ما نشرته وما لم تنشره جريدة الأهرام . ف 1 من كتاب : (جهادنا ضد الوهابية )

آحمد صبحي منصور Ýí 2019-02-08


ما نشرته وما لم تنشره جريدة الأهرام . ف 1 من كتاب : (جهادنا ضد الوهابية )

مقدمة

من الشخصيات التى أعتز بمعرفتها الاستاذ الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسى  والمفكر والأديب المصرى . أفسح لى المجال فى النشر فى دورية فكرية ينشرها على نفقته تعنى بالطب والأدب والفكر ، وهى ( الانسان والتطور) . نشرت فيها ما لم تجرؤ صحيفة مصرية على نشره. ولكن توزيع دورية ( الانسان والتطور ) كان ضئيلا ومحدودا بين المثقفين واليساريين ، ولكن عن طريقه نشرت لى الأهرام مقالا ولم تنشر مقالين آخرين .

المزيد مثل هذا المقال :

 

المقال الذى نشرته الأهرام بتاريخ 15/2/1998

العنوان ( كارين آرمسترونج تدافع عن النبي محمد )

1 ـ  يبدو أن حربا باردة ضد الإسلام توشك أن تحل محل الحرب الباردة التي كانت ضد الاتحاد السوفيتي ، هذا ما قالته الباحثة كارين آرمسترونج في كتابها عن سيرة النبي محمد عليه السلام والذي قام بترجمته د. فاطمة نصر ود. محمد عناني . وهو كتاب لا يقتصر فقط علي إنصاف نبي الإسلام ، بل ربما يزداد  منه المسلم العادي معرفة بالإسلام.

2ـ إن أروع مافي الكتاب هو الفصل الأول . وقد استعرضت فيه تاريخ العداء الغربي للإسلام ورسوله في العصور الوسطي بسبب دوافع سياسية ، حيث رسم الغرب صورة خيالية لمحمد أو " مهاوند" ووضعوا فيه وفي الإسلام كل ما يكرهون ، ثم تمثلت في رواية " آيات شيطانية " لسلمان رشدي كل تلك الملامح البذيئة عن النبي ، وأدت الفتوى بقتل سلمان رشدي إلي استرجاع تلك الصورة القديمة للذهنية الأوربية ، خصوصا بعد تفجر المذابح الإرهابية الأصولية ، وهذا ما دفع كارين آرمسترونج إلي تأليف هذا الكتاب الرائع كي تؤكد كما جاء في نهاية الكتاب حاجة الغرب ليتخلص من أحقاده القديمة وليقترب أكثر من فهم شخصية محمد الذي " كان ذا عبقرية تستعصي علي الإدراك ، وقد أسس دينا وموروثا حضاريا لم يكن السيف دعامته ، ودينا اسمه الإسلام الذي يعني السلام والوفاق".

3 ـ وفي باقي فصول الكتاب التسعة اعتمدت المؤلفة في فهم الإسلام والسيرة النبوية علي القرآن الكريم والمصادر التاريخية القديمة كابن هشام وابن سعد والطبري ، وربطت النصوص القرآنية والتراثية بأحوال الجزيرة العربية ، وعقدت مقارنات بينها وبين التراث المسيحي واليهودي ، وذلك في إطار محاولاتها لتقريب الصورة الإنسانية للنبي محمد من العقل الغربي ، ولتصحيح مفاهيم الغرب . وبرزت شخصية المترجمين(د.فاطمة نصر ، د. محمد عناني) في تصحيح بعض معلومات الكتاب وبعض الأسماء ، وفي إغفال بعض الجمل غير اللائقة التي أوردتها المؤلفة عن تصورات الغرب للنبي محمد. وبهذا المنهج نظرت المؤلفة إلي الإسلام باعتباره دينا محليا مختصا بالعرب والشرق الأوسط ، وقد تأثر بالقيم السائدة في الجزيرة العربية وهذا ما نختلف فيه معها، ولكن ما عدا ذلك كانت موضوعية ومنصفة في كل ما قالت . ونكتفي بالإشارة السريعة إلي بعض ما قالته.

4 ـ فقد أشارت إلي عقلانية الإسلام التي لم ينشأ عنها صراع بين البحث العلمي والمرجعية الدينية بمثل ما حدث في أوربا . كما ساعدت هذه العقلانية علي إقامة تراث علمي بين المسلمين تأثرت به أوربا في  العصور الوسطي برغم كراهيتها للإسلام والمسلمين .

5 ـ وأشادت المؤلفة ببعض الحقائق الإسلامية التي يجهلها الغرب ، مثل حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وعدالة الإسلام الإنسانية والاقتصادية ، ودافعت عن الإسلام والرسول في موضوعات أساء الغرب فهمها مثل تعدد الزوجات للنبي والمسلمين والجهاد والقتال في الإسلام ، كما دافعت عن الإسلام والنبي في بعض الألغام التي وردت في التراث مثل روايات قتل اسري من بني قريظة ، وزواج النبي بزينب بنت جحش ، وشككت في رواية الغرانيق .التي اعتمدت عليها " آيات شيطانية ".

6 ـ بل هناك أكثر من ذلك ، إذ أنها برؤية عقلانية فهمت من القرآن حقائق إسلامية لا تزال غائبة عن أكثرية المسلمين ، مثل أن معني الإسلام هو الاستسلام لله وحده، وأن التوحيد يعني نبذ الأولية المقدسة مع الله والاكتفاء بالله تعالي ربا، حيث كانت الجاهلية تعرف الله ولكن تتخذ معه الأولياء والأرباب. وأشارت إلي أن القرآن هو معجزة النبي الوحيدة، ولذلك قامت بتفسير شق الصدر والغمامة وغيرهما من المعجزات الواردة في التراث بتفسيرات تبريرية مقارنة.

