مع تونى بلير وكريس تايلور فى جامعة دُرُو

سعد الدين ابراهيم Ýí 2009-11-07


 

تحدث تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى السابق، والمبعوث الخاص للرباعية فى الشرق الأوسط، فى الأسبوع الماضى (٣٠/١٠/٢٠٠٩) بجامعة دُرُو (DREW)، فى مدينة ماديسون، بولاية نيوجرسى الأمريكية. كان موضوع المُحاضرة هو الوضع الدولى الراهن، وانعكاساته على منطقة الشرق الأوسط. ودخل معه أحد أساتذة الجامعة وهو د.كريستوفر تايلور (Christopher Taylor) فيما يُشبه مُناظرة جانبية من خلال مُداخلة طويلة حول مُهمته الحالية كمبعوث خاص للرباعية (الأمم المتحدة، الا&edil;تحاد الأوروبى، الولايات المتحدة، وروسيا) فى الشرق الأوسط، حول الديمقراطية والسلام.

وجامعة دُرُو، هى واحدة من أهم الجامعات الأمريكية الخاصة الصغيرة الحجم، والمُتميزة من حيث جودة تعليمها. فبينما لا يتجاوز عدد طُلابها ٢٥٠٠ طالب وطالبة، فإن حجم هيئة التدريس فيها يصل إلى خمسمائة، أى بمُعدل عضو هيئة تدريس إلى كل خمسة طُلاب، وهو من أفضل المُعدلات فى أمريكا والعالم، فهى فى هذه الناحية على نفس أرقى وأشهر الجامعات مثل هارفارد، وبيل، وبرنستون أمريكا، وأكسفورد، وكمبردج، والسربون عالمياً.

وما كان لجامعة دُرُو أن تتميز على هذا النحو، إلا بفضل الانتقائية لأساتذتها، وطُلابها، وارتفاع مصروفاتها. وضمن هذا التميز لجامعة دُرُو، هو برنامج المُحاضرات العامة التى يُدعى إليها كبار الشخصيات فى شتى الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية.

وقد شملت قائمة المتحدثين فى العام الأخير مثلاً، الرؤساء السابقين كلينتون وجورج بوش (الأب)، والمرشحين للرئاسة مثل السيناتور جون ماكين، وهيلارى كلينتون، والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان، وأخيراً تونى بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق.

وإحدى ميزات دعوة مسؤولين سابقين، أنهم يتحدثون بمزيد من الصراحة، وهو ما يُتيح للطلاب والأساتذة فرصاً نادرة للحوار المُباشر مع هذه الشخصيات المرموقة، ويؤدى ذلك بدوره إلى كسر حاجز الرهبة تجاه المشاهير من ناحية، وتنمية المهارات الاتصالية والسجالية للطلاب والأساتذة، من ناحية أخرى.

وكان مما جاء فى مُحاضرة تونى بلير أن أهم خاصتين للمشهد الكونى حالياً هما:

١ - التغير السريع، الذى لم يعد يُقاس بالسنوات، ولكن بالأيام والساعات، والذى ترصده مراكز مُـتخصصة فى رصدها للتغيرات المناخية والبيئية، وكذلك فى رصد استفتاءات الرأى العام محلياً وإقليمياً وعالمياً فى قضايا شتى، ولم يعد أى مكان أو مجموعة أو بلد فى العالم بمنأى أو بمعزل عن هذا التغير وإن كانت بالطبع تتراوح وتتفاوت درجات هذا التغير.

٢ـ تحرك موازين القوة شرقاً، فبينما سيظل الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، الأقوى اقتصادياً وعسكرياً خلال الرُبع الأول من القرن الحادى والعشرين، إلا أن مركز القوة يتحرك شرقاً ونحو الصين والهند خصوصاً، ويكتمل مع الرُبع الثانى من نفس القرن أى مع عام ٢٠٥٠.

ثم شهدت فترة الأسئلة والأجوبة ما يُشبه السجال بين أحد الأساتذة المرموقين فى الجامعة، وهو د. كريستوفر تايلور، أستاذ التاريخ الإسلامى ورئيس الوزراء البريطانى السابق، وكان جوهر المُساجلة هو العلاقة بين السلام والديمقراطية. استعاد د. تايلور المقولة الشهيرة للفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط، وفحواها أن البُلدان الديمقراطية لا تدخل فى حروب مع بعضها البعض، فهل يستطيع هو (أى تونى بلير) أن ينجح فى مُهمته، كمبعوث خاص للرباعية فى تحقيق السلام، بينما هو يعتمد على وساطة نظام غير ديمقراطى، مثل النظام المصرى؟ وما الذى يمكن أن يقوله لمُعارضين ديمقراطيين لهذا النظام مثل سعد الدين إبراهيم وأيمن نور، وكلاهما مدعو لإلقاء مُحاضرات، مثل مُحاضرته، فى نفس الجامعة؟!

ويبدو أن بلير فوجئ بسؤال غير تقليدى، فقد ظل صامتاً للحظة، بدت للمُستمعين «دهراً». ثم قال إنه يوافق على ما يرمى إليه السؤال، فحتى لو تحقق «السلام» بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنه سيظل هشاً، ما لم يكن الجيران من ذوى أنظمة الحكم الديمقراطى.. وأنه رغم صداقته الطويلة لآل مُبارك، إلا أنه لا يترك فرصة، دون أن يُعبّر فيها عن تطلعه لرؤية مصر الديمقراطية.. وأن ذلك لو تحقق فى أكبر وأهم بُلدان المنطقة، فإن السلام والرخاء سيتحققان للجميع.. وأنه لا يرى أن يُرتهن الإصلاح الديمقراطى لمصر، وبقية الجيران بإنجاز سلام نهائى للمسألة الفلسطينية.. وانفجرت القاعة بالتصفيق.

وبعد المُحاضرة، وهذه المُساجلة القصيرة، سألت د. كريستوفر تايلور عن الخلفية التى جعلته يسأل هذا السؤال المهم، الذى ألجم تونى بلير، لوهلة طويلة، رغم شهرته بسرعة البديهة، منذ كان طالباً، ونجماً فى نادى جامعة إكسفورد للمُناظرات، واتضح أن هذا الأستاذ الجامعى متزوج من مصرية، من صعيد مصر، وأنه يتردد على مصر مرة أو مرتين سنوياً، ويُجيد اللغة العربية والعامية المصرية.

ومن عشقه لمصر والصعايدة، وهوايته فى الغطس فى شرم الشيخ، ورأس محمد، والغردقة، فإنه يصطحب معه سنوياً عشرين طالباً وطالبة من جامعة دُرُو، ممن يهتمون بالمصريات، واللغة العربية، ودراسات الشرق الأوسط. ولكى يُعطيهم كامل خبرات التنوع والمُتعة فى مصر، فإنه يُدرّبهم أيضاً على هواية الغطس، ويقضون سوياً عطلة نصف السنة فى مصر، وهى حوالى شهر يتذوقون فيه كل شىء من الفول والطعمية والفتّة، إلى التاريخ ورؤية المعالم الأثرية، إلى مُقابلات مُتعمقة مع شباب وأساتذة وفنانين مصريين.

وضمن ما يتلقونه من جرعات الفكر والثقافة والسياسة، التعرض لقضايا الصراع العربى الإسرائيلى، والإسلام السياسى، والحركات الاحتجاجية المدنية، التى عاصرها هو منذ عام ١٩٨٠، وينقلها إلى طُلابه سنوياً.

لذلك فوجئ بلير، لا فقط بسؤال تايلور، ولكن أيضاً بأسئلة عديد من الطلاب الذين درسوا الموضوعات الإقليمية المُعاصرة. ولأن وقت المُحاضرة وما تلاها من أسئلة ومُناقشات لم يتجاوز ساعتين، فقد اقترح تونى بلير على بقية من رفعوا أيديهم لتوجيه أسئلة، لم يسمح الوقت بمُناقشتها، أن يكتبوا إليه، وسيجتهد هو فى الإجابة عليها بالبريد الإلكترونى.. سألنى أحدهم، وأنا أغادر قاعة المُحاضرات، هل يمكن أن يحدث مثل هذا اللقاء، مع رئيسكم حسنى مبارك، وما ينطوى عليه من «حُرية التعبير» فى مصر؟

فقلت له نعم يمكن أن يحدث، ولكن ربما يكون الفرق هو بعد أن يُعبرّ الإنسان عن نفسه بحرية، الفرق هو أن يبقى حُرا بعد ذلك، وهو ما ينطبق على حالتنا، فقد عبّرت أنا شخصياً عما كان يجول فى خاطرى، مُنبهاً قرائى بسيناريو توريث الحكم من الأب لابنه.

ولكنى سرعان ما فقدت حريتى بعد ذلك، وها أنا أهيم على وجهى فى أرض الله الواسعة، إذاً ليس الأمر ما إذا كانت هناك فى مصر حُرية التعبير من عدمه، ولكن ماذا يحدث بعد حُرية التعبير، ومن هنا يصدق فى حالتنا فى مصر أنه نعم لدينا حُرية تعبير. ولكن ليس لدينا حُرية بعد هذا التعبير!.

والله أعلم

اجمالي القراءات 10487

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   السبت ٠٧ - نوفمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[43440]

نعم ،وماذا بعد حرية التعبير ؟؟

نعم وماذا بعد حُرية التعبير؟؟ 


الحياة بحرية ؟ أم الإضطهاد والتشريد والتنكيل بالخصوم ؟؟


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,325,643
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt