موسى إبراهيم Ýí 2019-04-16
يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)الكهف.
انتشرت في الأردن في الآونة الأخيرة قصة الغارمات، وهنّ النساء اللاّتي اقترضن من شركات التمويل الصغيرة وعجزن عن سداد قروضهن، وكانت هذه القروض بغرضٍ ظاهره تمويل مشاريعهم الصغيرة، وحقيقته أنهم استخدموها لكي ينفقن على أنفسهن وعائلاتهن من طعام وعلاج وإيجار منزل وتعليم وغيره الكثير من الحاجيات الأساسية، في دولة يزداد فيها الفقر بشكل متطرد، وتقل فيه الصدقة. هؤلاء النسوة الفقيرات وعائلاتهم وأزواجهم تم استغلال حاجاتهم الأساسية في الحياة بشكل كبير، لدرجة أنهم قبل أن يُقبلوا على أخذ هذه القروض، لم يكن يُهمُّهم كثيراً نسبة الفائدة عليها أو الشروط التي تضعها مؤسسات التمويل الصغيرة في الأردن، كلّ ما كان يهمُّهم هو أن يحصلوا على المال لتلبية احتياجاتهم الأساسية في الحياة، ومن ثم يحلّها ألف حلاّل.
وصل عدد الغارمات في الأردن إلى ما يقارب ال 13 الف غارمة مهددة بالسجن إذا لم يقمن بسداد القرض وفوائده وغرامات التأخير وأجور المحاماة وغيرها. هذه المأساة التي حصلت ومازالت تحصل لهولاء الفقراء سببها الربا في أموال الفقراء، الذي حرمه الله تعالى في القرآن العظيم، والذي هجره المسلمون واتّبعوا من دونه أولياء، إنه ربا الصدقات الذي تمارسه شركات التمويل الصغيرة في الأردن.
ترفض البنوك الأردنية والبنوك بشكل عام إعطاء الفقراء قروضاً مالية وذلك بسبب عدم قدرتهم على توفير دليل يُبيّن أنهم قادرون على دفع أقساط القرض، لذلك لا تجد ذكر البنوك في قصة الغارمات، ومن أجل ذلك يلجأ الفقير المحتاج إلى شركات التمويل الصغيرة التي تقدم لهم القرض، مُدّعيةً مساعدته في تمويل مشروعه الصغير مثل مخيطة أو محل بيع خضراوات أو بقالة أو محل حدادة أو نجارة...الخ، يعرف الفقير كيف تعمل تلك المؤسسات، فيذهب إليهم بفكرة مُختلقة، أنه يريد أن يقوم بعمل مشروعٍ صغير يوفر الدخل لعائلته، وما أسهلَ أن تقتنع هذ المؤسسات بكلامه، شريطة أن يُحضر كفيلاً مثل زوجته أو أخته أو ابنته لتوقع على كفالة مالية بأوراق قانونية تجعل حريتها رهناً لتلك المؤسسات، والرجال في المجتمع العربي لا يحتملون فكرة أن تكون زوجته أو ابنته في السجن، أو حتى ملاحقة قضائياً، وهذا ما تراهن عليه تلك المؤسسات.
لا تخلوا قروض هذه المؤسسات من قصص نجاح لفقراء تمكنوا من إنشاء مشاريع صغيرة ونجحوا في توفير الدخل لعائلاتهم وتطوير أعمالهم، ذلك أنّ الإحتيال على الفقير وإستغلاله، يحتاج دائماً لغطاء ترويجيٍ يُقنع الدولة الفقيرة والمتبرعين لها أن ما يقومون به يخدم الفقراء والمحتاجين، فإذا كنت تريد أن تقتل الناس وتستعبدهم، لا بد لك أن تقول لهم أولا: لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ، فيُعجبهم قولك ويسمعون لك، ثم لاحقاً لتحقق غايتك بعد أن خُدِعوا بك تأتي وتقول لهم: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنه لا إله إلا الله.
البنوك "الربوية" – كما يسميها شيوخ الضلال شيوخ الديانات الأرضية – تتبع أوامر القرآن الكريم بغير علم قرآني، وإنما بعلم اقتصادي يتوافق مع القرآن الكريم، تلك البنوك "الربوية" تعرف من خلال دراسات الجدوى الإقتصادية والإستثمار والسمعة التجارية أن إقراض الفقير المحتاج يسبب لهم المشاكل والخسارة المعنوية وعلى المدى الطويل الخسارة المالية، فهم لا يستفيدون شيئاً من زج هذا الفقير المسكين في السجن، لأن وجوده في السجن لن يُرجع لهم أموالهم، ومن خلال إطّلاعهم على علوم الإقتصاد والإجتماع والسلوك، يعرفون أن الفقير ليس لديه شيئ يخسره إذا ما وُضع في السجن، لأنه في لحظة الجوع والمرض والتشرد، لا يمكنه أن يتخذ قراراً عقلانياً، فهو يُقدِم على الإقتراض دون أن يأخذ في اعتباراته طريقة سداد القرض، فتراهم يعزفون عن التجارة مع الفقراء لأنها تجارة غير رابحة في أغلبها، ولأنها في ظل نظام بنكي يخضع للرقابة الدولية والعالمية، والذي يُراقب معاملاتهم وتجارتهم، الذي يؤثر على سمعتهم وتصنيفهم الإئتماني وتصنيفهم المحلي والعالمي.
تخيل أنّ بنكاً معروفاً عنه، أنّ كثيراً من عملائه وُضِعوا في السجن بسبب عدم قدرتهم على السداد، سوف ينزل سعر أسهمه بسبب عدم ثقة المستثمرين فيه بإدارته التي لا تحسن إدارة أموالهم، وبالتالي يفقد البنك الكثير من قيمته السوقية وربما يصبح معرضاً للإفلاس. هذا فقط مثال بسيط من بين الكثير من الأمثلة التي قد تؤدي إلى الإضرار بقيمة الأسهم المتداولة لهذا البنك في السوق المحلي والعالمي، ولذلك تجد البنوك دائماً حريصة على سمعتها.
البنوك بشكل عام مقيدة ومحوكمة بقوانين الدولة والبنوك المركزية، التي تفرض عليها سعر الفائدة وشروط تجارية أخرى صارمة في الإقتراض، وهذه الشروط وخاصة في الدول الديمقراطية المتقدمة تكون مدروسة بما يخدم مصلحة المُقرض والمُقترض معاً، وفي هذه الدول تكون هذه القوانين مستمدة من المواطن الذي يمثله البرلمان الذي يتكون من نخب سياسية واقتصادية حقيقية، تُقدّم مصلحة الفرد على المؤسسة وتضعها أولوية، وبسبب تفوق هذه الدول المتقدمة إقتصادياً وعلمياً وحضارياً على باقي دول العالم، وخاصة دول العالم الثالث، تجد أنّ قوانينها في التعاملات الإقتصادية الدولية مهيمنة على الدول الفقيرة والمتأخرة حضارياً واقتصادياً، لذلك تضطر تلك الدول إتباع هذه القوانين، حتى يبقى هنالك بروتوكولات تواصل في التعاملات التجارية والمالية الدولية. وربما أن تلك الهيمنة الإقتصادية بقوانينها وأنظمتها قد خففت من حدة الإستعباد الإقتصادي لمؤسسات الدول الفقيرة على شعوبها.
أما شركات التمويل الصغيرة التي لا تخضع لتلك البروتوكولات تمكنت من التلاعب والإلتفاف على غايات وأهداف العملية الإقراضية، والتي في أساسها مبنية على الشراكة التجارية بين طرفين متكافئين قادرين على الإيفاء بشروط العقد، وبعكس أهداف العملية الإقراضية، تستغل تلك الشركات الفقير المستحق للصدقة وتتاجر بربا الصدقات، لأنها استطاعت أن تجد ثغرة في مجتمع فقير لا يستطيع فيه الفقير الإقتراض من البنك، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل إقراض الفقير، وأحل الله تعالى البيع وحرم الربا في الصدقات، فقامت تلك الشركات بالإحتيال على الدولة التي تفتقر لأسس الرقابة وحماية المواطن من الإستغلال، بل وتقوم باستخدام قوانين نفس هذه الدولة، لكي تجعل هذا الفقير مُعرّضاً للسجن والمساءلة "القانونية" ، فهذه المؤسسات لا تخضع للقوانين التي تخضع لها البنوك، وهي مسجلة كمؤسسات غير ربحية أي أنها لا تخضع للضريبة، كما هو حال البنوك، فتأتي هذه المؤسسات بمظهر المخلّص الذي يريد أن يساعد الفقير، الذي يرفض أن يمنحه البنك قرضاً، وتجعل حريته مرهونة لهذه المؤسسة، ومهدداً بالسجن والغرامات، أمّا الحرية كرهن لا يقبل بها البنك "الكافر" في أغلب أنواع القروض، لأنه عندما يمنح قرضاً مالياً لفرد أو شركة، يقوم مقابل ذلك برهن أموال سواءً كانت منقولة أو غير منقولة، كعقار أو سيارة أو مالٍ أو شركة أو غيرها من الأملاك التي يمكن رهنها ومصادرتها إذا لم يستطع المقترض الإيفاء بشروط القرض، ونحن نتحدث هنا عن القروض المتعارف عليها والتي هي الاكثرية، مثل قروض الإسكان والسيارات والشركات والقروض الشخصية المالية.
بقي المجتمع الأردني غافلاً عن هذه الكارثة التي تعرض لها الفقراء، حتى تعالت أصوات تُنبّه وتُحذّر من تزايد عدد الغارمات بشكل كبير، فاستيقظ الناس ولم يستيقظوا، استيقظوا عندما تدخل ملك الأردن وطلب من الشركات والناس التبرع لدفع ما على الغارمات من أموالٍ لشركات القروض الصغيرة، ولكنهم بقوا نياماً غافلين عن أصل المشكلة، والتي من أجلها أمر الله تعالى في كتابه الحكيم أن يُحارَب كل من يتاجر بربا الصدقات. أما الذين قاموا بالتبرع لسداد جزء من قروض الغارمات، قاموا بذلك رئاء الناس وترويجاً لشركاتهم وأشخاصهم، وتخفيفاً من عبيء الضرائب عليهم وغايات أخرى ليس أيٌ منها إبتغاءَ مرضات الله تعالى، فهم لم يتبرعوا إلاّ عندما طلب منهم ملك البلاد، على الرغم من أنّ ربّهم وربّ ملك البلاد، الذي خلقهم ورزقهم، طلب ويطلب منهم ذلك في كل صلاة منذ 1400 سنة وحتى اليوم وإلى يوم القيامة. يقول الرزّاق ذو القوة المتين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) البقرة). (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) النساء).
لقد أمر الله تعالى الدولة ومؤسساتها القانونية محاربة تلك الشركات، وإغلاقها إذا لم ينتهوا عن هذا النوع من الربا، أي ربا الصدقات، يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)) البقرة.
إلاّ إذا تابت هذه الشركات وانتهت، ويكون ذلك بالمطالبة بأصل القرض فقط، أي بدون الفائدة، وهذا أيضاً مشروطٌ بقدرة الفقير المقترض على السداد، سواءً بإعادة جدولة أصل القرض، أو الإنتظار فترة كافية تُمكّن المقترض الفقير من سداد أصل قرضه، ومن الأفضل لهم أن يتصدّقوا ويسماحوا بهذا القرض لأن هذا القرض الذي مُنح للفقير هو في الحقيقة ماله، وكان من الأولى أن يكون صدقة له، وهو حقٌ فرضه الله تعالى على المقتدر والغني الذي قام بالإقراض، يقول الله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) البقرة).
المجتمع الأردني مليءٌ بالمفكرين والإقتصاديين والمتعلمين، الذين كان بمقدورهم الإنتباه لأسباب هذه المشكلة قبل تفاقمها بشكل كبير، كما فعلت وتفعل الدول المتقدمة، عندما تُراجع قوانينها بما فيه مصلحة مواطنيها وخصوصاً الفقراء منهم، ولكنّ شيوخ الضلال المُضلّين، الجاهلين بعلوم الإقتصاد والتجارة والقرآن الكريم، قاموا بتضليل وإغفال هذه الفئة المثقفة من الأردنيين عن حرمة ربا الصدقات وخطورتها على المجتمع، لأنهم ألحدوا في آيات الله تعالى ووضعوا تشريعات أرضية مُضلّلة تُحرّم الإقتراض من البنوك بكل أشكاله، إلاّ طبعاً من بنوكهم "الإسلامية" التي تشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، وتناسوا أوامر الله تعالى في الصدقات والإنفاق وأهميتهما، وأن الربا المحرم في القرآن الكريم هو ربا الصدقات، فغفل هؤلاء المثقفون عن آيات الله تعالى في القرآن العظيم، التي إحتكرها شيوخ الفتنة لأنفسهم، فلا ترى أحداً من هؤلاء منهم- والذين يمثلون أقوى قوة رقابية على الدولة ومؤسساتها الحكومية والخاصة - يتجرأ أن يبحث في القرآن الكريم، عن نوع الربا الذي حرّمه الله تعالى، أو حتى يكتبوا بهذا الموضوع، طالما أن هذه الشركات مرخصة من الدولة وتعمل في ظل القانون والشريعة الأرضية التي يمتلكونها، وبسبب غفلتهم هذه، وهَجرهم لكتاب الله تعالى العظيم، واتّبعاهم شيوخ الفتنة، عاقبهم الله تعالى وقيّض لهم قرناء شياطين، أغفلوهم عن الفطرة السليمة، التي من خلالها قامت الدول المتقدمة بإنصاف الفقير وحمايته من الإستغلال، والتصدّق عليه دون الرجوع للقرآن الكريم.
على الرغم من وجودها منذ سنوات، خرجت مشكلة الغارمات إلى السطح، وأصبحت حديث الأردنيين قبل أقل من شهرين، وذلك بسبب كثرة الغارمات اللّاتي تعالت أصواتهن قهراً وخوفاً من السجن وفقدان الحرية، لم يلتفت أي مثقف أو كاتب أو إعلامي أو اقتصادي أو إمام مسجد أو داعية إلى هذه المشكلة، لأنها لا تعنيهم، بل واتّهموا هؤلاء الفقراء على منابرهم وصفحات التواصل الإجتماعي بأنهم مرابون، وأن هذا عقابهم من الله تعالى، وإن كانت قضية الغارمات تعني بعضهم، فقد تم تشتيتهم من قِبَلِ محتكري الدين الأرضي الذين جعلوا القرآن عضين، عن أصل المشكلة وأخذوا يطالبون بمعالجة أعراض المرض بدلاً من مُسبّبه، ونسوا أن الله تعالى سيسألهم أجمعين عما كانوا يعملون. (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) الحجر).
المعيب أن الذي اكتشف أو تنبأ بهذه المشكلة قبل تفاقمها بشكل كبير وبهذه الدرجة، ليس المسلمون والمثقفون في الأردن، الذين يملكون كتاب الله تعالى في كل منزل وكل مسجد، بل هي جريدة الجارديان البريطانية التي حذّرت من ممارسات شركات التمويل الصغيرة في سنة 2014، حيث بينت الجريدة في مقالها أن شركات التمويل الصغيرة لا تخضع لأنظمة مراقبة البنوك والنظام البنكي والمالي الأردني، وقالت أيضاً أن تلك الشركات غير خاضعة للضريبة، لأنها مُسجّلة كشركات غير ربحية، وأنّ فوائدها على القروض ليس له سقف يحكمه القانون، كما هو حال البنوك، أي أنها تأكل الربا أضعافاً مضاعفة، وحسب التقرير فإن العوائد الربحية على الإستثمار لهذه الشركات يفوق المعدل العالمي الذي كان يقارب ال 10% آنذاك، وأن العوائد الربحية لهذه الشركات تراوحَ ما بين 20%-30%، وهو عائد ضخم مقارنة مع المعدل العالمي، وما زالت هذه الشركات مصنفة في الأردن كشركات غير ربحية! ويُبيّن التقرير أيضاً أن أكثر من نصف المقترضين لم يقوموا بعمل مشاريع صغيرة وإنما الإنفاق على حاجاتهم الأساسية في الحياة من طعام ولباس وعلاج وتعليم، فلو كانت تلك المؤسسات صادقة في إدّعائها مساعدة الفقراء في إقامة مشاريع لهم توفر لهم الدّخل، كيف إذاً لم تقم بمراقبة إنشاء تلك المشاريع كما تفعل البنوك عندما تُقدّم قروض السيارات والعقارات؟!
وأثناء كتابتي لهذا التقرير جاء خبر جديد في جريدة الرأي الأردنية بعنوان: "الحجز على أموال وممتلكات 700 اسرة في محافظة الطفيلة"، والطفيلة من إحدى محافظات الأردن الفقيرة، وخلاصة التقرير هو أن صندوق التنمية والتشغيل بالطفيلة والذي يعمل مثل عمل مؤسسات التمويل الصغيرة، قام بإقراض العائلات الفقيرة بحجة مساعدتهم على إقامة مشاريع صغيرة، وبيّن التقرير أن تلك العائلات عجزت عن سداد قروضها، وأن المشاريع الصغيرة لهؤلاء الفقراء فشلت، وتسببت بمشاكل عائلية كبيرة بين أفراد العائلة وتفكيك نسيج الأسرة الواحدة، بسبب وجود كفلاء للقروض من نفس العائلة الواحدة، وهذا جعل المقترض والكفيل عرضة للسجن. طبعاً لا نحتاج في هذه الحالة إلى دليل لكي نستنتج أن كثيراً من تلك العائلات المقترضة هم في الأصل فقراء، وأخذوا تلك القروض لكي يقوموا بتغطية حاجياتهم الأساسية في الحياة من طعامٍ وإيجار منزل وعلاج ... الخ، وأنّه لم تكن الغاية الحقيقية من قروضهم إنشاء مشاريع صغيرة، أي أن هذه القروض هي ربا الصدقات، فتلك العائلات الفقيرة لها الأحقيّة في هذا المال من الحكومة الأردنية التي يمثلها ذلك الصندوق ومن الأغنياء والمقتدرين، ولكن عوضاً عن ذلك قاموا بإقراضهم ورهن حياتهم وحريتهم.
لن يبحث هذا المقال كيف نشأت هذه الشركات وكيف تمارس أعمالها وما هي غاياتها الحقيقية ومن هم المتبرعون لهذه الشركات ومن هو المُتنفّذ والمستفيد الذي يحتكرها ويُديرها، فهذه وظيفة الإعلام الغافل، إنما الغاية من هذا المقال هو تبيين الحقائق القرآنية التي أهملها المجتمع، باتباعهم شيوخ الظلام والفتنة، وأوّلها أن القروض البنكية تجارة حلال، وربما تكون من أحسن أنواع التجارة، التي تُمكّن المقترض أن يمتلك سيارة أو منزل أو أرض أو شركة، وتُمكّن المقرض (البنك) من تشغيل أمواله والربح، فالربا في هذه القروض، أي الزيادة في المال، يكون للطرفين، المقرض والمقترض، وهذا النوع من الربا لم يُحرّمه الله تعالى ولكنه وضع قاعدة له وهي أن لا نأكل الربا أضعافاً مضاعقة، كأن تأخذ قرضاً ب 100 دولار وتعيده 300 دولار، فهذا يعتبر اجحافاً في حق المقترض وربح مبالغ فيه للمقرض. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)) آل عمران. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) النساء).
يَغيب عن ذهن أكثر الناس، أو ربما الأصحّ أن نقول: يُغيِّبُ شيوخ الفتنة والدين الأرضي عن ذهن أكثر الناس، أن القرض البنكي لغير الفقير أي الذي لا يستحق الصدقة، والقادر على إيفاء شروط العقد والقرض دون أن يرهن حياته وحريته للبنك، أن هذا القرض البنكي هو شراكة تجارية بين البنك والمقترض، بحيث يأخذ المقترض مبلغاً مالياً من البنك ويرجعه له على دفعات شهرية أو سنوية، وأن هذا القرض مَكّن البنك من تشغيل أمواله التي هي أموال الناس والمستثمرين في البنك، والحصول على أرباح مالية، وفي نفس الوقت مكّن هذا القرض المقترض والذي هو أيضاً من الناس، من امتلاك عقارٍ أوشركة أو رأس مال يُشغّله ويُدرُّ عليه الأرباح، وفي بعض الأحيان تكون الأرباح للمقترض أكثر منها للمقرض، فعلى سبيل المثال، لو كان هذا القرض عقاراً، فإن هذا العقار في كثير من الأحيان يزيد سعره بشكل كبير بعد عدة سنوات مقارنة بسعره القرض الأصلي في وقت الحصول على القرض، وهذا يُمكّن صاحبه من ربح مبلغ كبير من المال إذا قرر أن يبيعه، أمّا إذا لم يبعه، وكان العقار على سبيل المثال بيتاً وقام بتأجيره، فهذا سيُدرّ عليه الأرباح الشهرية، ومن ثم يُدرّ الأرباح على ورثته وهكذا، وكذلك امتلاك السيارة التي ينتفع بها المقترض عندما يقوم بتوفير الأجرة التي سوف يدفعها لكي ينتقل من مكان إلى آخر إذا كان لا يملك سيارة، وفي نفس الوقت تكون له سيارة ذات قيمة مالية عند انتهاء القرض، فتوفير أجرة التنقل في المواصلات العامة يعتبر ربحاً غير مباشر، وامتلاك السيارة يعتبر استثماراً للمقترض أو رأس مال وثروة له، لم يكن ليحصل عليها لولا القرض البنكي.
إن الإقتراض يتوافق مع القرآن الكريم بشكل كبير، بل ربما هو الوسيلة الحقيقية والسليمة في هذا العصر لعدم خزن المال والذهب والفضة، الذي نهى الله تعالى عنه في القرآن الكريم، إذ إنّ الإقتراض يقوم بتحريك عجلة الإقتصاد في الدولة وضخ الأموال في الأسواق، ويسمح للذين لا يملكون الأموال بامتلاكها، ليتمكنوا من امتلاك عقار أو سيارة أو شركة أو استثمار يدرعليهم المال، وفي اقتصادات الدول عندما يصبح هناك نوع من الركود الإقتصادي، تقوم الحكومات بتحفيز الإقتراض من خلال تخفيض سعر الفائدة، لكي يقوم الناس بتشغيل أموالهم وتداولها والتقليل من خزنها، وهذا يطابق الإسلام وأوامر الله تعالى في القرآن الكريم، ومن يُحرّم القروض البنكية هو نفسه الذي يأمر الناس بالبخل، وهو نفسه الذي يأمرهم بكنز الذهب والفضة والمال، يقول العزيز الحكيم: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37) النساء)، وهذا الوصف ينطبق على رجال الدين الأرضي الذين يُحرّمون ما أحلّ الله تعالى، والذين يأمرون الناس المقتدرين على التجارة مع البنوك والذين هم ليسوا فقراء، أن لا يأخذوا قروضاً مالية ولا يتاجروا مع الأغنياء، الذين يستطيعون إقراضهم والإشتراك معهم في مشاريعهم، وبذلك يبقى المال مكنوزاً مع الغني، ويبقى المقتدر الذي يملك الفكرة لإنشاء شركة منافسة للغني غير قادرٍ على تطوير نفسه وإمتلاك رأس مال يدرعليه الأرباح، ساء ما يحكمون !
والحقيقة القرآنية الثانية في هذا المقال، أن الفقراء الذين لا يعطيهم البنك أو الأغنياء قروضاً، هم في الحقيقة ليسوا بحاجة إليها، لأن حقّهم محفوظ في كتاب الله تعالى، الذي نبذه رجال الدين وراء ظهورهم، وهذا الحق أهمله الغني الذي يملك المال الكثير، وأهمله المقتدر الذي يستطيع أن يقتطع مبلغاً لا بأس به من دخله الشهري، والذي وجب عليه أن يُؤتي حق الفقير في راتبه أو دخله يوم حصاده، كما أمرهم رازقهم الله العظيم، يقول العزيز الحكيم: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) الأنعام). (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)الذاريات). (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) المعارج).
أهمل الأغنياء والمقتدرون حق الفقير لأنهم آمنوا واتبعوا الزكاة والصدقة التي أمرهم بها الشيطان، ويأمر بها أتباعه رجال الدين الأرضي، فزكاتهم الفريضة تستوجب مرور الحول وبلوغ النصاب، وصدقتهم "الإختيارية" عمل "صالح" زائد و"سنّة"، وليس عليهم حرج اذا لم يتصدّقوا، وفي زكاتهم فإنّ قصورهم ومزارعهم وشركاتهم لا تجعلهم أغنياء كفاية ليتزكّوا ويتصدقوا، حتى لو كانت تقدر بالمليارات، لأنها أموال غير منقولة وليس عليها "زكاة"، والزكاة عندهم تكون على الأموال المنقولة أي المخزون من المال و الذهب، وهناك دائماً مخرج لهم لتجنب الصدقة أو الزكاة في الأموال المخزونة، فلا تنسى أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وربما إماطة الأذى عن الطريق خير بديل لهم عن التصدق بالمال، فمذاهبهم كثرت وشيوخ الفتاوى ملأت شاشاتهم، وأحاديثهم في البخاري ومسلم وجّهت وقيدت صدقاتهم لتقتصر على بناء مساجد الضرار المزخرفة بأسمائهم التي تُكلّف الملايين، بينما الفقير ينهار فوقه سقف بيته في الشتاء، وإذا لم يدفع إيجار البيت، يرميه صاحب البيت في الشارع، لأن صاحب البيت المقتدر أو الغني يحتاج الإيجار ليذهب إلى العمرة، أو ليشارك في بناء مسجد عمر المختار، غُلّت أيدي هؤلاء الشيوخ وأتباعهم ولعنهم الله بما قالوا !
يُحرمّون القروض البنكية، لكنك ترى كثيراً من أتباعهم يؤمنون ببعض كتاب البخاري ويكفرون ببعض، فتراهم يأخذون القروض من البنك "الربوي" التي حرّمها إلاههم البخاري، وصحّحها شريكه الألباني، ولأنّ هذا التحريم لا يناسب حياتهم وأموالهم وتجارتهم فلا يتّبعونه، وفي نفس الوقت يؤمنون بأن حديث لا وصية لوارث نَسَخَ (أي بمعنى أبطل - حسب فهمهم) آيات الله تعالى العظيمة في القرآن الكريم، ولأنّ هذا يناسبهم فيتبّعونه. يقول العزيز الحكيم: (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) القلم)....صدق الخالق العظيم.
هكذا يأمرهم ويُوهِمُهم الشيطان بالزكاة والصدقة في مذاهبهم وأديانهم الأرضية البشرية التي يمتلكونها، والتي جعلتهم يحسبون أنهم مهتدون، ولأن الشيطان يده مغلولة، كما هي يد أتباعه، تجد أنهم يبخلون في الصدقة والإنفاق ويضعون لها شروطاً منحازة للأغيناء، بل المضحك، أنها تنطبق على ميسور الحال والفقير أكثر من الغني، فإذا كان هناك أسرة ميسورة الحال تدّخر 1000 دولار في البنك، الذي قام الوالد بجمعها لتعليم ابنه الذي سوف يدخل الجامعة بعد سنتين، فعليه بحسب دين الشيطان الأرضي أن يدفع عليها الزكاة، وهو لا يملك سيارة ولا بيتاً ولا أرضاً، أمّا الذي يملك قصراً وثلاث شقق سكنية فخمة و15 سيارة وثلاثة شركات، وفي حسابه البنكي 300,000 دولار، ليس عليه زكاة، تسألني ربما أن عليه زكاة المال الذي في البنك؟ وأجيب: طبعاً لا، هل نسيت أنه سحب ال 299,000 دولار من البنك في اليوم 364 من مرور الحول، واشترى بها شقة فارهة جديدة، وبقي معه في البنك 1000 دولار فقط، فالزكاة تكون فقط على الألف وهي 25 دولار... بارك الله فيه. تسألني من أين سينفق على نفسه إذا لم يبقى معه إلاّ 975 دولار؟ هل نسيت أن شركاته الثلاث التي يمتلكها سوف تُدرّ عليه في اليوم 366 من مرور الحول 400,000 دولار !
يقول العزيز الحكيم : (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء. الحمدلله الذي بيده الرزق وليس بيد عباده، الذين يحسبون أنهم مهتدون. يقول العزيز الحكيم: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) الزخرف).
أما الله تعالى في دين الإسلام الذي يملكه هو، يأمر بالإنفاق والصدقة وتزكية المال ليل نهار، سراً وعلانية، في كل وقت، وبأقصى قدرة للإنسان، لدرجة أن الله تعالى حذّر الإنسان أن يكنز ويجمع المال والبيوت والقصور والسيارات وما هو زائدٌ عن حاجته وعائلته، يقول الرحمن: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) الهمزة). ويحدد العزيز الحكيم في كتابه العظيم، الأسلوب والطريقة والآداب والشروط والقواعد والأجر للصدقة والإنفاق، ويُبيّن في كتابه الكريم أن الصدقة فريضة، وأنها هي زكاة المال كما الصلاة زكاة للوقت.
ويأمر الله تعالى بالإنفاق في كثيرٍ من آياته البينات المحكمات، بل وفي كثيرٍ من الآيات، يُقرن الله تعالى الإنفاق بالصلاة، والذي يجعل صلاته قائمة في حياته وعلى عمله، يقول تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)) البقرة. ((2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)) الأنفال. (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)) الشورى. (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)) الحج. (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)) إبراهيم. (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)) المعارج).
فالإنفاق فريضة بيّنة في القرآن الكريم، يأمر الله تعالى بها عباده، ووزنها بوزن إقامة الصلاة ومقرونة بها، ولأن الناس لا يجعلون صلاتهم قائمة في حياتهم، فهي لا تأمرهم بالإنفاق ولا تنهاهم عن البخل، وأصبحت بذلك فريضة متروكة مهجورة مجحودٌ بها وبآياتها في القرآن، وعلى الرغم من ذلك تراهم يُصلّون كل الصلاوات ولا ينفقون، ومن ينفق منهم لا ينفق حق النفقة التي فرضها الله تعالى عليه في كتابه العظيم، ولا يلتزم بشروطها، ويمنُّ على الفقير إذا أعطاه، بل يمنّ على رب العباد الذي رزقه.
حرّم الله تعالى في كتابه الحكيم ربا الصدقات، وربا الصدقات هو أن يُقرض شخصٌ شخصاً آخر مستحقاً للصدقة، التي هي حق له وفرض على المُقرض في ماله، وأن يطالب بالربا، أي الزيادة على المبلغ الذي أقرضه للمقترض الفقير، ولقد غلّظ رب العالمين الجزاء على من يفعل ذلك، وذلك بأنه أمر بحرب من الله تعالى ورسوله على الذين يتعاملون بربا الصدقات، وقد يسأل أحدهم: لماذا أمر الله تعالى بحرب على من يمارس ربا الصدقات؟ أليس هذا الجزاء كبيراً مقارنة مع العقوبات الأخرى في القرآن الكريم؟
إنّ ربا الصدقات يؤدي إلى استعباد البشر، بحيث يصبح المقترض الفقير عبداً مملوكاً لمقرضه، بل إن المُقرض في أغلب الحالات يعلم مسبقاً بوعيٍ أو بلا وعيٍ أن الفقير المقترض لن يتمكن من سداد القرض، وأن الضمانة الوحيدة لذلك هي أن يرهن حرية المقترض وحياته، فقط لأن هذا المقترض أخذ قرضاً لكي يأوي نفسه وعائلته بدفع ايجار منزله، وأن يطعمهم وأن يعالجهم، أو أن يقوم بسداد قرض آخر لم يستطع سداده إلاّ بهذا القرض الجديد، أي أنه كان غارماً وسيستمر غارماً، وربما أن هذا المقترض إمرأة أرملة مستحقة للصدقة من الغني، عندها أولاد تريد أن تطعمهم فتأخذ قرضاً دون أن تسأل عن قيمة الفائدة أو الربا، حتى لو كان هذا الربا عشرة أضعاف، فهي لا تهتم لذلك، كل ما يَهُمّها أن تحصل على المال، وعندما لا تستطيع سداده، تصبح أمَة مملوكة لمُقرضها، وربما هذا السيد يطالبها بسداد قرضها بطرق أخرى مثل ممارسة الجنس معها، أو حتى ممارسة الجنس مع ابنتها حين يهددها بسجنها، وإذا رفضت ذلك وسجنها، يتشرد أولادها، وقس على ذلك كثيراً من الحالات.
إن ربا الصدقات فساد في الأرض واستعباد للبشر، لذلك أمر الله تعالى بإعلان الحرب على الأفراد والمؤسسات والجمعيات الذين يستغلون الفقراء، والذي يقود هذه الحرب هي الدولة ممثلة بمؤسساتها الرقابية والقانونية والقضائية، والمقصود بالحرب في الدولة المدنية ودولة المؤسسات والقانون ليس القتال، فالدولة المدنية لا تحتاج لهذا، بحكم أنها تمتلك القوة العظمى على الأفراد والمؤسسات، فتكون الحرب هنا، بفرض العقوبات والغرامات والإغلاقات وإبطال قروض ربا الصدقات وإيقافها ومحاسبة المُقرض.
أما القروض البنكية فهي قروض تجارية أحلها الله تعالى، فالبنوك بشكل عام لا تعطي الفقير قرضاً تحت أي ظرف، ولا تكون قروضها برهن حرية المقترض أو أحد أفراد عائلته من خلال ما يسمى الكفالة، أما إذا وقع البنك بهذا النوع من القروض أصبح يتعامل بربا الصدقات الذي حرّمه الله تعالى، وعندها يجب على الدولة أن تتدخل وتبطل هذه الإجراءات. في هذا العصر يضع البنك شروطاً لربا التجارة الذي هو القرض البنكي، لكي يضمن أن لا يقع بربا الصدقات أو بالأحرى في الخسارة المعنوية من خلال إستغلال الفقير، ليس لأن البنك وأصحابه قرأوا القرآن الكريم، بل لأن قوانينه الداخلية المؤسساتية لا تسمح بالتجارة التي يتخللها مخاطر عالية، وأهم هذه المخاطر عدم قدرة المقترض على سداد قرضه، وبالتالي هذا يجعل الفقير المستحق للصدقة مستثنى من القرض البنكي بكل الأحوال، وكما ذكرنا سابقاً فالقرض البنكي في أغلب حالاته، لا يكون من ضماناته رهن حياة المقترض وحريته، إنما من خلال رهن العقار أو السيارة على سبيل المثال، بحيث إذا تخلّف المقترض عن السداد فإن أقصى شيء يستطيع البنك فعله، هو مصادرة العقار أو السيارة وبيعه في المزاد العلني، واسترداد ما تبقى من قرضه، وما تبقى من ثمن السيارة أوالعقار المُباع يرجع للمقترض المتخلف عن السداد، وبما أن هذا المقترض في الأصل لم يكن فقيراً وقادراً على الحصول على القرض في البداية، فهذا يعني أنه ليس من مستحقي الصدقات وبالتالي لم يقع البنك في ربا الصدقات.
أضف إلى ذلك أن القروض البنكية قروض تنافسية، تعتمد على العرض والطلب، تتنافس فيها البنوك، بتقديم أقل ربا على القرض، أو ما يسمى الفائدة، و تتنافس أيضاً بالتسهيلات في سداد القرض، وغيرها الكثير من الطرق التنافسية التي تصب في مصلحة المقترض، وهذا هو ما أحلّه الله تعالى في الإسلام، فهي قروض وتجارة إسلامية بما تحمله الكلمة من معنى.
أما قروض ربا الصدقات، التي تتعامل بها مؤسسات التمويل الصغيرة والتي حرّمها الله تعالى، فهي قروض استغلالية لا تنافسية وإحتكارية، يلجأ فيها الفقير لرهن نفسه وعِرضه، ومن الأمثلة على ذلك، قرض الأيتام وقروض الجمعيات الخيرية وقرض المرأة وقروض التنمية وغيرها من المؤسسات والأسماء، التي تمنح قروضاً بمبالغ مالية قليلة لا يتجاوز أعلاها دخل ثلاث أو أربع شهور لإنسان متوسط الدخل، وهذا دليل آخر على أن هذه القروض لا تُستخدم في المشاريع، وإنما في سدّ حاجة الفقير والمسكين، أمّا قروض البنوك "الإسلامية" فهي الأشدّ حرمة، ليس فقط لممارستها لربا الصدقات من خلال ما تملكه من شركات تمويل "إسلامية" صغيرة، بل لأنهم يُحرّمون قروض البنوك الأخرى ويحتكرون تحلة قروضهم، ويكذبون على الناس ويُضلّونهم بعلم، ويعدونهم ويُمنّوهم بأن التعامل معهم يكون على الطريقة الإسلامية وأن معاملاتهم تكون "بسم الله وعلى بركته"، وبذلك يحتكرون فئة كبيرة ضالّة من المجتمع المسلم، ولأنهم يُوهمون المسلمين أنهم يمتلكون مفاتيح الجنة، يجعلون الربا في قروضهم يصل أحياناً أضعافاً مضاعفة، وأعلى من الفوائد في البنوك الأخرى التي يُسمّونها "بنوك ربوية"، فهم ليس لهم مُنافس، وبذلك ضمنوا زبائنهم الذين يعتقدون أنهم سوف يدخلون الجنة، فمن أراد عندهم أن يدخل الجنة عليه أن يدفع سعر البريميَم. والذي يدير تلك البنوك هم أنفسهم شيوخ وأصحاب الديانات الأرضية، بكتب البخاري ومسلم، ومن خلال ما يسمى لجان الفتاوى التي تَعدُ الناس وتؤكد لهم، أن قروضهم على الشريعة الإسلامية وقروض غيرهم حرام ومخالفة للشريعة، وكل رجال الدين الذين يعملون في هذه اللجان يتقاضون مبالغ مالية شهرية عالية نسبياً، إضافة إلى وظائفهم كمحاضر في الشريعة في الجامعة أو داعية مشهور أوعالم ب "الإقتصاد الإسلامي"، فهم يشترون بآيات الله تعالى ثمناً قليلا ويصدون عن سبيله، ساء ما يعملون!
وبسبب وجود الرقابة المالية والقانونية على هذه البنوك، وبسبب اضطرارهم إتّباع البروتوكولات المالية والتجاريةالعالمية، تجد كثيراً من التشابهات بين البنوك "الإسلامية" أو بالأحرى الشركية والبنوك التجارية، ولذلك فالحرام في قروضهم التجارية هو الإدّعاء أنها هي الحلال وعلى الشريعة الإسلامية، وما ينتج عن ذلك من احتكار وانعدام التنافسية وارتفاع قيمة ربا التجارة، ويُكذّبون القرآن الكريم وتعاليمه ويكذبون على الله تعالى، ويقولون أن الله هو من يُحرّم قروض البنوك الأخرى ويُحلل قروضهم، يقول الله تعالى ويستنكر: (أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة).
لكن تلك البنوك الشركية "الإسلامية"، وبنوك الشيطان، لم تكتفي بالكذب على الناس واحتكار الشريحة الضالة من المسلمين المقتدرين، بل أرادات أيضاً أن تحتكر شريحة الفقراء، وتخويفهم من النار إذا تعاملوا مع البنوك التجارية، وأنّه إذا أرادوا أن يحموا أنفسهم من "الربا" فعليهم التعامل مع شركات التمويل الإسلامية التي تشبه شركات التمويل الصغيرة، والتي بالطبع تمتلكها وتمولها تلك البنوك الشركية، فترى الفقير الضال خوفاً من كتب البخاري ومسلم يتجه إلى شركات التمويل الإسلامية، ويقترض منها ويقع في مصيبة رهن حريته، ولكن هذه المرة صودرت تلك الحرية "إسلامياً"، وأصبح عبداً لشيخه المفتي العلاّمة الذي سجنه على طريقة "الشريعة الإسلامية"، وربما أقنعه أن هذا جهادٌ في سبيل الله، وأن أولاده الذين تشردوا "متشردون في سبيل الله".
ما أصعب الشعور الذي يكتشف فيه الإنسان يوم القيامة، أنه خسر الدنيا والآخرة وخلد في جهنم أبدا، ما أصعب أن يرى أعماله وخياراته في حياته الدنيا أصبحت يوم القيامة حسرات عليه! يقول جل وعلا: (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)) البقرة.
أمرنا الله تعالى بحفظ حق الفقير والمسكين والغارم وابن السبيل وغيرهم من المحتاجين، بالإنفاق والتصدق عليهم، وجَعَلَه فرضاً على كل إنسان أراد أن يدخل الجنة وأن يُزحزح عن النار، وجعله أيضاً مشروطاً ضمن قواعد مُحكمة في سلسلة متتالية من الآيات المحكمات، والتي من خلالها سوف نتعرف على أهم قاعدة، وهي تحريم استبدال الصدقة بالربا أي التعامل بربا الصدقات، ونستعرضها هنا:
يقول جل وعلا: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)) البقرة.
يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)) البقرة.
يقول جل وعلا: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (270) إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)) البقرة.
يقول جل وعلا: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)) البقرة.
لاحظ كيف أن الله سبحانه وتعالى يُحرّم الربا في الصدقات، وينفي إدّعاء المرابي بالصدقات أن يكون القرض التجاري العادي، أي البيع، مثله مثل ربا الصدقات، ويؤكد الله تعالى أنه أحلّ البيع أي التجارة، وحرّم الربا، أي ربا الصدقات، ونستدل على ذلك من المقارنة في قوله سبحانه وتعالى "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" وقوله تعالى "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، حيث تأتي المقارنة في هذه الآيات بين الربا في الصدقات والبيع، وليس بين الربا التجاري والبيع، ووردت مقارنة أخرى بين الربا في الصدقات والزكاة المالية، التي هي الصدقة الواجبة، وذلك في موضع آخر من كتاب الله تعالى، يقول تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) الروم).ولاحظ هنا الدقة الإلهية القرآنية، حين يقول الله تعال "ليربو في أموال الناس" ولم يقل "ليربو في أموالكم"، أي أن هذا المال الذي إقترضه الفقير هو بالنسبة لرب العالمين ماله وحقه وليس مال المُقرض!
ويُخيّر الله تعالى المرابي، ويحثّه أن يتصدق، وذلك أنّ التصدق هو خير من استرجاع رأس المال (لمن لا يريد التصدق)، لأن الصدقة هي الأصل، وهي حق للفقير، ولأن الدين لله تعالى وليس للبشر، ولم يجعل الله تعالى سلطة للبشر تُجبر الناس على التصدق، فدين الله تعالى وتطبيق تعاليمه أمر يرجع إلى العبد، كالصيام وإقامة الصلاة، ويوم القيامة يُحاسَبُ هذا العبد على ذلك، فلو أن صلاته مقبولة عند الله تعالى، لأمرته بالإنفاق ونهته عن خزن المال، ولأمرته أيضاً بالتخلّص من كل ما هو زائد عن حاجته حتى يتجنب أن لا يُكوى بها يوم القيامة، يقول العزيز الحكيم: (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة).ولاحظ أيضاً، كيف أن الله تعالى يأمر بحرب من الله تعالى ورسوله فقط عندما يتعلق الأمر بالربا في الصدقات، أو الزيادة في الصدقات المسترجعة، ولكنه عفى عن المرابين وسمح لهم أن يأخذوا ويسترجعوا رؤوس أموالهم، شريطة الإنتظار بسبب تورط الفقير بالقرض وربما إنفاقه، وهذا هو دين الإسلام، دين الحرية.
غَفِل الناس عن تدبر القرآن الكريم ومردوا على اجتزاء آياته من سياقها والإلحاد فيها، ذلك أنهم هجروا القرآن، ونبذوه وراء ظهورهم، ولم يتبّعوا ما أُنزل إليهم من ربهم، واتّبعوا من دونه أولياء، فلا يتذكرون إلاّ قليلا، وأعرضوا عن أوامر الله تعالى وتدبر آيات القرآن الكريم، يقول العزيز الحكيم: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3) الأعراف).
ولأن القرآن الكريم يتميز بايجاز آياته من خلال ما يعرف "الايجاز بالحذف"، يغيب عن القاريء الذي لا يتدبر آيات الله تعالى ولا يقرأ سياق الآيات كاملاً، أن الربا المقصود في هذه الآيات هو الربا في الصدقات، أمّا إذا ألقى مَلِكٌ أو رئيسٌ خطاباً، ينهال الناس والكُتّاب والإعلام في تحليل خطابه وفهم مقاصده وتعليماته، ولا تراهم يجتزئون الجُمَل من فقراتها، بل يدرسونها بشكل كاملٍ وشمولي وموضوعي، وربما يعودون لخطابات سابقة له حتى يُفسّروا الخطاب الجديد بالقديم وهكذا، ولكن عندما يَتَنَزّل خطاب رب العباد خالقهم وخالق أسيادهم وملوكهم ورؤسائهم، تراهم يُعرضون ولا يفقهون، ثم يستعينون بأحاديثهم الإفكية في الربا، التي درسوها وعَقِلوها وحلّلوها واستخدموا أحاديث أخرى لتحليلها، ومن ثم يفرضون مفاهيمها على القرآن الكريم. هذا كلّه لأنهم ما قدروا الله تعالى وآياته حق قدرها، يقول الرحمن الرحيم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر). تعالى الله عما يشركون......
وبتدبر آيات الله تعالى في ربا الصدقات، لو أردنا أن نُرجع المحذوف لإلغاء الإيجاز في الآية، تصبح الآيات كالتالي:
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا (في الصدقات) لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا (في الصدقات) ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (في الصدقات)ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (في الصدقات) وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا (في الصدقات) إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)) البقرة).
ومن كان عنده شك في ما يعرف بالإيجاز بالحذف، نورد له أمثلة أخرى على ذلك في كتاب الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ (الهداية) ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص. المحذوف كلمة الهداية. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا (والعدل والإحسان) فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) اللإسراء. المحذوف القسط والعدل. (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ (الضلال) وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ (الهداية) ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)) ابراهيم. المحذوف للايجاز كلمتي الضلال والهداية. (وَمَا يَنطِقُ (القرآن الكريم) عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)) النجم.
طلب المؤمنون من الرسول عليه السلام معرفة قيمة الصدقة بالتحديد، كما فعل بنوا إسرائيل مع موسى عليه السلام، عندما طلبوا منه معرفة تفاصيل البقرة التي أمرهم الله تعالى أن يذبحوها، ولكن الله تعالى رفض تحديد قيمة الصدقات، ونستدل على ذلك في قوله سبحانه وتعالى ب "يسألونك" أي يسألون النبي، ويجيب الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)) البقرة. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) البقرة.
لاحظ أنهم سألوا عن مقدار الإنفاق في آية رقم 215 من سورة البقرة، فأجابهم الله تعالى ولكن لم يعجبهم الجواب، وسألوا مرة أخرى، وورد ذلك في نفس السورة في آية قريبة من سابقتها رقم 219، ونستنتج أن التكرار هنا يُبيّن لنا أن الله تعالى لم يحدد مقدار الصدقات أو الزكاة المالية، وذلك حتى يتنافس المؤمنون بالصدقات والإنفاق وينفقوا سراً وعلانية، ليلاً ونهاراً، في كل أيام السنة، وبما يتناسب مع قدراتهم، فالذي يملك مليون دولار وتصدق منها ب 50 آلاف دولار، لا يستوي مع الذي يملك 100 ألف دولا وتصدق منها ب 10 آلاف دولار، لأن الأخير تصدق أكثر نسبياً، وهو أعلى درجة عند الله تعالى (باعتبار جميع أعمالهم الأخرى من صلاة وصيام وقيام وتقوى متشابهة ومتساوية). لم يحدد الله تعالى قيمة الصدقات بأرقام ونسب كما يفعل أصحاب الديانات الأرضية، ولكنه أعطى نصائح للمتصدق بأن يكون متوسطاً في صدقته وأن لا يُرهق نفسه ويقع في الندم، ووردت هذه التعليمات في قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) الإسراء). (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان). (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) الإسراء).
وبيّن الله تعالى في كتابه مستحقي الصدقات:
يقول جلا وعلا: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة). (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة).
الإنفاق أو الصدقة في سبيل الله تعالى فرض أساسي في الإسلام على كل إنسان، سواء كان ميسور الحال أو غنياً، ويكون ذلك ضمن قواعد الصدقات التي وردت في الآيات السابقة، وعلى الغني المقتدر أن ينفق ويتكفل بأقاربه الفقراء، لما جاء في قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) النور).
يُذكّرنا الله تعالى أننا في يوم أجلنا، أي يوم موتنا، سوف نندم إذا كنا من غير المنفقين أو قليلي التصدق، يقول تعالى: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُفَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون).
وفي تذكرة أخرى يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة). (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21) الليل). (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) الحديد). (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون).
تحتل آيات الإنفاق والصدقات وقواعدها حيزاً كبيراً من القرآن العظيم، وهي فريضة رئيسية في الإسلام، ولكنها عند المسلمين في دياناتهم ومذاهبهم الأرضية لا تحتل إلاّ يوماً واحداً في السنة وللغني فقط، الذي يمر حول كامل على كنزه، وأن يبلغ النصاب وبمقدار 2.5% فقط، وفي دينهم تكثر الإستثناءات والمناورات بحيث يُسقطون الصدقة حتى عن هذا الغني، إذ يتطلب الأمر فقط حديثاً في كتاب البخاري وفتوى شيخ، ورواية عن أحد الخلفاء الذي لم يُزكّي وقياسٍ، وانتهى! أما كتاب الله تعالى العظيم وآياته غير بينة وغير كافية بالنسبة لهم، فهي لا تحدد لهم لون البقرة ووزنها وشكلها وصوتها وحجمها !!
إن الذي يُعرض عن آيات الله تعالى البينات المحكمات، ويتّبع كُتب الإفك والظلام يطمس الله تعالى على قلبه: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) الكهف).
وهاهم في الأردن بعد أن تضخّمت المصيبة وتبيّن لهم العذاب، تنبّهوا لعلاج جزء من أعراض المرض، وليس فهمه والقضاء على مسببه، فلا تجد أحداً منهم في خطب الجمعة يتحدث عن السبب وراء مشكلة الغارمات، فهم لا يرجعون.... إلى كتاب الله الذي ضرب فيه للناس من كل مثل، لأنهم أبوا إلا كفورا، ولذلك أذاقهم الله تعالى العذاب في بعض الذي عملوا من ربا الصدقات.... لعلّهملا يرجعون! يقول رب العالمين: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم).وما زالوا لا يرجعون.......لأنهم مُنشغلون ببطولات عمر بن الخطاب وأبو بكر والشفاعة وفضائل الصلاة على النبي وأهمية غناء سورة الكهف في يوم الجمعة، وفي نهاية الخطبة والصلاة تجدهم واقفين على باب المسجد الخشبي المزخرف، يطلبون الصدقات لبناء مسجد فلان وتغيير ستائر وسجاد مسجد فلان، والفقير ليس له بيت ولا ستائر ولا سجاد ولا سقف يُؤويه، ولا حتى مسجده الذي تبرع لتجديد ستائره وسجاده يحميه من برد الشتاء وحر الصيف، فهم يُغلقونه في وجهه، لأن القانون لا يسمح بإيواء الفقراء في المساجد !!!!
وإذا تذكر الشيخ خطيب المسجد مشكلة الغارمات، تراه ينهال لوماً بالفقراء الذين أخذوا قروضاً ربوية، ويوبخهم ويتّهمهم بأنهم مرابون، ويتناسى هذا الضال المُضلّ أنهم ليسوا هم المرابين، وأنّ المرابين هم ومؤسساتهم الدينية الشركية التي تأكل ربا الصدقات وتأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، وتُحلّ ما حرّم الله تعالى وتُحرّم ما أحله.
أتعجب وأحزن كثيراً من حجم الغفلة في المجتمع العربي والأردني، على الرغم من أن القرآن العظيم بحلوله الإقتصادية والإجتماعية العظيمة موجود بين أيديهم، ذلك الميزان العظيم الذي وضعه الله تعالى لهم، وأستغرب كيف أنه لم يتكلم أحدٌ في الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي عن ربا الصدقات، وتبيين أنها هي السبب في حصول مشكلة الغارمات وزيادة الفقر، ولكن هذه الحسرة التي في قلبي لا تزيدني إلا إيماناً بكتاب الله تعالى وبآياته المعجزة في وصف حال هذه الأمة، التي أذاقها الله تعالى الخزي في الحياة الدنيا وصرف عنها آياته، لأنهم اختاروا أن يغفلوا عنها، يقول العزيز الحكيم: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) الأعراف)
لقد هجروا أحسن الحديث وكذّبوا آياته بالناسخ والمنسوخ واتّبعوا أولياء من دونه، من البخاري ومسلم وفتاوى الإفتراء على الله، فأذاقهم الله تعالى الخزي في الحياة الدنيا، هذا الخزي الذي نعيشه الآن بين الأمم المتقدمة والمتحضرة، التي أحضرت لنا صورة الثقب الأسود الذي يبعد عنا 50 مليون سنة ضوئية، ونحن ما زلنا في أسفل الأمم لا نفقه الكتاب الذي بين أيدينا، ولا نعرف حق الفقير علينا، يقول العزيز الحكيم: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) الزمر)
صدق العلي العظيم .......
حفظك الله تعالى وأكرمك
أهلا بك استاذ موسى .. بحث قيم وممتاز ويضع الفروق بين تمويل المشروعات الصغرى ومتناهية الصغر وبين المشروعات الإستثمارية .. فقروض المشروعات الصغيرة تحتاج إلى توعية المُقترض بدورة تدريبية مُسبقة عن كيفية إدارة مشروعه مهما كان صغيرا ،ومُتابعته بُغية إرشاده عند بداية مشروعه وفى السنة الأولى على الأقل لضمان نجاح وإستمرار مشروعه ، فهذا سيضمن نجاحه وإبتعاده عن وقوعه فى قائمة (الغارمين والغارمات ) وتهديده بالسجن وضمانا لحفظ أموال الجهات والبنوك المانحة.
وهنا يأتي دور الحكومات الممثلة من الشعب في رعاية الفقير والتصدق عليه من خلال فرض الضرائب على الأغنياء والشركات والمقتدرين، وذلك من خلال ضريبة الدخل للشركات والأفراد والتي تكون تصاعدية، من خلال وضع الشرائح الضريبية حسب الدخل، وأتحدث هنا عن الدول المتقدمة اقتصادياً التي تقوم بفرض الضرائب على الدخل وتخفف الضرائب على السلع والتعليم والعلاج والسكن وغيرها من الأشياء الأساسية في الحياة. ثم تقوم من خلال ضريبة الدخل بأخذ المال من الغني وإعطائه للفقير وتوفير العلاج والمسكن والتعليم المجاني له، ثم تقدم له راتباً شهرياً لينفق على نفسه من طعام ولباس، ثم تقوم بتأهيله ببرامج تدريبية، حتى يستطيع الإعتماد على نفسه ليخرج من شريحة الفقراء والمحتاجين ويصبح مُتصدِّقاً بدلاً من مُتَصدَّق عليه، ويخرج الفقير بذلك من شريحة الفقراء بعد تأهيله ويصبح مقتدراً يملك الشروط التي يضعها البنك في الإقتراض، وعندها يتجنب هو وشركات التمويل سواء صغيرة أو كبيرة من الوقوع بربا الصدقات والتعامل بربا التجارة.
وألمانيا خير مثال على ذلك، هذا ما فهمته من خلال حواري مع الأصدقاء الذين يعيشون في ألمانيا، فتبين لي أنّ ما يُسمى في عصرنا بضرائب الدخل income tax هي نفسها الصدقات التي أمر بها الله تعالى في القرآن الكريم عند تلك الدول المتقدمة، التي يحكم فيها الشعب نفسه. ونِسبُ ضرائب الدخل في تلك الدول المتقدمة عالية وتزيد عن 50%. الرابط التالي يبين كيف أن الدول التي يعيش شعبها برفاهية ويقل فيها الفقر بشكلٍ كبيرهي الأكثر صدقة على الفقراء من خلال إقتطاع مبالغ مالية كبيرة من دخولهم السنوية وتسخيرها للفقراء وإخراجهم من شريحة الفقر.
https://tradingeconomics.com/country-list/personal-income-tax-rate
أما الدول الفقيرة والمتخلفة إقتصادياً تفرض ضرائب عالية على العلاج والتعليم والأطعمة، فيدفع الفقير نفس قيمة الضريبة التي يدفعها الغني على البضائع الأساسية في الحياة. وفي نفس الوقت تفرض تلك الدول ضرائب عالية نسبياً على الدخل ولا تُسخَّر تلك الضرائب للفقراء والمحتاجين، وذلك بسبب فسادها وسرقتها أموال الناس، وإذا نظرنا إلى مؤشر الفساد في الرابط التالي:
https://en.wikipedia.org/wiki/Corruption_Perceptions_Index
نكتشف من خلال المقارنة بين قيمة مؤشر الفساد للدولة المتقدمة ونسبة ضريبة الدخل فيها، أن العلاقة عكسية، فكلما زادت ضريبة الدخل (الصدقات الإجبارية) وصَلُح المجتمع (عملوا الصالحات) زاد الله تعالى المجتمعات رفاهية وقل الفقر فيها بشكل كبير، وكلما زادت ضريبة الدخل (الصدقات الإجبارية) وزاد الفساد في المجتمع (أمرنا مترفيها بالإحسان والعدل ففسقوا فيها)، أصبحت العملية طردية وزاد الله تعالى تلك الدول فقراً وعذاباً.
فتقليص الفقر في المجتمع والقضاء عليه لا يبدأ بإقراض الفقير، وإنما أن يخرج الفقير من شريحة الفقر بعد الإنفاق عليه من الصدقات الإجبارية وتأمين حاجاته الأساسية في الحياة ومن ثم تأهيله، فيصبح مقتدراً، أي متوسط الدخل أو ما يسمى الطبقة الوسطى، ويصبح بعدها الإقراض وسيلة لتمكين ذلك المقتدر من أن يستخدم الأموال التي بقيت مع الغني بعد أن خُصمت الصدقات منها في الإستثمار وتوفير رأس المال لأفكاره التجارية الخلاقة.
أيها المحمديون! لماذا لا تستنكرون
مرحباً رمضان ... شهر البخاري والغفران
دعوة للتبرع
معنى اطيعوا الرسول: معنى اطيعو ا الرسو ل ان كلمة الرسو ل هى...
التطرف فاعل أم مفعول: التيا ر المتط رف هل هو فاعل أو مفعول...
الاسلام أم المسلمون: هل العلة بالإس لام أم بالمس لمين؟ فإذا كان...
الوصية لزوجة الأب : نحن اربع بنات ، توفي والدن ا ، بعد دفنه اردنا...
الأغانى وأشياء أخرى: عندي سؤالي ن الاول انى قرأت لحضرت ك كتاب حد...
more
بحث رائع .
أرجو الاستمرار فى مقالاتك البحثية .
وجزاك الله جل وعلا خيرا.