7 ـ وتناثرت بين كتابها عبارات التقدير والتبجيل للنبي محمد ، إذ تعتبره أعظم العباقرة في التاريخ إذ جمع العرب علي عقيدة التوحيد في (23) سنة ، بينما استغرق ذلك من أنبياء بني إسرائيل سبعمائة عام ، وكان مثالا للتآخي والرقة والشفقة ، ولم يكتف بالدعوة وإرساء أمل جديد ، بل جاهد لإقامة مجتمع عادل، وحقق في نهاية حياته ذلك الإعجاز ، إذ قضي علي العنف القبلي والوثنية وجعل العرب مستعدين لبدء مرحلة العالمية.

8 ـ وهناك فارق شاسع يبعث علي الأسى ، بين دفاع كارين آرمسترونج عن النبي والإسلام وبين ما يفعله بعض المسلمين العلمانيين الذين كتبوا عن حكومة قريش ومجتمع يثرب في عصر النبي . ومبعث الأسى أن الروايات التراثية هي نفسها ، ولكن استخدامها هو الذي يتغير حسب الموضوعية أو الهوى ، وتبعا لذلك الاستقطاب السياسي الراهن الذي يجعل العلمانيين والأصوليين السياسيين يتجاذبون الإسلام فيما بينهم في صراع سياسي يضر بالإسلام والمسلمين.

( ملاحظة : الإشارة هنا الى الكاتب اليسارى خليل عبد الكريم وكتابه الذى يطعن فى الاسلام عن قريش ودولتها. وكانت بيننا معارك فكرية نشرتها مجلة القاهرة ، واصدر كتابا خصصه فى الهجوم على شخصى  )

 

ما لم تنشره الآهرام :

مقال : ( هل يمكن أقلمة الحركات السلفية السياسية مع التقاليد الديمقراطية؟)

أولا : لمحة سريعة

1 ـ ليست الإجابة على هذا السؤال رجما بالغيب ،مع أن الإجابة تدخل في  اطار  التكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية . والتكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية يكون سهلا وأقرب للحقيقة عندما تعود للجذور ، أي تفهم المستقبل بالتعمق في فهم  الماضي ، ويصدق هذا كثير عندما تبحث في جذور حركة ماضوية بطبيعتها مثل الحركة السلفية التي تعيد إنتاج الثقافة السلفية الماضية . باختصار في إجابتنا على سؤال إمكانية أقلمة هذه الحركات مع التقاليد الديمقراطية ،نقول أن هذا التأقلم يتوقف على عوامل أساسية وأخرى طارئة ، وتتعلق كلها بالجذور الفكرية والاجتماعية والجغرافية للحركة السلفية المراد بحثها .

2 ـ ولتبسيط الموضوع نقول إن هذه الحركات السلفية حركات دينية ، أي تنتمي إلى نوعية من التدين أو الرؤية الدينية للشعب الذي يعيش في منطقة جغرافية أثرت بدورها على تاريخه وعقليته وثقافته وبالتالي على نوعية التدين التي يختارها ، وهنا تتفاعل الجذور الثقافية والتاريخية والفكرية في اختيار نوعية التدين .نوعية التدين هذه تكون بالتالي دستور الحركة مهما اختلف الزمان . وهذه هي العوامل الأساسية .

إلا أنه قد يحدث غزو فكرى لأيدلوجية دينية في أحد العصور ، ويستطيع هذا الغزو الفكري أن يحدث تغييرا نوعيا في التدين السائد ، وتتأثر بذلك الحركة الدينية ويتحول خطابها إلى طريق آخر مغاير لما استقرت عليه الثقافة الدينية والفكرية لذلك الشعب . وهذه هي العوامل الطارئة. 2 ـ وبعد هذا التقعيد النظري تعالوا بنا إلى الشرح والتمثيل :.

ثانيا: المناطق الصحراوية القاحلة بطبيعتها القاسية هي مناطق تطرف فكرى وسفك للدماء وانتهاك للحقوق.

1 ـ يسرى هذا على منطقة (نجد) التي نبعت منها حركات الردة والفتنة الكبرى والخوارج في القرن الأول الهجري ، ثم حركات الزنج والقرامطة في العصر العباسي ، ثم الفكر الوهابي المتشدد في عصرنا الراهن . كما يسرى هذا على صحراء شمال أفريقيا في الجزائر ، في الصراع المحتدم بين العرب والبربر في القرن الأول بعد الفتوحات الإسلامية ، إلى الصراع القبلي داخل العرب وداخل البربر بين قبائل زناته وقبائل لمتونه وقبائل صنهاجة ، وفى كل الأحوال بين نجد والجزائر وشمال أفريقية يستتر الصراع خلف شعارات دينية .

2 ـ والعلامة عبد الرحمن ابن خلدون أستخلص في مقدمته قوانين هذا الصراع ، حين قرر أن العرب لا يحصل لهم ذلك إلا بدعوة دينية ، وأنهم إذا وصلوا لحكم بلد ما أسرع فيها الخراب . ويتردد وصفه لهم بالعصبية والتوحش مع أنهم دعاة وخلافة وملك إسلامي يراه ابن خلدون أفضل من الملك الطبيعي القائم على التعقل .

3 ـ وما قرره ابن خلدون منذ سبعة قرون يكاد ينطبق على أحوال الحركات السلفية بين نجد (السعودية) والجزائر ، فالتدين هنا يقوم على أساس التطرف والتعصب وسفك الدماء والاستحلال ، وكل ذلك تحت غطاء شرعي ، ولذلك لا نعجب مما يحدث في الصراع الجزائري  بين إرهاب السلطة وإرهاب الحركة السلفية ، هذا يذكرنا بالصراع القبلي في القرون الوسطي بين العرب والبربر . وحتى بعد أن انتشرت الطرق الصوفية هناك منذ القرن السابع الهجري ، إلا أن ثقافة التطرف والعنف الأصيلة في المنطقة حولت التصوف إلى ما يشبه الحركات المسلحة . وفى العصر الحديث ، تم صبغ التعريب في الجزائر بالفقه السلفي الحنبلي الوهابي ، وعليه تمت صياغة العقلية الشبابية الجزائرية في التعليم والأعلام وأصبح من السهل على أبناء هذا الجيل أن يقطع رقاب الأطفال والنساء تقربا لله وتحت اسم الجهاد في سبيله. إن جبهة الإنقاذ حين أوشكت على الوصول إلى الحكم بالانتخابات أعلنت الجزائريين بالاستعداد لتغيير مقبل ، وهذا التطرف المقبل واجهته السلطة العسكرية بتطرف آخر تمثل في إلغاء الانتخابات أولا ، ثم في المذابح الجماعية المتبادلة بين الفريقين ثانيا ..

4 ـ وما يحدث في الجزائر يحدث نظيره في أفغانستان وكان يحدث من قبل أثناء تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية في غفلة من الإنسانية . ومن هنا فإن هذه النوعية من الحركات السلفية الوحشية لا يمكن ترويضها وأقلمتها مع التقاليد الديمقراطية ، بسبب هذه الجذور الفكرية والاجتماعية الأساسية.

ثالثا : المناطق الزراعية الخصبة معتدلة المناخ يكون تدينها معتدلا متسامحا

1 ـ طبيعتها الجغرافية السهلة النهرية المعتدلة تنعكس على ثقافة الإنسان فيها ، إذا يكون أميل إلى الصبر والتسامح والمسالمة والاعتراف بالآخر ، وبالتالي فان نوعية التدين لديه ترتكز على هذه القيم .

2 ـ  ومصر هي النموذج الكلاسيكي لذلك التدين ، وحين كانت العصور الوسطي هي عصور التطرف الديني والحروب الدينية والتعصب الديني ومحاكم التفتيش فان حركات التعصب الديني كانت مجرد جمل اعتراضية في التاريخ المصري ، وبعد هذه الأحداث الاعتراضية ـ التي كانت تأتى من حاكم أجنبي أو فقيه مغربي – يعود التاريخ المصري إلى طبيعته في التسامح ، ولذلك فان المقريزى في "الخطط " يحكى تعجب ابن خلدون حين أتى إلى مصر من المغرب ورأى كيف أن العابد فى مصر مشغول بعبادته والماجن العربيد مشغول بمجونه ، لا ينكر هذا على ذلك ، وذلك مخالف لبيئته المغربية ..ولكنها مصر!!!

3 ـ ولذلك كان التصوف هو نوعية التدين السائدة في مصر ، والتصوف يقوم أساسا على التفرق والاختلاف. يقول رويم الصوفي كما جاء في ترجمته في الرسالة القشيرية : ( الصوفية بخير ما اختلفوا ، فان اتفقوا فلا خير فيهم ) ، ويقول الصوفية المصريين : ( كل شيخ وله طريقة ) وقد أصبح هذا القول مثلا شعبيا. والمستفاد من هذا انه اعتراف كامل بحرية الاختلاف وحق الأخر في الاختلاف ، لذلك تكاثرت الطرق الصوفية وتشعبت في جو من الحرية الدينية والاجتماعية ، يتفق مع الطبيعة المصرية ، وكان ذلك واضحا طيلة العصور الوسطي إلى مطلع العصر الراهن ، وسنذكر السبب فيما بعد .

4 ـ ولكن المثال الواضح هو تركيا ، وحزب الرفاه واربكان.

فالثقافة التركية الدينية تقوم أساسا على التصوف ، والحركة الدينية التركية حين واجهت العلمانية الأتاتوركية واجهتها بالاعتدال ووضعت نفسها في إطار ديمقراطي رغم أن العلمانية التركية علمانية متطرفة لا تختلف عن العلمانية الجزائرية كثيرا، إلا أن الثقافة التركية الصوفية قامت بتلطيف جو الصراع السياسي على الجانبين العلماني والديني ، ومن هنا اختلف اربكان في تركيا عن الطالبان في أفغانستان نظرا لاختلاف الجذور الفكرية و الاجتماعية بين تركيا وأفغانستان .

رابعا : غزو التدين المتشدد لبلاد زراعية متسامحة معتدلة ( مصر نموذجا )

1 ــ جاءها وافد سلفي من السعودية عبر الإخوان المسلمين ، فالإخوان ثقافتهم الدينية وهابية تبيح حمل السلاح وتستحل الدماء والأموال. وخلال عشرين عاما "1928-1948" أقام حسن البنا خمسين ألف شعبة للإخوان ، وبهم استطاع أن ينشر دعوته السلفية السياسية وان يجعل لحركته موضعا هاما بين الشارع السياسي والشارع الشعبي داخل مصر وخارجها ، ثم تحالف الإخوان مع الضباط الأحرار وقامت الثورة ، ثم اختلفوا مع عبد الناصر وهاجر أعمدة الإخوان إلى السعودية موطنهم الفكري .

2 ـ حارب عبد الناصر الإخوان أمنيا وسياسيا ولكنه لم يواجههم فكريا ، فظل الفكر السلفي فى الأزهر والمساجد والأوقاف مسيطرا على عقلية الناس دون مراجعة أو إنتقاد ، حتى إذا جاء السادات وجد الأرضية ممهدة له لكي تتقبل ليس فقط الفكر السلفي بل أيضا الفكر الوهابى ، بل وجعله  ممثلا وحيدا للاسلام والرسول عليه السلام ، ومن ينتقده يكون مرتدا عن الاسلام. 3 ـ وهكذا تحول التدين المصري من التسامح إلى التعصب ، ومن المسالمة إلى العنف والإرهاب ، ومن الاعتدال إلى التطرف والغلو ، وهذه هي سمات الحركة السلفية السياسية .

خامسا : هل يمكن للحركة السلفية في مصر أن تتأقلم مع التقاليد الديمقراطية ؟

1 ـ الإجابة : بالنسبة لجيل الشيوخ " فوق الخمسين عاما"  مستحيل التأقلم...

2 ـ بالنسبة لأجيال الشباب فانه ممكن بشروط : الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي وقبل ذلك الإصلاح الديني ، بفتح الطريق أمام الاجتهاد الديني وكسر الاحتكار السلفي للفكر الديني والتعليم الديني والمساجد .

3 ـ إن الحركة الوهابية في مصر ليست أصيلة فكريا في التربة المصرية لأنها تنتمي إلى فكر سلفي وافد من الصحراء ، أي إن التربة المصرية والطبيعة المصرية ليست معها في وفاق،  ثم أنها ليست في وفاق مع الحاضر والمستقبل لأنها حركة ماضوية تدعو للخلف بينما يتقدم العالم إلى الأمام ، وتعجز عن تقديم حلول ورؤية إسلامية مستنيرة ، ولا تعرف الاجتهاد ، وتعادى المجتهدين ، لذلك فانه لا مكان لها في الحاضر أو في المستقبل إذا وجدت من يواجهها بفكر مستنير وإصلاح حقيقي .

4 ـ ثم إن هذه الحركة السلفية السياسية ، ليست فاعلا أصيلا وإنما هي رد فعل للاستبداد والفساد ، بدأ ذلك بحركة الاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي بعد الحرب العالمية الأولى ، وظهر هذا الاحتجاج دينيا لدى الإخوان وقوميا عنصريا لدى مصر الفتاة ،وثقافيا لدى الشيوعيين ، ثم حمل الضباط الأحرار قائمة الاحتجاج كلها وفجروا الثورة وبعد تحقيق العدل الاجتماعي نما الاستبداد السياسي للثوار مع الهزائم والنكسات ، ثم جاء الانفتاح بالظلم الاجتماعي قرينا للفساد السياسي والاقتصادي فكان من الطبيعي أن يمتد السخط ويتجلى في نمو الحركة السلفية الوهابية السياسية باعتبارها رد فعل ، فإذا تم الإصلاح انتهى التطرف وعندها يعود الاعتدال ويمكن تسكين الحركة السلفية " المعتدلة " فى الديمقراطية بشرط أن تكون هناك ديمقراطية فعلية.

5 ـ واقع الأمر أن الفكر الوهابى يحتاج الى سُلطة سياسية تحمله على عاتقها وتقيه شرّ النقاش والانتقاد . إذا تركته الدولة دون حماية سقط وعجز عن المواجهة الفكرية. وهنا يظل مطلبنا بفتح أبواب الحرية الدينية والحرية الفكرية بدون تدخل من الدولة.                                                    

 

مقال : ( الأقليات الإسلامية في الغرب قنبلة موقوتة متى ستنفجر ؟)

مقدمة :

هذا المقال كتبته عام 1997 قبل الصدام بين بن لادن وأمريكا ،وحذرت مقدما من هذا . أنشره هنا الآن لأول مرة . والمقال يعبّر عن اسلوبى فى الكتابة وقتها والمختلف عنه الآن .كنت اقول ( الفقه الاسلامى والعالم الاسلامى ، الجاليات الاسلامية ..الخ ) ، وهو ما نبذته أخيرا ، وصرت من سنوات مضت أستعمل مصطلحات ( المحمديين ) ( الأديان الأرضية ) .

3 ـ أنقل المقال كما هو :

مقدمة :

 1 ــ كاتب هذا المقال مسلم أصولي إصلاحي ، فليس قصده هنا إثارة الغرب  ضد أخوته في الإسلام فى أوروبا وأمريكا ، وإنما يدعو الكاتب  ــ في إطار منهجه الإصلاحي  ــ إلى مناقشة هذه القضية قبل أن تتحول إلى أزمة مستعصية على الحل .

2 ــ إن التطرف الديني أصبح ظاهرة سياسية مؤثرة بالسلب على استقرار الدول في العالم الإسلامي ، وسيصبح له نفس التأثير أو أكثر سياسيا واجتماعيا و ثقافيا في محيط الجاليات الإسلامية ومجتمعات الغرب في القريب العاجل . وقد واجه كاتب هذه السطور التيار المتطرف في مصر بخطاب قرآني فكرى من داخل الإسلام نفسه وكوفىء على هذا بالمزيد من الاضطهاد والقليل من النجاح ، إذ بدأ البعض يستمع إليه بعد طول استنكار خصوصا وقد حدث بالفعل ما حذر منه المؤلف  منذ عشرين عاما  .. فهل سينتظر الغرب هو الأخر عشرين عاما حتى ينتبه لتحذير المؤلف في هذا المقال ؟

3 ــ نبدأ أولا بتشخيص وتوصيف المشكلة، ثم وضع العلاج :

أولا : المشكلة:  طبيعة الجاليات الإسلامية فى الغرب

1 ـ المشكلة هي طبيعة الأقليات أو الجاليات الإسلامية المهاجرة إلى الغرب:   

الحديث هنا عن المهاجرين العرب والمسلمين المقيمين في الغرب بثقافتهم الأصولية التي أصبحت هي الرابطة التي تحافظ على كيانهم وتعوضهم عن الشعور بالإحباط والاضطهاد والغربة  والعزلة والدونية والنقص . بمعنى آخر فإن الثقافة الأصولية السائدة هناك تقوم بدور نفسي وأجتماعى يتوافق مع مشاعر مسلمي المهجر في الغرب ، ونفس الثقافة الأصولية تقوم بدور نفسي وأجتماعى لدى الطبقات الفقيرة والطموحة في بلاد العالم الإسلامي، وتضيف للدور النفسي والاجتماعي نشاطا سياسيا تقوم به داخل بلادها  ، وسيأتي الوقت الذي يتحول فيه دور الثقافة الأصولية إلى النشاط السياسي للجاليات الإسلامية  في الغرب وتسير الأصوليات الإسلامية في الغرب نفس مسيرتها الراهنة في بلاد المسلمين ، بل ستكون لها حرية أكبر في الحركة والتأثير متمتعة بالحرية الغربية وتقدمها التكنولوجي وخصوصا ولها خبرة في الحركة داخل الغرب خلال تآمرها ضد بلدها الأصلي..

2 ــ وقد يبدو هذا الكلام الدبلوماسي هينا إذا تركناه هكذا بلا تفسير، أما تفسيره فهو خطير .. فالمقصود بالثقافة الأصولية السائدة هنا وهناك هي التطرف . والمقصود بنشاطها هو الإرهاب وسفك الدماء بناء على ما  يتيحه التطرف من تكفير للآخر ويعتبر قتله جهادا في سبيل الله يستحق دخول الجنة. والمثل الدموي هو ما يفعله المتطرفون مع أبناء وطنهم المسلمين في الجزائر  وما يفعلونه مع المصريين والسياح في مصر .هذا هو النشاط السياسي الذي يعتبرونه جهادا، ووحدة الفكر الأصولي السائدة هنا وهناك تحتم وحدة الفعل والتصرف هنا وهناك .. وبالتالي  فإن ما يفعله المتطرفون هنا فى بلادهم سيفعلونه هناك في بلاد المهجر ، بل أن الدوافع لديهم هناك أكثر حدة فى الغرب..

ثانيا : بين الجاليات المسلمة والجاليات غير المسلمة فى الغرب  

1 ــ إن الهجرات العربية والإسلامية إلى الغرب ليست هي الوحيدة ، فهناك جاليات آسيوية وأفريقية غير إسلامية فى أوروبا وأمريكا . ولكن التطرف الديني – أو الثقافة الأصولية السائدة ـ هي التي تهدد بتحول الأقليات الإسلامية إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى بلاد الغرب ، ويستغل التطرف الديني عيوب ومزايا المجتمع  الغربي ومشاعر الجاليات  الوافدة إليه  في تحويل العلاقات بين تلك  الجاليات ومجتمعاتها العربية إلى درجة الاحتقان  الغاضب التي ينتظر الفرصة المواتية للانفجار .

2 ــ إن من عيوب المجتمع الغربي من وجهة نظر المهاجرين تتركز في الاستعلاء والتعصب واضطهاد المهاجرين . وتحول هذا الاضطهاد إلى سياسات حزبية يتبناها العنصريون الأوربيون فى ألمانيا وفرنسا وأمريكا في مواجهة الأجناس الأخرى من المهاجرين. وبالتالي يؤدى هذا  العيب إلى عدم اندماج الأقليات الإسلامية  وغير الإسلامية  في الثقافة الغربية ، ويعجز المهاجرون الفقراء بالذات عن ملاحقة  التطور  الغربي  المتزايد ، فيقومون بتعويض  ذلك كله بالتكتل والعزلة  والتمسك بالتراث وأمجاد الماضي . أي يقومون بهجرة نفسية إلى الماضي بعد هجرتهم المكانية إلى الغرب .

3 ــ ومن مزايا المجتمع الغربي حرية الرأي والفكر والعقيدة واحترام حقوق الإنسان  وحريته في حركته الاقتصادية والسياسية ، واحترام القوة  . كما من مميزات الغرب أنه دخل بالعالم إلى عصر العولمة  وثورة الاتصالات . وفنون المخترعات التي يسهل تحويلها إلى أدوات تخدم الإرهاب . ومن الطبيعي أن يستفيد التطرف من هذه المزايا في صراعه مع نظم الحكم فى بلاده – كما يحدث الآن من تنظيمات الإرهاب وتآمرها على مصر ــ  فهل من المستبعد أن يستفيد التطرف من نفس الإمكانيات التي ستتطور أكثر وأكثر في المستقبل حين تصل العلاقات بين المتطرفين المهاجرين ومجتمعات الغرب إلى نقطة الصدام.

 4 ــ إننا هنا لا نتحدث عن أشخاص وتنظيمات أو جماعات . ولكن نتحدث عن فكر سائد ومؤثر ويقتنع به المسلمون على أنه الإسلام الصحيح . وهذا ما تنفرد به الجاليات الإسلامية في الغرب عن بقية الجاليات الآسيوية والأفريقية غير الإسلامية .وعليه فأنه إذا كانت عيوب المجتمع الغربي ومزاياه تدفع الجاليات غير الإسلامية فى الغرب إلى التفوق واثبات الذات اقتصاديا وعلميا داخل الغرب وإنعاش بلادها الأصلية، فأن نفس العيوب والمزايا للمجتمع الغربى تدفع الجاليات الإسلامية إلى كراهية الغرب بنفس ما يكره المتطرفون بلادهم الأصلية ويتآمرون على أمنها واستقرارها .. والسبب وراء ذلك كله يكمن في التطرف أو ما نسميه الفكر الديني السائد أو الثقافة الأصولية السائدة .

وهنا ندخل على طبيعة الثقافة  الأصولية السائدة .

ثالثا : طبيعة التطرف الديني المؤثر على الجاليات الإسلامية في الغرب .

1 ــ إن التطرف الديني هو ثقافة العصور الوسطي التي سادت في العالم الإسلامي والعالم  الغربي المسيحي . ومعالم هذه الثقافة هي الاستبداد الديني والسياسي والحكم الإلهي المقدس والدولة الدينية وتحكم الكهنوت ورجال الدين ، وانتشار التعصب الديني والمحاكمات الدينية والحروب الدينية على مستوى التعامل بين أوروبا والمسلمين ، وأيضا على مستوى التعامل في الداخل بين المذاهب الدينية المختلفة في أطار الدين الواحد مثل السنة والشيعة في بلاد المسلمين ، والكاثوليك والبروتستانت  في أوروبا .

2 ــ وقد نزل القرآن الكريم بثقافة مخالفة، إلا أن إقامة المسلمين لإمبراطورية فاتحة جعل مصالحهم السياسية تتصالح مع ثقافة العصور الوسطي خصوصا أثناء صراعهم الحربي مع البيزنطيين ثم الصليبيين. وكان لا بد من إضفاء مشروعية دينية مصنوعة على ثقافة العصور الوسطي التي يتبعها المسلمون ، لذا تجاهلوا تشريعات القرآن عن طريق التفسير المذهبي والادعاء بأن الآيات منسوخ أو ملغى حكمها ، واخترعوا أحاديث نسبوها للنبي ( عند السنة) أو نسبوها للنبي وأقاربه ( عند الشيعة)، وحملت هذه الأحاديث المقدسة معالم التعصب السائد وجعلتها الدين السائد في دنيا الواقع . وعلى هذه المرجعية الدينية المصنوعة قام الفقه ( الإسلامي ) بصنع تشريعات  التعامل مع المسلم الذي يخالف المذهب السائد ، وهو القتل بتهمة الردة والزندقة ، والتعامل  مع غير المسلم من النصارى داخل الدولة الإسلامية وهو انه مواطن من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال ويكون رهينة إذا دخلت الدولة الإسلامية في حرب مع دولة مسيحية في أسوأ  الأحوال . أما التعامل مع أوروبا فيدخل تحت مصطلح واحد هو أنها " دار الحرب " أو البلاد التي بيننا وبينها حرب مستمرة أو بلاد الكفر أي البلاد التي ترعى الكفر وتحميه ..

3 ــ ومن الطبيعي أن هذه الثقافة قد أكدها وأججها ذلك الصراع الملتهب بين المسلمين والأوروبيين منذ الفتوحات فيما بين أسيا الصغرى إلى أسبانيا، ثم حركات الاسترداد الأوروبي ، ثم الحروب الصليبية  ، وخلال هذا الصراع الذي أستمر سبعة قرون أصبحت الكراهية متبادلة على الجانبين  فكريا وثقافيا وشعبيا وعمليا . ثم انشغلت أوروبا بمواجهة العثمانيين الذين هددوها من الشرق. وبذلك ارتبطت النهضة الأوروبية بالكراهية المشتعلة ضد المسلمين من الأتراك والمماليك ، وحيث يسيطر المسلمون على التجارة الشرقية . وتخلصت أوروبا من سيطرة الكنيسة والاستبداد السياسي ، ولكنها لم تتخلص من كراهيتها للمسلمين وصراعها معهم ، لذلك كان من أهم دوافع الكشوف الجغرافية هو ذلك الصراع مع المسلمين ، وبعد اكتشاف  العالم الجديد واستعماره  عادت أوروبا أكثر قوة  لتستعمر بلاد المسلمين خصوصا في الشرق الأوسط والأدنى .

 4 ـ ومن هنا بدأت صحوة المسلمين من منطق المواجهة مع الغرب ، وسارت في طريقين :  4 / 1 ـ طريق الأخذ عن الغرب علمانيته وعلومه التجريبية، وهذا ما سارت فيه مصر تحت قيادة الوالى ( محمد على ) الذي تصارع مع أوروبا ومع النظام القديم داخل الدولة العثمانية ، وتأكد هذا الطريق في عصر الخديوي إسماعيل .

4 / 2 ـ ثم الطريق الآخر وهو إقامة الدولة الدينية على أسس سنية في مواجهة التدين الصوفي، وهذا هو المذهب الوهابي الذي أقام الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة .

5 ــ وأتيح للمذهب الوهابي السلفي أن يتأكد وينتعش وينتشر في مصر بسبب عدة عوامل ، منها : نجاح عبد العزيز آل سعود  فى توطيد دولته  بعد الاستيلاء على الحجاز سنة 1926 ، والكراهية المطلقة للغرب الاستعماري،خصوصا بعد سقوط الخلافة العثمانية  سنة 1924 . ومن هنا قام تنظيم الأخوان المسلمين سنه 1928 برعاية السعودية ، وسرعان ما أنشأ الأخوان خمسين ألف شعبة لهم داخل العمران المصري خلال عشرين عاما فقط (1928- 1948)،  وانتشرت تنظيماتهم داخل العالم الإسلامي  تحمل الفكر السلفي  المتشدد والمتطرف ، وقد أسهموا في قيام ثورة يوليو  1952 ثم انقلبوا عليها وهاجر زعماؤها إلى السعودية ، ثم عادوا إلى مصر في عهد السادات  ، وسيطروا على  عصره ثقافيا ودينيا وسياسيا  خصوصا مع الانفتاح  والحقبة النفطية  السعودية وزخم الثورة الإيرانية ، والتعنت الإسرائيلي  وقد قتلوا السادات  وفشلوا في الاستيلاء على الحكم في مصر،ولا يزالون يطمحون في ذلك حتى الآن .

6 ــ وفى أتون هذا السعي للوصول للحكم فإن ذلك التيار الديني السياسي يمكن توصيفه بأنه حركة سياسية تطمح للوصول للحكم عن طريق تكفير الأنظمة الحاكمة  بل وشعوبها  أحيانا ، ولكن ليس لديها أطار فكرى يجتهد  فى استخلاص رؤية أسلامية  تتوافق  مع العصر الراهن، لأن ذلك  الاجتهاد يستدعى تفرغا بحثيا  وموضوعية  منزهة عن الغرض والهوى المذهبي والسياسي ، كما أن ذلك الاجتهاد يوقعهم  في التفرق والاختلاف وتكفير بعضهم بعضا  ، لأن  الاجتهاد معنى مناقشة الثوابت الدينية التي توارثوها عن العصور الوسطي عبر أحاديث  منسوبة كذبا للنبي عبر التفسيرات وفتاوى مقدسة لا يجوز مناقشتها والمساس بها . ومن هنا فالأفضل لهم هو الاكتفاء برفع شعارات مثل ( الإسلام هو الحل ) و " تطبيق الشريعة " وتكفير الغرب المسيحي العلماني الملحد ، ثم يكون الأسلم لهم هو الاعتماد على ثقافة  السلف للعصور الوسطي لأنها تعطيهم فتاوى جاهزة وصالحة  لحركتهم الاحتجاجية  في الداخل  ضد الأنظمة الشرعية وفى الخارج ضد الغرب الصليبي ، ويكون من السهل  تكفير الآخر  المختلف عنهم  مذهبيا في الداخل أو المختلف  عنهم دينيا فى الخارج ، ويتبع التكفير استحلال  الدماء والأموال والأعراض ، ويصبح  ذلك مفهوم الجهاد ، وهذا ما  يمارسونه في داخل العالم الإسلامي ، وما سيمارسونه في الغرب في المستقبل القريب ..

