تركمانستان.. «كوريا الشمالية» الأخرى التي لا يسمع عنها أحد

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


تركمانستان.. «كوريا الشمالية» الأخرى التي لا يسمع عنها أحد

غير مسموح للأطباء أن يناقشوا حالات كورونا علانيةً، حتى لو كان نقاشًا طبيًا يطلب فيه الطبيب رأي زملائه في كيفية التعامل مع الحالات، كما لا يُسمح للأطباء بنعي زملائهم الذين توفوا نتيجة إصابتهم بعدوى «كوفيد-19» مثلما حدث مع طبيبين في مستشفى شوجانلي للأمراض المعدية في ضواحي عاصمة تركمانستان، عشق آباد، يوميّ 15 و16 يونيو (حزيران) 2020.

منذ 3 سنوات
هذه هي الدول الأسوأ فيما يخص الحريات الدينية في العالم لعام 2017

إذا كانت مناقشة الوباء حرامًا على الأطباء، فمن الأكيد أنها محرمة على وسائل الإعلام وعلى عامة الشعب أكثر، ذلك لأن تركمانستان لا تعترف، حتى الآن، بوصول جائحة كورونا إليها. ووزارة الصحة التركمانية صرّحت في 18 يونيو 2020 أنه لا توجد لديهم أي حالات كورونا.

رغم أن الوزارة قد وضعت بعض المستشفيات ضمن إجراءات حجر صحيّ، وتطلب من فريق العمل فيها إجراءات مسحات للكشف عن الإصابة بكورونا بشكل دوري، لكن المفاجأة، أن الوزارة لا تُبلغهم بنتائج المسحات أيًا كانت. فالدولة تبدو مرتبكةً لا تعرف هل تتصرف باعتبارها حاضنة لوباء عالمي، أو تتصرف باعتبارها خالية منه.

الخارجية الأمريكية قررت أنها ستُغلق مقرها في عشق آباد مؤقتًا، وستُغلق معه الأماكن المشهورة لتجمع الأمريكيين في المدن التركمانية. البيان يشير ضمنيًا لعلم الجانب الأمريكي بوجود حالات إصابة في الدولة، لكن البيان لم يذكر تلك الحقيقة بأي شكل.

البيان الأمريكي يعكس حالة الإنكار التي تعيشها تركمانستان على المستوى الرسمي، عكس العديد من الهيئات التركمانية المستقلة القاطنة في أوروبا التي تنقل شهادت موثّقة عن حالات إصابة بين الأطقم الأطبية بصفة أساسية، وتنقل صورًا مسرّبةً وأوامر إغلاق بعض المراكز الطبية التي يثبت وجود حالات إيجابيّة بها، مثل مركز صحة المرأة الذي أُغلق في 19 يونيو 2020.

الدولة تُجرّم استخدام مصطلح كورونا وتزيل ملصقات التوعية

أما المراكز التي تعمل وتستقبل الحالات المصابة، فإن حماية العاملين بها تقع على عاتقهم الشخصي لا على عاتق الدولة، لأن الدولة لا تعترف بالوباء، أما العاملون فيدفعون 45 دولارًا شهريًا لشراء معدات الوقاية الشخصية، تلك الدولارات البسيطة تمثل 10% من راتب الطبيب شهريًا. وفي تلك المراكز يتم علاج المرضى بسريّة صارمة، ويقول بعض العمال أنّه أحيانًا لا يعلم بوجود حالات كورونا في المستشفى إلا الطبيب والممرضة اللذان يتواصلان مع المريض بشكل مباشر فقط، ولا يُسمح للأطباء العاملين في تلك المراكز باصطحاب هواتفهم طوال أيام عملهم التي تبلغ 25 يومًا متواصلة في بعض الأحيان.

ربما تتضح الصورة أكثر حين نعلم أن مجرد استخدام مصطلحات مثل تفشي كورونا أو الوباء أو ما يشابها كان ممنوعًا بأمر الرئيس، ولم يستخدمها الشعب التركماني إلا منذ شهرين فقط حين نطقها الرئيس جوربانجولي بيردي محمدوف في خطاب تليفزيوني، وفي ذلك الخطاب قال محمدوف أن الفيروس التاجي ينتشر في العالم بشكل سريع، لم يقل تصريحًا أو تلميحًا أن الفيروس قد وصل، أو يُحتمل أن يصل، إلى تركمانستان.

