آحمد صبحي منصور Ýí 2012-03-15
كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ).
الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى )
الفصل الأول : ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا )
ثانيا تأصيل الأمر والمعروف والمنكر قرآنيا :
المعروف فى التشريع الاسلامى
لمحة عن المعروف بين التشريع الاسلامى والتشريع الغربى
1 ـ قلنا إن العرف أو المعروف يعنى المتعارف على أنه خير وحق وعدل . أى أنه القيم العليا فى الاسلام من العدل والاحسان والحرية وحفظ الحقوق. هذه القيم العليا ( وخصوصا العدل والقسط ) كانت الهدف من ارسال الرسل والأنبياء والكتب السماوية . وبالتالى فيجب ـ أؤكد : يجب ـ أن تكون تلك القيم العليا هى المرجعية الحاكمة لأى تشريع بشرى فى الدستور والقوانين . ولو روعى ذلك فى نّ القوانين فهو تشريع الاهى يرضى عنه رب العزة .
2 ـ وأوربا فى نهضتها قامت بسنّ قوانين تستلهم العدل والحرية وكرامة الانسان ، ووضعت فى بنود محددة معدة للتطبيق القضائى . وليس مثلما إعتاد فقهاء المسلمين فى ثرثرتهم الفقهية النظرية التى تدخلت فى كل شىء ،بل حتى إفترضت وقائع خيالية وجعلت لها أحكاما ، ثم اختلفوا فى كل شىء وجعلوا إختلافهم رحمة . وابتعد هذا الفقه النظرى التصورى التخيلى عن الواقع القضائى بحيث كان لا يلتزم به القاضى مع تبعيته لمذهب ما من المذاهب الفقهية .
3 ـ الأهم من هذا هو إتفاق التشريع الغربى مع التشريع الاسلامى القرآنى فى مبنى التشريع ومصدره . لم تجعل القوانين الغربية مما هو كائن فى المجتمع مصدر التشريع ، بل جعلت مصدر التشريع هو ما ينبغى أن يكون . وهى نفس المبنى الذى يقوم عليه التشريع القرآنى . وهذا يحتاج توضيحا . هناك عادات سيئة فى المجتمع وأمراض إجتماعية ، وهناك أيضا قيم عليا متعارف عليها . لم تستلهم القوانين الغربية قوانينها مما هو سائد من عادات وتقاليد بل استلهمتها من كتابات الفلاسفة الباحثين عن المدينة الفاضلة والقيم العليا . القرآن الكريم له الدرجة العليا فى هذا المضمار . فمن ناحية يؤكد أن أكثرية البشر ضالة مضلّة ، ومن ناحية أخرى يوجّه لهم رسالته الاصلاحية الداعية الى القسط والحرية والسلام والاحسان والعطاء والرحمة ..الخ . لم يجعل التشريع الاسلامى من واقع العرب مصدرا للتشريع ، بل على العكس ندّد به ونقده وقام باصلاحه .
4 ـ لقد نزل القرآن الكريم فى مجتمع ( جاهلى ) يحترف التقاتل والسلب والنهب ويفخر بالظلم ، وكان إصلاحه عسيرا . ولكن نجح الاصلاح القرآنى ، بل أقام دولة اسلامية ديمقراطية حقوقية كانت جملة إعتراضية فى ثقافة العالم وقتها . وكان من الطبيعى وهى دولة تخرج عن المألوف فى محيطها العربى والعالمى أن تتآكل وتتوارى شيئا فشيئا . وتوارت وغابت الدولة الاسلامية ولكن أسسها التشريعية لا تزال محفوظة فى القرآن الكريم المحفوظ من لدن الله جل وعلا . ومن أسسها التشريعية المعروف أو القيم العليا المتعارف عليها من العدل والاحسان والحرية وكرامة الانسان .
ومنهج القرأن فى التربية بدأ بالفترة المكية بالتركيز على الاصلاح الدينى والاخلاقى معا ، هذا الجانب الأخلاقى الذى أهمله أئمة الأديان الأرضية المسلمين . فى الفترة المكية نزل التوجيه الأخلاقى ليس فقط فى قصص الأنبياء ولكن ايضا فى الوصايا العشر ( الأنعام 151 : 153 ) وفى سور النحل 90 ـ 97 )و( الاسراء 22 : 39 )و ( المؤمنون 1 : 11 ) و( الفرقان 63 : 76 )و( لقمان 12 : 19 ) و ( الشورى 36 : 43 ) والمعارج ( 19 : 35 )، وفى عشرات الآيات الأخرى . مع إشارات مجملة لمبادىء وعموميات التشريع كما فى سورة (الأعراف 28 : 33 ). ثم جاءت تفصيلات التشريع فى المدينة تبنى على أساس خلقى سبق توضيحه ، وتواصل إنتقاد المجتمع داخل الدولة الاسلامية من منافقين ومؤمنين ، بل كان خاتم النبيين يتعرض للوم والتأنيب والعتاب .
5 ـ أوربا فى نهضتها بدأت بالكتابات الاصلاحية فى مواجهة ثقافة مختلّة تعاون فيها الدين الأرضى السائد ( البابوية ) مع الاستبداد والفساد . بدأ الاصلاح الدينى محتجا على فساد الكنيسة وتطور معه إصلاح مدنى وتعانق معه فى رفض الواقع واستلهام القيم العليا بدرجات مختلفة . الى أن وصل التشريع الغربى فى أوربا وأمريكا الى المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، وهى أقرب كتابة بشرية للتشريع الاسلامى الحق الذى أضاعه أئمة الأديان الأرضية من المسلمين فى العصور الوسطى .
6 ـ وحين أراد مصلحو المسلمين السير على الطريق الأوربة للتخلص من تخلف الأديان الأرضية إذا بالوهابية تعيد أشد نوعيات التدين الأرضى تخلفا وتزمتا وتحجرا وتعصبا ودموية ، وهى السنية الحنبلية التيمية الوهابية السعودية . ثم بقطار النفط السريع وفى ظروف مواتية محلية واقليمية وعالمية نجحت الوهابية فى تسميم العقل العربى والمسلم ، وهى الآن على وشك اختطاف الربيع العربى .
7 ـ ولقد نجحت الوهابية المصرية من خلال الاخوان المسلمين والسلفيين فى مشاركة العسكر فى السلطة ، وهم يتطلعون الى تأليف دستور مصرى يؤسس التشريع الوهابى . والمستشار طارق البشرى المفكّر الوهابى يتبنى رأيا مخالفا للقرآن والتشريع الغربى ، وهو أن ما تقوم عليه ثقافة الأكثرية من المجتمع يكون هو المصدر للتشريع . إن أكثرية المجتمع المصرى جرى تغييبها وتسميمها بالثقافة الوهابية وبالتعصب ضد الأقباط وبالنفاق الدينى والتدين السطحى المظهرى وتبرير الفساد وتعلية قيمة المال والثروة بغض النظر عن مصدرها ..حدث هذا التجريف الأخلاقى فى العقلية المصرية ، فلم يعد الناس هم الناس بعد جيلين . وحتى على فرض أن أكثرية المصريين لا تزال فيهم الشهامة والنخوة والطيبة التى كانت من أربعين عاما فإن الثابت والذى لا خلاف فيه أن الأغلبية الصامتة من الناس هى الأقل حظا فى التعليم والثقافة ، وهى التى تحتاج الى التعليم والتثقيف والتحضر .. فكيف تكون هذه الأغلبية الصامتة مصدرا للتشريع ؟ .
إن المستبد دائما يحلو له ركوب هذه الأغلبية الصامتة ، ويحلو له أن يزعم إنه الذى يعبّر عنها . فعل هذا عبد الناصر فى تخصيص نصف مقاعد البرلمان للعمال والفلاحين ، ولا يزال هذا ساريا . ثم يأتى المستشار البشرى ويجعل من الأغلبية مصدرا للتشريع . وبالتالى فلا بد للدستور والتشريع أن يعبّر عن حال الأغلبية المصرية التى تتبنى الحجاب والنقاب وترفض بناء الكنائس وترفض مساواة القبطى بالمسلم ومساواة المرأة بالرجل . بسبب سيطرة الوهابية على الاعلام والتعليم والأزهر والمساجد تراجعت القيم العليا وحلّ محلها الفساد الخلقى والدينى . ويأتى طارق البشرى ليجعل هذه المرض مصدرا للتشريع . هو يقف ضد مفكرى النهضة الأوربية الذين رفضوا فساد عصرهم وفساد كنيستهم ونادوا بالاصلاح واستلهام القيم العليا للانسانية . لم يكن لديهم القرآن يستلهمون قيمه العليا وتشريعاته . ولكن المستشار طارق البشرى الذى بلا شكّ يعرف بوجود القرآن يهجر القرآن وينادى باستلهام التشريع الدستورى من (قاع المجتمع ).
8 ـ صلة هذا الكلام أنه للردّ مقدما على من يقول إن ما يدور فى المجتمع المصرى الآن هو العرف أوهو المعروف السائد ، وبالتالى يكون مصدرا للتشريع . ونؤكد مجددا على ان العرف والمعروف هو القيم العليا كمبادىء للتشريع وكمعيار للتطبيق، وكل إنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره وتباريره ( القيامة 14 : 15 ). تلك القيم العليا ضمن الفطرة داخل كل إنسان . ولو كنت تدخّن السجائر عزيزى القارىء فإنك ستفزع حين ترى إبنك الصغير يقلدك ويدخّن السجائر . هنا الفارق بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون . الكائن أنك تدخّن ، والذى ينبغى أن يكون هو ما تتمناه لابنك ؛أن يكون خيرا منك ، لذا تفزع إذا وقع فى الخطأ الذى تقع فيه أنت . والتشريع يجب إستمداده مما ينبغى أن يكون وإلا كان تقنينا لسيئات المجتمع وفساده ، فإذا كانت الرشوة هى السائدة فلا باس أن تصبح قانونا ، وإذا كان الغشّ فى الامتحان هو الأصل فى النجاح وإذا كانت الواسطة هى أساس الحصول على الوظائف والخدمات فلتكن هذه المفاسد تشريعا ، وإذا كان الاكراه فى الدين وحجر الرأى وتجريم الفكر أساس الدين السّنى الوهابى لتحصينه من النقد فلا بد أن يتصدّر هذا التشريع .. هذا ما يريده الوهابيون المصريون ..وغيرهم .!!
لمحة عن التشريع الاسلامى وتطبيقه
1 ـ آيات التشريع المدنى فى القرآن حوالى مائتى أية بما فيها من تكرار وتفصيل وتأكيد.. ومعنى ذلك أن هناك قدرا هائلا قد تركه القرآن لاجتهاد البشر فيما يقع فيه التطور واختلاف الظروف، وبذلك يكون تشريع القرآن صالحا لكل زمان ومكان.
2 ـ ونعطى لمحة سريعة عن تشريعات القرآن والمواضع المتروكة لاجتهاد البشر فى التقنين والتطبيق :
* فهناك تشريعات قرآنية خاصة بزمانها ومكانها ولا مجال لتطبيقها فى عصرنا، مثل حديث القرآن عن التشريعات الخاصة بالنبى وبيوته وزوجاته وعلاقاته بأصحابه.
* وهناك تشريعات قرآنية لا يمكن تطبيقها إلا إذا توفرت ظروفها. فإذا لم تتوفر ظروفها فلا حاجة بنا لتطبيقها، مثل احكام الرقيق، اذ لا ضير فى أن يذكرها القرآن، فشأن التشريع أن يذكر كل حالة، أما التطبيق فلا يكون إلا إذا وجدت حالات صالحة للتطبيق، وعلى سبيل المثال فالقانون يتحدث عن نفقة الزوجة المطلقة ولكن ذلك لا يتم تطبيقه على الأعزب الذى لم يتزوج ولم يطلق.. فإذا تزوج وطلق زوجته أصبح خاضعا بحالته تلك للقانون. وهكذا فتشريع القرآن عن الرق لا تسرى إلا فى عصر يكون فيه الاسترقاق شائعا اجتماعيا. مع ملاحظة إنه لا يمكن القضاء تماما على ظاهرة الرق، وإن تشريعات القرآن قد قصدت فى المقام الأول تحرير الرقيق.. وتلك قضية أخرى.
* وهناك الثابت والمتغير فى تشريعات الجهاد، وهو موضوع شرحه يطول، يدخل فيه التدرج فى التشريع فى العلاقات بين المسلمين المسالمين و المشركين المعتدين، وعلى المسلمين مراعاة ذلك التدرج فى التشريع أو التقنين، وأيضا فى التطبيق. وقد تحدثنا عن ذلك فى بحث (النسخ فى القرآن الكريم يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء)
* وهناك تشريعات قرآنية لا تحتاج الى تقنين بشرى لأنه لا دخل لسلطة الدولة فيها لأن مناط تطبيقها موكول للفرد وتعامله مع ربه جل وعلا، ويدخل فى هذا الاطار الأخلاقى للقرآن الكريم فى تعامل الفرد مع نفسه وأسرته ومن حوله، ومنها بعض الوصايا الأخلاقية المذكورة فى السور المكية (الاسراء 22: 39) (الفرقان 63) (الأنعام151 : 153) (النحل 90: 95) وفى السور المدنية (البقرة 44: 46، 83، 109، 153، 177، 261 : 274) (النساء 36).. مجرد أمثلة..
* وهناك تشريعات قرآنية جامعة مانعة، والاجتهاد يكون فى تطبيقها كما هى دون زيادة أو نقصان، والمثال الواضح فى ذلك هو المحرمات فى الزواج (النساء 22: 24) مع ملاحظة أن تشريع الفقهاء لم يلتزم بهذا التحريم الجامع المانع، فأضاف للمحرمات فى الزواج ما أحله الله تعالى، مثل قولهم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقولهم: يحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها. فالقرآن يجيز ذلك، والفقهاء يحرمونه أى يحرمون ما أحل الله.
وهناك مثال آخر للمحرمات الجامعة المانعة، كتحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وقد فصل القرآن القول فيها وحذر من تحريم ما أحل الله، ولكن الفقهاء حرموا الكثير من الحلال بالمخالفة لتشريع القرآن.
وينطبق ذلك أيضا على القواعد التشريعية الجامعة المانعة، مثل تحريم قتل النفس إلا بالحق أى بالقصاص، وقد خالف الفقهاء هذه القاعدة التشريعية فحكموا بالقتل للمرتد والزانى المحصن وأسباب أخرى كثيرة أى أحلوا ما حرم الله.أى أن الفقهاء اجتهدوا فى الحكم بغير ما أنزل الله تعالى فى تشريعاته الجامعة المانعة الملزمة، والتى لا يكون الاجتهاد فيها إلا بتطبيقها كما هي.
* وهناك تفصيلات تشريعية احتكم فيها القرآن للعرف أو المعروف، وهنا نحتاج إلى قوانين وتشريعات لتقنين ذلك العرف حسب أحوال العصر. ومثلا يقول تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) "البقرة 233" فالتشريع البشرى يتدخل هنا فى تقنين نفقة الرضيع على أبيه بحسب العملة السائدة وظروف العصر، والقاضى يقوم بتقدير تلك النفقة على الحالة المعروضة أمامه حسب فقر الأب وغناه. ونحو ذلك قوله جل وعلا فى التعامل مع الزوجة المطلقة وحقها فى العيش فى سكن ملائم ونفقة ملائمة واجبة على الزوج (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (الطلاق 6). هنا نجد المعروف هو المعوّل عليه فى سن القانون بمعرفة الهيئة التشريعية، وفى تطبيقه على يد القاضى.
ولقد كان خاتم المرسلين نفسه مأمورا باتباع المعروف أو العرف (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف 199). وبالتالى فان التزام العرف يكون فى جانبين: سنّ قوانين فى المباحات المسكوت عنها، وفى تطبيق الأوامر التشريعية فى القرآن الكريم.
* وقد جاءت تشريعات القرآن فى رعاية الأسرة وحقوق الإنسان أو حقوق العباد وتنمية الأخلاق وركزت على تفصيل المحرمات بينما تركت المباح الحلال مفتوحة أبوابه لأنه هو الأصل. وهذا المباح يحتاج إلى اجتهاد تشريعى فى تنظيمه فى إطار المقاصد التشريعية العامة وهى العدل والتيسير ورفع الحرج ورعاية المصالح والإحسان وعدم إيقاع الضرر وحفظ حقوق العباد، وكل القوانين فى ذلك الإطار تكون تشريعا إسلاميا، وهذا حق البشر فى التشريع وفق ما أنزل الله تعالى.
وكل ما يدور فى إطار القوانين المستحدثة فى المرور والمساكن والتنظيم والإدارة والصحة والتعليم والخدمات.. إلخ.. كل ذلك فى إطار التشريع البشري المسموح به إسلاميا لأنه متروك لاجتهاد البشر فيما سكت عنه القرآن وتركه للعرف والمعروف، والمهم أن يراعى المقاصد التشريعية الكبرى مثل العدل والتيسير ورعاية المصالح وحفظ الحقوق بالنسبة للعباد.
*حقوق الله تعالى فى العقيدة وفى العبادات فليس لأحد أن يتدخل فيها لأن مرجع الحكم فيها لله تعالى يوم القيامة، وهى مسألة هداية يتوقف الأمر فيها على كل إنسان إذا اهتدى فلنفسه وإن ضل فعلى نفسه.
أما حقوق العباد أو حقوق الإنسان فهى مسئولية المجتمع لحفظ حقوق الأفراد، ولذلك فإن العقوبات المدنية إنما تكون فيما يخص حقوق العباد فقط. حقهم فى الحياة والأموال والأعراض وحق المجتمع كله فى الأمن، وتتحدد العقوبات هنا فى جرائم الزنا والقذف والقتل وقطع الطريق والسرقة. ولسنا فى موضع التفصيل للشروط الموضوعية لتطبيق هذه العقوبات، ولكن نشير إلى أن تشريعات الفقهاء، غيرت المصطلح إلى الحدود، وكلمة الحدود تعنى الحق والشرع فى القرآن، وبعد تغيير المصطلح أضافوا عقوبات جديدة كالرجم والردة وعقوبة شرب الخمر وغيرها. وبهذا اتسع التناقض بين تشريع القرآن وتشريع الفقهاء.
نؤكد ثانيا أنه ليس للتشريع المصرح به للمسلمين أن يتدخل فى العقائد والعبادات من واجبات مفروضة ومن محرمات محظورة، وأمامه الباب واسعا في المباح المسكوت عنه وفق القيم العليا للاسلام المشار اليها، والتى تحمل مصطلح (العرف) و (المعروف).
والنظام القضائى فى الاسلام يستلزم أولى الأمر أو أصحاب الشأن والاختصاص من الراسخين فى العلم بالقرآن وتشريعاته، وما يمكن منها تشريعه وتطبيقه سواء كانت تفصيلاته منصوصا عليها فى القرآن، أو كانت مرجعيتها القرآنية للعرف والمعروف، أى القيم العليا فى الاسلام.
والتقنين هنا يكون تحت مناقشة واقرار الشورى الاسلامية وديمقراطيتها المباشرة، فاذا تم إقرار القانون فعلى الجميع الالتزام به باعتتباره تشريعا اسلاميا إذن به الله جل وعلا. وهذا الالتزام مرده الى العقد أو العهد الذى تبايع به الناس على السمع والطاعة لأولى الأمر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء 59) لاحظ أنهم (أولي الأمر) أى ليس (ولي الأمر) أى تشكيلات ومجموعات من العاملين فى الخدمة العامة المختارين بحكم التخصص والخبرة، وليس مجرد ولى أمر حاكم فرد مستبد.
ومن بنود العقد الذى تقوم على اساسه دولة الاسلام عدم العصيان للمعروف، وهذا ما جاء فى عصر النبي محمد فى بيعة النساء المهاجرات للدولة الاسلامية ليكنّ مشاركات أصلاء فيها (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الممتحنة 12).
المعروف فى تفصيل التشريعات الاسلامية :
هناك أوامر تشريعية تعلوها مقاصد التشريع . والمعروف من مقاصد التشريع كمبدأ عام وقيمة عليا فى التعامل مع الناس ، يقول جلّ وعلا :( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) ( الأعراف 199 ). والمعروف كقيمة عليا هو حاضر دائما فى كل أوامر التشريع الاسلامى مقصدا من مقاصد التشريع من العدل والاحسان ، والتى تعلو على أوامر التشريع . والمعروف كاساس فى تطبيق الأوامر التشريعية ورد ذكره ضمنيا ، وورد ذكره باللفظ فى التفصيلات التالية :
1 ـ فى الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وخلافه :
فى الصداق لملك اليمين : أى يجب إعطاؤها مهرا بالمتعارف عليه وعلى أنه عدل : ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )( النساء 25 )
وفى معاشرة الزوجة بالمعروف ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )( النساء 19 )
فى الطلاق والانفصال وحق الزوج فى إعادة زوجته خلال مدة العدة :( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )( البقرة 228 )
وبانتهاء عدتها وهى فى بيت الزوجية إمّا أن يمسكها الزوج بالمعروف وإمّا ان يفارقها نهائيا بالمعروف :( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ )( البقرة 229 ، 231 ) ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ )( الطلاق 2 )
وأثناء بقاء المطلقة فى بيت الزوجية لها كل حقوق الزوجة فى السكن والنفقة ورضاعة المولود بالمعروف : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى )( الطلاق 6 ) ويجب مراعاة المعروف فى الرضاعة :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )( البقرة 233 ).
ولها حق المتعة ، ويمكن تقديرها بالمعروف بالعدل وبما يوافق حال الزوج : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ). ( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ )( البقرة 241 ، 236 ).ولو طلقها قبل الدخول بها ولها مؤخر صداق فلها نصف المؤخر إلّا أن تتنازل عنه هى أو ولى أمرها فى عقد النكاح . والعفو هو الاحسان وهو الأقرب للتقوى : (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )( البقرة237 )
وبعد خروجها من بيتها وانفصالها عن زوجها السابق فمن حقها أن تتزوج بمن تشاء ، بالمعروف :( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ )(البقرة 232.)
ونفس الحق للأرملة فى المتعة بالبقاء عاما داخل بيت زوجها المتوفى ، مع حقها فى الخروج وفى الزواج بعد انتهاء عدتها : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).وعن حقها فى الزواج بالمعروف يقول جل وعلا :( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )، وقبل الزواج حقها فى الخطبة وحديثها مع خطيبها بالمعروف فى خلوة :( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )(البقرة 240 ، 234 : 235 )
المعروف فى حقوق الناس :
فى تقدير دية القتيل بدلا عن القصاص :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( البقرة 178 )
فى الوصية عند الموت للوالدين والأقربين بالمعروف :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( البقرة 180 : 182 )
و حق اليتيم فى الأكل وفى النفقة من ماله بالمعروف إذا وصل مرحلة البلوغ وكان سفيها:(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ). أما إذا بلغ النضج وتبين صلاحيته للتصرف فى ماله فمن حقه التصرف ، وأثناء مرحلة صباه وقبل النضج يرعاه وصى عليه الذى يأخذ أجرا بالمعروف لو كان فقيرا : ( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا )
وحق الأقارب واليتامى والمساكين فى أخذ جزء من التركة ـ بالمعروف ـ لو حضروا القسمة :( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) (النساء 5 : 9 ).
ولسنا هنا فى معرض التفصيل لهذه التشريعات . فهذا خارج موضوعنا .
الدكتور احمد صبحي السلام عليكم ، تحدثت عن موضوع العرف في المقال أعلاه ، ولو أخذنا مثالا للعرف السياسي مثلا وما يعانيه الناس من بعد عن نظام الشورى الذي أمر الله تعالى رسوله الكريم بها :" وشاورهم في الأمر " فالشورى معروفة ولا يختلف عليها أحد اما العرف فهو المتعارف عليه والمستحسن من الناس وهذا يختلف من بيئة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى ، وهذا بالضبط يشبه الإجماع الذي يعدعند البعض مصدرا من مصادر التشريع ، فهل لو كان هناك إجماع من ثلثي الأمة على شيء ، تكون هذه الأغلبية هي إذن الدخول له لأن يكون قانونا ؟! برأي أن موضوع العرف يشبه لحد كبير موضوع العفو فلا يستطيع احد أن يحدد الزيادة التي تزيد عن حاجة الآخرين ، فهو يحدد زيادته هو فقط أو في أهله أما ما يعتبره هو زائدا يعتبره غيره ليس كذلك وكذلك العرف يجب ان يكون خاصا وليس عاما وأن تراع كل الأعراف الخاصة والموجودة في المجتمع إذا ثبت اتزانها وعدم تناقضها مع القرآن الكريم . وخاصة عند صياغة الدستور فلابد أن يراعي مختلف الأعراف المصرية : وبهذا يكون هناك عرف للأقباط،وعرف للأقليات ،وعرف لليبراليين هكذا أعراف . شكرا والسلام عليكم .
1 ـ السنيون خلقوا صورة للنبى محمد عليه السلام تناقض شخصيته الحقيقية فى القرآن الكريم. خلقوا له صورة الاهية تعلو على رب العزة وتتحكّم دونه فى يوم الدين . ومرجعيتها فى تلك الأحاديث التى وضعوها. لذلك فإن تعارض حديث واحد مع 300 آية قرآنية تنفى شفاعة النبى يوم القيامة تراهم يرفضون القرآن حرصا على تلك الأحاديث لأن شخصية محمد الالهية المزعومة هى التى تحقق أمانيهم فى الشفاعة وتستجيب لكل غرائزهم حيث يعصون ما أرادوا ثم يدخلون الجنة . هى شخصية خلقوها بأنفسهم لتعبّر عنهم لذا يتحدون فى الدفاع عنها بكل ما لديهم من أباطيل . وسيأتى النبى يوم القيامة يتبرأ منهم ويؤكد إنهم إتخذوا القرآن مهجورا .
2 ـ العرف أو المعروف الذى نقصده هو القيم الأخلاقية العليا المتفق عليها ، والتى يعترف بها كل إنسان بينه وبين نفسه .العرف السائد هو ما يوجد فى الفطرة الانسانية فى كل زمان ومكان . أمّا ما يشيع فى مجتمع ما فى وقت ما من عادات هابطة فليس عرفا سائدا . فى العصر المملوكى مثلا إنتشر الشذوذ الجنسى وساد فى كل بلاد المسلمين بسبب سيطرة التصوف ، ولم يلبث أن اصبح هذا تاريخا سيئا مضى وانتهى كظاهرة إجتماعية . عادات اللبس تستمر عقودا بل وقرونا ثم تتغير . لا بد أن نفرّق بين العادات والتقاليد وبين القيم العليا أو المعروف . مهما طال أمد العادات والتقاليد فهى فى تغيّر بطبيعتها لأنها تتأثر بالتطورات الداخلية والمؤثرات الوافدة وبحركة المجتمع صعودا وهبوطا . وممكن ملاحظة هذا خلال حياتنا التى تطورت فيها مجتمعاتنا بسبب تطور وسائل المواصلات والاتصالات ، وظهر هذا فى مفردات الغة بل وفى عادات الزفاف والزواج والتعامل بين الناس . لا نقول عن هذا ( عرف ) أو ( معروف ). بل عادات وظواهر إجتماعية.
وإن كان لنا رأى فى ما يسمى اصطلاحا بالتشريع الإسلامى ليس مكانه مقالكم المعتبر حيث بينتم فيه أنه فقه بشر لمراد الله و هذا مقال يحسب لكم و تحمدون عليه لما فيه من مقاومة و رفض لتفشى تقديس ذلك الفقه و أعلامه، و نسبته زورا و بهتانا مباشرة لله
فإننا نرى رأيا نتبناه و نرى عدم إهماله، فى فهم موضوع تحريم الجمع بين المرأة و عمتها أو خالتها الذى ذكرتموه فى سياق المقال
"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُم وَعَمَّاتكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعنكم وَأَخَوَاتكُم مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ..."
حيث يلاحظ استخدام "كاف المخاطب" فى كل المحرمات فى النص "أمهاتكم" "بناتكم" "أخواتكم" "عماتكم" "خالاتكم" إلا فى بنات الأخ و بنات الأخت و كان مقتضى سياق الآية أن يقال "و بنات إخوانكم و بنات أخواتكم" لكنها جاءت مطلقة هكذا "و بنات الأخ و بنات الأخت" و يتضح ذلك أكثر أنه أستكمل التحريم بكاف المخاطب مرة أخرى بعدها "وَأُمَّهَاتكم اللَّاتِي أَرْضَعنكم وَأَخَوَاتكم مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائكم...".
و طالما أن بنات الأخ و بنات الأخت جاءت بصيغة مطلقة ليس فيها ضمير المخاطب فيصلح أن يكون المعنى: بنات الأخ سواء كان هذا الأخ لكم أو لأزواجكم و كذلك بنات الأخت سواء كانت هذه الأخت لكم أو لأزواجكم و يكون ذلك معناه تحريم ابنة أخ الزوج و ابنة أخ زوجته و أيضا تحريم ابنة أخت الزوج و ابنة أخت زوجته.
فإذا قنعنا بتحريم الجمع بين المرأة و ابنة أخيها فيكون ذلك هو نفسه تحريم الجمع بين المرأة و عمتها لأن التى لها ابنة أخ تكون هى بالنسبة لها عمتها. و كذلك ينطبق على المرأة و ابنة أختها فيكون هو نفسه تحريم الجمع بين المرأة و خالتها.
ولكم منا كل الود
الدكتور / أحمد صبحي منصور السلام عليكم ورحمة الله .. كل المحبة والتقدير لكم ولما تبذلون في سبيل الله تعالى.. وبعد فمن خلال ما جاء بالمقال.. عن اليتيم بما شرعه الله تعالى لنا في قرآنه العظيم لتنظيم إدارة مال اليتيم إذا كان يملك مالا أو عقاراً وهو دون سن البلوغ او سن النكاح..
السؤال كيف يكون اختبار اليتيم للتأكد من عدم سفاهته .. في هذا العصر.. وخصوصاً ان هناك فارقاً كبيرا في أخلاقيات الحياة ..! وأنا أسميها أخلاقيات التكنولوجيا.. فجيلنا يكفتي بموبايل بمائة جنيه ونعتبر أن ما يزيد عن ذلك فهو سفه..! أما الجيل الحالي فلا مانع عنده من أن يمتلك موبايل بخمسة آلاف جنيه ولاب توب بسبعة آلاف جنيه ويعتبر ذلك شيئاً عاديا ملائما لإحتياجاته والعصر الذي يحياه.. هناك تباين في تقدير معنى السفه بين جيلين جيل الآباء وجيل الأبناء.. نظرا للقفزة التكنولوجين الكبيرة ..
كيف يمكن الحكم على سفاهة اليتيم الذي يجب أن يسترد ماله في غضون ثلاث أو أربع سنوات..؟
والله تعالى يقول في هذه الآية:
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا )
كيف نُقَيمّ رُشد اليتيم في هذا العصر؟ ؟..
1 ـ مع الاحترام الواجب للأستاذ مصطفى فهمى فعقيدتى تأبى أن يصل الاجتهاد الى تحريم حلال أو استحلال حرام . ولهذا أرفض القياس فى المحرمات ، كما أرفض التخريجات اللغوية ، وأنا خريج كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر .
2 ـ أما عن موضوع إختبار اليتيم عند البلوغ لتحديد رشده وصلاحيته لأن يتولى إدارة أمواله فهذا شىء يخضع للعرف أو المعروف على مستوى العرف القيمى أى الحكم بالعدل وبالحق ، ومن حيث المتعارف عليه بين الناس فى تطبيق الاختبارات المناسبة للوضع . فمثلا تختلف الخبرة فى مجال عن الآخر فى نفس العصر وبين عصر وعصر . بمعنى إذا كان اليتيم ماله فى المجوهرات فلا يصح إختباره فى تجارة الأدوية ، كما لا يصح إختباره فى مجال المجوهرات طبق مفاهيم العصر العباسى بل بمقاييس عصرنا. مفهوم أن يتولى إختبار اليتيم لجنة تقوم بتقييمه عموما وبتقييمه فى مجال إدارته لنوعية النشاط الاقتصادى الذى يرثه ويتولاه . وهذا يخضع للمعروف القيمى والمعروف الوضعى الخاص بالموضوع المطروح . وضلربنا مثلا لذلك فى موضوع الرضاعة . وهذا بالطبع يحتاج الى قوانين فرعية واجتهاد للقاضى فى الحكم بما يناسب الحالة لو حدث تنازع .
قلنا إن العرف أو المعروف يعنى المتعارف على أنه خير وحق وعدل . أى أنه القيم العليا فى الاسلام من العدل والاحسان والحرية وحفظ الحقوق. هذه القيم العليا ( وخصوصا العدل والقسط ) كانت الهدف من ارسال الرسل والأنبياء والكتب السماوية . وبالتالى فيجب ـ أؤكد : يجب ـ أن تكون تلك القيم العليا هى المرجعية الحاكمة لأى تشريع بشرى فى الدستور والقوانين . ولو روعى ذلك فى نّ القوانين فهو تشريع الاهى يرضى عنه رب العزة .وأوربا فى نهضتها قامت بسنّ قوانين تستلهم العدل والحرية وكرامة الانسان ، ووضعت فى بنود محددة معدة للتطبيق القضائى . وليس مثلما إعتاد فقهاء المسلمين فى ثرثرتهم الفقهية النظرية التى تدخلت فى كل شىء ،بل حتى إفترضت وقائع خيالية وجعلت لها أحكاما ، ثم اختلفوا فى كل شىء وجعلوا إختلافهم رحمة . وابتعد هذا الفقه النظرى التصورى التخيلى عن الواقع القضائى بحيث كان لا يلتزم به القاضى مع تبعيته لمذهب ما من المذاهب الفقهية .ـ الأهم من هذا هو إتفاق التشريع الغربى مع التشريع الاسلامى القرآنى فى مبنى التشريع ومصدره . لم تجعل القوانين الغربية مما هو كائن فى المجتمع مصدر التشريع ، بل جعلت مصدر التشريع هو ما ينبغى أن يكون . وهى نفس المبنى الذى يقوم عليه التشريع القرآنى . وهذا يحتاج توضيحا . هناك عادات سيئة فى المجتمع وأمراض إجتماعية ، وهناك أيضا قيم عليا متعارف عليها . لم تستلهم القوانين الغربية قوانينها مما هو سائد من عادات وتقاليد بل استلهمتها من كتابات الفلاسفة الباحثين عن المدينة الفاضلة والقيم العليا . القرآن الكريم له الدرجة العليا فى هذا المضمار . فمن ناحية يؤكد أن أكثرية البشر ضالة مضلّة ، ومن ناحية أخرى يوجّه لهم رسالته الاصلاحية الداعية الى القسط والحرية والسلام والاحسان والعطاء والرحمة ..الخ . لم يجعل التشريع الاسلامى من واقع العرب مصدرا للتشريع ، بل على العكس ندّد به ونقده وقام باصلاحه .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,056,661 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
رسالة الى أستاذى الدكتور أحمد منصور
الاسلام دين السلام .. ولكن المسلمين...؟؟..
دعوة للتبرع
عن لحظات قرآنية : شاهدت الفيد يوهات ، وأحتر م رأيك في زواج...
وصية غير مفهومة: السلا م عليكم ورحمة الله وبركا ته توفي...
الهدهد والنمل : يتحدث القرأ ن عن هدهد يتكلم ونمل يتكلم . ...
الدعاء بالزواج : -هل يجوز الدعا ء بالزو اج من رجل معين وهل...
فضح الشيعة والصوفية: أريد منك أن تسجل برنام ج فضح الصوف ية وفضح...
more
دكتور أحمد أتمنى أن تكونوا بصحة طيبة
لدي يادكتور سؤال
لقد ركزت حضرتك كثيرا على مبدأ الاحسان وهو فوق العدل في مقالاتكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومن يومين كنت أقرأ في كتاب فقه السنة للكاتب الشيخ السيد سابق ولقد لفت نظري في مسألة حكم من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم. ولقد فهمت من الكتاب بأن علماء المسلمين قد أجمعوا على وجوب قتل شاتم الرسول ولو بدت منه التوبة أما من يشتم رب العزة فلا يقتل ان تاب. وذلك بأن شتم الرسول والاعتذار عن هذا الفعل هو حق خالص للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأما من شتم رب العزة وتاب توبة نصوحة فان الله يغفر له لأن الله حي لا يموت. فسؤالي هنا لحضرتكم, لا شك بأن من يشتم الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انما هو مخبول وصاحب هوى وقد ظلم نفسه ظلما كبيرا ولكن ان اراد التوبة النصوح وبدى منه الندم على مافعل الا يستوجب عدم الحكم بقتله خصوصا واني قد فهمت من مقالاتكم بأنه لايجوز قتل النفس الا بالحق أي في القصاص فقط من ناحية ومن ناحية أخرى اليس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المحسنين من يقابل الاساءة بالاحسان؟ أقصد بذلك بأن الرسول الكريم قد شتم في حياته ونعت بأنه مجنون وحاشاه ذلك الافك الا انه لم يقتل من شتمه وكان انموذجا منيرا للاحسان والعفو عن الناس وكظم الغيط ؟ الا يستوجب تسفيه شاتم النبي وعدم الالتفات الى قوله تواصيا بما أمرنا به رب العزة بالصبر والتقوى حيث انه أخبرنا بأننا سوف نسمع من المشركين والذين كفروا اذى كثيرا ؟ وعلى ماذا استند جمهور العلماء بجواز قتل شاتم خاتم المرسلين ؟ اليس من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الامر بمقابلة الاساءة بالاحسان خاصة بما يختص بمعلمنا وقدوتنا وأسوتنا الحسنة رسول الله ؟
شكرا ودمتم