رابعا : مسئولية الغرب.

1 ـ هذه هي ثقافة العصور الوسطي التي اتاحت لها الظروف السياسية الانتشار خلال القرن العشرين بعد فشل الأنظمة الوطنية العلمانية في تحقيق التنمية الاقتصادية والأحلام القومية . والغرب يتحمل مسئوليته فى نشر هذه الثقافة وتعميقها عن طريق الاستعمار والتدخل الخارجي وإنشاء إسرائيل . وهذا الضغط الغربي على المسلمين أوهن وأضعف  اليقظة التحريرية  سواء كانت قومية أو علمانية. وجعل الأختيار السلفي المتطرف هو الأكثر شيوعا والأكثر أنصارا .

2ــ ومن هنا أستضاف الغرب رموز هذا التيار، وأتاح لهم سهولة الحركة والتآمر ضد أوطانهم . وسيكتشف الغرب في النهاية انه يزرع ألغاما داخل جسده، وأنها ستنفجر إذا لم يقم بمراجعة حقيقية لسياساته وأولوياته بعد أن أصبحت الجاليات الإسلامية أخطر على الغرب منها على بلادها الأصلية .

خامسا : دور ما يسمى بالمراكز الإسلامية في نشر التطرف

1 ـ الفقهاء في العصور  الوسطي لم يبحثوا  كيفية التعامل مع الغرب إلا من خلال انه " دار  الحرب " ،أو"  دار الكفر"  أي انه العدو الذي لا نتعامل معه إلا بالحرب وبالحرب فقط . وذلك ما يعتنقه المتطرفون سواء كانوا داخل البلاد الإسلامية أو داخل الغرب . وليس لدى المتطرفين الدافع أو المقدرة على  الاجتهاد المستنير  لتلك الحالة الخاصة والجديدة، والتي أسفرت عن قيام جاليات إسلامية داخل الغرب الكافر وكيفية التعامل  بين هذه الجاليات  والمجتمع الغربي " الكافر ".   

2 ـ  لذا سيظل  التعامل مع الغرب ساريا على انه " دار الحرب " ، " ودار الكفر " وانه " العدو الذي ينبغي حربه" . وهذا ما تؤكده عشرات المراكز الإسلامية  التي أنشأتها أموال النفط  لنشر ثقافة  التطرف على انه الإسلام . وتلك المراكز ليست مجرد معاهد فكرية تنشر التطرف على انه صحيح الإسلام  ، بل هي مراكز اجتماعية  وأندية ثقافية  يلوذ بها المهاجرين  ويجدون  فيها حمايتهم  وذواتهم وشفاءهم وحائطهم  للمبكى وحنينهم للماضي وآمالهم  في المستقبل . وعن طريق هذه المراكز تتم صياغة عقلية المهاجرين وأبنائهم ، بحيث تجد العجب ، فبدلا من الانبهار  بالغرب وتقدمه  وصيانته لحرية الفكر  وحقوق الإنسان ، وبدلا من الامتنان والشكر للغرب الذي أتاح لهم ما لم يجدوه  في بلادهم من المأوى والعمل والتطور الاقتصادي والاجتماعي وحرية الفكر والعقيدة ، بدلا من ذلك كله نجد الشائع  لدى الأغلبية هو مشاعر الكراهية للغرب وتكفيره بحيث لا تحتاج هذه الكراهية إلا  لفترة قصيرة  حتى تعبر عن نفسها في حركات  انتقامية  عند أي تحرش أو اضطهاد . فذلك ما تؤكده لديهم ثقافة التطرف التي تنشرها المراكز السلفية التي تحمل  اسم المراكز الإسلامية  ، ويسيطر عليها  المتطرفون ، وتستعين بعلماء لا يعرفون غير ثقافة السلف في العصور الوسطي، وبالتالي فإن تلك الثقافة المتطرفة السلفية تجد أرضا خصبة لدى من يتلقاها من أبناء  الجاليات بما يحملونه من ذكريات اضطهاد في بلادهم ، وما يستجد في حياتهم من ذكريات اضطهاد أخرى في حاضرهم وموطنهم الجديد وما قد يعانيه بعضهم من عناء وأحباطات في ديار الغربة وما يصاحبهم من عجز عن التكيف والتواصل مع المجتمع الغريب عنهم ، فلا يجد أحدهم أمامه إلا الانكفاء والعزلة حول تلك المراكز السلفية  وفيها يجد الدواء السام الذي يرتشفه على مهل  ، وهو ثقافة التطرف السلفي.

سادسا : خطورة العامل السكاني :

وهناك عامل خفي ولكنه شديد التأثير فى موضوعنا ، وهو تفاوت مستوى التكاتف السكاني بين المسلمين والغرب  وتأثيره على العلاقات بينهما وامتداد ذلك التأثير إلى الجاليات الإسلامية في الغرب ، وهو موضوع  طويل نعطى لمحة عنه ..

1 ـ  فهناك معادلة تحكم الصراع أو العلاقة بين المسلمين والعرب وبين الغرب الأوربي ، موجزها التفاوت بين عدد السكان لدى الجانبين وتأثيره على العلاقات بينهما ، فإذا تكاثف عدد السكان عند العرب والمسلمين يكون هناك في نفس الوقت انخفاض فى السكان لدى الأوروبيين، وإذا تكاثف عدد سكان أوروبا يكون هناك فى نفس الوقت انخفاض لدى السكان  العرب والمسلمين .

2 ـ ويتأثر مجرى الصراع  بين الجانبين بهذا التفاوت ، فعندما يتكاثف السكان لدى جانب فانه يميل على الجانب الآخر الأقل سكانا بالحرب إذا كان قويا أو بالهجرة إذا كان ضعيفا . ومن هنا  نفهم ارتباط الفتوحات الإسلامية بالتكاثف السكاني لدى العرب في الوقت الذي كانت تعانى فيه أوربا من انكماش عدد السكان ، ثم جاء حين من الدهر تراجع فيه عدد السكان المسلمون  فى الوقت الذي تكاثف فيه السكان  الأوربيون، وفيها حدثت حركات الاستعمار والامتداد الأوربي في العالم . والآن دخل الغرب في دور التناقص السريع سكانيا ودخل المسلمون فى طور التكاثف السكاني . ولأن المسلمين هم الأضعف فلم يعد أمامهم إلا الهجرة والاحتلال السلمي لبلاد الغرب تحت لافتة دينية هي لافتة الفتوحات التي حدثت في القرن السابع الميلادي  . وتقوم بهذا الفتح السلمي طلائع تعدها مراكز دينية أيدلوجية تنشر الكراهية والتعصب باسم الإسلام ، وذلك امتداد للصراع المتبادل منذ القرون الوسطي وثقافتها..

3 ـ وتلك الثقافة المتعصبة تخالف ثقافة القرن العشرين كما تخالف تشريع القرآن  . وهنا يكمن الحل لهذه المشكلة وهو مواجهة التطرف بثقافة إسلامية بديلة تستخلص من القرآن وثقافة السلام وحقوق الإنسان .

أخيرا : الحل:.

1 ـ قلنا ونقول إن التطرف قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، وهى تنفجر عادة فى وجه من يتلاعب بها أو يحاول استغلالها من خارج الأصوليين، وقد حدث هذا مع السادات ، والأمريكان والجبهة الحاكمة فى الجزائر . ومن المنتظر أن تحدث مع السياسة الأوربية والامريكية إذا حاولت استخدام التطرف لمصالح لها إقليمية داخل الشرق الأوسط..

2 ــ وقلنا ونقول إن التطرف قنبلة قابلة للانفجار وهى تنفجر عادة في وجه أولئك الذين يتعاملون معها على أساس أنها حركة أسلامية صحيحة تعبر عن حقيقة الإسلام. وأولئك الذين يعتقدون أن الإسلام في حالة خصومة مع العلمانية . أولئك هم علمانيون لا يقلون تعصبا وأصولية  عن تعصب المتطرفين . وهم في كراهيتهم للإسلام يكونون أكثر سعادة بوجود ذلك التطرف الإرهابي بين المسلمين وينسبونه للإسلام كراهية للإسلام،وحين يفتقدون الموضوعية  والحيادية في البحث وفى الحركة وفى التعامل مع تلك الظاهرة القابلة للانفجار تنفجر في وجوههم. وقد حدث هذا مع سلمان رشدي وغيره من الأدباء والمثقفين..

3 ــ وقلنا ونقول إن التطرف قنبلة قابلة للانفجار . ويستمد قوته الانفجارية من زعمه بأنه يمثل الإسلام . فإذا أزلنا من القنبلة ذلك المفجر أضحى مجرد قطعة من الحديد . أي انه إذا كان يستمد قوته من انتسابه للإسلام فأنه من السهل نزع هذا الفتيل بإثبات زيف هذا الادعاء . لأنه فعلا يناقض الإسلام .

4 ـ وذلك هو الخطاب الذي يتبناه كاتب هذه السطور منذ أكثر من عشرين سنة أصدر فيها حوالي (20) كتابا وحوالي (300) بحث ومقال ولا يملك سوى قلمه، ومع ذلك صمد لأعتى الجهات ، ونجح في تأسيس مجرى لهذا الخطاب القرآني  فى الحياة الفكرية والثقافية . وإذا نجح المؤلف وهو وحيد معدوم الإمكانيات لا يملك إلا حجته وإصراره فكيف إذا تنبي هذا الخطاب مؤسسات علمية وإعلامية ؟ .! وإذا كان عسيرا أن يجد المؤلف هذه المؤسسات داخل بلاد المسلمين وهى التي تسيطر عليها النزعات الأصولية ، فكيف إذا تبنى هذا الخطاب القرآني مؤسسات غربية تؤمن بحقوق الإنسان وحرية البحث والموضوعية في النقد، لتحمى الدين السماوي الذي جاء به  كل الأنبياء والذي ينشر الخير والعدل والسلام والحب والتسامح .. وحقوق الإنسان...؟

5 ــ قلنا ونقول إن مواجهة التطرف لدى المسلمين لا يكون إلا بالخطاب القرآني ومن داخل الإسلام نفسه . وقد آن الأوان أن تتحمل هذه المسئولية مع المؤلف من يهمهم الأمر ــ أمر بلادهم حاضرها ومستقبلها.!!

فقد سأم المؤلف من وقوفه وحيدا يحمل على كاهله هذه القضية بينما ينشغل عنها الضحايا بتوافه الأمور ...ونكتفي بهذا .. فقد تعبنا وأتعبنا  ..)

وبعدُ ..!!!

1 ـ إنتهى المقال الذى كتبناه فى مصر ولم نستطع نشره فى الأهرام وغيرها.

2 ـ وعلى فرض نجاحنا فى نشره فلم يكن سيغير من الأمر شيئا . إذ هاجرنا بعده بخمس سنوات لأمريكا ، بعد عدة أسابيع من 11 سبتمبر ، وفى أمريكا نعمنا بالأمن والحرية . ولكن إكتشفنا أنها حرية الصراخ ، دون أن يهتم بك أحد . والدليل أن ما حذرنا منه من عشرين عاما تحقق ولا يزال يتحقق ، برغم صراخنا فى الهواء الطّلق .

3 ـ عوضنا على الله ..!!

اجمالي القراءات 4044

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,883,160
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي