ف 1 : لمحة عن تعذيب المؤمنات فى مكة قبل الهجرة
ف 1 : لمحة عن تعذيب المؤمنات فى مكة قبل الهجرة
القسم الثانى من الباب الثانى عن تفاعل المرأة فى التراث والدين السُنّى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف1 لمحة عن تعذيب المؤمنات فى مكة قبل الهجرة
مقدمة منهجية ضرورية ( حتى لا يتقافز الماعز )
1 ـ نسبوا أحاديث ظلما وإفتراءا للنبى محمد عليه السلام بعد موته بقرنين وأكثر ، عبر سلسلة من العنعنات المضحكة الساذجة ، تزعم أن من كتب تلك الأحاديث في العصر العباسى قد طار عبر الزمن ، وتأكّد من صدور كل حديث من فلان عن فلان ، حتى الصحابة ثم النبى محمد عليه السلام . وهذا ضلال لا يؤمن به إلا من وصفهم رب العزة بأنهم ( شرُّ الدواب ).
2 ـ نحن نؤمن بالقرآن الكريم وحده حديثا ، وننكر أن تكون تلك الأحاديث المصنوعة في العصر العباسى جزءا من الدين الإسلامي الذى إكتمل بإكتمال القرآن الكريم نزولا ، لقد نزلت آخر آية في القرآن الكريم تؤكد على أن الدين اكتمل باكتمال القرآن نزولا : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي )(المائدة :3 )، والنعمة هنا هي نعمة القرآن الكريم كما جاء فى قوله جل وعلا :
2 / 1 :( وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 231 ) البقرة )
2 / 2 : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ( 83 ) النحل )
2 / 3 : ( فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ ( 29 ) الطور )
2 / 4 : ( مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ( 2 ) القلم )
2 / 5 : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ( 11 ) الضحى )
نحن نؤمن أنه عليه السلام قد أبلغ الرسالة الإسلامية كاملة . ونرفض إتهامه أنه ترك جزءا من الرسالة الإسلامية ليكتبه الأعاجم وغيرهم في العصر العباسى ويختلفون فيه ، ولا يزالون يختلفون فيه . ثم يأتى الألبانى ليصححه فى عصرنا البائس ، ثم يعلن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان الاكتفاء بعدد محدد من الأحاديث ، ويتابعه مشايخ الوهابية الذين كانوا من قبل من غُلاء الدفاع عن كل وجميع الأحاديث .!. هذا يؤكد أنه دين أرضى يملكه أصحابه ، ولهم فيه حق التبديل والتغيير والحذف والالغاء والهجص والرقص .!
يأ أمّة ضحكت من جهلها الأمم .!
3 ـ الحديث عندهم ينقسم الى ( سند ) و ( متن ) . السند هو ( أخبرنى فلان عن فلان عن فلان... ان النبى قال : ) . ونحن نكفر بهذا السند ، أي نكفر بنسبة تلك الأحاديث وإسنادها للنبى محمد عليه السلام ، فقد مات ولا يعرف عنها شيئا ، بل إن الذين زعموا أنهم رووا تلك الأحاديث في السنوات السابقة في العصر الأموى وما قبله قد ماتوا دون أن يعرفوا ما نسبوه اليهم من أكاذيب . هذا عن السند ( أخبرنا فلان عن فلان ). أمّا المتن وهو ( نصُّ ) ما يسمونه بالحديث ، فإنه بعد قطع الصلة بينه وبين النبى محمد عليه السلام يكون في حقيقته قولا كتبه ذلك المؤلف ، وهذا ( النّص ) يعبر بصدق عن عقلية المؤلف وثقافة عصره . أي إن أحاديث في كتاب ( البخارى ) هي ثقافة البخارى وعصر البخارى . وبالتالي يكون زادا ثمينا للباحث التاريخى في عصر وثقافة عصر البخارى . البخارى يذكر في أحاديثه عن الاسراء والمعراج أن نهر النيل ينبع من السماء الدنيا وأن الشمس عند غروبها تسجد عند عرش الرحمن وأن النبى محمدا أمر بقتال الناس حتى يقولوا كذا وكذا ، وأنه كان يباشر نساءه في المحيض ..وأنه كذا وكذا ، كل هذا تعبير عن عقلية البخارى وثقافة عصره ، نقلها ونسبها كذبا وزورا للنبى محمد عليه السلام بعد موته بأكثر من قرنين . يسرى هذا حتى على الأحاديث التي قد تتفق مع العقل والقرآن الكريم . ويسرى أيضا على ما يسمونه ب ( السيرة النبوية ) والتي بدأ كتابتها محمد بن إسحاق المتوفى عام 152 ، وكتبها من دماغه ، مخترعا أسانيد من خياله ، عبر موتى قضوا نحبهم قبل مولده ، واشهر من زعم الرواية عنه ابن شهاب الزهرى ، وقد كتبنا بحثا أثبتنا فيه أن ابن إسحاق لم يقابل ابن شهاب الزهلرى مطلقا ، وان مالك بن انس في كتابه ( الموطّأ ) أول كتاب في الأحاديث نسب أحاديثه الى رواة موتى كان أشهرهم أيضا ابن شهاب الزهرى ، وأن مالك أيضا لم يقابل مطلقا ابن شهاب الزهرى ، أي أنه دين مؤسّس على أكاذيب من حيث السند ، ولكن من حيث المتن فهو يعبّر بصدق عن ثقافة وعقلية المؤلفين ، ولأنهم يعتبرونه وحيا فأحاديثهم تعبر بصدق عن دينهم الأرضى الشيطانى ، ولا صلة لها مطلقا بالإسلام سوى صلة التناقض .
4 ـ في كلام البشر خطأ وصواب ، وهو نتاج بشرى غير معصوم . والخطأ الأكبر أن نجعله معصوما بنسبته للنبى محمد عليه السلام والزعم بأنه وحى وجزء من الإسلام . وإذا كانوا يؤمنون بأن هذا وحى ، فهو وحى شيطانى أنتج وينتج أديانا أرضية . وإذا كان الوحى الالهى قد انتهى عصره باكتمال القرآن المجيد نزولا فإن الوحى الشيطانى مستمر باستمرار الشيطان في غواية البشر . قال جل وعلا بصيغة المضارع عن الوحى الشيطانى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الانعام ). الشيطان لا يقدم استقالته ، فسيظل في إضلال البشر الى آخر الزمان طالما هناك بشر . ونقرأ : ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) الأعراف ) .
5 ـ هذه مقدمة ضرورية حتى لا يتقافز بعض الماعز مهللين : ينكر البخارى ويستشهد به . هو كلام البخارى وغيره أيها الماعز ، وهو يعبّر عن دين شرّ الدواب . وهم لا أمل في هدايتهم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) الانفال ).
6 ـ ونقول أيضا إن المكتوب في السيرة وفى تاريخ الخلفاء ومن جاء بعدهم من السلاطين هو مجرد صناعة تاريخية . القصص القرآنى جزء أصيل في الإسلام مثل ما في القرآن الكريم من تشريع ووعظ . أما التاريخ فهو عمل بشرى مصنوع ، كتبه بشر يتحدثون عن بشر ، فيه الخطأ وفيه الصواب ، والحقيقة التاريخية ليست مطلقة ، فالحقيقة المطلقة هي القرآن المجيد وفقط . أما ما يكتبه البشر فهو وجهات نظر قد تصدق ، وحين تصدق تكون حقيقة نسبية . وهذا يخضع لمنهج بحثى علمى كتبنا فيه مؤلفات عام 1984 . بهذه المنهجية البحثية يتم بحث الروايات وما فيها من تداخل وتناقض وتعارض ، ومدى صحة تعبيرها عن عصرها ، وما يستلزم هذا من الباحث من إلمام بمصطلحات العصر وثقافته ، بما يعنى أن يكون الباحث معايشا لتراث هذا العصر وتقلباته . وفى النهاية فإن ما يصل اليه الباحث التاريخ ومن يتدبر في القرآن الكريم ليس سوى وجهة نظر .
7 ـ وفى القسم الأول عشنا مع المرأة فى التشريع الاسلامى معتمدين على القرآن الكريم وفقط . وفى هذا القسم عن المرأة فى الدين والتراث السنى لا بد لنا من الاعتماد على التراث السنى تاريخا وتشريعا . ونبدأ فى هذا الفصل بلمحة تاريخية عن تعذيب المؤمنات فى مكة قبل الهجرة
أولا
1 ـ ليكن معلوما من البداية أن الدعوة الإسلامية قامت على الاقتناع وليس على الإكراه والإجبار ، بل على العكس فإن اعتناق الإسلام وقتها كان يعني المخاطرة والتضحية ، وإذا كان بعض الرجال يترددون في المخاطرة ويؤثرون السلامة فإن اندفاع النساء للإسلام كان حدثا يستحق التنويه والتوقير ، إلا ان المكتوب عن دور المرأة في التراث لم يكن موازيا لتفاعلها الإيجابي من ناحية الكم أو الكيف ، ذلك بقيت في التراث بعض سطور فيها التكرار وفيها التناقض أحيانا ، مما يدل على أن ذوق العصر العباسى الذى شهد تدوين تاريخ هذه الفترة كان يستكثر على المرأة ما كانت عليه منذ قرون ، فحاول طمس ما استطاع بروايات نقيضة ، تخالف ليس فقط الروايات الأخرى ولكن تخالف أيضا السياق القرآني والنظرة العقلية المحايدة ..
2 ــ لقد عرف الجميع معاناة (بلال) من العذاب ، وما عرفوا معاناة (سُمية) تحت التعذيب إلا لأنها كانت مقترنة في العذاب مع زوجها وابنها عمار بن ياسر .. ولولا ذلك لأصبحت مجهولة ضمن نساء كثيرات أغرى ضعفهن المؤرخين فلم يكتبوا عن معاناتهن إلا أقل القليل ، وحتى ذلك القليل ظل مجهولاً بين سطور التاريخ ، وقد تكرم محمد بن سعد (ت 222هــ) صاحب أقدم مصدر تاريخي لدينا فذكر بعض المعذّبات وتجاهل اللاحقون سطوره القليلة فيما نقلوه عنه ..
3 ـ ومن كتابه الضخم (الطبقات الكبرى) نعرف ان أم شريك انطلق بها أهلها في سفر ومنعوها الطعام والشراب و تركوها في الشمس حتى ذهب عقلها وسمعها وبصرها وعجزت عن الصراخ ، وحين كانوا يطلبون منها إعلان كفرها كانت تشير إلى السماء تؤكد أنه تعالى واحد احد ، وبعد ثلاثة أيام من العذاب رقُّوا لها وأسلموا على يديها ، وجاءوا بها للنبي في المدينة ..
4 ـ ولم تكن (سمية بنت خباط) أم عمار بن ياسر هي الوحيدة في مكة التي تعرضت للعذاب ــ برغم أنها كانت اول قتيلة في تاريخ المسلمين ــ ولكن كان إلى جانبها في التعذيب جارية بنت عمر ، وقد تولى عمر ابن الخطاب تعذيبها ــ قبل إسلامه المزعوم ــ وكان إذا توقف عن تعذيبها يقول : والله لا اتركك إلا سآمة ، فتقول له تتحداه : كذلك يفعل بك ربك ..!! وإلى جانبها أم عبيس وزنيرة ، ويقول محمد بن سعد " وكُنَّ ممّن يُعذّبن في الله ، فاشتراهن أبوبكر الصديق واعتقهن": ( ابن سعد : الطبقات الكبرى 8 / 111 ، 186 ، 187 ، 193 . طـ . دار الشعب . ) . ولكن صراخهن لم يصل إلى المؤرخين اللاحقين ليسجلوه..
5 ـ وإذا صحت هذه الروايات فكفاهن الثواب عند الله سبحانه وتعالى ....!!!
اجمالي القراءات
2679