كما أن وزارة الخارجية التركمانية رفضت بشكل قاطع بيانًا نُشر على موقع السفارة الأمريكية يقول إنه لا توجد تقارير رسمية عن حالات كوفيد-19، لكن السفارة لاحظت وجود مواطنين يعانون من أعراض متطابقة مع الأعراض المعروفة عالميًا للوباء. لم تكتف الخارجية التركمانية برفض أو نفي التقرير بل وصفته بأنه مشوه، ولا أساس له ومزيف.

رغم أن الفيروس يحيط بالبلاد من جميع جوانبها، فقد انتشر في جيرانها كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، إلا أن الدولة مستمرة في تنظيم أنشطتها الرياضية واحتفالاتها التقليدية كاحتفال الحصان التركماني ويوم الطفل، كما نظمت الدولة مسيرة جماعية لركوب الدراجات احتفالًا بيوم الصحة العالمي. وتأكيدًا على خلو الدولة من الوباء، فقد أصدرت السلطات قراراها بإزالة الملصقات القليلة التي وضعها الأطباء في المستشفيات لتعريف الناس بالوباء وخطورته وكيفية الوقاية منه.

حيلة سياسية ينفذها الوطن بأكمله

لهذا أصدرت منظمة « هيومن رايتس ووتش» تقريرًا تدين فيه الموقف التركماني من جائحة كورونا، وتؤكد أن الدولة تُعرض صحة العامة للخطر بسبب عدم دعوتها للالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي أو ارتداء الكمامات الواقية، كما دعت المنظمة تركمانستان للتوقف عن إنكارها المتهور لوجود الوباء في أراضيها، وطلبت منها السماح لوفد منظمة الصحة العالمية بالدخول لأراضيها ومراجعة التقارير ورؤية الأوضاع عن كثب.

السلطات التركمانية رحبّت بالاقتراح وأعلنت عزمها استقبال وفد منظمة الصحة، لكن لاحقًا قامت بتأجيل موعد الطائرة التي ستُقل الوفد. حيلة قديمة وبدائية ولن تجدي في تأخير الوفد وقتًا طويلًا، لكن ربما كان ذلك هو الوقت الكافي الذي احتاجته السلطات لإفراغ معسكر الحجر الصحي من المرضى، وإعادة تهيئته ليصبح لائقًا لزيارة وفد المنظمة العالمية، بحسب المشككين.

تلك الحيلة القديمة استخدمتها تركمانستان منذ 20 عامًا حين كان صابر مراد نيازوف رئيسًا للبلاد، صابر كان ديكتاتورًا أعلن عن ترحيبه بوجود مراقبين دوليين من أي مكان لمتابعة سير عملية انتخابه. لكن صابر قال إنّه كي لا يظن أحد أنه يوجه الدعوة لجهة محددة دون أخرى فلن يوجه دعوة رسمية لأي أحد ومُرّحب بالجميع.

الديباجة الجيّدة للكلمات تُخفي حقيقة أنه لا يمكن لأي جهة خارجية أن تقوم بأعمال مراقبة أو تقص أو إشراف داخل سيادة دولة أخرى إلا بدعوة رسمية من سلطات تلك الدولة، وبما إن صابر لم يوجه الدعوة رسميًا فلم يأت أحد، كذلك ظل وفد منظمة الصحة العالمية غير قادر على دخول تركمانستان حتى وقتٍ قريب، حين حصلت المنظمة على دعوة رسمية.

وأخيرًا، بعد شهور من التخطيط والتخبط، نجحت منظمة الصحة العالمية في الإعلان أنها ستزور تركمانستان في السادس من يوليو (تموز) 2020. غادر الوفد بعد أربعة أيام تاركًا العالم في حيرة من أمره، لم يثبت الوفد أو ينفي صدق الحكومة التركمانية. التوصيات الأخيرة للوفد كانت حثّ الدولة على التصرف كما لو أن هناك وباء منتشر، بل وأثنت منظمة الصحة العالمية على دور الحكومة التركمانية في توعية الشعب.

الوعي الذي رآه وفد المنظمة كان حيلةً هو الآخر، قبل زيارة وفد المنظمة لتركمانستان بيومٍ واحد أعلنت وسائل الإعلام أن البلاد تتوقع عاصفة ترابية هائلة قد تستمر لعدة أيام، وقد تبدأ في أي لحظة، لذا ألزمت الدولة مواطنيها بارتداء الكمامات الواقية لحماية أنفسهم من الغبار، ونصحت بشكلٍ حازم أصحاب المحال والمطاعم والمقاهي غير الضرورية أن يلتزموا بيوتهم ويغلقوا محالّهم، كما منحت إجازة لكبار السن وأصحاب الأمراض، كل هذا خوفًا عليهم من تأثير الغبار.

السيارات السوداء تجلب الحظ السيئ.. امنعوا استيرادها

في سبتمبر (أيلول) 2015 أصدر محمدوف قرارًا بمنع استيراد السيارات ذات اللون الأسود واستخدام البيضاء بدلًا منها، وبدأ بنفسه إذ بدّل سيارته الرسمية بأخرى بيضاء، وتبعه في ذلك 160 مسئولًا آخر. السر في ذلك القرار الغريب هو تشاؤم القيادة السياسية من اللون الأسود.

لم يتعجب الشعب الذي اعتاد على سلسلةٍ من القرارات الغريبة دائمًا، منها مثلًا حظر استيراد السيارات ذات النوافذ الملونة، أو السيارات الفارهة ذات المزايا التكنولوجية الحديثة. وفي عام 2014 تظاهر سكان العاصمة اعتراضًا على قرار محمدوف بإزالة وحدات أجهزة التكييف من شُرف المنازل لأنها تشوه منظر العاصمة. كما أجبروا في وقتٍ لاحق على تغطية جميع واجهات مبانيهم بالرخام الأبيض. وآخر تلك النصائح هى نصيحة محمدوف لشعبه أنّه إذا كانوا لا بد فاعلين شيئًا لمكافحة كورونا غير الموجودة في بلادهم، فليكن بالتبخير، حرق عشبة الحَرمل المحليّة وتبخير الأماكن والأشخاص بها.

اتباع الشعب لتلك النصائح ليس لأنها صادرة من رئيس الجمهورية فحسب، بل تصدر من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الشعب ومجلس النواب، ومن المسؤول الذي يعين ويعزل حكام الولايات وقضاة المحكمة العليا، وجميعهم للمفاجأة شخص واحد فقط، محمدوف المسؤول عن قيادة دولة تبلغ مساحتها نصف مليون كيلو متر مربع منذ عام 2007.

تلك الأحوال التي تمتزج فيها الديكتاتورية بالكوميديا السوداء تذكر البعض بأشهر الأمثلة المشابهة، كوريا الشمالية. والواقع يقول إن الاثنتين لا يختلفان عن بعضهما كثيرًا، ففي تركمانستان أيضًا لا يمكن معرفة ما يدور داخل حدودها. ومحظور على منظمات حقوق الإنسان أو المجتمع الدولي دخولها، وإذا دخلوها فتكون الزيارة تحت رقابة شديدة ومكثفة، وتمضي كل ثانية أثناء الزيارة وفق تخطيط مُحكم.

الديكتاتور الكلاسيكي.. دولة له ولحاشيته وأخرى للشعب

تركمانستان على صغر مساحتها إلا أنّها ثاني أكبر دولة في آسيا الوسطى، كما أنها أقل دول المنطقة سكانًا. يقطنها 5 مليون فرد يغلب عليهم طابع القبيلة والولاء للعشيرة، لكن ذابت تلك الطبيعة حين دخلوا تحت لواء الاتحاد السوفيتي، فتماهى التركمان بنسبة 85% مع الأوزبك بنسبة 5% مع الروس بنسبة 4% ومعهم التتار، أمّا الدين فـ89% من التركمان مسلمون، و9% مسيحيون، والبقية ديانات أخرى.

تركمانستان كانت محطةً اقتصاديةً مهمة على طريق الحرير قديمًا، لكنّها حديثًا، سواء وهى داخل الاتحاد السوفيتي أو بعد استقلالها عنه عام 1991، فقدت مركزها تمامًا، فالتقارير الاقتصادية الدولية تقول إنها على حافة كارثة اقتصادية، بجانب أن سجلها التجاري فوضويّ وأسود، ولا يحتوي على أي بيانات اقتصادية موثوقة. وتركمانستات تحتل المركز 161 من أصل 180 دولة من حيث الشفافية.

جانب كبير من أسباب التدهور الاقتصادي يرجع لقرارات الرئيس غير المبالية بالمواطن العادي والاهتمام فقط ببناء الكباري والطرق السريعة والمدن الحديثة لتكون ملاذًا آمنًا للأثرياء ورجال السلطة بعيدًا عن عامة الشعب. فعلى الرغم من امتلاك الدولة لرابع أعلى احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم إلا أنها رفعت الدعم عن الماء والكهرباء والغاز.

وفي المقابل فإن تركمانستان تمنع أي مواطن من السفر للخارج بحثًا عن حياة أفضل، ومن تسمح له بعد عناء فإنها تُبقي عائلته في البلاد تحت رقابة صارمة وتراقبه في الخارج كذلك لتمنع أي أصوات تنتقدها في الخارج، وفي كثيرٍ من الأحيان تجبر المقيمين في الخارج على العودة إليها، رغم أن معدل البطالة قد تجاوز 60%. في ظل تلك الظروف الصعبة يطل محمدوف على شعبه باستمرار عبر شاشات التلفزيون الوطني وهو يقيم في غرفة فاخرة أو يُجرّب سيارة جديدة.

لا ماكياح لا مكتبات.. وكتابه جنبًا لجنب مع القرآن

يتبع محمدوف في ذلك خطا سلفه صابر نيازوف الذي تولى رئاسة البلاد منذ لحظة استقلالها عام 1991، ومن حينها أعلن نفسه رئيسًا مدى الحياة للجمهورية الوليدة. كان صابر مهووسًا بذاته لدرجة لا يمكن تصديقها، بعض الحقائق قد تنقل لك جانبًا من الأمر.

غرقت تركمانستان في فيضان من تماثيل صابر ذهبية اللون، ووضعت صوره في كافة الشوارع الجانبية والرئيسية، وأُلصق وجهه على كافة المنتجات الحكومية بلا استثناء. وألفّ كتابًا اسمه «حكاية الروح» وأدرجه في الكتب الدراسية الإلزامية، بل أسس قناة تلفزيونية مخصصة لبث مقطتفات من الكتاب. التشبيه الذي جاء على رأسك الآن أنه جعل من كتابه شيئًا أشبه بالكتب السماوية عند معتنقيها، والواقع أن نيازوف قال إن الله أخبره مباشرةً أن من يحفظ كتاب الروح سيدخل الجنة مباشرة. لذا فقد زيّن جدران المساجد بآيات من القرآن الكريم وسطور من كتابه.

وفي أغسطس (آب) عام 2005 أطلق كتابه في قمر صناعي ليدور حول الأرض مدة 150 عامًا، علاوةً على ذلك أعاد تسمية شهور العام وأيام الأسبوع بأسماء أفراد عائلته. وخصص لنفسه بالأمر المباشر عدة قاعات بارزة في المتاحف القديمة تُوضع فيها صوره وسيرته الذاتية. كما حظر الباليه والسيرك، ومنع الرجال من إطالة شعر رأسهم ولحاهم. ومنع مقدمي الأخبار والإعلاميين من وضع الزينة، الماكياج، قائلًا أنه عليهم الظهور بشكل طبيعي للناس.

ومنع كذلك المكتبات في كل القرى، لأن الفقراء لا يقرأون، بالتالي تكون المكتبات من وجهة نظره إهدارًا للمال العام. كما ألغى المستفشيات خارج العاصمة، لأنه يجب على من يريد الشفاء ان يقصد عاصمة الدولة طلبًا للشفاء.

الأمر الوحيد الذي لم يستطع نيازوف منعه هو الموت، فمات عام 2006، بعد 15 عامًا في الحكم. من بعده أتى محمدوف، طبيب أسنان نيازوف، بانتخابات مشكوك في نزاهتها، وجددّ ثلاث ولايات رئاسية بانتخابات وصلت نتيجتها إلى 98% في آخر مرة. بدأ محمدوف في إزالة إرث صابر، ليس كرهًا في صابر أو تراثه، بل حبًا جديدًا لقائد جديد في ذاته.

مما يراه بعض المحللين نرجسية محمدوف أنّه أمر كل موظفي الدولة ممن تخطوا سن الأربعين أن يصبغوا شعرهم باللون الرمادي، ليكونوا بنفس لون شعره حتى لا يشعر الزعيم بأنه قد شابَ مبكرًا، كما أصدر تكنولوجيا

منذ شهر
«إدارة الحشود» في زمن كورونا.. وسيلة الحكومات لمراقبة شمولية

قوانين غريبة على سبيل المثال لا الحصر، لكنها توضح حجم تدخل الدولة في كامل تفاصيل حياة مواطنيها. توضح كيف أن نيازوف، الذي لقب نفسه بزعيم التركمان، ومحمدوف، الذي لقب نفسه بالحامي، قد ابتعدا تمامًا عن وعدهم الأول بأن تركمانستان «الكويت الثانية» حيث يمتلك كل مواطن سيارة مرسيدس، على حد وصفهم.

اجمالي القراءات 452
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق