سور الأزبكية بين سندان الجمعية الشرعية ومطرقة اتحاد الناشرين

اضيف الخبر في يوم الخميس ٠٣ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ايلاف


سور الأزبكية بين سندان الجمعية الشرعية ومطرقة اتحاد الناشرين

المثقفون والأدباء المصريون تضامنوا ضد اغتياله
سور الأزبكية بين سندان الجمعية الشرعية ومطرقة اتحاد الناشرين


محمد الحمامصي

GMT 5:00:00 2012 الخميس 3 مايو

 


يؤكد مثقفون وأدباء مصريون أن سور الأزبكية، أعرق سوق للكتب، يتعرض لمخطط إزالة لصالح دور نشر كبرى ترى أن السور يقف حائلاً دون تحقيقها لمكاسب كبيرة نظرًا لزهد سعر الكتاب في مكتباته في مقابل ارتفاع سعره في المكتبات المنتشرة في المدن الأخرى.


جانب من الندوة

القاهرة: يتعرض "سور الأزبكية" أعرق سوق كتب في مصر لهجمة شرسة تحاول مصادرة وجوده واغتياله لصالح أطراف أخرى كشف عنها أصحاب مكتبات سور الأزبكية في ندوة عقدوها مؤخرًا في مقر السور وسط القاهرة، بمبادرة من أدباء ومثقفين من مختلف التيارات والأجيال في مصر، فمنذ أيام أبلغهم مسؤولون في محافظة القاهرة بأنه تقرر نقلهم إلى مكان لم يتحدد بعد، بذريعة أن السور يسهم في جريمة تزوير وتقليد الكتب وبيعها بأسعار رخيصة، وهي تهمة ينكرها أصحاب مكتبات السور الذين يعيشون منذ العام 1993 معاناة تشبه ما يعانيه أفراد في أسطورة يونانية قديمة كتبت عليهم الآلهة أن يعيشوا في الشتات، فمنذ ذلك الحين نقلوا من مكانهم التاريخي الذي كان بجوار المسرح القومي حتى ميدان الأوبرا إلى منطقة الدراسة.

وبعد سنوات عدة، وبعد انتهاء بناء محطة مترو العتبة أعادوهم إلى مكان مغلق عليهم، طارد للزبائن، ثم تصوروا أن مأساتهم انتهت عندما خصصوا لهم المكان الحالي (أمام مسرح العرائس، أعلى محطة مترو العتبة)، والذي تم بناؤه بدعم من مؤسسة أغاخان، لكنه تحول شيئًا فشيئًا إلى مرتع للبلطجة تحت حماية الشرطة، وفي غياب مسؤولي الحي والمحافظة. ثم جاءت النقلة الأخيرة لتعيدهم مرة أخرى إلى المربع رقم واحد، لكن ما حدث مؤخرًا دفعهم للخروج عن صمتهم، حيث كشفوا في الندوة التي أدارها الشاعر الجميلي أحمد، وشارك فيها بالشهادات أدباء ومثقفون على رأسهم المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال إمام، والشاعر والناقد شعبان يوسف، والشاعر أحمد المريخي، عن مخطط اغتيال سور الأزبكية ومصادرته لصالح أطراف حددوها بالاسم من بينها الهيئة المصرية العامة للكتاب، واتحاد الناشرين المصريين والتيار السلفي ممثلاً في الجمعية الشرعية.

وفي بداية الندوة عبر بائعو الكتب القديمة في سور الأزبكية عن موقف محافظة القاهرة مما استخلصوه من تفاصيل لقاء وفد منهم مع نائب محافظ العاصمة الذي كان قد استدعى بعضهم في الأسبوع الأول من شهر ابريل الماضي، وقال لهم إنه تقرر نقلهم إلى مكان آخر لم يحدده، لأن إدارة مسجد عماد الإسلام التابع للجمعية الشرعية طلبت إجراء توسعات جديدة، وأن السيد المحافظ أعلن استجابته للطلب.

وذكروا أن المحافظ استجاب من دون أن يدرس الأمر، حيث كان بإمكانه أن يدرس مدى حاجة المسجد حاليًا لهذه التوسعات في ظل وجود مشروع لإعادة تنظيم ميدانيّ العتبة والموسكي- اللذين يقع فيهما نطاق السور بصورة حضارية- وهو أمر مقرر، لكنه مؤجل لحين هدم كراج الأوبرا وانتهاء مرحلة مترو الأنفاق من إمبابة إلى العتبة، وحينها يمكن البحث عن مكان آخر لائق وحضاري لسور الكتب القديمة، الذي يعتبر من الملامح التاريخية للمنطقة، وأيضًا عن الصورة الحضارية لمسجد في المنطقة يكفي المصلين المقيمين فيها.

وأضاف بائعو السور: "إن ما نبغيه ليس منع توسعة المسجد، ولو كانت ليست بهدف إقامة الصلاة، وإنما أن تكون القرارات مدروسة جيداً، وليست على حساب أرزاق الناس أو لقمة عيشهم، وأن يتعامل المسؤولون مع المواطنين سواء بسواء، فليس معنى أن تكون سلفياً من أتباع الجمعية الشرعية أن ينصاع لك المسؤولون باعتبار أن هناك شهر عسل بين السلطة والتيارات السلفية، أو تنسيقًا بينهم، بل يجب أن يعامل أي مسؤول المواطنين كلهم سواء.

وعن مسألة التزوير التي تتذرع بها المحافظة اتهم عم حربي- أحد كبار باعة السور- اتحاد الناشرين بالضلوع في الترويج لها في محاولة للتخلص من منافسة سور الأزبكية لبعض الناشرين من أصحاب النفوذ، مشدداً على أن فكرة نقل السور من مكانه مرفوضة نهائياً إلا في حال نقله إلى مقره الأصلي في محاذاة سور حديقة الأزبكية، والذي بدأ عليه قبل أكثر من مائة عام.

ثم تحدث رضا عوض- واحد من ناشري السور- واعدًا بتشكيل لجنة لبحث حل للأزمة مع اتحاد كتاب مصر، مضيفًا أن الحكومة المصرية ربما تستطيع نقل النيل من مكانه أو الأهرامات، ولكنها لا تستطيع نقل سور الأزبكية من مكانه.

فيما دلل صابر الفرجاني- أحد بائعي السور- على قيمة السور مستشهدًا بعبارة السادات التي وردت في كتابه البحث عن الذات حيث قال: "كنت أنحني وأشرب الشاي وأقرأ الكتب الرخيصة من سور الأزبكية".

بينما كشف ممدوح علي- من وفد سور الأزبكية الذي تقابل مع محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين، وصاحب دار نشر "الدار المصرية اللبنانية"- أن المشكلة وراءها دور نشر كبرى على رأسها"المصرية اللبنانية"، وقال إنه عرض على رئيس اتحاد الناشرين شراء 1000 نسخة من بعض العناوين التي تطبعها مكتبات "الشروق، والدار اللبنانية، والدار العربية" لتوزيعها بسعر مخفض، ووافق رشاد على تخفيض 50% من سعر الكتاب لكنه أرجأ ذلك لما بعد التشاور مع مكتبات "الشروق".

كما كشف ممدوح في شهادته عن أن محمد رشاد هو السبب وراء إقصاء سور الأزبكية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، مؤكدًا أن رشاد خاطب المحافظ بأن تحصل مكتبات السور على ترخيصها من اتحاد الكتاب، وهو الأمر الذي يرفضه كل أصحاب مكتبات السور.

وفي سياق متصل، كشف علي الشاعر- من أقدم بائعي سور الأزبكية- عن المكاسب التي تجنيها دور النشر التي ترى أن سور الأزبكية يقف حائلاً دون تحقيق تلك المكاسب نظرًا لزهد سعر الكتاب في مكتبات السور في مقابل ارتفاع سعره في المكتبات خارجه. وأوضح أن تكلفة الكتاب 3 جنيهات تقريبًا وإن تعاظم سعره يباع بضعف ثمن التكلفة في مكتبات السور بسبب وجود الطبعات القديمة، بينما تبيعه دور النشر ومكتباتها بنحو 50 جنيهاً!

وخلال الندوة أكد الجميلي أحمد وقوف جميع الحضور إلى جوار سور الأزبكية وأصحابه، مشدداً على أن كل المثقفين المصريين بل الكثير من المثقفين العرب، تربوا على الكتب المباعة على سور الأزبكية. وأشار إلى أنه يرفض تزوير الكتب تماماً، ويدعو إلى معاقبة المزور وليس كل بائعي السوق، خاصة أن نسبة الكتب المزورة من الكتب المباعة على السور هي نسبة ضئيلة جداً، ولا تكاد تذكر، بينما تباع الكتب المزورة في كل مكان في مصر وفي مكتبات وسط القاهرة بصفة خاصة، فهل ستقوم محافظة القاهرة واتحاد الناشرين بنقل هذه المكتبات أيضاً"؟!

ومن جانبه، أكد الشاعر والناقد شعبان يوسف على أن تزوير الكتب لا يهم اتحاد الناشرين، بدليل أنني كشفت من قبل عن عشرة كتب تم نشرها في سلسلة تحت عنوان "كتب غيّرت الفكر الإنساني" لأحمد الشنواني وطبعت ثلاث مرات، وحصلت على جائزة مبارك، وعلى الميدالية الذهبية وهي مسروقة كاملة من سلسلة التراث الإنساني، وكان يمكن أن تمر هذه السرقة على الجميع، لكنني اكتشفتها بفضل وجود سلسلة التراث الإنساني في سور الأزبكية التي بفضلها أيضا كشفت عن كتب مترجمة إلى العربية في طبعتها الأولى كترجمة، بينما نسبها مترجموها إلى أنفسهم كمؤلفين لها في طبعاتها التالية، مشيرًا إلى أحد كتب الكاتب والمؤرخ الكبير أحمد حمروش!!

وأضاف يوسف أن هناك كتباً كثيرة مسروقة وتنشر في أماكن ثقافية كبيرة في الشام أو بيروت، ولم يفعل اتحاد الناشرين شيئًا، مؤكدًا أن الحرب ضد سور الأزبكية هي حرب ضد الذاكرة والتراث والقيمة، فمن الممكن أن نجد في مكتبات السور كتبًا غير موجودة في دار الكتب إسألوا عن كتب حافظ نجيب مثلاً، فعندما نسأل عن بعض كتب التراث تكون الإجابة: "في الترميم" بينما هي في خبر كان.

واختتم شعبان يوسف كلامه مشيرًا إلى أنه تحدث إلى وزير الثقافة وأبلغه بالأزمة الواقعة بين السور واتحاد الناشرين، ونقل عنه قوله إنه لو في إمكانه فعل شيء لهم لن يتأخر عنهم.

أما العلامة الدكتور محمد كمال إمام فقال إن تزوير الكتب يقع في كل العصور والأماكن ولا يجدر التذرع به للتجني على سور الأزبكية. مضيفًا أن أحد كتبه تعرض للسرقة، ولم يكتشف ذلك سوى بالصدفة، فبينما كان في لجنة ترقية الأساتذة فوجئ، وهو يراجع ثبت مراجع بحث طالب الترقية أن أحد كتبه منسوب لمؤلف آخر، وعندما اطلع على المرجع تبين أنه كتابه وقد سرقه آخر، ونسبه لنفسه وقام بطباعته ونشره!!

ثم تحدث عن أصحاب مكتبات السور مشيرًا إلى أنهم سلالة أسر ممتدة لها جذورها في الثقافة المصرية، مؤكدًا أن له أصدقاء منهم يذكرهم بالاسم، وأنهم ليسوا مجرد بائعي كتب بل حراس ثقافة. مضيفًا: "لو أن وزير الثقافة ورئيس هيئة الكتاب ورئيس اتحاد الناشرين ومحافظ القاهرة لا يعرفون القيم الثقافية لسور الأزبكية، فليحملوا أمتعتهم ويرحلوا عنا".

وفي نهاية شهادته أكد د. محمد كمال إمام على أن اتحاد الناشرين ليس مسؤولاً عن الثقافة في مصر، بل عن حقوق الناشرين والمؤلفين فقط، مشيرًا إلى أنه تصادق مع أساتذة وفنانين وكتاب ووزراء وعلماء كبار كونوا مكتباتهم من سور الأزبكية.

ودعا د.إمام كل المثقفين وأساتذة الجامعة ممن استفادوا من رحيق سور الأزبكية أن يقفوا إلى جانب مكتبات السور في وجه من يحاول أن يمحو مثل هذا الأثر المصري المهم. وأضاف قائلاً: "إنه كما لا تستطيع مصر أن تعيش من دون نهر النيل لا تستطيع الحياة أن تستمر من دون سور الأزبكية، لأنه جزء من التاريخ العقلي لمصر".

مشيرًا إلى أن كل المثقفين الغرب عندما يأتون إلى مصر يزورون سور الأزبكية قبل زيارة المتحف المصري، لافتًا إلى أنه عندما كان يعد رسالة الدكتوراه كان يبحث عن كتاب فلم يجد منه سوى نسختين واحدة مع دكتور ومات والأخرى وجدها في سور الأزبكية.

وقدم الشاعر والكاتب أحمد المريخي شهادة حول سور الأزبكية، مشيراً إلى أنه يمثل حالة ثقافية تعبر عن الهوية المصرية في ظل ندرة المكتبات العامة في الريف المصري، حتى إن محافظة بحجم قنا لا توجد فيها مكتبة واحدة تابعة للهيئة العامة للكتاب، كما أن صعيد مصر نشأ على الثقافة الشفاهية وبحث عن وعاء لتأطير هذه الثقافة فلم يجده إلا في الكتاب، ولما كان الكتاب غير متوافر اعتمد أبناؤه على السفر إلى القاهرة لجلب ما يحتاجونه من هناك خصوصاً من سور الأزبكية.

وأضاف المريخي: "كنا نأتي إلى القاهرة في زيارات خاصة لشراء ما نحتاجه نحن ورفاقنا في صعيد مصر من كتب زهيدة السعر، عالية القيمة، لا نجدها إلا في السور الذي شكّل عبر عقود طويلة حالة ثقافية مدهشة حيث لم يقتصر على الكتب وحسب، إنما اللوحات الفنية المقلدة والأصلية أيضاً لفنانين عالميين كبار، والتي كانت تباع في السور من مخلفات البيوت الأرستقراطية في مصر".

وأشار المريخي في شهادته إلى أن موقف بعض المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية حول ما يدبر بليل لسور الأزبكية "غير واضح"، حيث لم يخرج بيان تضامن أو إدانة أو استنكار، رغم أن ما يدبر للسور معلوم للجميع منذ أسابيع، حيث أشار أكثر من كاتب لهذه الأزمة وأكد عليها الكاتب خالد السرجاني منذ شهر تقريباً في مقال بعنوان "محافظة القاهرة وعشوائية القرار".

وفي نهاية شهادته ناشد المريخي جميع الكتّاب والمثقفين القيام بدورهم والوقوف مع "وراقي مصر" في سور الأزبكية للحفاظ على السور كقيمة وحالة ثقافية وحضارية تستحق الاهتمام والوضع على قائمة مزارات القاهرة السياحية بدلاً من التنكيل بأصحابه، وتشريد السور.

يذكر أن عدداً من الأدباء حضروا الندوة متضامنين مع منظميها ضد مخطط اغتيال ومصادرة سور الأزبكية، ومن بينهم الشعراء سمير السروجي ومحمد سلامة وعاطف الجندي وإيمان عبد النبي، والروائية ابتهال سالم، وقد شاركوا بشهادات موجزة حول دور السور في إثراء الثقافة المصرية في الداخل والخارج.

اجمالي القراءات 1919
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق