خاتمة كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
خاتمة كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
1 ـ لا شأن للإنسان بالحتميات الخاصة بجسده ، فهى تجرى فيه برغم أنفه ، من ضعف الطفولة الى قوة الشباب ثم ضعف المشيب والشيخوخة . الشأن في نفسه حين يبلغ الرشد ويصل الى مرحلة البلوغ ، ويكون قادرا على توجيه حياته . قد يتعرض فى مسيرة حياته الى تقلبات واختيارات ، وفيها هو يتمتع بحرية إتخاذه القرارات التي تؤثر في حياته وربما في حياة غيره .
2 ـ فيما يخصُّ موضوعنا ، هل يرضى أن يكون مستضعفا ؟ هل يرضى بالخنوع والخضوع والتواكل ، وأن تحمله أمواج الحياة وفق ما يسيّرها أكابر المجرمين ؟ أم يعلو برأسه رافضا مغيرا ما بنفسه من خضوع واستعداد للذُّل الى كرامة وشجاعة وعزّة واستعداد للتضحية . سواء إختار الذّل أو العزّة فهو في النهاية سيقابل الحتميات المكتوبة سلفا من الرزق والمصائب ، ثم سيموت في موعده وفى المكان المحدد له سلفا أن تنتهى حياته فيه بالموت العادي أم بالقتل . لكن يظل الفارق واضحا بين من عاش كريما حُرا ومن عاش مستضعفا برغبته واختياره .
3 ـ أكابر المجرمين في حقيقة الأمر ليسوا أقوياء . هم فقط يستمدون قوتهم من ضعف الآخرين وقبولهم مقدما للركوع والانحناء . أكابر المجرمين شاءوا أن يركبوا من تطامن لهم وركع وسجد أمامهم . قرارهم بالركوب يحتاج جهدا وتصميما ومكرا وتآمرا ، وفعلوا هذا . الخطر عليهم لم يأت من المستضعفين ، بل من أقرانهم أكابر المجرمين المتنافسين على ركوب المستضعفين . المستضعفون هم فقط أرضية الصراع وساحة الملعب . وفى حلبة هذا الصراع يفقد ملايين المستضعفين حياتهم وأرزاقهم لصالح المنتصر في الصراع . ويركب المنتصر ظهور المستضعفين ويصفقون له ويهللون .
4 ـ أكابر المجرمين ينجحون في تجنيد ملايين المستضعفين ليكونوا لهم جُندا . يعطونهم الفُتات مقابل أن يضربوا بهم خصومهم ، وأن يقهروا بهم إخوانهم المستضعفين الآخرين . وعند النصر فهو منسوب لأكابر المجرمين ، أما جنوده المساكين ـ من لقى حتفه ومن ينتظر ـ فلا تقدير لهم ولا اهتمام بهم .
5 ـ أكابر المجرمين في خداع المستضعفين يستخدمون شعارات مختلفة ؛ وطنية وقومية . أو يرفعون لواء العدل ومعاناة الفقراء والعُمّال . وعندما يصلون فوق جُثث الضحايا لا يتغير حال المستضعفين ، كل ما هنالك أن راكبا جديدا ركب ظهورهم بعد سقوط راكب قبله . وتتكرر المسيرة ، مسيرة الظلم والاستبداد ، وتتجذّر معها عبر القرون والأجيال ثقافة العبيد في ذهنية المستضعفين ، يعتبرون الذل والهوان دينا وطريق حياة . يعزّز هذا أكابر المجرمين من الكهنة ورجال الدين ، الذين يفتعلون ضوضاء حول التوافه من الأمور لشغل الناس عن حقوقهم ، ويمتنعون تماما عن التعرض لموضوعات العدل ورفض الظلم وضرورة قول الحق في وجه سلطان جائر . تتواتر أخبار التعذيب والقهر والسجن والسرقة وظلم الأبرياء ، وهم يناصرون الظالم ويحرّضونه على الأحرار ، ويحثونه على سجنهم بتهمة الخروج على ( ولى الأمر ) أو ( الخروج على ثوابت الدين ) أو ( إنكار المعلوم من الدين بالضرورة ) أو ( ازدراء الدين ) ..الخ . والفرعون لا يتوانى عن قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، ويكون من رحمته ألّا يقتلهم مكتفيا بسجنهم وتعذيبهم .
6 ـ إن الله جل وعلا لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم . إذا قاموا بتغيير ما بأنفسهم من ثقافة العبيد واستبدلوها بثقافة الحرية والعزة والكرامة رفضا للظلم فان إرادة الرحمن بالتغيير تأتى تالية لما اختاروه ومؤيدة له. ولهذا فان رب العزة يعترف بالفرعون الذى خضع له المستضعفون ، طالما خنع له المستضعفون .
والدول الكبرى في علاقاتها وإدارة مصالحها لا شأن لها بالمستضعفين في كوكب المحمديين ، مصالحها مع الفرعون المتحكم فيهم . قد تدمع عيونها قليلا حُزنا على الأحرار في سجون الفرعون ، ولكن أولئك الأحرار في السجون وخارجه لا حول لهم ولا قوة ولا مكانة لهم بين الأغلبية من المستضعفين ، لأن الفرعون قد قام بتشويه أولئك الأحرار واغتيالهم معنويا . بل إن المستبد يلعب في ذهنية المستضعفين يوهمهم بأن الغرب يتآمر على دينهم وعلى وطنهم . والمستضعفون في جهالتهم يصدقون ويصفقون ، هم لا يعلمون أن الفرعون يستقوى بالغرب عليهم ، وبينما يصول ويجول فوق أجسادهم يزأر ويزمجر يكون كلبا أليفا يتمسح بالغرب ويركع له حرصا على بقائه في السُّلطة وبقاء ما نهبه وقام بتهريبه وأودعه في بنوك الغرب وتحت سلطانه .
7 ـ هناك نوعان من العبيد : نوع تم استعباده بالسبى والخطف وتم بيعه ليكون عبدا لسيد يملكه . وهناك شخص حُرُّ ارتضى أن يكون عبدا . هذا الذى ارتضى بمشيئته ( الحُرّة ) ان يكون عبدا مستضعفا هو شرُّ أنواع العبيد . العبيد من النوع قد يهربون و ( يأبقون ) ، أما العبيد من النوع الثانى الذين ارتضوا العبودية والاستضعاف فهم بها قانعون . وبعضهم يضع حذاء الفرعون أو ( بيادة العسكر ) فوق راسه .
8 ـ كان هناك (عبيد ) من الأفارقة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر . نشط البعض في تهريب العبيد من الولايات الجنوبية الى الشمال . وكان من بينهم سيدة من الأفارقة الأمريكيين . لاقت مصاعب جمّة في تهريب أبناء جلدتها . سألوها عن أشد الصعوبات التي لاقتها فقالت : إقناع العبد إنه ليس عبدا . ومع ذلك نجحت في ( إقناع ) كثيرين بأنهم ليسوا عبيدا . نحن حتى الآن لم نستطع إقناع المستضعفين بأنهم ليسوا عبيدا..!
9 ـ لا بدّ من تغيير ذهنية ملايين المستضعفين لتتحول من ثقافة العبودية الى قوة تقف ضد أكابر المجرمين تدافع عن حقوقها . وهذا لا يكون إلا بالتوعية . وأهم التوعية ما يكون بالهدم والبناء . بناء ثقافة حرة من القرآن الكريم ، وهدم لثقافة الاستبداد والاستعباد من أصولها التراثية في أديانها الأرضية .
10 ـ وهذا ما نقوم به نحن ( أهل القرآن ) .
11 ـ والله جل وعلا هو المستعان .
اجمالي القراءات
2754