الطبقة الطفيلية و اشكالية النهضة

عمر أبو رصاع Ýí 2007-08-09



يتصور بعض القراء أننا بمحاولتنا الكشف عن جذور الخلل الحقيقي الذي يعيق النهضة و يكرس التخلف نركز على جوانب و نهمل الأخرى ، الواقع لا يوجد فصل بل هناك تأسيس ؛ بمعنى أن الرؤية التي نطرح جوانبها ليس في هذا المقال حصراً بل في كل ما نكتب تقريباً لا تقلل من أهمية التطور الفكري و العقيدي ....الخ


إلا انها لا تعتبره الأساس الذي تنطلق منه النهضة ، و لا تصلح منطلقاً يبنى عليه من أجل التغيير ، المحرك الحقيقي دائماً في حيوات الشعوب هو جانب الحياة المادي ما يمكن قياسه و ما يستطيع فعاً ان يفسر لنا كيفية توزيع القوى داخل النسيج الاجتماعي و بالتالي المصالح و ارتباطاتها الحقيقية ، ليس هذا بحال رفضاً لتطوير الرؤى الاعتقادية و الفكرية بل اننا نعتبرها نتاج طبيعي تطوري لنهضة الشعوب يتبعها و يستجيب لها لكن السؤال هنا كيف تكون هناك قوة متنامية اجتماعية صاحبة مصلحة حقيقية في التطور و التغيير و من هي القوى التي تتصدى لاعاقة التطور ؟ تلك هي القضية .
على سبيل المثال لا الحصر نعرف ان المذهب البروتستنتي الذي مثل اصلاحاً دينياً جاء به مارتن لوثر و الذي تبنته ألمانيا مثلاً وشاع في شمال غرب اوربا جاء انسجاماً مع الرغبة المتنامية للدولة القومية الأوربية في الفكاك من هيمنة الكنيسة الكثوليكية ، السؤال هنا لو لم تتوفر الظروف الموضوعبة الحاضنة لهذا المذهب هل كان من الممكن ان يكتب له النجاح و الانتشار؟!
المسألة أن الطرح الفكري و الديني الجديد يأتي استجابة لاحتياجات الجماعات البشرية يحاكي واقعها هي و كذا القانوني و كل مكونات البنية القيمية للمجتمعات ، إن التغيير الذي ترومه و أرومه في مستوى البنيات الفوقية للمجتمع لن يكتب له النجاح أبداً إن لم تتوفر الظروف الموضوعية المادية التي تجعل منه حاجة لا بد منها فالقوى الفاعلة داخل المجتمع البشري لا تتحرك للتغيير ترفاً بل تحت إلحاح الحاجة .

عندما حللنا وضع المجتمع العربي وجدنا أن معضلته الأساسية في بنيته تتمثل في وجود طبقة طفيلية (كمبرادورية) متداخلة في كل بنيات نسيجه الاجتماعي متنفذة بسلطته ، طبقة تهيمن على الجزء الأكبر من هذا الاقتصاد الريعي الذي اساسه النفط و ريع الارض بشكل عام و العلامات و الوكالات التجارية ، تتميز هذه الطبقة اساساً بالتالي (سنختصر ونركز قدر الامكان):

1- الميل الاساسي للتربح من النشاطات غير الانتاجية وهي بشكل رئيس تقوم بدور الوسيط المستغل للشركات العالمية الكبرى (شركة النفط ، شركات السلاح، العلمات التجارية الاجنبية )
2- تكرس النمط الاستهلاكي في المجتمعات العربية للمنتج الأجنبي ( السيارات و الملابس و المطاعم الاجنبية و الكهربائيات .....الخ) و المضاربات على الأصول.
3- ملتحمة بالانظمة السياسية ، إذ يصعب تماماً الفصل بينها و بين النظام السياسي القائم فهي متداخلة فيه عضوياً بل أن معظم نسيج السلطة القائم هو جزء من هذه الطبقة.
4- بحكم سيطرتها على الجزء الأكبر من الدخل فهي صاحبة مصلحة عضوية في استمرار المنظومة القائمة بكل ملامحها سياسياً و قانونياً و دينياً ......الخ لأن أي تغيير في هذه المنظومات القيمية للبنية الفوقية للمجتمعات العربية معناه المساس بمصالحها الحيوية و بالتالي يمثل الحفاظ على ما هو قائم هدف اساسي و استراتيجي لها ، و هي مستعدة لانفاق اموال طائلة للترويج لمنظومة القيم المهيمنة و تكريسها أكثر و أكثر.

من نتائج هذا الوضع
1- الحؤول دون نمو قطاعات الانتاج الحقيقية المادية و الخدمية بصورة تتسق و مستويات الدخل القومي و هذا ما يفسر نمو الثروات النقدية بمعدلات تفوق بمرحل نمو رأس المال المنتج و تكرس الثروة في نسبة بسيطة و نمو الفارق بين الطبقات الاجتماعية المكونة للنسيج الاجتماعي.
2- فساد مالي هائل في القطاع العام و توجيه الانفاق العام بحجوم لا تتناسب مع الدخل إلى ابرام صفقات أهمها صفقات السلاح دون اي معنى او مبرر إلا تحقيق مصالح الشركات المنتجة و حائزي العمولات من ابناء هذه الطبقات الطفيلية و الأمر ينسحب على انوع مختلفة من الصفقات التي تبرمها الحكومات .
3- حماية النظام السياسي القائم بقوة هذه الطبقة المالية داخل المجتمعات و اعاقة اي تكريس للديموقراطية و الحرية و قيم الحضارة المعاصرة التي تعطي الفرد في السواد الأعظم من ابناء الشعب هامش أكبر لذا فإن ما هو متوقع تطويرها لنظام ديموقراطي تحت سيطرة هذه النخبة الطفيلية يستعصي على دخول نخب أخرى برؤى مختلفة بجعله خاضع ومعبر عن توزيع الثروة و ليس المصالح الاجتماعية.
4- تدمير اي طليعة طبقية من شأنها ان تنافس الطبقة الطفيلية او ابتلاعها داخل نسيجها و تهميش أي خطاب مغايير و لو بالقوة و القانون (نصر حامد ابو زيد نموذجاً ) و هذا التهميش أحد أهم عناصره تغول القوة الاعلامية للطبقة الطفيلية و تمويلها أيضاً للمؤسسة الدينية الرسمية و غير الرسمية معاً.
5- تكريسها لنموذج التدين وفق حاجة و مصالح هذه الطبقة و الجهات الامبريالية العالمية التي تعمل بخدمتها مصلحياً ، مثلاً عندما كان هناك مد يساري و قومي عملت على تغذية و تمويل منظومة دينية جهادية للتصدي لهذا المد كانت أبرز تجلياته الجماعات الدينية في مصر و الجهاد في افغانستان ثم انقلبت عليه بعد ان استنفذ اغراضه فصارت الآلة الاعلامية الدينية تكفر هذا النموذج الذي انتجته و تسمه بالتعصب ، و الآن تعمل على ترويج تدين ذو نزعة صوفية تسليمية منعزلة عن الواقع توظف الاعلام بشكل متنامي و فعال لعل ابرز ملامحه الداعية عمرو خالد ، و بالتهميش و التكفير و احيانا القانون تواجه بكل قوة نماذج تحاول ان تقدم تصورات أخرى للدين.

إن الحديث عن النهضة يتطلب وعياً تاماً لخطورة هذه القسمة و لهيمنة هذه الطبقة بمختلف تجلياتها و استطالتها و يتطلب رؤية عملية برامجية تنطلق من واقع مجتمعاتنا كما سبق و طرحنا في أكثر من مقال ، نحن بحاجة لاستراتيجية تنموية تركز على بناء قطاعات الانتاج و توسيع اطر السوق العربية بفاعلية و نمو التجارة البينية و منظومة أفضل لتوزيع الدخل و الثروة بين مختلف الطبقات الاجتماعية ، وتطوير منظومة التعليم و ربطها بالمؤسسات العالمية الرائدة لضمان كفاءتها و فعاليتها فالعلم هو العنصر الاساس في بناء اي نهضة إن القدرة على انتاج أجيال متعلمة تعليماً منتجاً يعني بالضرورة انتاج جيل مبدع و قادر على حمل أعباء النهضة و إطلاق الحريات العامة في مختلف المستويات وحماية المبدعين و برامج فعالة لتطوير و تكريس الممارسات الديموقراطية في مختلف المستويات ، اننا نتكلم عن ردم الهوة المتنامية بين الطبقات أيضاً لضمان الأمن الاجتماعي مما يعني منظومة أفضل للتأهيل و لتوزيع الدخل و حزمة أوسع للأمان الاجتماعي .
ان ما تحتاجه مجتمعاتنا برامج عملية تجعل الاساس في بنيتها التنمية المجتمعية في مختلف الميادين و المجالات و حل جذور المشكلة و نظام مصرفي موجه لتمويل رأس المال المنتج أساساً و ليس لتمويل النصابين و الاستهلاك التخريبي.

اجمالي القراءات 14841

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الثلاثاء ١٤ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10152]

الطفيلية سرطان خبيث

أشكرك على هذه المقالة. في الحقيقة أحب أن أضيف الى ما ذكرتم، بأن الفئة الطفيلية هي نتاج الوضع السياسي للفئة الحاكمة. والطغمة الحاكمة هي شريكة هذا الاخطبوط بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن جهة أخرى بعد ان تمركزت رؤوس الاموال بيد هؤلاء الطفيليين، كان لابد لهم من أن يشاركوا السلطة الحاكمة في السياسة ومراقبة سن القوانين التي تكفل لهاسرقة الجهد العام. هذه الفئة من خلال قوتها الاقتصادية ونفوذها السياسي.استطاعت أن تمد أخطبوطها الى الشركات العولمية لكي تشاركها أيضاً في عملية دعم لها لاستغلال الشعوب.وهي تقوم بدور الحارس الامين لمصالح الشركات الكبيرة ، تحت شرط حماية مصالحها الاستغلالية المحلية.
الطفيلية داء العالم الثالث وسرطانه يا اخي. ولا يمكن القضاء على هذه الفئة إلا بالتغير السياسي الديمقراطي.وشكراً

2   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الأحد ١٩ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10248]

الاستاذ الفاضل أحمد ابراهيم

الاستاذ الفاضل أحمد ابراهيم
مفهوم الطبقة الطفيلية لا ينطبق على المنتمين للطبقة الارستقراطية (مالكة رأس المال الزراعي ) و لا على الطبقة الرأسمالية (مالكة قطاع الانتاج الصناعي و حتى الخدمي الكبير)
مفهوم هذه الطبقة ينصرف إلى المتربحين بالوسائل و الطرق غير المنتجة و ذوي المصالح الاقتصادية العضوية مع الدول الامبريالية ، جوهر نشاط هذه الطبقة هو كونها كويل تجاري يستنذف الدخل القومي و ينمي ثروات بطرق غير مشروعة على حساب الاقتصاد القومي.
عندما اتحدث اعلاه عن الطبقة الطفيلية فأنا لا افصلها و قد وضحت ذلك تماماً عن السلطة بل كلاهما معجون تماماً ومتحالف عضوياً مع الآخر امراء النفط و الوزراء العرب و رؤوس السلطات المتنفذة و المصرفيين و لاعبي البورصات و ضباط المراكز الكبرى في الدول العسكرتارية و امراء الحرب الطائفية .......الخ كل هؤلاء معاً هم الكمبرادوريين الذين نتكلم عنهم هنا و ليس من العلمية في شيء أن نفصل بين نظام سياسي و بين هذه الطبقة .
الأهم اننا لا نستغرب هيمنة و لا ظهور الطبقة الطفيلية هذه على الاطلاق فهي التي اعتمد عليها الاستعمار و هو يغادر بلادنا لضمان مصالحه في المنطقة بدأ بالعائلات المالكة في الخليج العربي لتأمين مصالحه النفطية و عقود شركاته ، اما الدول التي حصل فيها انقلاب على الكمبرادور الوراثي جاءت طبقة من العسكريين و البيروقراطيين لترث كمبرادور قديم و تجلس في مكانه ، لهذا عندما تكلمنا عن المخارج قلنا بوضوح اننا بحاجة إلى التحول للانتاج بحاجة إلى التحول من اقتصاديات كمبرادورية بامتياز إلى اقتصاديات انتاج و نحن على قناعة ان الدول العربية تملك من المقومات ما يؤهلها لمثل هذا الدور إن عملت مشتركة على ارضية المصالح المشتركة و وفق ارادة شعوبها ، لا يسعدنا كعرب ان نعيش في كيانات هزيلة عاجزة ان تكون دولة لها اقتصاد قادر على حمل اعباء التنمية الشاملة ، إن الدولة القطرية العربية استنفذت في ظل العولمة اغراضها ووصلت إلى حد الافلاس فيما تعطي لمواطنيها .


بوضوح أننا نعرف ان للتخلف مظاهر عملية في الواقع الذي نعيشه تماماً، ربما نعيد التذكير لما لا يحتاج ان نذكره لنعرفه على سبيل المثال لا الحصر:
1- مستوى تراكم رأس المال الاجتماعي و المنتج و نسبته إلى عدد السكان .
2- معدل دخل الفرد و الانحراف المعياري للدخول الافرد عن المتوسط (اي الفجوة الطبقية)
3- مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة و حزمة الامن الاجتماعي
4- نسبة الامية سواء امية القراءة و الكتابة او امية الانتر نت
5- معدل الانفاق على البحث العلمي و نسبة الجامعيين إلى عدد السكان
6- نسب اقتصادية مشهورة كالتضخم و البطالة و نمو الدخل القومي و حجم الدخل القومي لعدد السكان
7- مستوى المشاركة النسائية كنسبة النساء العاملات إلى اجمالي القوى العاملة كذلك نسبة المشاركة السياسية للمرأة .
8- نوعية القطاعات المنتجة الرئيسة و مستوى تركز رأس المال العامل و مستوى الادخار القومي و مستوى تطور المنظومة المالية و خدمتها للقطاع الانتاجي و الحجم الاجمالي للسوق المحلي .............................. .............................. ........الخ
(يتبع)

3   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الأحد ١٩ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10249]

الاستاذ الفاضل احمد ابراهيم


اننا امام اعمال واضحة تحتاج إلى برامج واضحة مشكلات تكمن في واقعنا الذي نعيشه تماماً إن التخلف ليس ظاهرة غير مرئية التخلف ليس جني ، التخلف ظاهرة لها نتائج عملية في الواقع و تحتاج لبرامج معالجة في الواقع ايضاً ، عندما اتكلم عن محو الامية فأنا لست بحاجة إلى دراسة التراث و عندما اتكلم عن خطة عملية لتوجيه رأس المال النقدي للاستثمار و زيادة التراكم ونمو الدخل ........الخ اتكلم عن امور كلها تحتاج لبرامج و لرؤية تنطلق من الواقع ومن الممكن و كلها تقبل القياس وتقبل التجريب وتقبل الافادة من تجارب الشعوب ، اني اتكلم عن مظاهر تخلف في جملتها نعرفها جميعاً ونعلم علم اليقين ان حلولها ليست في البحث عن المطلق و لا في الجلوس في ابراج عاجية للتنظير على خلق الله و التيه في دهاليز الميتافيزيقيا ، ان من يصدق النية في السعي مثلاً لتحرير المرأة هو من يخطط و يبرمج لتعليمها و لخروجها للعمل و مشاركتها في تحقيق الدخل تحقيق كيان المرأة و رفع مركزها الاقتصادي و المعرفي هو تماماً الذي سيفرض حريتها و ليس العكس فالتنظير للحرية لمئة عام قادمة من الاديان و من كل مكان لن ينتج حرية إن لم يفرض الواقع نفسه هذه الحرية بالنتيجة.

إني اعلم أن ما أطرحه على بساطته يصدم الكثيرين ، اعلم ايضاً ان المثقف العربي يميل بشدة لرفض ما يسميه البعض بالقراءات الجزئية إلا ان الكلي والذي يريد ان يغير بنية المفاهيم القيمية مدخلاً على شموله النظري ليس بحثاً علمياً بل اسقاط تقيمي محض ، ان القراءات التي ترفض ان تعترف بالمداخل الضرورية و الاساسية للنهضة من بنية المجتمع المادية تحاول ان تمارس دور الحكم و المطلوب هو دور من يساعد على شفاء المرض من خلال معالجته و التخلص من آثاره .

تحياتي و محبتي
عمر
__________________



4   تعليق بواسطة   عمر أبو رصاع     في   الأحد ١٩ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10250]

الفاضل زهير قوطرش

اعتقد انه من غير الممكن عملياً الفصل بين الطبقة الطفيلية و منظومة الحكم ، كما تعلم كلاهما ملتحم عضوياً بالآخر .
في النهاية النظام الحاكم تعبير مصلحي عن سلطة الطبقة المهيمنة على المنظومة الاجتمعاية الاقتصادية ، و إن النظام الحاكم العربي هو جزء اصيل من الطبقة الكمبرادورية العربية المهيمنة على هذه التشكيلة الاجتماعية الاقتصاديةو هي شرط وجوده و استمراره.
لعله من المشروع ان نطرح :
أتغيير بدون صدام؟
لا اعتقد ابداً فلا بد من الصدام فصراع الاضداد هو صدام بذاته ، بدون قوة أيضاً لا اعتقد فالصدام يحتاج إلى قوة ، لكن اي صدام و اي قوة؟
هل جلسنا إلى المفاوضات مع العدو الصهيوني لأننا لا نريد اي بدائل؟ ام ان واقع موازين القوى يضعنا في هذه المقابلة ؟
الحقيقة انا لست من انصار منطق العنف بكل مستوياته و اعتقد ان الصدام حتمية في كل تحول بالضرورة إلا انه ليس بالضرورة ان يكون هذا الصدام بتلك الدموية ، لعل في تاريخنا مثال جد مناسب ، حقيقة و ضد كل خزعبلات التصوير الدموي لانتصار النبي محمد اعتقد ان هذا الانتصار انجز بأقل تكلفة و بأقل درجات العنف نسبياً ، انجز لأن الظروف الموضوعية كانت تستجيب بمثالية للتغيير الجديد ، ربما لا يعجب كلامي هذا انصار المعجزات و التفسير الاعجازي للتاريخ ، لكني بوضوح لا ارى التاريخ حركة تحول اسطورية لتفسير تمرحل التاريخ بل هي حركة تطور في غاية المنطقية و تقع في اطار الوعي و تخضع لقوانين المنطق البشري .
نعود لمثل العدو الصهيوني لحيويته هنا ، يا ترى لو كان الوضع معكوساً ، اعني لو ان التفوق الحضاري مال لصالح العرب و كان العرب كأمة أرقى حضارياً من اسرائيل هل كانوا بحاجة للقوة العسكرية لانهاء المشكلة ؟ حتماً ستأخذ اسرائيل عند إذ بالذوبان الطبيعي بدون اي حاجة للعنف!

اعتقد اننا نحتاج لتلك الحكمة التي تنتج ساسة ثوار برغماتيين و ليس ثوار جيفاريين ، الحكمة التي تمنع الأقوى من ان يفرض شروط اللعبة و بالتالي يفرض الهزيمة ، الثائر العملي هو الذي يحسن اختيار معاركه النضالية لتكون معارك رابحة ، ليس المطلوب ثائر يقدم لنا لوحة استشهادية تثير المشاعر و الاعجاب المنذهل بهذه البطولة ، نعم نحن نعجب و نقدر ونحترم الشهادة و هذه التضحية المذهلة و هذا المشهد الجيفاري و لكن مع كل تقديري ليس هذا هو النضال المطلوب و لا هذا هو النضال المثمر ، و هنا جوهر قضيتنا ، المسألة بحاجة لحسابات عملية ، بحاجة لنخب تقود ببرغماتية تختار معاركها بعناية لتنجز و لتقوى و تكسب أرض ، إن السمة المثالية التي يتحلى بها النهضويين والتي جعلتهم يتعاملون مع الثورة بمنطق افلاطوني كانت بتقديري وبالاً على حركة التغيير النهضوي عامة ، الثوريين الذين حولوا الوحدة و عبد الناصر في مرحلة معينة إلى قيمة تعاملوا معها كمحبوبة اضاعوا حقاً و دون ان يشعروا فرصة تاريخية لمشروع كان من الممكن ان يتخذ صفة العملية المبدعة ليتحول إلى قوة انجاز و لعمل مؤسسي لا يرتبط بلحظة و لا بشخص .

الصدام الشامل القادر على انتاج تحول يحتاج لارهاصات منتجة تبلور تياراً يتطور إلى ان يصبح قادراً على المجابهة الشاملة تيار قادر على ان يختار معاركه بعناية و ان ينتصر فيها ايضاً ، تيار قادر اولاً على ان يكون جماهيري و هنا تبدأ معركته الحقيقية ضد الثالوث ، انها معركته من اجل الوعي الصحيح معركته ضد الافيونيين و المستغليين الكمبرادوريين ، ان مهمته الاولى و معركته الاولى معركة وعي لتعرية المشهد و تحديد المواقع ، انها معركة على اتجاه المواطن العربي و على فهمه للاشكالية و على استنهاض قواه الفاعلة في الاتجاه الصحيح ، هذه المعركة ليست هينة و ليست جهد قائد جهبذ و لا حتى جماعة إنها تتطلب تراكم جهود لخلق حركة وعي ، و أنا اعتقد أن الفرصة التاريخية مهيئة لمثل هذا الدور و تحتاج للمزيد من التراكم لتبلور تياراتها العملية الفاعلة و هي ما نأمل ان يكون لنا فيها دور من اجل مستقبل أفضل لشعوب تستحق الحياة و تستحق الحرية.
تحياتي و محبتي

عمر

5   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الإثنين ٢٠ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[10269]


الأخ عمر .تحياتي لك، وانا معجب بهذا التحليل العميق،الذي ينم عن معرفة واسعة وعميقة متخصصة، لقد تطرقت الى عدة مواضيع بمجملها لخصت الواقع المعاش، وتصوراتك لما يجب أن يكون من خلال خلق وعي ثقافي جديد قادر على تأطير قوى سياسية فاعلة، أحزاب مجتمع لا أحزاب أجتماعات.وأنا من الذين يتفألون دائماً. لأني أؤمن بمبدأ التطور الصاعد في حياة الشعوب ،وإن أختلفت سرعة هذا التطور وذلك حسب التناقضات الداخلية والخارجية التي أصبحت في عصرنا لها الدور الاساسي ،وهي تشكل الحلقة الاساس في التشكلية المستقبلية لعالمنا.لكن السؤال كيف لنا ان نتعامل كقوى سياسية او كشعوب مع هذا الواقع.هل نعتمد مبدا الصدام العشوائي على طريقة القاعدة، أم نعتمد مبدا الرفض لكل شيء كما تفعل بعض الانظمة الثورية الحالية. أم نتعامل بمبدا الشراكة وايجاد موقع لنا في هذه الزحمة العولمية ونقدم للعالم ما عندنا من قيم وما عندنا من افكار لبناء عالم تشاركي نعيش فيه بالمنافسة الحرة والتناقضات السلمية. لكن هناك من سيقول لي بأن العالم الغربي لن يقبل . اقول في العالم الغربي قوى خيرة سيرت ملاين من الناس ضد السياسة الامريكية.المهم خلق حالة الوعي التي ذكرتها والبحث عن كل القوى التي يهمها عالم السلام والتنمية.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-08-26
مقالات منشورة : 53
اجمالي القراءات : 938,478
تعليقات له : 123
تعليقات عليه : 247
بلد الميلاد : الأردن
بلد الاقامة : الأردن