه خبر شفوي لم يروه له زميل له كان شاهدا على ما حصل ولكنه خبر رواه راو لم يكن شاهدا عن راو آخر لم يكن شاهدا عن راو آخر لم يكن شاهدا عن شاهد.


إذا فالكتابي (الكتاب) يقابله الشفوي (الرواية) ، فإذا ثبت عدم الارتياب للكتابي (الكتاب) فإن الشفوي ليس محصنا من الارتياب في صحته.


4   تعليق بواسطة   أحمد الجَحَاوى     في   الثلاثاء ٢١ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68506]

شكراً للأستاذ الحسن الهاشمى على التعليق وأرجو التفضل بإيضاح وجه الإرتباط

شكراً لك أستاذ الحسن على تفضلكم بقراءة المقال وعلى إهتمامكم وتفضلكم بالتعليق وقد أسعدنى ذلك، وأنا بالفعل أؤيدكم فيما تذهبون إليه، ولكن أرجو تفضلكم بمزيد من الإيضاح لى بوجه إرتباط التعليق بمضمون المقال والمقصد منه.


خالص التقدير الإحترام ،  


5   تعليق بواسطة   موسى زويني     في   الثلاثاء ٢١ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68516]

التعمق ضروري

بسم الله الرحمن الرخيم


الاستاذ احمد الجحاوي


السلام عليكم


    وبعد,المقال جميل وبارك الله العزيز الحكيم  بجهدك السخي سعيا لفهم افضل لايات القران المجيد لكني ارى ان التعمق بالموضوع


ضروري لاغناء الفكره.اكرر تقديري العالي لحسن المقال.


  واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.


6   تعليق بواسطة   أحمد الجَحَاوى     في   الأربعاء ٢٢ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68522]

شكراً جزيلاً للأستاذ موسى زوينى على قراءة المقال وتفضلكم بالتعليق الداعم

 


أشكرك سيدى الكريم على هذا التقدير وعلى إهتمامكم بالتعليق وتفضلكم بلفت الإنتباه إلى الحاجة للتعمق، ولكنى تفادياً للإثقال على القارئ فإنى أفضل توصيل أو عرض الفكرة الأساسية دون إسهاب، ومن يريد بعد ذلك إستيضاح أحد الجوانب فإنى أحاول إجابته فى حدود ما تفضل الله علىّ به وآتانيه من علم.


 


خالص التقدير والإحترام لسيادتكم ، 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-01-23
مقالات منشورة : 6
اجمالي القراءات : 145,281
تعليقات له : 30
تعليقات عليه : 23
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt